المقدمة
شهد أبريل/نيسان 2022 تغييرا في "القيادة المركزية للولايات المتحدة" المعروفة اختصارا باسم "سنتكوم" بتعيين الجنرال "مايكل كوريلا" قائدا لهذه القوات.
وهو التغيير الذي يثير تساؤلات بشأن آثاره الواسعة على هيكل "سنتكوم" وكذلك على نفوذها السياسي في واشنطن.
فهل تصب هذه التغييرات في صالح القوة العسكرية العربية، والمصرية بصورة خاصة؟ أم أنها بداية مرحلة جديدة من هيمنة الكيان الصهيوني على المنطقة؟
سبق هذا التغيير جزئيا قرار أصدرته وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" قبيل أيام من مغادرة الرئيس السابق دونالد ترامب البيت الأبيض.
ونقلت المسؤولية عن التوظيف الإقليمي للجيش الإسرائيلي من "القيادة الأميركية لأوروبا" المعروفة باسم "يوكوم" إلى "سنتكوم".
ما خلفية هذا النقل؟ وهل هو قرار أميركي أم أن مصدره إسرائيل نفسها؟ وما أهداف هكذا قرار بالنسبة لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل؟
ومن جهة ثالثة، تنعكس هذه التغييرات على وضع مصر ودورها في "سنتكوم". فما حدود هذا التغيير ودلالاته؟ وما آثاره السياسية داخليا وخارجيا؟ هذه الورقة تجتهد في تقديم إجابات على هذه الأسئلة.
أولا: إطلالة على تأسيس سنتكوم وأهدافها
هي "القيادة المركزية للولايات المتحدة" أو "United States Central Command" وتعرف اختصارا باسم "USCENTCOM" أو الاختصار الشائع "سنتكوم - CENTCOM".
يأتي اسمها تأسيسا على موقعها المعروف في تاريخ الإستراتيجيا باسم منطقة "قلب العالم" أو (Heart Land)، على حد تعبير عالم الجغرافيا السياسية "هالفورد جون ماكيندر"، ما جعل التسمية الخاصة بتلك القوة مقرونا بمركزية هذه الرقعة الجغرافية بشكل كبير.
هذه القوة واحدة من 11 قيادة مقاتلة تابعة لوزارة الدفاع الأميركية، منها ما هو جغرافي (7 قيادات)؛ هي: القيادة الإفريقية "أفريكوم"، والقيادة الأوروبية "يوكوم"، وقيادة الهندي – الباسيفيكي "إندوباكوم"، وقيادة أميركا الشمالية "نورثكوم" وقيادة أميركا الجنوبية "سوثكوم"، والقيادة الفضائية "سبيسكوم"، بالإضافة إلى "سنتكوم".
كما أن من هذه القيادات ما هو وظيفي (4 قيادات)؛ هي: قيادة الفضاء الإلكتروني "سايبركوم"، وقيادة العمليات الخاصة "سوكوم"، والقيادة الإستراتيجية "ستراتكوم"، وقيادة النقل "ترانسكوم".
لم تدشن قيادة "سنتكوم" مباشرة، بل تطورت عما عرف في تاريخ العسكرية الأميركية باسم "القوة المشتركة للانتشار السريع" أو "Rapid Deployment Joint Task Force"، المعروفة اختصارا باسم "RDJTF"، والتي انحدرت بدورها عن قوة الانتشار السريع "Rapid Deployment Force" المعروفة اختصارا باسم "RDF".
وقد تأسست قوة الانتشار السريع عام 1979، لتتطور على القوة المشتركة في عام 1980، ثم إلى "سنتكوم" في الأول من يناير/كانون الثاني 1983.
وهي واحدة من ثلاث قيادات يقعُ مقرها خارج منطقة عملياتها، وتحديدا في قاعدة "ماكديل الجوية" في مدينة "تامبا" بولاية فلوريدا الأميركية.
مع تأسيس "سنتكوم"، شمل نطاق عملها منطقة تقدر مساحتها بنحو 6.4 ملايين كم مربع، موزعة بين الشرق الأوسط، وآسيا الوسطى وأجزاء من جنوب آسيا.
وكان نطاق عملها في منطقة الشرق الأوسط يشمل كلا من السودان وكينيا وإثيوبيا والصومال وجيبوتي.
غير أنه في 7 فبراير/شباط 2007، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية عن خططها لإنشاء قيادة إفريقية، وهو ما أدى في مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2008؛ إلى استبعاد كل الدول الإفريقية من "سنتكوم" باستثناء مصر.
وحتى 15 يناير 2021، كان نطاق مسؤولية "سنتكوم" يشمل 20 دولة؛ وهي "أفغانستان، البحرين، جيبوتي، مصر، إريتريا، إثيوبيا، الأردن، إيران، العراق، كينيا، الكويت، عمان، باكستان، قطر، السعودية، الصومال، السودان، الإمارات، اليمن، سيشل"، ليتقلص العدد بعد تأسيس "أفريكوم" إلى 12 دولة.
وفي 15 يناير 2021، وقبيل أيام من انتهاء ولاية دونالد ترامب، اتخذت الولايات المتحدة قرارا تنظيميا بنقل إسرائيل من مسؤولية قوة "يوكوم" إلى نطاق عمل "سنتكوم".
