تمهيد
قد لا يختلف منهج وسلوك العمل الحالي للولايات المتحدة وإسرائيل والجهات اللبنانية الساعية لتغيير الحكم والنظام والمس بحزب الله في لبنان عن السلوك والمنهج المتبع عام 2005 إبان ما عرف ب " ثورة الأرز " وإن اختلف اللاعبون المحليون إلا أن الأزمة الحالية التي ظهرت بعد انطلاق حراك 17 تشرين 2019 وتداعياتها وحجم القوى المرتبطة فيها أبرزت حضوراً أكبر لشرائح عديدة لم تكن سابقاً منخرطة بفعالية في حراك العام 2005 وهو ما يجعل الحراك الحالي أوسع وأشمل لأسباب عديدة منها:
وصف
مما تقدم ومن خلال رصد برنامج وأداء قوى الحراك الجديدة وما رشح من مراكز دراسات في الولايات المتحدة وإسرائيل من برامج وسيناريوهات مستقبلية للبنان يظهر التناغم الواضح بين الاتجاهات الثلاث الذي ينعكس من خلال برامج العمل الموضوعة والمعدة للتنفيذ وبقراءة متأنية لمجموعة من الوثائق الصادرة عن مراكز دراسات أمريكية وإسرائيلية منذ بداية الحراك يبدو ملفتاً التطابق بين محتوى وسيناريوهات وردت في وثيقتين هما عبارة عن ورقتي عمل نشرتا في 14تموز 2020 و 19 أيلول 2020 صادرتين عن :
فريق بحثي لبناني أمريكي أعد ورقة عمل إرشادية لمعهد الشرق الأوسط MEI عن السياسة الأمريكية المقترحة للبنان، بالاشتراك مع اللوبي اللبناني في الولايات المتحدة ATFL.
نائب رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن JISS الكولونيل الإسرائيلي المتقاعد "إيرنان ليرمان" الذي أعد دراسة للمعهد "حول فرص التغيير المتاحة في لبنان بعد انفجار المرفأ".
الملفت في هاتين الورقتين أنهما ركزتا بشكل متطابق على التوصية بأمور أساسية في خط العمل الأمريكية القادمة في لبنان:
ملاحظة واستنتاج
يلاحظ من المطالب والطروحات الآنفة الذكر أن العامل المحلي اللبناني كان له يد قوية وتأثير فاعل في بلورة وصياغة تصورات السياسات الأمريكية المقبلة تجاه لبنان وهذا إن دل على شيء فإنه يسلط الضوء على دور نفوذ الأطر اللبنانية وتأثيرها أو كلمتها المسموعة لدى صانع القرار الأمريكي فضلاً عن أن ذلك يكشف الدور المطلوب من هذا العامل اللبناني في المستقبل في ظل اقتران العديد من السيناريوهات الأمريكية بأدبيات الفاعل اللبناني لدى واشنطن والتي يبدو أن إسرائيل باتت تشاركه التقييم والرؤيا والتقدير الاستراتيجي المستقبلي ولعل اقتناع المحافل البحثية الاسرائيلية والقريبة جداً من صانع القرار بالتوجه الاستراتيجي الذي يستبدل نهج العدو التاريخي بالاعتماد على استراتيجية التفريق الطائفي والمذهبي باستراتيجية مناقضة تماماً وهي الترويج لكيان لبناني لا طائفي. كل هذا يؤكد أن الاسرائيلي كما الأمريكي يعلق آمالاً كبيرة على الحراك اللبناني وقياداته لتحقيق التغيير المنشود والذي يأتي في رأس قمة أولوياته إلحاق أي أذى ممكن بحزب الله والدفع باتجاه عزله وتقويضه وتقزيمه على الساحة اللبنانية.
تجدر الاشارة الى ان التوقعات والتعويل على منظمات المجتمع المدني الى حد تغيير النظام ناشئة من خطاب إصلاحي لبناني تقليدي، يمكن ان تصب في اتجاهين واقعيين، الأول اضعاف التيار الوطني الحر والثاني استفزاز القوى الطائفية التابعة للولايات المتحدة التي لا تزال ترفض الدخول في مواجهة مع حزب الله وخصوصا القوات اللبنانية، حيث يرفعها الحراك المدني الى استنفار محركاتها العصبية الطائفية الى الحد الأقصى لحماية نفسها من التفكك.
مضافا الى الوجهة الواقعية، ثمة وجهة ثورية جذرية تصب فيها الحركة الحالمة للمجتمع المدني، وهي المشروع الجاري حاليا لتدمير الدولة في لبنان لكون المجتمع المدني وشخصياته التي يتم تعويمها بديلة عن القوى الحالية. وهنا يبرز سؤالان رئيسيان، الأول، هل تستطيع هذه القوى الحلول مكان القوى الطائفية الأساسية وخصوصا الإسلامية؛ الشيعية، السنية والدرزية؟ والثاني هل تستطيع منظمات المجتمع المدني وشخصياته التحول من أداة الى بديل استراتيجي في لبنان؟
ان الخطاب الذي أبرزته الدراستان يشي بوجود تصور حول إمكانية حصول هذا التحول الجذري، لكل هل هذا تصور واقعي؟ وفي أية ظروف يمكن ان يتحول الى واقع معقول في ظل الظروف والتهديدات السائدة من الانتخابات المبكرة الى الانهيار الاقتصادي الى الفيدرالية والحرب؟