• اخر تحديث : 2024-05-15 19:58
news-details
تقارير

كيف جعل بايدن من الانسحاب انتصارا؟ وهل أصبح مصيره السياسي بيد طالبان؟


أحداث دولية فارقة شكلت إرث عدد من الرؤساء وحددت مكانتهم في التاريخ الأميركي، فأزمة الرهائن الأميركيين بطهران 1979-1980 هيمنت على إرث الرئيس الديمقراطي السابق جيمي كارتر، وقضت على حظوظ إعادة انتخابه، في حين ارتفعت أسهم الرئيس الجمهوري رونالد ريغان عندما طالب رئيس الاتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشوف بهدم جدار برلين عام 1987.

واليوم، يقف الرئيس جو بايدن على حافة خطيرة بسبب مسار تطورات الأوضاع في أفغانستان والتي انتهت معها أطول حرب أميركية في التاريخ، تلك الحرب التي لا يعرف بايدن ماذا يخبئ له المستقبل بخصوصها حتى بعد استكمال انسحاب وخروج آخر جندي أميركي من هناك في 30 أغسطس/آب الماضي.

إلقاء اللوم على ترامب والأفغان

في 8 يوليو/تموز الماضي أبلغ بايدن الشعب الأميركي أن الانسحاب من أفغانستان "يسير بطريقة آمنة ومنظمة"، وأكد أنه يتحمل المسؤولية كاملة عن قرار سحب القوات، وأشار إلى أنه بسبب الطريقة التي يتم بها إدارة الانسحاب "لم يتم فقدان أي من أفراد القوات الأميركية في أفغانستان".

وهكذا وضع بايدن لنفسه معيارا صعبا ارتبط بتأمين الجنود الأميركيين وعدم وقوع ضحايا بينهم.

وبعدما فجر انتحاري نفسه خارج مطار كابل، وهو ما أسفر عن مقتل العشرات، ومن بينهم 13 من مشاة البحرية الأميركية المارينز قبل أيام من استكمال الانسحاب، تعهد بايدن بملاحقة تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان، وقال "لن نرتاح، ولن ننسى، ولن نسامح، وسوف نلاحقكم في أي مكان على كوكب الأرض".

ورغم إعلان بايدن تحمله المسؤولية فإنه لم يتردد في تحميل مسؤولية توقيت قرار الانسحاب إلى الرئيس السابق دونالد ترامب، كما حمل الجيش والرئيس الأفغانيين مسؤولية فوضى عملية الإجلاء وسوء التخطيط لها.

وقال بايدن إن "اتفاق الإدارة السابقة نص على أنه إذا تمسكنا بالموعد النهائي المتفق عليه وهو يوم 1 مايو فإن طالبان لن تهاجم أي قوات أميركية، لكن إذا بقينا تصبح كل الرهانات متاحة".

وأكد بايدن أن اتفاق ترامب مع طالبان ترك له "قرارا بسيطا"، فإما أن "يتابع الالتزام ومغادرة أفغانستان، أو إرسال عشرات الآلاف من القوات الإضافية واستئناف الحرب بشكل فعال".

وخلص إلى أن الخيار الحقيقي انحصر بين المغادرة أو التصعيد "لم أكن لأمدد هذه الحرب للأبد، ولم أكن لأمدد فترة الخروج إلى الأبد".

واعترف بايدن بأن إدارته افترضت خطأ أن الجيش الأفغاني سيكون قادرا على منع طالبان من السيطرة على البلاد بهذه السرعة، كما ألقى باللوم على الرئيس أشرف غني الذي اتهمه بالهروب وعدم مواجهة الموقف بشجاعة.

وقال الرئيس الأميركي "في أبريل الماضي اتخذت قرارا بإنهاء هذه الحرب، وكجزء من ذلك القرار حددنا يوم 31 أغسطس موعدا لانسحاب القوات الأميركية، وكان الافتراض هو أن أكثر من 300 ألف جندي من قوات الجيش الأفغاني الذي دربناه على مدى العقدين الماضيين وجهزناه سيكونون خصما قويا في حروبهم الأهلية مع طالبان، وهذا الافتراض (أن الحكومة الأفغانية ستكون قادرة على الصمود لفترة ما بدء الانسحاب) تبين أنه غير دقيق".

عملية الإجلاء.. نجاح فريد

اعتبر أغلب المعلقين أن عملية الإجلاء كانت مثالا حيا للفوضى، إلا أن بايدن اعتبرها نجاحا فريدا.

ويرفض بايدن تقديرات أشارت إلى أن تحديد موعد نهائي لاستكمال سحب جميع القوات الأميركية قد ساهم في فوضى عملية الإجلاء الجوي، وأدى لإسالة دماء بعض الأميركيين.

ويتهم الجمهوريون بايدن بأن تحديد موعد مبكر للانسحاب ساهم في انخفاض الروح المعنوية للجيش الأفغاني ودفعه لإلقاء السلاح.