وهو القرار الذي دخل حيز التنفيذ عمليا في مطلع سبتمبر/أيلول من نفس العام، ليصير عدد الدول التي يشملها نطاق عمل "سنتكوم" 13 دولة.
وتحدد قوة "سنتكوم" مهمتها في توجيه وتمكين العمليات والأنشطة العسكرية مع الحلفاء والشركاء لزيادة الأمن والاستقرار الإقليميين لدعم المصالح الأميركية الدائمة. كما تحدد "أولوياتها" في موقعها على شبكة الإنترنت على النحو التالي:
1. ردع إيران، ومواجهة الأعمال المزعزعة للاستقرار والتصعيد اللذين ينفذهما النظام الإيراني في المنطقة.
2. تنفيذ القرارات التي نتجت عن عملية التفاوض في الصراع الدائر في أفغانستان، وهي مهمة تكاد تكون انتهت بالانسحاب الأميركي من هذا البلد.
3. ستمرار الحملة العسكرية الهادفة إلى هزيمة تنظيم الدولة في كل من سوريا والعراق.
4. مواجهة أنظمة الطيران غير المحددة (UAS). وترى "سنتكوم" أن التهديد المتزايد الذي تشكله أنظمة الطائرات بدون طيار، إلى جانب افتقار الولايات المتحدة لقدرات شبكية يمكن الاعتماد عليها لمواجهتها هو أكثر التطورات التكتيكية إثارة للقلق في منطقة القيادة المركزية منذ ظهور العبوات الناسفة.
تمامًا مثلما دفع تهديد العبوات الناسفة المجتمعات الصناعية والعلمية الأميركية نحو تطوير حلول مثل المركبة المحمية من الكمائن المقاومة للألغام، فإننا نقترب بسرعة من منعطف يتطلب تعبئة مماثلة لمواجهة تهديد الطائرات بدون طيار.
5. متابعة عمليات تسليح النازحين داخليا واللاجئين. وترى قيادة "سنتكوم" أن التلاعب بهذه الفئة أو احتوائها من قبل الخصم لكسب ميزة سياسية أو عسكرية أو اقتصادية ليس نادرا تاريخيا.
ويقلقها أنه في مساحات شاسعة من سوريا والعراق، يعد التلقين المنهجي لعقيدة النازحين داخليًا ومخيمات اللاجئين الذين هم رهائن لتلقي أيديولوجية تنظيم الدولة تطورا مقلقًا له تداعيات محتملة.
وتعد "سنتكوم" من القوات التي تحمل ارتباطا وثيقا بحقيبة الدفاع خلال الفترة الأخيرة، حيث تولى قيادتها الجنرال "جيمس ماتيس" (القائد الحادي عشر للقوة)، والذي كان أحد وزراء الدفاع في إدارة ترامب.
كما تولى قيادتها كذلك الجنرال "لويد أوستن" (القائد الثاني عشر للقوة)؛ والذي يقود حقيبة الدفاع في إدارة الرئيس جو بايدن.
ثانيا. ضم إسرائيل إلى سنتكوم.. أسبابه وتداعياته
ثمة عوامل عديدة دفعت الولايات المتحدة لتغيير الوضع المضطرب إستراتيجيا – من وجهة نظرها للكيان الصهيوني في المنظومة الإستراتيجية الأميركية.
فرغم أن هذا الكيان يقع ضمن إقليم الشرق الأوسط، وأنه محاط بدول تقعُ ضمن مسؤولية "سنتكوم"؛ فإن الولايات المتحدة عدتها من مسؤولية "القيادة العسكرية الأميركية في أوروبا" المعروفة اختصارا باسم "يوكوم - EUCOM".
ونقلت إدارة ترامب تل أبيب إلى قوة "سنتكوم" في 15 يناير 2021، وهو قرار دخل حيز التنفيذ عمليا في مطلع سبتمبر من نفس العام.
الوضع المضطرب لإسرائيل كان مرده الوجدان القومي العربي والإسلامي تجاهه، والذي ارتبط بشعور كانت تل أبيب تزكيه باستمرار عبر الأعمال العدائية الوحشية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
فضلا عن استمرار احتلاله أراض سورية ومصرية، وإن كانت الإدارات المصرية المتعاقبة قد قبلت ضمنا استيلاء إسرائيل على منطقة "أم الرشراش" المعروفة إسرائيليا باسم "إيلات".
فحتى تاريخ تدشين "سنتكوم"، لم تكن ثمة دولة عربية قد باشرت التطبيع باستثناء مصر التي وقعت اتفاقية "كامب ديفيد" مع إسرائيل في 17 سبتمبر 1978، وذلك بعد زيارة رئيس النظام المصري الأسبق محمد أنور السادات إلى إسرائيل في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 1977.
وتلا ذلك توقيع مصر لاتفاقية السلام مع الاحتلال في 26 مارس/آذار 1979، وصدقت عليها في 25 أبريل من نفس العام.
