منذ بواكير تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية ومنهجيتها العامة في التعامل مع مختلف الملفات الخارجية قائمة على الغطرسة والتعالي والإقصاء للآخر بمختلف الوسائل، بغض النظر عن النتائج المترتبة على مواقفها العدائية واستراتيجيتها الاستكبارية.
وما بين الأمس واليوم والبيت الأبيض يسير على نهج واحد غير قابل للتغيير، فأمريكا تسعى لفرض هيمنتها وتدخلاتها السافرة في سياسات الدول واستراتيجياتها، وبشكل عدائي بمسميات وصور متعددة، مقوضة بذلك أمن واستقرار العديد من الشعوب، غير آبهة بما يترتب على مواقفها من دمار وقتل وتشريد، فمصلحة أمريكا تتعالى على كل الاعتبارات الأخرى.
الأمر الذي انعكس بشكل سلبي على مكانة أمريكا في الوجدان الجمعي للعديد من شعوب العالم، وأسهم في تأجيج روح الكراهية لسياسة أمريكا وآحاديتها في التعاطي مع مختلف المواقف والقضايا الدولية.
ومنذ العام 2017م ومكانة أمريكا كقوة ليبرالية كبرى تتزعزع بعد أن رفع دونالد ترامب شعار (أمريكا أولاً) ليعلن بذلك عن الوجه القبيح للسياسة الخارجية الأمريكية في تعاطيها مع الملفات والقضايا الكبرى على صعيد العلاقات الدولية بأبعادها الاستكبارية ولغتها الاستعلائية التي تنظر إلى الآخر من منظار الدونية والاحتقار.
وتتجلى مظاهر الرؤية الأمريكية بطابعها العدائي في علاقاتها بالآخر من خلال تعاطي الإدارة الأمريكية مع الملف الإيراني النووي والاقتصادي، وإشكالات العداء الظاهر مع جمهورية الصين، والحساسية المفرطة في التعامل مع النظير الروسي بسبب مواقفه الرائدة من القضية السورية، فضلاً عن تعامل ترامب باستهتار مع الحلفاء العرب وتحديداً دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها السعودية التي وصفها ترامب بالبقرة الحلوب، وكرس جهوده لابتزاز ولي العهد المراهق بن سلمان لمساندته في حربه على اليمن مقابل التمويل والدعم الأمريكي له والتستر على جرائمه الوحشية في المحافل الدولية بشكل فاضح.
وإذا كانت الأخطاء القاتلة التي ارتكبها ترامب أيام رئاسته قد أساءت لسمعة أمريكا في مختلف المحافل الدولية وهددت بشكل واضح مستقبلها السياسي وحضورها المؤثر عالمياً، فإن (جو بايدن) قد وجد في تلك الأخطاء الجوهرية مادة دسمة لرفد حملته الانتخابية تحت شعار إعادة تجميل وجه أمريكا في المحيط الخارجي والعمل على إعادة بلورة البرنامج العام للسياسة الخارجية الأمريكية بما يحفظ لها مكانتها وهيبتها وحضورها المؤثر.
ومن المعلوم أن المجتمع الدولي يدرك بأن الوعود الصادرة من مرشحي البيت الأبيض لا تحمل رؤية استراتيجية واعية يمكن التعويل عليها لأنها في مجملها مجرد حملة دعائية لحصد أعلى نسبة من الأصوات وتخدير الوعي العام العالمي ليس إلاً، فالجميع يدرك بأن تاريخ البيت الأبيض والولايات المتحدة الأمريكية قائم على الكذب والخداع وتزييف الحقائق وانتهاك العهود والمواثيق والأعراف الدولية في مختلف المجالات، ولهذا فإن تصريحات الرئيس الأمريكي الجديد (جو بايدن) الثلاثية فيما يتعلق باليمن على سبيل المثال لم تكن سوى شماعة لتلميع صورة أمريكا بعد أن فضحتها الانتهاكات السافرة الملطخة بالدماء من خلال مشاركتها في الحرب والعدوان على اليمن وبشكل مباشر.
