• اخر تحديث : 2024-07-04 10:16
news-details
تقارير

جمهوريو أميركا: حرب وجود بين المعتدلين والمتطرفين


استعاد الجمهوريون في الكونغرس نشاطهم السياسي، بعد استيعاب صدمة اقتحام أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب مبنى الكابيتول في 6 يناير/ كانون الثاني الماضي، وخسارتهم الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ. وبدأ الحزب العمل مع إدارة الرئيس جو بايدن على أكثر من ملف داخلي، لاسيما في ما يتعلق بخطط مواجهة كورونا، وذلك من موقع محافظ تقشفي، يشير إلى استمرار سياستهم التقليدية.

غير أن هذا الاتجاه إلى إعادة دوران العمل في واشنطن من دون ترامب لم يلغِ الأثر الكبير الذي لا يزال يتركه الملياردير الشعبوي على حزبه، والانقسام الواضح الذي ظهر داخل الحزب.

وإذا كان الجمهوريون سيذهبون في النهاية إلى تبرئة ترامب في قضية اقتحام الكونغرس، وفي محاكمة العزل الثانية التي ستبدأ في الشيوخ في التاسع من فبراير/ شباط الحالي، فإن ذلك من شأنه أن يمنح الأخير فرصة جديدة لتأكيد مزاعمه بحصول تزوير في الانتخابات الرئاسية، ويعطي دفعاً للقوى المتشددة داخل الحزب، لمواصلة استثمارها في نفوذ ترامب وتأثيره على الكتلة المحافظة، السياسية والشعبية.

في الأثناء، لا يزال الحزب الجمهوري يتخبط في دوامة الانقسام بين جناحيه المعتدل والمتطرف، وهو ما ظهر جلياً أخيراً في قضيتي النائبتين ليز تشيني ومارجوري تايلور غرين.وأصبحت نيابة تايلور غرين عن ولاية جورجيا، بمثابة الصداع للتيار المعتدل لدى المحافظين، تماماً كسعي المتشددين إلى عزل النائبة الجمهورية ليز تشيني التي صوّتت في مجلس النواب لمحاكمة ترامب من منصبها كالنائبة رقم 3 في القيادة التراتبية لدى الجمهوريين داخل النواب.

ويرتبط ما بات يصفه الإعلام الأميركي بـ"مشكلة مارجوري" باتساع سطوة اليمين المتطرف داخل الحزب الجمهوري، سواء لدى القاعدة أو على المستوى السياسي، إذ على الرغم من ارتباط غرين ودعمها لنظريات المؤامرة وحركة "كيو أنون" المسلحة المتطرفة، ومواقفها الصريحة المعادية للمهاجرين والمسلمين والأميركيين من أصول أفريقية، وحتى لضحايا الهجمات بالسلاح الفردي في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى مواقف أخرى مثيرة للجدل، إلا أن ذلك لم يمنع عدداً كبيراً من السياسيين الجمهوريين من دعمها في انتخابات الكونغرس.

وفازت مارجوري على منافسها الجمهوري جون كوان في انتخابات الإعادة. وتعدّ هذه النائبة من الوافدين الجدد إلى العمل التشريعي، وهي لم تتوان خلال حملة ترشحها عن نشر فيديو تحمل بها سلاحاً وتهدد "الشيوعيين" بالبقاء بعيداً عن جورجيا، وخاضت حملتها تحت شعار "أنقذوا أميركا، أوقفوا الشيوعية"، وصوّتت في الكونغرس ضد المصادقة على نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها جو بايدن.

وعادت قضية مارجوري إلى الواجهة أخيراً، خلال الأسبوعين الماضيين، لا سيما بعد نشر شبكة "سي أن أن" الثلاثاء الماضي تقريراً قالت فيه إن حساب الأخيرة على "فيسبوك" يتضمن تأييداً لممارسة العنف ضد الديمقراطيين والعملاء في الوكالات الفيدرالية. ومن الأمثلة على ذلك أنها أبدت إعجاباً على تعليق يقول إن "رصاصة في الرأس ستكون أسرع" من إطاحة نانسي بيلوسي من رئاسة مجلس النواب. كذلك وضعت إشارة الإعجاب على تعليق يقول إن "خلع بيلوسي من منصبها، أو عبر القتل، لا فرق، المهم أن ترحل".

ودفع ذلك الديمقراطيين أخيراً إلى الإشارة إلى أن غرين تشكّل تهديداً مباشراً لسلامتهم الجسدية. وقالت بيلوسي إن "العدو هو في داخل المجلس"، فيما أكد النائب الديمقراطي كوري بوش الجمعة الماضي أن رئيسة المجلس تقوم بنقل مكتبها بعيداً عن مكتب غرين.

وعلى هذا الأساس، أصبحت "مشكلة غرين" معضلة للجمهوريين. فمن جهة، ورغم تنديد العديد منهم بمواقفها، إلا أن دعمهم لها هو ما أوصلها للعضوية في السلطة التشريعية. وأدلى جمهوريون في الكونغرس أخيراً بانتقادات لهذه النائبة عن جورجيا، وآخرهم زعيم الأقلية في الشيوخ ميتش ماكونيل الذي نادراً ما يوجه انتقادات لأعضاء في مجلس النواب. وهاجم ماكونيل أول من أمس الإثنين غرين المؤيدة لترامب من دون أن يسميها، واصفاً إياهاً بأنها "سرطان للحزب الجمهوري".