وفي أعقاب توقيع "اتفاقية كامب ديفيد"، طال الرفض العربي مصر، ما بلغ حد نقل مقر الجامعة العربية إلى تونس لتنعقد أولى جلساتها في المقر التونسي في 20 أكتوبر 1979، وتعيين الدبلوماسي التونسي البارز الشاذلي القليبي أمينا عاما غير مصري للجامعة للمرة الأولى والأخيرة (حتى الآن).
وجاء ذلك بعد قرار القمة العربية التاسعة التي عقدت في العاصمة العراقية بغداد في الثاني من نوفمبر 1978، بتجميد عضوية مصر، ونقل مقر الجامعة.
ثم قرار قمة تونس المنعقدة في 20 نوفمبر 1979 بإدانة قراري النظام المصري بتزويد إسرائيل بمياه النيل، واستمرار إحكام المقاطعة على القاهرة.
هذا الوجدان العربي الملتزم بالحق الفلسطيني كان وراء هذا الوضع المضطرب لإسرائيل في الإستراتيجية الأميركية.
وأعرب الجنرال "نورمان شوارتسكوف"، القائد الثالث لـ"سنتكوم" (تولى مهام منصبه بين 23 نوفمبر 1988 و9 أغسطس/آب 1991)، عن هذا الوضع المضطرب بسبب الوجدان القومي العربي وموقفه من إسرائيل في سيرته الذاتية الصادرة عام 1992، والتي حملت اسم "لا يتطلب الأمر بطلا".
وذكر فيها أن "القيادة الأوروبية أبقت إسرائيل ضمن نطاق مسؤولياتها، وكان هذا أمرا جيدا من وجهة نظري. فكلما كانت إحدى نقاط التوقف في خط سير رحلتي في تل أبيب؛ كنت أواجه صعوبة في إقناع القيادات العربية بإدراك الفوارق الجيوسياسية الدقيقة في المنطقة".
ومؤخرا، كتب الصحافي "جوناثان كوك"، مزدوج الجنسية (بريطاني – إسرائيلي) أن سبب إبعاد الكيان عن "سنتكوم" مرده قناعة أميركية بأن ضم إسرائيل لهذه القوة من شأنه أن يزيد التوتر بين الولايات المتحدة والدول العربية، ويجعل هذه الأخيرة أكثر ترددا في إشراك "البنتاغون" بما لديها من معلومات استخباراتية أو في التعاون معه.
يلفت الكاتب إلى أن إسرائيل كانت تسعى منذ زمن طويل لإجبار "البنتاغون" على إعادة تركيب "سنتكوم"، وقد زادت الضغوط في هذا الاتجاه من قبل جماعات اللوبي المؤيدة لإسرائيل في واشنطن خلال الشهور الأخيرة من إدارة ترامب.
وجاء القرار ليبدو كما لو كان هدية وداع لإسرائيل من الرئيس السابق "ترامب" بينما كان يتهيأ للرحيل.
وتشير دراسة أجرتها "شبكة إدراك للدراسات والاستشارات" إلى أن قرار ضم إسرائيل إلى قيادة المنطقة الوسطى نوقش مرارا خلال السنوات الماضية، ولكن تعذر تطبيقه نتيجة اضطراب العلاقات بين الدول العربية وتل أبيب.
وتحيل الدراسة لتقارير عدة حول ضغوط الجماعات الموالية لإسرائيل في واشنطن، مثل المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي من أجل تمرير هكذا قرار؛ مبررة إياه بالتعاون في الحرب ضد إيران والإرهاب.
كان هذا التخصيص مرتبطا حصرا بالوجدان القومي العربي، ولكن انتهى الأمر مع موجة التطبيع، التي افتتحتها الإمارات بتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل في 13 أغسطس 2020 وانتهت باتفاق السلام الذي أبرمه السودان في 23 أكتوبر من نفس العام.
ومع انتهاء هذه الموجة بدا أن المناخ الإقليمي السياسي يسمح بنقل إسرائيل لقوة "سنتكوم"، بعد أن شمل التطبيع 6 دول عربية (مصر – الأردن – الإمارات – المغرب – السودان - البحرين).
وينظر في هذا الإطار للتطبيع على أنه سياق لتنفيذ القرار وليس تعبيرا عن حزمة دوافع أفضت إليه. فماذا عن الدوافع الموضوعية، لا السياقية، التي أدت لاتخاذ هكذا قرار؟
بداية، ومن وجهة نظر إدارة ترامب، فإن التحكم في المواجهة مع الصين وروسيا تمثل التحدي الأمني القومي الرئيس الذي يواجه الولايات المتحدة.
لذا كان مسؤولون في إدارته يرون أنه من الضروري أن تحول موارد الولايات المتحدة نحو أوروبا وآسيا. وفي هذا الإطار، كان القائد السابق للقيادة المركزية الأميركية، الجنرال "جوزيف فوتيل"، قد صرح في 2019 بأن "القيادة لن تكون المستهلك الرئيس لموارد أمتنا النادرة إلى الأبد.
هذا التصور يقود إلى إدراك مدى التواصل بين إدارتي أوباما وترامب، إذ كان كلاهما يسعى لتقديم إسرائيل لقيادة الإقليم.
وهذا مع اختلاف مفاده رغبة أوباما في بناء توازن في المنطقة، حتى وإن قاده إسلاميو مصر، وتصور ترامب المشاريع لرؤية التفوق الإسرائيلي المطلق.