وإذا كان توجه بايدن لإعادة صياغة وبلورة سياسة أمريكا الخارجية قد استندت على أبرز الملفات الساخنة العالقة والوعد بمعالجتها قد جعلت العالم ينتظر الواقع التنفيذي العملي لتلك الوعود والتوجهات وينظر إليها بتهيّب متخم بالشك والريبة، فإن ثلاثية بايدن فيما يتعلق بالملف اليمني والتي تتمثل في: (إنهاء الدعم للحملة العسكرية التي تقودها السعودية على اليمن برعاية أمريكية، الالتزام بالدفاع عن السعودية ضد العدوان الموجَّه ضدها من قِبَل الحوثيين، ولعب دور دبلوماسي نشط لإنهاء الحرب على اليمن بالفعل) قد حملت العديد من المتناقضات ما يوحي بعدم جديّة (بايدن) في تقديم أي جديد فيما يرتبط بملف العدوان على اليمن والملفات الدولية الأخرى.
وفي المقابل فإن ظهور العديد من المتغيرات الفاعلة على الساحة اليمنية في مختلف المجالات السياسية والعسكرية والاجتماعية قد أرغمت إدارة بايدن إلى إصدار قرار بالتراجع عن قرار ترامب بتصنيف جماعة أنصار الله كجماعة إرهابية، والمبادرة إلى إرسال نائب وزير الخارجية الأمريكية (ليندر كينغ) كمبعوث أمريكي خاص إلى اليمن للعمل على وقف العدوان وتعجيل الحلول السلمية للملف اليمني، كل ذلك قد أثار العديد من التساؤلات عن طبيعة هذا التحول السريع في نغمة الخطاب الأمريكي وطريقة تعامل البيت الأبيض مع الملف اليمني وفي هذه المرحلة بالذات، الأمر الذي كشف تخوفات البيت الأبيض من انتصار اليمن عسكرياً بعد أن أثقل كاهل السعودية بضرباته الصاروخية وهجمات طائراته المسيَّرة، واستهدافه المركَّز لمنابع النفط السعودي، إلى جانب ظهور العديد من المتغيرات في الساحة الدولية توحي بظهور أقطاب جديدة قد تشكّل تهديداً حقيقياً لنفوذ الولايات المتحدة الأمريكية وهيبتها عالمياً.
ولعل تتابع المتغيرات في حقل السياسة الخارجية الأمريكية ومواقف (بايدن) قد تحمل أبعاداً دلالية توحي بتراجع بايدن عن نهج سلفه (ترامب) والسعي إعادة تموضع أمريكا عالمياً على عرش القضايا الساخنة التي أحرجت البيت الأبيض خلال الفترة الماضية، ولكنها في حقيقة الأمر لا تعدو عن كونها تغيير بسيط في إدارة المواقف للتفرغ لمواجهة الصين وروسيا والجمهورية الإسلامية الإيرانية للحيلولة دون تأسيس أي تحالف استراتيجي فاعل بينها، وهذا ما تؤكده العديد من الممارسات والتصريحات الصادرة من البيت الأبيض.
المتغيرات الدولية وتأثيرها على مسار السياسة الخارجية الأمريكية:
أسهمت السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية في عهدي ترامب وبايدن بطابعها العدائي الاستكباري وتحديداً ضد موسكو وبكين وإيران في ارتكاب أخطاء قاتلة ترتب عليها ظهور تحالف استراتيجي ثلاثي فيما بين تلك الدول المستهدفة، وبشكل يؤذن بمولد نظام عالمي جديد على أنقاض نظام القطب الواحد، وهو ما يمكن استشرافه من خلال المعطيات التالية:
- تصريحات الرئيس التنفيذي لشركة آرامكو بعد تخوّف السعودية من سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة بأولوية الصين في فيما يتعلق بأمن الطاقة والتصريح باستعداد السعودية التعهد بضمان إمدادات النفط إلى الصين على امتداد الخمسين عام القادمة شكلت صفعة لأمريكا قد تسهم في تغيير سياسة أمريكا الخارجية تجاه السعودية من جهة، وتغيير مواقفها من الملف اليمني من جهة أخرى من خلال تقديم التنازلات والتي قد تصل إلى مستوى التضحية بالحليف السعودي لضمان تحقيق مصالح أخرى في المنطقة والشرق الأوسط.
- الشراكة الاستراتيجية بين الصين وروسيا لمحاربة الثورات الملونة التي ترعاها الولايات المتحدة الأمريكية والمحافظة على سيادة البلدين والتشاور على ضرورة التخلي عن استخدام الدولار في التبادلات التجارية بين البلدين تمثل تهديداً وجودياً بأبعاد اقتصادية وسياسية للولايات المتحدة الأمريكية وهيمنتها الاقتصادية العابرة للحدود.
