عنوان تحليل نشره موقع "اندبندنت عربية"، وأعدّته مديرة البرنامج الأفريقي في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية ورئيسة تحرير سلسلة أفريقيات أماني الطويل، وجاء فيه:
على الرغم من إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أنه قاب قوسين أو أدنى من الاقتراب من ميكيلي عاصمة إقليم تيغراي، وحسم الصراع لمصلحته، إلا أن المخاوف تتزايد في شأن مدى صدقية تقديره، وتأثير النزاع في مستقبل إثيوبيا، سواء حُسم عسكرياً ضد تيغراي، أو لم يتحقق ذلك.
وفي الحالتين، توجد أسئلة مشروعة عن مدى قدرة أديس أبابا على تحقيق الاستقرار الإقليمي وأداء أدوارها الخارجية التي من المفترض أن تسهم في استقرار إقليم القرن الأفريقي الشديد الصلة بأمن البحر الأحمر، والمؤثر بدوره في مجمل المصالح العربية والدولية.
إثيوبيا والمصالح الغربية
تشكل إثيوبيا أهمية استراتيجية للمصالح الغربية التي تسهم في بلورتها بشكل فعّال التوجهات الإسرائيلية منذ منتصف القرن الـ 20، إذ اهتمت تل أبيب بأديس أبابا من زاويتين، الأولى مرتبطة بالصراع العربي الإسرائيلي من حيث كونها دولة متاخمة للجوار العربي، وقادرة على التأثير في قدرات دُوله، والثانية دينية ثقافية، ذلك أن الأساطير اليهودية تعد الفلاشا الإثيوبية القبيلة الـ 13 من الأسباط.
ووفقاً لهذه التقديرات، تصاعدت الأهمية الإثيوبية في الدوائر الغربية، خصوصاً مع صعود الحركات الإسلامية المتطرفة في كل من السودان والصومال بدءًا من تسعينيات القرن الماضي، إذ مارست إثيوبيا حروباً بالوكالة، خصوصاً في الصومال ضد تنظيمي القاعدة والشباب الجهادي الصومالي.
وتاريخياً، لعبت أديس أبابا أدواراً مؤثرة في الخرطوم، حيث دعمت الحركة الشعبية لجنوب السودان حتى استقلت في العام 2011، وأيضاً طبيعة تفاعلاتها مع قضايا الحرب والسلام في هذا البلد الوليد الذي تشارك فيه بـ 4200 عنصر في قوات حفظ السلام، فضلاً عن تأثيرها في السودان بعد ثورة 2019.
من هذه الزوايا جميعاً تبدو إثيوبيا وصراعاتها الداخلية مؤثرة في الإقليم، خصوصاً مع الامتدادات القومية والعرقية المشتركة.
تجاهل دولي ومخاوف إقليمية
على الرغم من أهمية إثيوبيا وطبيعة تأثيرها الإقليمي، فإن الموقف الدولي من تطورات الصراع يبدو ضعيفاً، فيما عدا الأمم المتحدة، مقارنة بالمخاوف الإقليمية المتصاعدة، حيث دعمت الأمم المتحدة فكرة فتح مسار تفاوضي لحل الأزمة بين الأطراف المتصارعة بمجرد بدء العمليات العسكرية قبل أكثر من أسبوعين، ثم متابعتها للملف بتغريدات من الأمين العام الذي حذر من آثار الصراع، وأخيراً صدرت عن الأمم المتحدة تحذيرات في شأن اتساع حجم الأزمة الإنسانية على الحدود مع السودان.
في المقابل، تعوّل الإدارات الغربية على إمكان أن يستطيع آبي أحمد التغلب على إقليم تيغراي وحسم الصراع عسكرياً، خصوصا أنه بين شقي رحى، فشمالاً تقصفه إريتريا، وجنوباً يلاحقه الجيش الفيدرالي.
من هنا لم يصدر عن الإدارة الأميركية استهجان للعمليات العسكرية الجارية حاليًا، إلا على مستوى السفارة الأميركية في أديس أبابا ومساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية.
أما على الصعيد الأوروبي فلم تبلور مبادرة تدخل سياسي سريع لإنقاذ الموقف، لكن الاتحاد الأوروبي دعا، في بيان، إلى ضرورة إنهاء الصراع المسلح.
أما الصين فتبدو صامتة عن إبداء موقف واضح من الصراع الذي كلفها جزءاً من استثماراتها في إثيوبيا، حينما قصف آبي أحمد محطة كهرباء تكيزي في إقليم تيغراي، وهي المحطة التي أقامتها بكين تحت مظلة استثمارات إجمالية بلغت ما يقارب 1.5 تريليون دولار حتى نهاية 2018، ناتجة من توقيع اتفاقات تعاون بين إثيوبيا والصين في العام 2014.
وعلى المستوى الإقليمي، يوجد إدراك كامل بمخاطر الصراع، لذا ذهب الرئيس النيجيري السابق إلى أديس أبابا ممثلاً للاتحاد الأفريقي، كما تبنى السودان، باعتباره رئيساً لمنظمة إيغاد، وأوغندا، مجهودات في شأن الوساطة، لكن أخفق الجميع بامتياز أمام الإصرار الإثيوبي على حسم الصراع عسكرياً، واعتبار أن زمن الوساطات لم يحن بعد، إذ قال وزير الخارجية الإثيوبي ونائب رئيس الوزراء ديميكي ميكونين في زيارته إلى كمبالا، إن أديس أبابا ترى أن الوقت "مبكر في شأن حلول تفاوضية".