بطبيعة الحال، لا يمكن تصور انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط بشكل كامل، لكنها تعمل على إعادة توزيع قواتها ومواردها في إطار تصور جديد للحضور العسكري في المنطقة والعالم، تحتاج معه واشنطن إلى وجود إسرائيل.
ومن جهة ثانية، فإن تصور إعادة الانتشار الأميركي وما ارتبط به من اتساع نطاق انتشار استنتاج مفاده انسحاب الولايات المتحدة في المنطقة أدى لتزايد طموح لاعبين إقليميين مثل إيران التي تمددت في اليمن وسوريا، وتركيا التي تمددت في قبرص وسوريا وليبيا، علاوة على بذور الصدام البادية أو الكامنة بين الكيان الصهيوني وكلتا الدولتين.
يضاف لهذا المجال أيضا ملف التطبيع البارد بين مصر وإسرائيل، والذي زاد من برودته موقف الأخيرة من عدة ملفات تهم الأمن القومي بالقاهرة.
ومن بينها ملف العلاقات المصرية – الإثيوبية، وأيضا تسليح الجيش المصري، وملف الحضور العسكري المصري في البحر الأحمر، وكل هذه الملفات تستدعي استحضار إسرائيل في المنطقة؛ من أجل ضبط إيقاع الطموح فيها تحت السقف الأميركي.
وبعيدا عن التطورات في مصر، والتي تحمل طابعا خاصا بالنظر للأزمة التي يمر بها اللاعب المصري على الصعيد الاقتصادي بصورة خاصة، فقد كان التحول في علاقة إسرائيل مع "سنتكوم" أحد أبرز أسباب التغير في الموقف التركي من كل من تل أبيب والقاهرة.
كما أدى لتزايد سرعة المفاوضات النووية مع إيران؛ قبل أن تؤدي متغيرات متعددة لإبطائها بصورة مؤقتة.
وتمنحنا آلية إدارة الولايات المتحدة للحرب الروسية الأوكرانية تصورا لأحد سيناريوهات أي صراع محتمل في المنطقة قد تقوده إسرائيل في مواجهة أي دولة قد تعدها واشنطن أو إسرائيل بمثابة تهديد للنظام الدولي الراهن القائم على المركزية الأميركية.
وفي هذا الصدد، فإن مشاركة العقيدة القتالية بين إسرائيل وبعض الدول العربية تجاه هذه الدولة المارقة سيعفي الولايات المتحدة من كثير من الحرج كونها قوة تقود العالم، حتى وإن كانت هذه القوة قد بدأت في التآكل في الوقت الراهن.
ولعل أبرز نماذج هذه المشاركة في العقيدة القتالية ما تمثل في قمة شرم الشيخ الثلاثية المصرية – الإماراتية – الإسرائيلية التي عقدت في 21 مارس 2022، وتتجه لبلورة موقف إقليمي تجاه إيران، وبخاصة مع الموقف الأميركي المتجه نحو رفع منظمة "الحرس الثوري الإيراني" من قوائم المنظمات الإرهابية.
ومن جهة ثالثة، فإن إسرائيل الراغبة في تطوير "علاقة خاصة" مع الدب الروسي، كان يطمح إلى وضع مسافة واضحة بين وجهته الإستراتيجية تلك وبين الوجهة الإستراتيجية لأوروبا وحلف شمال الأطلسي "ناتو"، ووجهة قوة "يوكوم".
فجميع تلك القوى ترمي إلى منافسة روسيا والضغط عليها، وهو دور لم تكن إسرائيل ترى أنه من أولويات أمنها القومي أو سياسته الخارجية قبل الحرب الروسية على أوكرانيا.
وفي هذا الإطار، ربما تمثل الحرب الروسية على أوكرانيا، وما ارتبط بها من ضغوط أميركية على إسرائيل لتحويل موقف قيادتها من الطرف الروسي نقطة تحول مرحلية في علاقة إسرائيل بروسيا، رغم أن علاقة الطرفين تبدو حيوية لكليهما.
وهو ما يتوقع منه تطور هذه العلاقة إيجابيا بعد انتهاء الحرب خاصة على الصعيد التقني، عبر التعاون في مجال الطائرات من دون طيار، وبرمجيات دعم أنظمة رادارات وأجهزة استشعار تتحكم بالكمبيوترات.
هذا علاوة على أجهزة الطيران التي تنتجها شركتا "Elbit" و" IAI" "الإسرائيليتان، والتي نُصبت على مقاتلات “سوخوي 30 أم كا" المُعدّة للتصدير إلى القوات المسلحة في الهند والجزائر.
ومن جهة رابعة، ثمة تصور بأن تحول تل أبيب إلى "سنتكوم" سيزيد من كثافة عمليات التطبيع العسكري بينه وبين دول المنطقة، وهو مطلب "إسرائيلي" في المقام الأول، وربما قاد إلى قبول إقليمي بقيادة عسكرية إسرائيلية، وخفف الضغوط التي يسببها الملف الفلسطيني على "البيت الأبيض" خاصة بعد القرارات التي اتخذها "ترامب".