- الاتفاق الاستراتيجي بين الصين وإيران على تنفيذ حزمة من المشاريع الاستثمارية بتكلفة 400 مليار دولار وعلى امتداد 25 عاماً شكل ضربة قاضية لسياسية أمريكا الخارجية المتخمة بالعداء لإيران، ونقلة نوعية في المقابل لهيمنة ونفوذ ألد أعداء أمريكا المتمثل في الثلاثي الإيراني الروسي الصيني.
- مقولة وزير خارجية أمريكا الأسبق (هنري كيسنجر) الاستشرافية قد تكون الخيط الذي يضمن سلامة أمريكا واستقرار وجودها، حيث يقول: (على الولايات المتحدة الوصول إلى تفاهم مع الصين حول نظام عالمي جديد لضمان الاستقرار وإلا سيواجه العالم فترة خطيرة مثل تلك التي سبقت الحرب العالمية الأولى) وهو ما تجسده العديد من المؤشرات الراهنة.
- ارتفاع وتيرة استراتيجية التوجّه شرقاَ والتي تمثلت في العلاقات التي بدأت العديد من دول المنطقة في عقدها مع الصين وروسيا بعيداً عن واقع الهيمنة الإمبريالية الغربية بطابعها الاستكباري المتعالي.
- اقتراب موعد الانتخابات الإيرانية وتخوفات الإدارة الأمريكية من صعود كفة المحافظين وتأثير ذلك على مسار المفاوضات النووية وتداعياتها المستقبلية.
المتغيرات السابقة كفيلة بإرغام البيت الأبيض وإدارة (بايدن) على انتهاج سياسة خارجية مرنة لتحقيق التوازن الكفيل بالمحافظة على مكانة أمريكا العالمية وحضورها الفاعل في صناعة المتغيرات وفق استراتيجيتها الخاصة.
مؤشر التغيّرات في السياسة الخارجية الأمريكية فيما يتعلق باليمن:
لقد أدركت الإدارة الأمريكية أن اليمن سينتصر في النهاية، وأن تحالف السعودية سيخرج في نهاية المطاف مهزوماً منكسراً، بعد أن أثبتت وقائع الميدان العسكري وأبجديات الدبلوماسية اليمنية قدرتها على إدارة مختلف الملفات والأحداث بحنكة فائقة واقتدار قهر المستحيل.
وللخروج من مستنقع الموت على أرض اليمن بدأت السعودية بإعلان مبادرتها لتحقيق السلام ووقف إطلاق النار في اليمن لتظهر أمام العالم على أنها طرف آخر بعيد كل البعد عن جريمة العدوان وبشكل يصور الحرب القائمة على أنها حرب بين أطراف يمنية، وأن السعودية لا علاقة لها بالأمر، وهذا ما رفضته حكومة الإنقاذ الوطني بصنعاء وعارضه الوفد المفاوض بشدة، وهنا تدخلت أمريكا كراعية للمبادرة السعودية وكأنها حريصة على تحقيق ذلك، مع أن المبادرة لم تتضمن شيئاً جديداً حسب تصريحات رئيس الوفد اليمني المفاوض محمد عبد السلام والمجلس السياسي العلى بصنعاء.
كما أن هذه المبادرة قد كشفت الوجه القبيح لأمريكا والسعودية من جديد من خلال توظيفهم القذر للملف الإنساني لتحقيق ما عجزوا عن تحقيقه بالسلاح على أرض الواقع، والذي تمثل في توظيف مطار صنعاء والحصار والمشتقات النفطية والغذاء والدواء كمقابل لوقف إطلاق النار دون التطرق لوقف نهائي للحرب والعدوان على اليمن.
ووفق المعطيات الميدانية فإن هذه المبادرة لن تحقق أي نجاح، ولن تسهم في وقف العمليات الصاروخية اليمنية التي تستهدف العمق السعودي من منطلق الحق المشروع في الدفاع عن الأرض والسيادة اليمنية.
