• اخر تحديث : 2024-04-25 13:23
news-details
تقدير موقف

استشراف موقف: الاحتكاك العسكري في العراق


لم يكد يمضي وقت طويل على استهداف قاعدة عين الأسد الأمريكية غربي العراق اول أمس الأربعاء بعشرة صواريخ مما تسبب بوفاة متعاقد أمريكي بنوبة قلبية وإصابة عدد من الجنود الأمريكيين بجروح حتى سارعت واشنطن وعلى أعلى المستويات لضبط أي إمكانية للتصعيد الاعلامي أو السياسي في أمريكا أو في الدول الحليفة .

وقد صرح الرئيس الأمريكي جو بايدن للصحفيين بعيد الحادث وقبل اجتماع مع مشرعين في المكتب البيضاوي "حمدا لله لم يُقتل أحد في الهجوم الصاروخي... نعمل على تحديد هوية المسؤولين وسنصدر قراراتنا عندما نصل إلى هذه اللحظة".

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، إن الولايات المتحدة تقيّم تأثير الهجوم والجهة المسؤولة عنه.

وتابعت ساكي في مؤتمر صحفي "إذا خلصنا إلى ضرورة اتخاذ مزيد من الرد سنتحرك مجددا بطريقة مناسبة وفي التوقيت الذي نختاره، مضيفة أن "ما لن نفعله هو اتخاذ قرار متسرع غير قائم على حقائق يؤدي إلى مزيد من تصعيد الوضع أو يخدم أعداءنا".

وفيما نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤولين أمريكيين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن شخصياتهم أن الهجوم الأخير يحمل بصمات فصيل مدعوم من إيران، إلا أن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)علقت وبشكل لافت إنه من السابق لأوانه الوصول إلى أي استنتاجات.

وقال البنتاغون إنه لم ترد أنباء عن وقوع إصابات بين الجنود الأمريكيين لكن متعاقدا مدنيا أمريكيا توفي بأزمة قلبية أثناء الاحتماء من الصواريخ.

وأوضحت وزارة الدفاع الأمريكية أن الصواريخ أطلقت على ما يبدو من عدة مواقع شرقي القاعدة العراقية، التي استهدفت العام الماضي بهجوم بصواريخ باليستية أطلقت من إيران مباشرة.

يستعرض مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير في هذه الورقة الإستشرافية الاحتمالات المتوفرة لإدارة بايدن للرد على عملية عين الأسد.

مما سلف يبدو أن الأمريكي الذي رد في سوريا وليس في العراق الأسبوع الماضي على استهداف مماثل في قاعدة الحرير بأربيل، قد ألزم نفسه برد معنوي لا يرقى إلى الردود السابقة التي كانت تقوم بها إدارة ترامب عندما كانت تتعرض لاختبارات مماثلة، حيث استخدمت أكثر من مرة الذراع الغليظة داخل العراق وفي سوريا ضد أهداف ترتبط بفصائل تابعة للمقاومة الاسلامية العراقية أو للحشد الشعبي مما تسبب بمجازر في بعض الغارات.

الرد الأمريكي الأسبوع الماضي في البو كمال أعطى الانطباع بأن الامريكيين مقيدين وملزمين بلجم خياراتهم العسكرية للأسباب التالية:

  1. عدم المغامرة بتجييش الرأي العام العراقي الشيعي ضد حكومة الكاظمي وإفقاد أمريكا حليف يمكنها التفاهم معه أو على الأقل يمثل مظلتها أمام قرار واضح صادر عن مجلس النواب العراقي باعتبار القوات العسكرية الامريكية في العراق قوات احتلال .
  2. عدم إعطاء المبرر لقوى المقاومة العراقية باستهداف أوسع وأشمل للقوات الامريكية باعتبار ما تنفذه ضد الامريكان هو أعمال مقاومة ولا يمكن وصفها بالارهاب.
  3. المخاطرة باستدراجهم مجدداً إلى الفخ العراقي من قبل المقاومة وداعمتها الأكبر إيران.
  4. عدم التصعيد مع إيران وحلفائها واعطائها الذريعة لاستخدام الرد الدفاعي على العمليات الامريكية وبالتالي جر امريكا إلى مواجهة مفتوحة بالعراق.
  5. عدم مشروعية الوجود الامريكي في سوريا وامكانية اعتبار أي ضربات كبيرة ضد حلفاء الحكومة الشرعية في سوريا (الحشد الشعبي – قوى المقاومة العراقية واللبنانية – الحرس الثوري) اعتداء على السيادة السورية وقواتها العسكرية الشرعية مما يفتح الباب أيضاً لتسليط الضوء على القوات العسكرية الامريكية (التي تحتل حقول النفط وتبني قواعد في معظم مناطق شمالي شرق سوريا) كقوات احتلال .
  6. عدم المخاطرة بتسبب أي خطوة عسكرية غير محسوبة بردود غير مسحوبة تسهم بتصعيد التوتر بين الطرفين إلى أقصاه وهذا ما لا تريده واشنطن في المدى المنظور على الأقل لأن ذلك قد يتسبب أيضاً بنسف إمكانيات لتوافق مع إيران للعودة إلى الاتفاقية النووية.