كما أن العمليات التي كانت الولايات المتحدة تنفذها سرا أو علنا في العراق ومناطق أخرى من الشرق الأوسط، كانت تتسبب بتوتر بين واشنطن وقطاع من حلفائها العرب؛ وستصبح، بعد نقل إسرائيل إلى "سنتكوم"، من مسؤولية قيادة المنطقة الوسطى، وستدار بشراكة عربية "إسرائيلية"؛ ما سيدفع نحو دائرة تطبيع أعمق.
وفي إطار التعاطي مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس" كمثال، يتشارك حد أدنى من المواقف مع عدد من الدول العربية، أبرزها السعودية والإمارات والأردن والسودان وليبيا.
فعلى أحد المسارات، فإن العلاقة بين السعودية والحركة دخلت في مرحلة فتور ثم قطيعة خلال السنوات الأخيرة، رغم عدم إعلان حظرها بشكل رسمي.
وكانت الرياض قد اعتقلت عددا من قادة "حماس" في مطلع 2019 وأصدرت أحكاما بالسجن ضدهم، ووصف وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير الحركة بالمتطرفة في فبراير 2018.
وفي مسار آخر، تعادي الإمارات الحركة، وتحظر أنشطتها منذ عام 2006، وزادت حدة القطيعة بعد تطبيع أبوظبي علاقاتها مع إسرائيل في 2020.
وفي مسار ثالث، أغلقت المملكة الأردنية المقر السياسي للحركة وطلبت منها مغادرة عمّان عام 1999، إلا أنها تسمح لبعض قيادات الصف الأول بزيارة أراضيها لأسباب غير رسمية وغير مرتبطة بأعمالها.
وعلى صعيد المسار الرابع، اعتقلت السلطات الليبية في أكتوبر 2016، أربعة من كوادر الحركة، وفي فبراير 2019، أصدرت محكمة في طرابلس، أحكاما مشددة تراوح بين 17 و22 عاما بحقهم.
وعلى مسار آخر وليس أخيرا، فإن الخلاف تعمق بين السودان والحركة إثر تطبيع الخرطوم علاقاتها مع إسرائيل، وأعلنت السلطات في سبتمبر 2021، عن مصادرة أصول مالية تعود إلى الحركة.
هذه المسارات الملتهبة لعدد من الدول المنضوية تحت راية "سنتكوم"، أو حتى غير المنضوية؛ مثل السودان، من شأنه أن يوفر غطاء لموقف إسرائيل من قطاع غزة تحت ذريعة تحركات حركة "حماس".
ثالثا. التغيرات في قيادة سنتكوم وتداعياتها على الدور المصري
مطلع أبريل 2022، صدر قرار إدارة "بايدن" رسميا بتعيين الجنرال "مايكل كوريلا" قائدا لـ "سنتكوم"، بعد نحو 45 يوما من تصديق الكونغرس على تعيينه.
وكان بايدن قد رشح "كوريلا" لهذا المنصب في 7 يناير 2022. ويمتلك الرجل مؤهلات قوية بخلاف كونه مقاتلا عسكريا سبقت إصابته في معارك ميدانية رغم كونه في درجة قيادية.
حصل على بكالوريوس هندسة الفضاء من الأكاديمية العسكرية الأميركية في "ويست بوينت"، وعلى درجة الماجستير من "جامعة ريجيس"، بالإضافة إلى ماجستير في دراسات الأمن القومي من "كلية الحرب الوطنية الأميركية"، هذا علاوة على مهاراته الاتصالية العالية.
وبالنظر لما أشرنا إليه سابقا، ثمة اهتمام عربي واسع له أبعاد مستقبلية، بشخصية "كوريلا" التي يرجح أن تتولى حقيبة الدفاع في إدارات سياسية قادمة إلى البيت الأبيض.
ومن جهة أخرى، بدا أن "كوريلا" قد أتى ومعه تلبية لبعض الطموحات العسكرية المصرية من جهتين:
فمن جهة، يتجه "كوريلا" لتدشين "القوة 153"، وهي قوة جديدة تضاف إلى "سنتكوم"، مهمتها الأساسية حماية البحر الأحمر وممراته المائية، وهو ما أعلنه الجنرال قائد بحرية "سنتكوم" الجنرال "براد كوبر" من دبي في 17 أبريل 2022.
وتضم هذه القوة سفنا أميركية وبريطانية وإيطالية ومصرية. وواضح من هذا التكوين أن مصر تلعب دورا فيها بالنظر لوجود قناة السويس في شمال البحر الأحمر، وقاعدتها في إريتريا على مقربة من مضيق باب المندب، علاوة على دور "قاعدة برنيس".
هذا بالإضافة إلى وجود مصري كان مخططا له في "قاعدة بورتسودان"، وهو الوجود الذي صادف عقبات بعد قرار السودان تنفيذ مشروع القاعدة الروسية المخطط له منذ فترة حكم الرئيس السوداني الأسبق "عمر البشير.
الوجود المصري يعد ضرورة لما يمثله من امتداد لمشاركة مصر لما يبلغ عدده 33 دولة أخرى في "القوة البحرية المدمجة" أو "Combined Maritime Forces" المعروفة اختصارا باسم (سي إم إف) في تأمين منطقة الخليج العربي وبحر عمان، وهو الدور الذي امتد للبحر الأحمر مع "القوة 153".
