• اخر تحديث : 2024-04-19 15:15

في الشهر القادم سينتهى الوجود العسكري الذي أستمر قرابة 20 عام للولايات المتحدة في الدولة المعروفة باسم  مقبرة الإمبراطوريات يتبقى العديد من التساؤلات مفتوحة بخصوص الأثار المحتملة للانسحاب التي من المحتمل أن تؤثر على المنطقة برمتها، ويشمل عودة تصاعد حجم الإرهاب العالمي، السؤال كيف يمكن لدول منطقة الشرق الأوسط ومن ضمنها "إسرائيل" أن تستعد للمستقبل المقبل؟
يحقق الانسحاب الأميركي من أفغانستان رغبة ثلاث حكومات سبقت إدارة بايدن بخصوص انهاء مهمة الولايات المتحدة كشرطي للعالم، وممول للدولة المنقسمة والمجروحة التي أنجرّت الىها الولايات المتحدة عقب الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001 ، في بداية الحملة الأميركية حققت الهجمات الأميركية في أفغانستان أهدافها المباشرة؛ حيث تم ضرب تنظيم القاعدة والإطاحة بنظام طالبان؛ ولكن فيما يبدو لاحقًا فشلت الولايات المتحدة في منع عودة نظام طالبان الى الحكم في أفغانستان . 
تعهدت الولايات المتحدة باتخاذ مواقف متشددة والضرب من يد حديد في حال تم مهاجمتها على ارضها ولكن جيران أفغانستان ينظرون بخوف وخشية من المستقبل في ظل وجود الفراغ الذي ستتركه الولايات المتحدة بعد انسحابها . علاوة على ذلك الرواية التي ستنشرها طالبان والقاعدة بخصوص انتصار المقاومة الإسلامية الأصولية على دولة عظمى قد يقود الى الهام العديد من المنظمات المشابهة بالعديد من المناطق، ومن ضمن ذلك منطقة الشرق الأوسط، فمن الواجب على إسرائيل وحلفائها في الغرب أن يستعدوا لإمكانية أن تصبح أفغانستان مركزّا للإرهاب العالمي.
أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن في 8 تموز\يوليو أن القوات الأميركية ستغادر أفغانستان نهاية شهر آب\ أغسطس بعد عشرين عامًا من الوجود والقتال داخل  أفغانستان ، كان الدافع المباشر للقتال وشن الحرب على أفغانستان هو أحداث 11 سبتمبر 2001 التي قامت بها القاعدة، وأدت الى وقوع قتلى وضرر برموز الحكم والاقتصاد الأميركي بحجم ونطاق لغاية اليوم لم يسبق له مثيل.
كان الهدف للغزو الأميركي لأفغانستان تحقيق العديد من الأهداف الفورية : منها طرد القاعدة من الدولة وإيقاع الأذى بها، واجتثاث نظام الحكم الراديكالي المتطرف والأصولي لحركة طالبان من أفغانستان التي تعمل تحت وصايته القاعدة والمساعدة في إقامة نظام حكم بديل ديمقراطي وليبرالي.
كانت تلك الإنجازات كافة تهدف الى ردع المنظمات الإرهابية ومؤيديها من القيام بهجمات تسفر عن وقوع أصابات كبيرة داخل الولايات المتحدة؛ وبالفعل تم تحقيق تلك الأهداف على مدى زمني قصير؛ حيث أصيبت القاعدة بضربات شديدة وتم طردها، مما أضطرها الى الهروب الى باكستان وإيران . تم ابعاد طالبان من مدنها المركزية، وترك الحكم في أفغانستان، وتم أقامه حكومة جديدة في أفغانستان بقيادة حميد كرزاي؛ اذ عقدت ولأول مرة انتخابات للمجلس التشريعي، وأثبتت الولايات المتحدة ذاتها وتصميمها على دحر طالبان لتجرؤها على مهاجمة الولايات المتحدة داخل أراضيها.
لكن حينما غزت الولايات المتحدة العراق عام 2003 بعد مرور عام ونصف من أحداث 11 من سبتمبر للإطاحة بنظام صدام حسين حرفت الولايات المتحدة الانتباه عن قتال طالبان والقاعدة؛ وبالتالي فقدت الكثير من الدعم الفعلي والتقليدي من قبل السكان المحليين في أفغانستان، ومن جزء كبير من حلفائها.
وسمحت الولايات المتحدة لطالبان وللقاعدة بالتعافي والعودة الى التمحور في أفغانستان. 
النظام الأفغاني نفسه عانى كثيرًا من الفساد، ولم ينل ثقة المواطنين الأفغان، كما لم تسيطر الحكومة على البلاد بشكل فعال. وهكذا على النقيض مما تم التخطيط له اضطرت الولايات المتحدة الى تعزيز تواجدها العسكري وبذل جهودًا كبيرة والاستثمار في بناء الجيش الأفغاني من أجل أن يتمكن من مواجهة طالبان . في ضوء ذلك فشلت الجهود من منع طالبان من أن تصبح مرة أخرى القوة الأبرز في أفغانستان حيث أستعاد التنظيم الى سيطرته مناطق واسعة من أفغانستان.