مطالب الانفصال تتجدد
تبدو محاولات الوساطة الأفريقية منطقية طالما أن استمرار النزاع في إثيوبيا يشكّل بيئة مناسبة لإعادة رسم خرائط الصراعات والتحالفات، سواء الداخلية في أديس أبابا أو الخارجية في القرن الأفريقي، وهو ما يثير قلقاً في شأن مستقبل الاستقرار الإثيوبي وتداعياته على الأمن الإقليمي.
وداخلياً، أسفرت الحرب عن استقواء قومية أمهرا على إقليم تيغراي، حيث تسعى حالياً إلى استعادة حيازات قديمة لأراض سبق أن استولت عليها تيغراي في تسعينيات القرن الماضي، وقت قيادتهم الجبهة الثورية الديمقراطية التي كانت تحكم إثيوبيا حتى ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي.
وفي سياق مواز، شجّعت بيئة الصراع المسلح بطون قامبنت في إقليم أمهرا على المطالبة باستقلالية أكبر لمناطقهم وقراهم، وهو ما أقدمت عليه حكومة الإقليم بالفعل، فضلاً عن التوترات الأخيرة في إقليم بني شنقول جمباز، إقليم سد النهضة، حيث جرى رصد عمليات عسكرية أسفرت عن تفجير أحد الباصات، ووقوع 34 شخصاً بين قتيل وجريح، فيما قبضت السلطات الإثيوبية على 100 شخص.
وكان رئيس الوزراء الإثيوبي تحدث أمام البرلمان عن مسلحين من بني شنقول يتدربون داخل ولاية النيل الأزرق السودانية، ودعا السودان إلى العمل مع بلاده على محاربة تلك الجماعات التي تعارضه، مؤكداً أن أولئك المسلحين يعملون على استهداف سد النهضة وإيقاف العمل فيه.
وبدأت الحكومة الإثيوبية عمليات تتبع على أساس الهوية لقومية تيغراي في العاصمة الإثيوبية، كما فسرت موقف الأمم المتحدة أنه بتأثير من مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الذي يشغل أيضاً موقعاً قيادياً في جبهة تحرير تيغراي. كما جمدت أرصدة 34 شركة تابعة لـ "تيغراي" أيضاً. وطبقاً لذلك فإن الصراع العسكري سيكون له تداعيات داخلية مستقبلاً، بخاصة أن بعض القوميات تساند "تيغراي" ولو بشكل غير مباشر.
الصراع يجر إريتريا والسودان والصومال
وعلى مستوى القرن الأفريقي، فإن إريتريا تحتل موقعاً رئيساً في ديناميات هذا الصراع المسلح، وذلك بحسابات أن الـ "تيغراي" قومية مقسمة بين كل من إريتريا وإثيوبيا، وهو ما يجعل حسابات أسمرا تسير دائماً نحو عدم استقواء "تيغراي" الإثيوبيين، بما له من تأثيرات على التوازنات الداخلية الإريترية. ومن هنا نستطيع أن نفهم التحالف بين آبي أحمد وأسياس أفورقي، وهو التحالف الذي جعل أسمرا هدفاً لقصف الـ تيغراي.
أما على الصعيد السوداني، فإن الكلفة الاقتصادية التي يتحملها السودان تبدو كبيرة نتيجة لجوء الفارين إليها، لكن الكلفة السياسية والتأثير في استقرار شرق السودان سيكونان أشد تأثيراً، في حال تفاقم الموقف الأمني ودعم الـ "بجا" الإريتريون الـ "بجا" السودانيين ضد قبيلة "بني عامر" في شرق السودان، وهي المنطقة التي تشهد توترات حالياً. من هنا أقدم السودان على غلق كامل حدوده مع كل من إثيوبيا وإريتريا، حيث لا يدخل منها إلا الفارون المدنيون من ويلات الحرب.
ولا تبدو الصومال بعيدة عن هذه التفاعلات، إذ إن تنظيم الشباب قد يجد هذه البيئة مناسبة للانتقام من أديس أبابا، التي خاضت حرباً ضده في الصومال، خصوصا أن الجيش الإثيوبي سحب عناصره من بعثة الاتحاد الأفريقي هناك.
وطبقاً لهذه البيئة المتصارعة في القرن الأفريقي، فربما تكون دول الإقليم هي الأسبق للتفاعل مع الحرب الناشبة في إثيوبيا من زاوية مصالح كل طرف. وإذا اتفقنا أن إسرائيل لديها علاقات وطيدة مع إثيوبيا فإن المزاعم في شأن الدعم العسكري الإسرائيلي لأديس أبابا قد تكون منطقية، خصوصاً من زاوية إمداد آبي أحمد بطائرات درون. أما على الصعيد التركي فقد عرض أردوغان خدماته على أديس أبابا حتى يكمل قوس النفوذ التركي المنطلق من الصومال.
وهكذا تبدو التعقيدات الداخلية في إثيوبيا والخارجية في الإقليم أكبر وأعمق من محاولة حسم الخلافات في شأنها عسكرياً، حيث يبدو أن هذا الحسم قد يكون بداية الأزمة الحقيقية، وليس نهايتها.