وتهدف القوة البحرية المدمجة لتأمين حرية الملاحة في الخليج العربي، وتضم قوات من دول عربية هي: السعودية والإمارات ومصر والكويت وقطر والعراق والأردن والبحرين.
كما تضم عددا من الدول الإسلامية هي تركيا وماليزيا وباكستان، وعدد من الدول الغربية هي: فرنسا وألمانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا وهولندا وإسبانيا والبرتغال والدنمارك والنرويج واليونان، علاوة على عدد من الدول الآسيوية مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايلاند وسنغافورة والفلبين.
من جهة ثانية، وكما أشارت بعض الصحف العبرية، فإن القوة الجديدة التي تحمل رقم "153"، لم تتضمن وجودا لبحرية إسرائيل، ما يعد استجابة من القيادة الجديدة لقوة "سنتكوم" لمخاوف القوات المسلحة المصرية.
وترى الأخيرة أن وجود القوات البحرية الإسرائيلية على سواحلها بمثابة تهديد للأمن القومي المصري، وهو ما يعد أحد أوجه الخلاف الرئيسة بين القوات المسلحة ورئيس النظام عبد الفتاح السيسي، الذي لا يمانع هكذا وجود تحت السقف الأميركي والقبول الإماراتي.
سعي القوات المسلحة المصرية لتعزيز حضورها البحري يأتي في إطار تفوق في الحضور العسكري الإسرائيلي جويا وتقنيا واستخباراتيا.
كما يأتي في إطار حرب باردة خافتة الحدة بين البحريتين المصرية والإسرائيلية، تبدت مع اعتراض القوات المسلحة المصرية على حضور بحري إسرائيلي نوعي في البحر الأحمر.
وهو ما يقابله قلق إسرائيلي من تزايد حضور البحرية المصرية في شرق المتوسط، ما يمثل من وجهة النظر الإسرائيلية تهديدا عسكريا واستخباراتيا.
ويتحرك "كوريلا" في دروب هذه الحرب الباردة، مصحوبا بضغوط هيئة الأمن القومي الأميركي في محاولة لإقامة مسار متوازن لحضور الطرفين.
ومن جهة ثالثة، يبدو ثمة تنسيق مصري - إماراتي في هذا الصدد، على الصعيدين السياسي والعسكري.
فالقوة الجديدة تتجه للاعتماد على تقليل المركبات والسفن المأهولة لصالح تسيير أنظمة "مسيرة" أو غير مأهولة، مع تعزيزها بقدرات الذكاء الصناعي، وخاصة الأميركية تزامنا مع تعزيز الفيتو المصري على الحضور البحري لإسرائيل فرص مشاركة الإمارات في مشروع تطوير المركبات البحرية غير المأهولة.
وذلك عبر شركة "إيدج" التي تقدمت بمقترح للشراكة مع إحدى الشركات المتخصصة في مجال الذكاء الصناعي، والتي تملكها شخصيات صهيونية عسكرية سابقة.
ولعل افتقار العسكرية المصرية للسبق في مجال الذكاء الصناعي يمثل أحد أهم أسباب تضاؤل الحديث عن الدور المصري ضمن "القوة 153"؛ وهو ما بدا في تصريحات "كوبر" خلال احتفالية تدشين هذه القوة.
وكانت الولايات المتحدة قدمت إرهاصات لدول المنطقة، ودول القوة البحرية المدمجة، ضمن تجمع شمل نحو 60 دولة أخرى، على حاجتها لتوفير قوة لتأمين البحر الأحمر بشكل خاص.
وهو ما حدا بها لإجراء مناورات "آي إم إكس 22" في 17 فبراير 2022، دعمت فيها الوجود القيادي البحري المصري.
لكنها فتحت المجال فيها أمام الحاجة لتوظيف تكنولوجيا الذكاء الصناعي، وهو ما دعاها لاستقبال أنظمة ذكاء صناعي من نحو 10 دول أوروبية وآسيوية شاركت في هذه المناورات.
وكان من بين الأنظمة التي اختبرت نظام أنتجته الشركة الإسرائيلية المشار إليها عاليا. وبدا أن ترشيح "كوريلا" لمنصبه كقائد لقوة "سنتكوم" مرتبط بالتميز الذي أبداه في توظيف القدرة التقنية.
ويرتبط التوجه الأميركي الجديد حيال "القوة 153" باثنين من الأولويات التي تحدثت عنها قيادة "سنتكوم" في موقعها على الشبكة العنكبوتية.
أولهما؛ والذي يمثل الأولوية الأولى لقوة "سنتكوم" في الوقت الراهن، يتمثل في ردع إيران، والعمل على الحد من أنشطتها المهددة للاستقرار الإقليمي، وهو ما أشارت إليه الصحف الإقليمية، وبخاصة الخليجية، عند الإشارة إلى "القوة 153".
أما الأولوية الثانية فتتمثل في التصدي للخطر الذي تمثله أنظمة الطيران غير المأهولة (يو إيه إس)، وهي خطورة ثنائية المصدر من وجهة نظر إقليمية.