يبدو من ردة الفعل الامريكية الأولية على ضربة قاعدة عين الأسد أن نفس الاعتبارات ما زالت تقيد واشنطن فيما لو ردت بنفس الطريقة التي ردت فيها على ضربة قاعدة الحرير في أربيل.

وثمة مؤشرات تواكبت مع ذلك تؤكد هذا المنحى حيث أن ردة فعل العناصر الثلاثة الرئيسية في مجلس الأمن القومي الامريكي (الرئاسة – وزارتي الدفاع والخارجية) جاءت متطابقة تبرر عدم الرد إلا في حالة مقتل أمريكيين وتحمد الله أن ذلك لم يقع وتدعو إلى الهدوء وعدم الاتهام والتسرع. أما الرأي الآخر فقد ورد على لسان بعض المسؤولين بصيغة مواربة حيث لمحوا لوسائل الاعلام إلى "مسؤولية جماعات موالية لإيران عن عملية عين الأسد" لكنهم رفضوا الكشف عن أسمائهم.

احتمالات الرد الامريكي المتوفرة

ما هي الاحتمالات المتوفرة لإدارة بايدن للرد على عملية عين الأسد:

  1. الرد في العراق بشكل علني (هذا الاحتمال ضعيف لأنه يعقد الأوضاع للأمريكيين في العراق ويعطي ورقة قوة مجانية لإيران وحلفائها في العراق ويقوي حجة المقاومة العراقية وهذا ما تتجنبه واشنطن  الآن حتى ما بعد الانتخابات العراقية).
  2. الرد في العراق بدون بصمة (covert action ) لاستهداف شخصية قيادية عراقية أو مركز قيادي عراقي . هذا الاحتمال ممكن إلا أنه خطر في المدى المنظور لأنه يدفع إيران ودول أخرى إلى اعتماد هذا الاسلوب في العراق ضد الامريكيين وحلفائهم .
  3. الرد في العراق (بطلب أمريكي) عن طريق الاسرائيليين (جواً بطائرات حربية أو مسيرات) هذا الاحتمال قوي لأن الامريكيين اعتمدوه في الماضي ولم يؤدي إلا إلى أضرار جانبية استطاعت المقاومة العراقية والحشد الشعبي تجاوزه وتحمله.
  4. الرد في العراق (بطلب أمريكي) عن طريق إسرائيل (بدون بصمة) هذا الاحتمال ممكن ولا يجدي نفعاً لأن نتائجه غير كافية لإعادة هيبة واشنطن.
  5. الرد في العراق عن طريق القوات المسلحة العراقية : جرب الامريكيين هذا الاسلوب سابقاً وفشل فشلاً ذريعاً وانعكس عليهم وعلى وكلائهم.
  6. الرد في العراق عن طريق داعش هذا الاحتمال مرجح ولكنه ضعيف لأنه يسمح للمقاومة العراقية والحشد الشعبي بالتأكيد على صوابية عملياتهم العسكرية ضد داعش الارهابي.
  7. الرد في سوريا مجدداً  عن طريق الجو أو بعملية سرية (هذا الاحتمال قوي ولكنه يكرر ما حدث الاسبوع الماضي ويصبح باهتاً إذا تكرر على يد الأمريكيين ولكن إذا تغير الأسلوب ليصبح عملية خطف تقوم بها قوات أمريكية خاصة مجوقلة تستهدف مسؤولاً أو مسؤولين من المقاومة العراقية فإن هذا النمط يعيد ماء الوجه للأمريكيين إلا أن فشله سيتسبب بتعقيدات كبيرة للامريكيين وحرية حركتهم في سوريا).
  8. الرد في سوريا (بطلب أمريكي) عن طريق الاسرائيليين جواً أو بطيران مجهول (هذا الاحتمال ممكن إلا أنه لن يسفر عن شيء مؤثر باعتباره تكرر كثيراً في سوريا ولا يخدم الامريكيين معنوياً).
  9. الرد في إيران (غير ممكن إلا في حالة واحدة مرجحة وهي حالة هجوم سايبري شامل ومدمر يشنه الامريكيون خاصة بعدما أظهرت التقارير أن الأمريكيين يدرسون بجدية البرنامج الايراني السايبري الهجومي ويرون فيه خطراً على الأمن القومي الأمريكي).