وقال ماكونيل في بيان لصحيفة "ذي هيل" إن "من يعتقد أنه لم تتحطم ربما طائرة فوق البنتاغون في 11 سبتمبر/ أيلول (2001)، وأن عمليات إطلاق النار المروعة في المدارس مدبرة مسبقاً، هو شخص لا يعيش في العالم الحقيقي". وأضاف أن تايلور غرين، بترويجها "أكاذيب سخيفة" وتمسّكها بـ"نظريات المؤامرة"، هي "سرطان للحزب الجمهوري".

وسارعت النائبة إلى الردّ على ماكونيل، وكتبت في تغريدة على "تويتر"، أن "السرطان الحقيقي للحزب هم البرلمانيون الجمهوريون الضعفاء الذين لا يسعهم سوى فعل شيء واحد: أن يخسروا بأناقة"، معتبرة أنه "لهذا السبب، نحن نخسر بلدنا".

وتضع معضلة غرين، الجمهوريين، أمام خيارات عدة، إذ إن غضّ النظر عن سجلها الطويل من التصريحات المتطرفة سيسمح لها بمواصلته، وتقوية نظريات المؤامرة والبروباغندا التي تروّج لها. ويملك الحزب أكثر من خيار لمحاسبتها، عبر إدانتها أو توبيخها، أو سحب اسمها من اللجان التشريعية، أو حتى طردها، سواء من الحزب أو الكونغرس، وهو ما يطالب به الديمقراطيون. وقال زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب، كيفن ماكارثي، لموقع أكسيوس في 27 كانون الثاني\يناير الماضي، إن تصريحات غرين "مقلقة"، وإنه "يُحضّر لأن يكون له حديث معها حول ذلك".

لكن ماكارثي نفسه الذي يخضع لاختبار في هذا الإطار ليس بمنأى عن تأثيرات ترامب. وكان زعيم الأقلية في النواب قد زار الخميس الماضي، الرئيس السابق في منتجعه في فلوريدا، وتباحث معه في كيفية استعادة المجلس النيابي من قبضة الديمقراطيين في الانتخابات النصفية في 2022، وذلك بحسب بيان لمكتب ترامب. وأضاف البيان أن "شعبية الرئيس ترامب لم تكن يوماً بمثل القوة التي هي عليها اليوم، وإن دعمه يمثل أهميةً أكثر من أي دعم آخر في أي وقت".

على المقلب الآخر، تبرز أيضاً لدى الجمهوريين الأزمة التي تتعرّض لها وجوه معتدلة في صفوفهم، وكيفية حمايتها. وآخر تجليات ذلك، الحملة الشرسة التي تتعرض لها النائبة ليز تشيني، إثر تصويتها لمحاكمة ترامب. وكما دان مارجوري غرين من دون تسميتها، دافع ماكونيل في تصريح آخر أول من أمس، عن تشيني، مسمياً إياها، وواصفاً الرقم الثالث لدى الجمهوريين في مجلس النواب بأنها "زعيمة تملك اقتناعات عميقة، والشجاعة للعمل وفقها"، مضيفاً أنها "قائدة مهمة في حزبنا، وفي بلدنا. أنا ممتن لخدمتها وأنتظر استمرار العمل معها، حول المسائل المصيرية التي تواجهها البلاد".

وينتظر اليوم الأربعاء أن يناقش الجمهوريون في مجلس النواب إمكانية طرد تشيني من منصبها في المجلس. وكانت الأخيرة قد تعرضت لحملة شرسة من حلفاء ترامب خلال الأسابيع الماضية، لدعمها عزله، خصوصاً من النائب مات غايتز (فلوريدا) الذي ألقى كلمة في تجمع معارض لتشيني في ولاية ويوامنغ التي تتحدر منها. ويطالب أعضاء ما يسمى بـ"تجمع الحرية" المحافظ داخل مجلس النواب، ونواب جهوريون آخرون، بصدور قرار لطرد تشيني من القيادة.

وفي إشارة أخرى على مدى الانقسام لدى الجمهوريين، نقلت فورين بوليسي عن النائب الجمهوري السابق دنفر ريغلمان تأكيده أنه لم يصوت لترامب في انتخابات الرئاسة الأخيرة، ما يشير إلى حجم الانقسام داخل الحزب.

وكشف ريغلمان الذي خسر تمهيديات الحزب الأخيرة، في حديث لمدونة صوتية (بودكاست) للمجلة أنه لم يصوت لترامب في 2020 (ولم يصوت كذلك لبايدن)، معرباً عن قلقه من الاتجاه الذي يسير فيه الحزب المحافظ. وتوقع أن "يستمر مرشحو الحزب في استغلال مزاعم ترامب حول تزوير الانتخابات للفوز في الانتخابات النصفية"، معرباً عن اعتقاده بأن "سردية أوقفوا السرقة (شعار لأنصار ترامب) ستنجح في دفع الكثير من الناخبين إلى صناديق الاقتراع". واعتبر أنه "من الممكن ألا أوافق على سياسات بعض الأشخاص، لكن ما يغضبني هو أن يشوه أشخاص الحقائق للسيطرة على الآخرين، أو خلق حقيقة بديلة لتظهيرهم كأبطال أو جعل أنفسهم أسطورة".