 تسيطر طالبان بحسب التقديرات على أكثر من 13 مليون نسمة الذين يعيشون في 212 قضاء في البلاد في حين تسيطر حكومة الرئيس الأفغاني أشرف غاني على ما يقرب من 10 مليون مواطن يقطنون قرابة 70 قضاء وعلى العاصمة كابول . بخصوص ال 116 قضاء التي يقطنها قرابة 9 مليون مواطن لا يوجد بخصوصها حسم لغاية الآن.
دار بين الولايات المتحدة وطالبان وفق قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مباحثات سلام في الدوحة عاصمة قطر، وفي أعقابها تم التوقيع على أتفاق أُقر بموجبه على انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان حتي شهرشباط\ فبراير 2021 شرط أن تجري طالبان مباحثات مع الحكومة الأفغانية في كابول بخصوص التعاون المشترك في إدارة البلاد بعد خروج القوات الأميركية. أُقر في الاتفاق أن تقوم طالبان بمنع القاعدة من التواجد على الأراضي الأفغانية؛ وبأي حال أن تمنع طالبان أي عمل ينطلق من أراضيها نحو الولايات المتحدة؛ بالإضافة الى منع داعش في خورسان من العمل في أفغانستان.
على الرغم من تأجيل الانسحاب نصف عام أعلن الرئيس بايدن عن التزامه الاتفاق، واكمال عملية الانسحاب حتى نهاية أغسطس لكافة القوات باستثناء قوة قوامها 650 رجل أمن مهمتهم حماية السفارة في كابول. لغاية الآن تم أخلاء 95 في المئة من القواعد الأميركية من أفغانستان.
أهداف الولايات المتحدة في أفغانستان بعد الانسحاب كما حددها الرئيس بايدن هي الحفاظ على التفوق الاستخباري في المنطقة، وتقديم المساعدة للحكومة الأفغانية، ومنع انهيارها عقب تعاظم قوة طالبان والتوصل الى اتفاق بين طالبان والحكومة الأفغانية، ومنع عودة تنظيم القاعدة في أفغانستان ونشاط الدولة الإسلامية في خورسان ضد الولايات المتحدة .
يدعى منتقدو قرار الانسحاب بأن سحب كل القوات من أفغانستان تنازل عن التواجد الاستخباري والعسكري في الدولة قد يؤدي الى سيطرة سريعة من قبل طالبان على أفغانستان، وإعادة تأسيس حكم أصولي راديكالي في أفغانستان سيعيدها الى أن تصبح مركزًا للمنظمات الإرهابية، وسيمنع الولايات المتحدة من القدرة على الرد الفاعل في حالة تعرضها مرة أخرى للهجوم داخل أراضيها بواسطة تلك الجهات؛ وبذلك تحقيق الهدف الذي حدده الرئيس بايدن .
الجواب الحازم من قبل بايدن على السؤال فيما اذا كان يثق بطالبان؛ كان سلبيًا . القرار بالانسحاب على الرغم من الشكوك والمخاوف تعكس  التوجه الاستراتيجي الذي تبنته إدارة الرئيس الأميركي خلال ولايتها الأولي (2009 – 2012)، وهو تركيز المصالح العالمية على خصومها المركزيين للولايات المتحدة وعلى رأسها الصين؛ ومن هنا تم تركيز الجهد السياسي العام والعسكري بحلبة المحيط الهادئ وشرق آسيا . طبقًا لذلك تضاءلت أهمية وجود الولايات المتحدة في آسيا الوسطي والشرق الأوسط التي أدت وقوع خسائر فادحة بالأرواح خلال العقود الأخيرة.
استثمرت الولايات المتحدة في أفغانستان خلال العقود الأخيرة قرابة ترليون دولار خلال فترة وجودها هناك ( مساعدات مدنية وعسكرية وثمن التواجد العسكري والقتال) الرئيس بايدن أعترف بشكل رمزي أنه مثل الإمبراطوريات السابقة التي غرقت في الوحل الأفغاني في الماضي أيضا الولايات المتحدة لم تحصل علو مقابل لجهودها هناك.
علاوة على ذلك طالبان والقاعدة الذين دفعوا ثمنًا باهظًا على مشاركتهم بالهجوم على الولايات المتحدة قبل 20 عام حققوا انجازًا كبيرًا بعد قرار الانسحاب الأميركي . طالبان التي تجري خلال الأسابيع الأخيرة محادثات مع الجانب الروسي والإيراني والصيني تتمتع اليوم بالاعتراف والشرعية كقوة سياسية.
