• اخر تحديث : 2024-07-04 10:16
news-details
تقارير

تأثير اللوبي اللبناني في السياسة الأمريكية


تمهيد

قد لا يختلف منهج وسلوك العمل الحالي للولايات المتحدة وإسرائيل والجهات اللبنانية الساعية لتغيير الحكم والنظام والمس بحزب الله في لبنان عن السلوك والمنهج المتبع عام 2005 إبان ما عرف ب " ثورة الأرز " وإن اختلف اللاعبون المحليون إلا أن الأزمة الحالية التي ظهرت بعد انطلاق حراك 17 تشرين 2019 وتداعياتها وحجم القوى المرتبطة فيها أبرزت حضوراً أكبر لشرائح عديدة لم تكن سابقاً منخرطة بفعالية في حراك العام 2005 وهو ما يجعل الحراك الحالي أوسع وأشمل لأسباب عديدة منها:

  1. عوامل موضوعية ترتبط بانهيار الاقتصاد اللبناني والأزمات الاجتماعية المتراكمة نتيجة لذلك.
  2. عوامل ناشئة ترتبط بالسياسة الأمريكية خلال إدارة ترامب تجاه حزب الله ولبنان والتي اعتمدت اسلوب الحصار والعقوبات الاقتصادية. أو عوامل ترتبط بتطور أدوات الحرب الناعمة المستخدمة حالياً (وسائل التواصل – المحطات التلفزيونية المحلية – نظام التشبيك بين الجماعات غير الحكومية).
  3. عوامل سياسية محلية ترتبط بطبيعة القوى التي تدير هذه العملية الآن فمعظم القوى التي أدارت العملية عام 2005 كانت قوى موجودة ونافذة في الحكم والسلطة أما القوى الحالية فمعظمها خارج السلطة وباستثناء القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي (اللذين انخرطا في الحراك للقبض عليه أو لتعزيز شروطهما التفاوضية ومكاسبهما في الحكم والإدارة)  فإن عدداً  كبيراً من قيادات الحراك الجديد (حراك  2019 )  أو الأحزاب المنخرطة فيه كالحزب الشيوعي مثلاً  هي  قوى خرجت من هزائم مرة في انتخابات أيار 2018 النيابية تكاد ترقى إلى الفضيحة على مستوى التمثيل أو ترويج الشعارات .

وصف

مما تقدم ومن خلال رصد برنامج وأداء قوى الحراك الجديدة وما رشح من مراكز دراسات في الولايات المتحدة وإسرائيل من برامج وسيناريوهات مستقبلية للبنان يظهر التناغم الواضح بين الاتجاهات الثلاث الذي ينعكس من خلال برامج العمل الموضوعة والمعدة للتنفيذ وبقراءة متأنية لمجموعة من الوثائق الصادرة عن مراكز دراسات أمريكية وإسرائيلية منذ بداية الحراك يبدو ملفتاً التطابق بين محتوى وسيناريوهات وردت في وثيقتين هما عبارة عن ورقتي عمل نشرتا في 14تموز 2020  و 19 أيلول 2020 صادرتين عن :

 فريق بحثي لبناني أمريكي أعد ورقة عمل إرشادية لمعهد الشرق الأوسط MEI عن السياسة الأمريكية المقترحة للبنان، بالاشتراك مع اللوبي اللبناني في الولايات المتحدة ATFL.

نائب رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن JISS الكولونيل الإسرائيلي المتقاعد "إيرنان ليرمان" الذي أعد دراسة للمعهد "حول فرص التغيير المتاحة في لبنان بعد انفجار المرفأ".

 الملفت في هاتين الورقتين أنهما ركزتا بشكل متطابق على التوصية بأمور أساسية في خط العمل الأمريكية القادمة في لبنان:

  1. ضمان استمرار الحراك وتوسعته بإضافة جماعات مصلحة جديدة إليه تخرج عن كونها منظمات مجتمع مدني لتشمل معظم القطاعات غير الحكومية ودعم هذا الإطار الواسع بكل ما يتطلبه الأمر من إمكانات وتدريب ودعم سياسي ومالي وتنظيم قياداته بعد استثمار الدروس المستفادة منذ حراك 17-10-2019
  2. التوجيه بتوسيع الاستثمار الأمريكي المباشر في المشروعات الاقتصادية الصغيرة وقطاعات الانتاج المتوسطة من خلال برامج السفارة الامريكية في لبنان (USAID) أو مشروع (PL480) وغيرها من البرامج من المؤسسات الأمريكية المانحة لربط هذه القطاعات بالمطالب والأهداف الأمريكية.
  3. استمرار الضغط على الحكومة اللبنانية لإجبارها على عدم التصدي للتحركات الشعبية والاستمرار في تحييد الجيش والقوى المسلحة اللبنانية عن التأثير في الداخل وخصوصاً قوى الحراك.
  4. تعزيز الخطاب العام الذي يدفع باتجاه اعتماد دولة مدنية علمانية لا طائفية كسعي أولي طويل الأمد نحو عزل أو تحييد الأحزاب والجماعات السياسية الدينية أو الطائفية واعتبار أي دولة مدنية أو مجتمع لاطائفي مكسباً يمكنه الإضرار وعزل حزب الله.
  5. تشجيع بروز قيادات شابة من بيئة منظمات المجتمع المدني ومجموعات شيعية وبيئة المنظمات اللبنانية غير الحكومية ودعمها بكل الوسائل الممكنة لتصبح قادرة على الدخول في البرلمان ومؤسسات الحكم أو المشاركة فيها بفاعلية وبشروطها.
  6. التوجيه بتقديم الانتخابات النيابية سنة واحدة من 2022 وحتى 2021 لتمكين قوى الحراك وخصوصاً المجموعات الشيعية من الاستفادة من زخم التحركات الشعبية وآثار الانهيار الاقتصادي للدخول إلى البرلمان ولاحقاً إلى الحكم.
  7. دعم قيام قيادات وقوى ومجموعات داخل البيئة الشيعية للدخول كمنافس إلى جانب حزب الله في البرلمان والإدارة واعتماد النفس الطويل لتمكين هذه القوى من الحلول تدريجياً مكان حزب الله في المجالات العامة والخاصة.
  8. اعتماد كافة الاساليب السياسية والادارية والبنيوية من أجل إقامة نظام يبعد حزب الله عن التأثير في القرار اللبناني.
  9. مقايضة المساعدات الدولية بتجاوز المحنة الاقتصادية والانهيار بإصلاحات سياسية وإدارية بنيوية تغير وجهة الحكم والنظام في لبنان.
  10. استخدام فرصة المفاوضات اللبنانية الاسرائيلية على الحدود البحرية لتقديم حوافز للدولة اللبنانية تشجعها على القبول بفرض هدنة طويلة مع العدو وذلك بالاعتماد على أداء المفاوض الاسرائيلي في قضايا ترتبط باستخراج الغاز وإدخال لبنان بمساعدة أمريكية إسرائيلية في نادي الدول النفطية على الحوض الشرقي للمتوسط.
  11. تعزيز ودعم الجيش اللبناني باعتباره القوة الوحيدة التي يمكنها أن تحل محل حزب الله.

ملاحظة واستنتاج

يلاحظ من المطالب والطروحات الآنفة الذكر أن العامل المحلي اللبناني كان له يد قوية وتأثير فاعل في بلورة وصياغة تصورات السياسات الأمريكية المقبلة تجاه لبنان وهذا إن دل على شيء فإنه يسلط الضوء على دور نفوذ الأطر اللبنانية وتأثيرها أو كلمتها المسموعة لدى صانع القرار الأمريكي فضلاً عن أن ذلك يكشف الدور المطلوب من هذا العامل اللبناني في المستقبل في ظل اقتران العديد من السيناريوهات الأمريكية بأدبيات الفاعل اللبناني لدى واشنطن والتي يبدو أن إسرائيل باتت تشاركه التقييم والرؤيا والتقدير الاستراتيجي المستقبلي ولعل اقتناع المحافل البحثية الاسرائيلية والقريبة جداً من صانع القرار بالتوجه الاستراتيجي الذي يستبدل نهج العدو التاريخي بالاعتماد على استراتيجية التفريق الطائفي والمذهبي باستراتيجية مناقضة تماماً وهي الترويج لكيان لبناني لا طائفي. كل هذا يؤكد أن الاسرائيلي كما الأمريكي يعلق آمالاً كبيرة على الحراك اللبناني وقياداته لتحقيق التغيير المنشود والذي يأتي في رأس قمة أولوياته إلحاق أي أذى ممكن بحزب الله والدفع باتجاه عزله وتقويضه وتقزيمه على الساحة اللبنانية.

تجدر الاشارة الى ان التوقعات والتعويل على منظمات المجتمع المدني الى حد تغيير النظام ناشئة من خطاب إصلاحي لبناني تقليدي، يمكن ان تصب في اتجاهين واقعيين، الأول اضعاف التيار الوطني الحر والثاني استفزاز القوى الطائفية التابعة للولايات المتحدة التي لا تزال ترفض الدخول في مواجهة مع حزب الله وخصوصا القوات اللبنانية، حيث يرفعها الحراك المدني الى استنفار محركاتها العصبية الطائفية الى الحد الأقصى لحماية نفسها من التفكك.

مضافا الى الوجهة الواقعية، ثمة وجهة ثورية جذرية تصب فيها الحركة الحالمة للمجتمع المدني، وهي المشروع الجاري حاليا لتدمير الدولة في لبنان لكون المجتمع المدني وشخصياته التي يتم تعويمها بديلة عن القوى الحالية. وهنا يبرز سؤالان رئيسيان، الأول، هل تستطيع هذه القوى الحلول مكان القوى الطائفية الأساسية وخصوصا الإسلامية؛ الشيعية، السنية والدرزية؟ والثاني هل تستطيع منظمات المجتمع المدني وشخصياته التحول من أداة الى بديل استراتيجي في لبنان؟

ان الخطاب الذي أبرزته الدراستان يشي بوجود تصور حول إمكانية حصول هذا التحول الجذري، لكل هل هذا تصور واقعي؟ وفي أية ظروف يمكن ان يتحول الى واقع معقول في ظل الظروف والتهديدات السائدة من الانتخابات المبكرة الى الانهيار الاقتصادي الى الفيدرالية والحرب؟