ويكرر بايدن أن سرعة سقوط كابل في يد طالبان ساهمت بصورة كبيرة في صورة الفوضى التي شاهدها العالم في المطار عقب دخول وسيطرة حركة طالبان على العاصمة الأفغانية.

وقال بايدن "أتحمل مسؤولية قرار الإجلاء، والآن، يقول البعض إنه كان ينبغي لنا أن نبدأ عمليات الإجلاء الجماعي في وقت أقرب، وألم يكن من الممكن القيام بذلك؟ هل تم ذلك بطريقة أكثر تنظيما؟ أنا أختلف مع ذلك بكل احترام".

واعتبر بايدن أن عملية الإجلاء تعتبر نجاحا فريدا لا مثيل له، وقال مشيدا "لقد أكملنا واحدة من أكبر عمليات النقل الجوي في التاريخ، حيث تم إجلاء أكثر من 120 ألف شخص إلى أماكن آمنة، وهذا العدد يزيد على ضعف ما اعتقد معظم الخبراء أنه ممكن، ولا توجد دولة أخرى يمكن لها فعل شيء كهذا في التاريخ، وحدها الولايات المتحدة تملك القدرة والإرادة على القيام بذلك، وقد فعلنا ذلك اليوم".

وفي الوقت الذي وجهت فيه الاتهامات لوزارة الخارجية على بطئها في التعامل مع طلبات الآلاف من الأفغان ممن عملوا مع القوات الأميركية، وترتيب كيفية مغادرتهم أفغانستان، أشاد بايدن بهم وقال "إن النجاح الاستثنائي لهذه المهمة كان بسبب المهارة والشجاعة التي لا تصدق لجيش الولايات المتحدة ودبلوماسييها ومهنية أجهزة الاستخبارات".

أميركيون خلف خطوط العدو

لم تنجح إدارة بايدن في الترتيب لإخراج كل الأميركيين الراغبين في مغادرة أفغانستان قبل موعد استكمال الانسحاب في 31 أغسطس/آب الماضي، وترك الجيش الأميركي ما يقارب 200 مواطن أميركي إضافة إلى الآلاف من الأفغان داخل أفغانستان دون معرفة متى أو كيف سيتم إجلاؤهم، وسط مخاوف من مواجهتهم خطر الانتقام من حركة طالبان، وذكر بايدن أن إدارته ستواصل الجهود الدبلوماسية لإخراج الأشخاص الذين يرغبون في مغادرة أفغانستان.

كما دافع بايدن عن قصر فترة الإجلاء التي تضاعفت مع سيطرة طالبان على كابل في 15 أغسطس/آب الماضي، وقال "منذ مارس، تواصلنا كثيرا مع الأميركيين في أفغانستان، وأوضحنا لهم وحذرناهم من مغبة البقاء، وقدمنا عروضا متعددة لمساعدتهم على مغادرة أفغانستان، ومنذ بدأنا عملية الإجلاء قبل 17 يوما أجرينا عمليات توعية وتحليل أولية وحددنا هويات حوالي 5 آلاف أميركي قرروا في وقت سابق البقاء في أفغانستان، ولكنهم يريدون المغادرة الآن".

في حين أشار ترك أميركيين -خلف خطوط العدو- حسب الكثير من معارضي بايدن إلى أزمة ثقة واضحة في أسلوب قيادته كونه يعد بحكم منصبه "القائد الأعلى للقوات المسلحة الأميركية".

وانتقد مسؤولون سابقون في البنتاغون وأعضاء في الكونغرس من الجمهوريين والديمقراطيين بايدن لتركه أميركيين داخل أفغانستان على الرغم من تقديمه وعودا واضحة بأنه "إذا بقي مواطنون أميركيون فسوف نبقى حتى نخرجهم جميعا".

وانتقد السيناتور الجمهوري بن ساسي بشدة هذه الموقف، وقال في بيان صدر أول أمس "لقد اتخذ الرئيس قرارا مخزيا لا يمكن الدفاع عنه أخلاقيا بترك الأميركيين وراء خطوط العدو، اختار الرئيس العار، آمل ألا ينسى التاريخ أبدا هذا الموقف الجبان، لقد أخل الرئيس بوعدنا للمواطنين الأميركيين ولأولئك الذين خدموا بشجاعة إلى جانبنا، في الوقت الذي ترك فيه طالبان تحتفل بانتصارها".

مصير الرئيس في يد طالبان

كما أشار بايدن، فقرار انسحابه من أفغانستان لا يتعلق فقط بأفغانستان، بل بإنهاء حقبة التدخلات العسكرية الأميركية لإعادة تشكيل الدول الأخرى، واعتبر بايدن أنه لا يوجد هدف الآن إلا "التأكد من أن أفغانستان لا يمكن أن تستخدم مرة أخرى لشن هجوم على الولايات المتحدة".

وهكذا ترك بايدن إرثه السياسي في النهاية معتمدا على ما ستقوم به حركة طالبان، وإذا ما كانت ستفي بتعهداتها للأميركيين من عدمه.