تلك المزايا كانت تسعى اليها في السابق بعد صعودها الى الحكم عام 1996 . من المرجح أنه عقب الانسحاب الأميركي  ستعلن كلًا من طالبان والقاعدة نجاحهما بالتعامل مع إمبراطورية أخرى، وعلى قدرتهم في طرد المحتل من مناطق أفغانستان التي تعرف بمقبرة الإمبراطوريات، وعلى انتصار الجهاد على دول الكفر .
مع افتراض أن طالبان ستسيطر من جديد على مناطق أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي، وستقيم فيها الشريعة الإسلامية كقانون للدولة وفق تفسيرها المتطرف، والسؤال الذي يطرح نفسة بخصوص امتثال طالبان لتعهداتها بمنع نمو أساس للإرهاب العالمي داخل أفغانستان. بالإضافة الى ذلك على فرض أن طالبان لن تطرد القاعدة من أفغانستان ليس من الواضح هل ستمنعها من القيام بعمليات ضد الغرب، وهل ستلتزم القاعدة بمهاجمة العدو البعيد.
الفراغ الذي سيتركه خروج القوات الأميركية من أفغانستان سيضع دول المنطقة المحيطة بأفغانستان وباكستان أمام تحدٍ سياسي وعسكري . أمكانية انحراف وتدهور الصراع السياسي والعسكري بين طالبان ونظام الحكم الحالي في كابول الى خارج افغانستان الذي سينعكس من خلال العمليات الإرهابية سواء الإقليمية أو العالمية، وهذا سيكون تهديدًا معقولًا يتطلب الاستعداد والجهوزية في الدول المجاورة والبعيدة.
حكومة بايدن ذاتها سيتم اختبارها بخصوص استعدادها لمساعدة نظام الحكم الراهن والحفاظ على استقراره، وعلى حقوق المواطنين في أفغانستان، وعلى النساء بوجه الخصوص من خلال تقديم المساعدات الإنسانية والسياسية، وفي الحالات التي تقع بها ضائقة يمكن تقديم مساعدة عن بعد متمثلة في تفعيل قوة عسكرية من أجل الحماية من ضربات الإرهاب المتكررة. 
من المرجح أن يُنظر الى الانسحاب الأميركي على أنه هزيمة للقوة العظمى الأمر الذي قد يشجع المنظمات الإسلامية التي تتطلع الى المقاومة على تحدي الولايات المتحدة وحلفائها. 
مع ذلك يمكن من خلاله دراسة مستنيرة لنتائج هجمات ال 11 سبتمبر وعلى وجه الخصوص خلال السنوات الأولى وبعدها، بالإضافة الى فهم الأسباب للانسحاب الأميركي من أفغانستان، والخشية من ردود تأتي من قبل الولايات المتحدة وحلفائها ستردعهم من القيام بمغامرة صريحة .
في المقابل استوعبت الدول الموجودة في الشرق الأوسط التي تعتبر من مؤيدي الولايات المتحدة الرسالة الواضحة للإدارات الأميركية السابقة ويستمر على نهجها الرئيس الحالي بايدن باستثمار جهود بدأت في التراجع بالمنطقة والتوقع بأن تحمل "وأن كان بغير أرادتها " على عاتقها معظم العبء الأمني والمالي الذي قامت الولايات المتحدة بالقائه عنها . وأيضًا بهذا الجانب الاتفاقات التي تم التوقيع عليها العام الماضي بين "إسرائيل" والعديد من الدول العربية، واحتمال تحسين الحالة السياسية مع دول أخرى لخلق إطار محتمل للتعاون الاستخباري وغيره. والذي هو جزء من حالة الاستعداد لليوم الذي يعقب نهاية التواجد العسكري في أفغانستان، ويمكن في إطاره اتخاذ خطوات مشابهة في مناطق أخرى .
خلق انخراط دول المنطقة بقتال داعش أساسًا للتعاون المشترك المستقبلي، وحتى لو قامت الولايات المتحدة بإخراج جنودها من أفغانستان يمكنها ويتوجب عليها تقديم المساعدة لها في مجال التنظيم الضروري سواء قبالة إيران، أو قبالة أمكانية أن يتجدد الإرهاب الذي مصدرة أفغانستان.
من الواجب أن يثير رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالى بينت تلك القضية خلال محادثاته المقبلة مع الرئيس الأميركي بايدن ورؤساء الأذرع الخارجية والأمنية بإدارته خلال نقاش قضايا المنطقة . يمكن الافتراض أن الإدارة الأميركي تبحث عن أفكار ملموسة للرد على الفراغ الذي سيخلقه سحب القوات الأميركية من أفغانستان وأثارها.
 
* أورانا مزراحي ويورام شفايتسر باحثين في معهد دراسات الأمن القومي الصهيوني.