وحقيقة المبادرة السعودية التي تسعى أمريكا لفرضها من خلال المفاوضات التي يقوم بها المبعوث الأممي والمبعوث الأمريكي الخاص مع الوفد الوطني المفاوض في مسقط، هي محاولة مستميتة لوقف تقدم الجيش اليمني واللجان الشعبية باتجاه مدينة مأرب الاستراتيجية لا غير، واكتساب بعض الوقت لإعادة ترتيب أوراق اللعبة وتموضع الجماعات التكفيرية والمرتزقة في مناطق الصراع بشكل يسمح بتحقيق بعض الانتصارات لتوظيفها في أي عملية تفاوض قادمة، وهذا ما لن يتحقق على الإطلاق.
السيناريوهات المتوقعة بعد فشل المبادرة السعودية والجهود الأمريكية:
بعد تمسك حكومة صنعاء بموقفها الرافض للمبادرة السعودية والتوجهات الأمريكية لإنهاء العدوان على اليمن، تظهر العديد من السيناريوهات المتوقعة لمرحلة ما بعد المبادرة الوهمية السعودية الأمريكية، ولعل من أبرزها ما يلي:
- استمرار العمليات العسكرية في مختلف الميادين والجبهات الداخلية والخارجية وبوتيرة عالية لصالح الجيش اليمني واللجان الشعبية.
- استمرار عمليات استهداف العمق السعودي ومنشاءاته الحيوية النفطية والعسكرية بالصواريخ البالستية والطيران المسير.
- التقدم باتجاه مأرب بوتيرة عالية والعمل على تحريرها في أسرع وقت ممكن.
- إقدام إدارة (بايدن) على التخلي عن السعودية وتجاهل صراخها المرعوب لتحقيق مصالح ذاتية على أرض الواقع مع حكومة صنعاء.
- العمل على إجبار السعودية على قبول الأمر الواقع ووقف الحرب والعدوان على اليمن وفق شروط صنعاء.
- التخلي عن استراتيجية التعالي والتخاطب مع اللاعبين الإقليميين وتحديداً (إيران وروسيا والصين) للتدخل لوقف العدوان على اليمن كوسطاء بين صنعاء والسعودية وحلفها المعتدي.
سيناريوهات ما بعد مأرب:
فقدت الإدارة الأمريكية في اليمن ورقة التوت التي كانت تواري سوأة السياسة الخارجية الأمريكية على امتداد العقود السابقة، حيث فشلت جميع المخططات والمؤامرات الأمريكية الهادفة لإخضاع اليمن وتمزيق نسيجه الاجتماعي والمؤسسي بمختلف الوسائل والأساليب للأسباب التالية:
- القدرة التي أثبتتها حكومة صنعاء في تثبيت دعائم الأمن والاستقرار في المناطق الخاضعة لسلطة المجلس السياسي الأعلى.
- المنجزات العسكرية على أرض الميدان في الداخل اليمني والعمق السعودي لصالح الجيش واللجان الشعبية.
- ارتفاع وتيرة التصنيع الحربي في مختلف المجالات انطلاقاً من الصواريخ البالستية والمجنحة ومروراً بالطائرات المسيرة بمختلف أجيالها وانتهاء بمختلف التجهيزات والآلات والأسلحة الحربية الأخرى.
- التفوق الأمني والاستخباراتي الفريد وما ترتب عليه من افشال مخططات الأعداء ومنظومة تحالف البغي والعدوان السعودي الأمريكي على اليمن.
- فشل الحصار الشامل المفروض على اليمن براً وبحراً وجواً من قِبَل تحالف العدوان السعودي الأمريكي في تحقيق أهدافه المنشودة، وتوجه حكومة صنعاء لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مختلف المجالات وعلى رأسها المجال الغذائي والزراعة.
كل ما سبق أسهم في تحقيق الحضور الفاعل لحكومة صنعاء كقوة فاعلة ومؤثرة وقادرة على تحقيق الانتصار والاستقلال وتحرير الأرض وطرد المحتل، وفي نفس الوقت أظهر ضعف السعودية وحلفائها وفشلهم الذريع على أرض الواقع، الأمر الذي دفع الإدارة الأمريكية إلى إظهار تخوفها من تداعيات المرحلة الراهنة وما سيتبعها في قادم الأيام.