المصدر الأول للخطورة يأتي من الأنظمة المسيرة الإيرانية، والتي مثلت تهديدا فعليا وليس افتراضيا لمصالح واشنطن وحلفائها في المنطقة، خاصة السعودية والإمارات، عبر القصف الذي باشرته مسيرات إيرانية خلال العامين الماضيين.
وأما مصدر الخطر الثاني فتدعيه بعض دول الإقليم انطلاقا من تركيا التي تمتلك أنظمة طيران مسير متقدمة، ولها انعكاس إقليمي (في إثيوبيا) بقدر ما لها انعكاس عالمي (أوكرانيا – أذربيجان)، هذا علاوة على الحضور التركي في مدخل البحر الأحمر، والذي يسبب قلقا لمصر بشكل خاص.
مصادر التهديد المحققة والمحتملة هذه دفعت الولايات المتحدة لرعاية التعاون التقني بين الإمارات وإسرائيل، لتوفير سبق تقني إقليمي متجاوز للسبقين الإيراني والتركي.
ارتباط مصر بالقوة الجديدة له أبعاد سياسية كذلك، تتعلق بالتصورات الأميركية لأولويات التهديد التي يجب أن تخصص لها مواردها خاصة التهديد الروسي في الوقت الراهن.
فالدور الجديد الممنوح للجيش المصري وبحريته على الأخص، هو خطوة في إطار تكريس الاعتمادية المصرية على السلاح الأميركي لا الروسي، ولقطع الطريق على محاولات تنويعه.
أما على الصعيد السياسي، فهناك محاولة من الولايات المتحدة للسير في مسارين متوازيين. الأول يتمثل بتحقيق قدر من الاستقرار في مصر خلال الوقت الراهن، عبر منح السيسي شرعية رضائية أميركية من خلال دعمه أمام القيادة العسكرية.
ويتمثل المسار الثاني بدعمه في مقابل الجموع الشعبية الغاضبة من سياساته الاقتصادية – الاجتماعية؛ عبر إيلاء الاهتمام باحتياجات مصر من النفط والغذاء في إطار أزمة عالمية سببتها الحرب الروسية في أوكرانيا.
الدعم المقدم للسيسي يأتي في إطار اتجاه أميركي لدفع التيار العربي المحايد حيال روسيا نحو اتخاذ موقف أكثر قربا من الرؤية الأميركية، وهي ضغوط تباشرها الولايات المتحدة كذلك على كل من تركيا وإسرائيل.
يأتي موقف واشنطن في إطار عدم توفر رغبة أميركية – إسرائيلية في تغيير القيادة السياسية الحالية بأخرى لا يمكن التكهن بمواقفها العالمية والإقليمية، خاصة حيال تل أبيب.
بدأ "كوريلا" المسيرة في 9 مايو/أيار 2022، باتخاذه مصر مستهلا لأول زيارة إقليمية بعد توليه المنصب، وهي التي تضمنت أحاديث تشير إلى الرضا الأميركي عن السيسي.
كما ناقش مع السيسي ووزير دفاعه محمد زكي قضايا مثل أمن البحر الأحمر (دور البحرية المصرية)، وقضيتي تأمين الحدود ومكافحة الإرهاب (التعاون اللوجيستي والاستخباراتي بخصوص سيناء)، بمناسبة استقباله بأحداث غرب وشمال شرق شبه الجزيرة.
والبيان العسكري المصري الصادر في 11 مايو 2022، تحدث عن "قوى الشر ومن يعاونهم"، ما يحمل إشارة لاحتمالية توسيع نطاق التعاون الاستخباراتي لضبط أو تقييد الجهات التي تتولى تقديم العون اللوجيستي لإرهابيي سيناء.
لم يلبث المشهد المصري أن شهد زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي "جاك سوليفان" للقاهرة، ولقائه بالرئيس المصري.
وفيما أدى غياب الشفافية لالتزام الصحف العربية الصيغة الرسمية لبيان الرئاسة المصرية، صدرت وسائل الإعلام الأجنبية (مثال: سي إن إن - آر تي توداي) مناقشة "سوليفان" قضية حرب روسيا غير المبررة على أوكرانيا، وتبعاتها التي تتمثل في دعم واشنطن لاحتياجات مصر من الأمن والغذاء والوقود.
التحرك الأميركي لمساندة مصر أثار تساؤلا عما أشار له بعض المراقبين القريبين من دوائر استخبارات إقليمية، من تقدم منسق الأمن القومي لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا "بريت مكجورك" بلائحة آمنة لمعتقلين تطلب الولايات المتحدة الإفراج عنهم.
وهو ما أشار "مكجورك" إلى موافقة السيسي عليه؛ وإن في إطار آلية داخلية (الحوار الوطني)، ما يكفل حفظ ماء وجه النظام والجيش المصريين؛ اللذين سبق لهما أن قاوما تعاونا على صعيد المجتمع المدني بين مصريين وأميركيين، وصولا إلى حد اتهام عدد من المنظمات المصرية بتلقي تمويلات أجنبية.
خاتمة
تعد "سنتكوم" واحدة من أهم 11 قوة إقليمية ووظيفية تابعة لوزارة الدفاع الأميركية. وتغطي مسطحا جغرافيا تبلغ مساحته نحو 6.4 ملايين كم مربع، موزعة بين الشرق الأوسط، وآسيا الوسطى وأجزاء من جنوب آسيا.