وإذا كان المجتمع الدولي وقوى الاستكبار العالمي وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا وإسرائيل قد أظهرت وبكل وضوح قلقها الكبير من مجريات الأحداث فيما يتعلق بمعركة مارب، وكشف في ذات الوقت حقيقة اشتراكها المباشر في العدوان على اليمن للسيطرة على موقعه الاستراتيجي ونهب ثرواته النفطية والمعدنية وتمزيق نسيجه الاجتماعي ووحدته الجغرافية والسياسية، فإن مجريات الأحداث والمتغيرات المستجدة على أرض الواقع يجعل من تحرير مأرب مسألة وقت ليس إلاَّ، ولهذا كثَّفت إدارة (بايدن) من بعثات مبعوثها الخاص إلى جانب المبعوث الأممي لتلافي تحرير مأرب تخوفاً من تبعات ما سيحصل بعدها.
ومن المعلوم أن رهان تحالف العدوان السعودي الأمريكي على مأرب قد فشل وتهاوى، لأن تعويلهم الكبير في حسم المعركة وتحقيق النصر هو على قبائل الشمال والمناطق الشمالية لأنها من تتمتع بروحية قتالية عالية على العكس تماماً من أبناء المناطق الجنوبية التي تفتقد لروح المقاومة والتحرر، ولهذا فإن تحرير الجيش واللجان الشعبية التابعة لحكومة صنعاء لمدينة مأرب والمناطق النفطية سيجعل مسألة تحرير مناطق الجنوب من المحتل السعودي والإماراتي مسألة وقت، الأمر الذي سيدفع بالإدارة الأمريكية إلى التعاطي مع الأمر وفقاً للسيناريوهات التالية:
السيناريو الأول: الضغط على السعودية لوقف العدوان وتعويض أضرار الحرب مقابل أن تتوقف حكومة صنعاء من الزحف على المناطق الجنوبية ليبقى لأمريكا موضع قدم على الممرات البحرية الاستراتيجية اليمنية بالقرب من مواطن نفوذ القوى الإقليمية الصاعدة وتحديداً الصين وإيران.
السيناريو الثاني: إقدام قبائل وأبناء المناطق الجنوبية على التنسيق مع حكومة صنعاء لتسليم الجنوب دون الدخول في صراع مسلح بعد أن فقدوا ثقتهم في المحتل الإماراتي والسعودي جراء الانتهاكات والجرائم المرتكبة بحقهم خلال الفترات الماضية من عمر العدوان على اليمن.
السيناريو الثالث: توقف العدوان على اليمن وحصر حكومة صنعاء في المناطق الشمالية على أن تبقى المناطق الجنوبية في حالة انفصال عن الشمال في الوقت الراهن على أن يتم انشاء استفتاء خاص بالمرحلة القادمة فيما يتعلق ببقاء وحدة الشطرين أو الانفصال.
وهناك العديد من التكهنات حول مستقبل الرئيس المنتهية صلاحيته عبد ربه منصور هادي وحكومته ولكن الواقع يدحضها، حيث فقدت حكومته مصداقيتها في الشارع اليمني في الشمال والجنوب من جهة، وأصبحت في نظر الجميع مجرد أداة بيد قوى تحالف البغي والعدوان وشريكة في جرائم الحرب المرتكبة بحق الإنسان اليمني من جهة أخرى، في الوقت الذي تمكن فيه أنصار الله من بسط مشروعهم القرآني ومسارهم الثوري على الجغرافية اليمنية دون أن يشكل تباين وجهات النظر في العديد من القضايا عائقاً أمام التفاف الشعب اليمني بمختلف توجهاته السياسية والمذهبية وتقسيماته القبلية معهم ورفع راية الجهاد المقدس لحماية الأرض والعرض تحت قيادة سيد الثورة والمسيرة القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي لأسباب جوهرية نابعة من صميم المشروع الذي قدمه الشهيد القائد السيد حسين بدر الحوثي (رضوان الله عليه) والتي تمثلت في المنطلقات الجوهرية التالية:
- تمركز الإطار المرجعي لمنطلقات المشروع حول المنهجية العامة للثقافة القرآنية ومقاصد النص القرآني بعيداً عن المنطلقات الوضعية التي جذرت حالة التيه والشتات في أوساط الأمة الإسلامية.
- الدعوة للثورة على سكونية الزمان والتحرر من قيود الموروث ومقولات الأسلاف في التعاطي مع مختلف القضايا الجوهرية للأمة.
- السعي لمحاربة روح الانهزامية المهيمنة على واقع الفرد والمجتمع في ظل الأطروحات التي تسوغ الخضوع للظالم في ظل الثقافات المغلوطة.
- العمل على تحرير الأمة من قيود التبعية والارتهان للخارج من خلال إحياء روحية الجهاد في سبيل والارتقاء بواقع الفرد والمجتمع بما يتوافق مع متطلبات المرحلة وضرورات البناء والتأسيس لواقع أمة قوية حرة وعزيزة مستقلة ذات رسالة وقيادة.
- تصحيح المفاهيم والمصطلحات المغلوطة بما يتوافق مع معطيات ومحددات المنهجية الثقافية القرآنية.
- العمل على إعادة تنزيل القرآن الكريم على أحداث الواقع ومستجداته لتعزيز فاعلية الحضور القرآني في تقديم الحلول والمعالجات لمختلف الإشكالات التي تواجه الأمة في صراعها مع أعداء الله تعالى.
- توجيه بوصلة العداء الوجهة الصحيحة باتجاه اليهود بدلاً من العداوات البينية التي صنعتها القوى الاستكبارية لتمزيق جسد الأمة الواحدة لإنهاكها تمهيداً للسيطرة عليها.
- العمل على تفعيل الحقائق الواقعية وتهميش الرؤى المؤدلجة لبناء أمة قوية وتأكيد الحضور الفاعل لقضايا الأمة الجوهرية وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي غيبتها السياسات والأنظمة العميلة لليهود.
- العمل على فضح أكذوبة قوى الاستكبار العالمي التي تروج لها بمختلف وسائل الإعلام تحت عنوان (الإرهاب والسلام).
- التمرد على عقلية التقليد والاجترار والعمل على تحرير العقول من قيود الدونية والانهزامية والتوجه للبناء والعمل والإنتاج والابتكار في مختلف المجالات لتحقيق فاعلية الاستخلاف بما يتوافق مع المنهجية القرآنية الخالدة.
- التأكيد على أهمية إحياء الهوية الإيمانية للشعب اليمني والمحافظة عليها لمواجهة مختلف التحديات التي تسعى لسلب اليمن عزته وكرامته واستقلاله.
وعلى ضوء ما سبق وجدت مختلف الأطياف اليمنية في أنصار الله ومشروعهم القرآني وسيلة الخلاص والتحرر من جميع القيود التي كبلت حركة المجتمع اليمني على امتداد الفترات الزمنية الماضية، واستشعر الجميع من خلال الثقافة القرآنية حضورهم الفاعل وقيمتهم الحقيقية ولهذا تناغم المجتمع اليمني في المناطق الشمالية مع أنصار الله وهتفت بشعارهم الخالد: (الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام) وانطلقت معهم في مختلف ميادين الجهاد والبناء بكل ثقة وإخلاص وتفاهم.
وهذا التناغم هو ما تفتقده المناطق الجنوبية الخاضعة لسلطة الاحتلال السعودي الإماراتي في ظل حكومة هادي المغلوب على أمره.
خاتمة:
إن الملف اليمني خاضع للعديد من التعقيدات التي أطالت أمد العدوان على أمل أن تحقق قوى تحالف البغي والعدوان أي تقدم لها على أرض الواقع، وتداخلت القوى الفاعلة في صناعة الأحداث وتباينت توجهاتها ومنطلقاتها الاستعمارية، فلبريطانيا طموحاتها في أرض الجنوب والساحل الغربي وهذا ما تسعى الإمارات لتحقيقه، ولإسرائيل طموح في السيطرة على مضيق باب المندب ومد نفوذها في البحر الأحمر إلى جانب أطماع أمريكا في فرض تواجها في الممرات المائية الاستراتيجية لخنق خصومها الدوليين، وما يترتب على ذلك من نهب ثروات اليمن النفطية والمعدنية، وهذا ما تسعى لتنفيذه من خلال السعودية.
وفي المقابل نجد تخوفات أمريكا من تنامي الحضور الفاعل لثلاثي أسيا (الصين وروسيا وإيران) في المنطقة، وقلقها من خروجها بشكل كلي من المنطقة خالية الوفاض، وعلى الرغم من كل ذلك فإن اليمن اليوم قد أصبح بمقاومته رقماً صعباً قادراً على صنع المتغيرات في المنطقة ورسم مسارات جديدة لمعادلات الصراع إن طال أمدها، ومن كان يتوقع بأن السياسة الخارجية الأمريكية ستتغير نحو الأفضل فهو واهم، وقادم الأيام كفيل بكشف حقيقة ذلك، وإن غداً لناظره قريب.