وتضم اليوم 13 دولة كمسؤولية عسكرية، غير أن مجال التعاون والتنسيق الأمني والعسكري يصل بعدد الدول المنخرطة في دعم هذه القوة إلى 34 على حد تعبير قائد بحرية "سنتكوم" الجنرال "براد كوبر".
وهي من أكثر القيادات العسكرية الميدانية التي تحمل عسكريين إلى مقاعد حقيبة الدفاع الأميركية.
وقبيل أيام من رحيل "ترامب" عن البيت الأبيض، أصدر "البنتاغون" قراره بنقل المسؤولية عن النشاط العسكري الإقليمي لإسرائيل من "قيادة أوروبا" أو "يوكوم" إلى قيادة "سنتكوم".
وهو القرار الذي كان كل من الكيان واللوبي الصهيونيين في واشنطن يسعيان بجهد لتنفيذه منذ سنوات.
كان القرار متعذرا من قبل بسبب الوجدان العروبي الشعبي القوي والمؤيد للحق الفلسطيني، وهو الشعور الذي يتعامل الإقليم معه وكأنه قد دوى بعد التطبيع أو ما يسمى "الاتفاقات الإبراهيمية"، وضعف رد الفعل الشعبي العربي، المقموع عمليا، حيال قرارات "ترامب" المتعلقة بالقدس والجولان.
يمثل قرار إدارة "ترامب" تواصلا مع رؤية القيادة من الخلف التي أقرها "باراك أوباما"، وتطمح الولايات المتحدة في إطار هذا القرار لتخصيص مواردها في اتجاه رؤيتها لاحتواء كل من روسيا والصين، وتخفيف العبء العربي والفلسطيني عليها بتحويل إسرائيل إلى لاعب أساسي في التفاعلات المتعلقة بنطاق مسؤولية قوة "سنتكوم".
ومن بينها "مكافحة الإرهاب" الذي يتضمن المقاومة الفلسطينية من وجهة النظر الإسرائيلية، وكذلك لمواجهة القوى الطموحة الصاعدة في الإقليم بعد تراجع اهتمام الولايات المتحدة به، وخاصة إيران وتركيا.
وبقدر ما تود إسرائيل أن يكون لها يد مباشرة في إدارة هذه التفاعلات الأخيرة، فإنها تريد كذلك أن يعمق التطبيع على المستوى العسكري، وأن يقود التفاعلات العسكرية في المنطقة.
هذا علاوة على رغبتها في عدم التقيد بحسابات أوروبا مع روسيا في إطار مساعيها لإقامة علاقات متوازنة مع موسكو، وعدم تركها نهبة في يد اللاعب التركي الطموح.
تغييرات قيادة "سنتكوم" سيكون لها تأثير واضح على مصر عسكريا وسياسيا. فمن جهة، أفسحت التغييرات المجال للقاهرة لتعويض التفوق الجوي والتقني والاستخباراتي للكيان الصهيوني ضمن "سنتكوم" بالحضور البحري المشارك للحضور الخليجي (الإماراتي – السعودي – البحريني).
إلا أنه من جهة أخرى، فإن الفيتو المصري على حضور وحدات قتالية إسرائيلية في عمليات "سنتكوم" المتعلقة بالبحر الأحمر سيعزز الحضور التقني لهذا الكيان عبر إدماج تقنيات الذكاء الصناعي في الموجة القادمة من المركبات البحرية المسيرة. وسيهدد الأمن المصري من الجهة المعلوماتية والتقنية.
غير أن هذا الحضور، وبسبب الضغط المصري، سيجري عبر بوابة التعاون التقني بين الكيان ودولة الإمارات؛ التي تسعى لتعزيز حضورها في مجال الذكاء الصناعي.
ويضاف إلى ذلك قطعا مشاورات تستهدف تعزيز التعاون في مواجهة "الإرهاب" في سيناء، عبر ثلاثة محاور.
أهمها تقديم الدعم اللوجستي للجيش المصري خلال عملياته في سيناء، وزيادة مساحة التعاون الاستخباراتي لمواجهة الجهات التي تراها القوات المسلحة المصرية مزودا لوجستيا لـ"المنظمات الإرهابية" هناك فضلا عن تدريبات تتعلق بتأمين الحدود.
غير أن تعزيز الدور المصري مرهون من وجهة نظر واشنطن بعاملين أساسيين، أولهما يتمثل في تحريك موقف القاهرة من حرب روسيا غير المبررة على أوكرانيا، من الحياد باتجاه تبني الموقف الأميركي.
ومن جهة أخرى، يرتبط بتوفير دلائل على التحسن بملف حقوق الإنسان. وفي المقابل وعدت الولايات المتحدة بدعم احتياجات مصر من الغذاء والنفط.
ومع اتجاه الموقف المصري للانحياز إلى الجانب الأميركي، يفضل نظام السيسي أن يجري الاتفاق على المعتقلين في إطار آلية حوارية داخلية تحترم "سيادة مصر وتحفظ ماء وجهها"؛ وليس في إطار تفاوضي.