• اخر تحديث : 2024-05-15 19:58
news-details
مقالات عربية

على حزب الله أن يحل مكان الدولة!


لا يمكنك أن تقع على مقال أو تحليل سياسي يخص الوضع اللبناني أو الإقليمي إلا وكان لحزب الله النصيب الأكبر منه، سواء جرى تناوله من باب المؤيد أو المناوئ للمقاومة، لكن المفارقة هو كم الإفتراءات والتجني على هذا الحزب وتحميله كل شاردة وواردة في لبنان والمنطقة حتى!

مناسبة هذا الكلام هي الحملة المنظمة على حزب الله وتوجيه أصابع الإتهام له فيما حلَّ بالعاصمة بيروت من جراء إنفجار المرفأ. حيث كانت حملة فاقعة وحبلى بالتجني، والتي لا يمكن تسويقها ولا بشكل من الأشكال، بخلاف الحملات الأخرى التي يمكن إيهام الرأي العام بها وخداعه بتورط الحزب بهذه القضية او تلك، على غرار الزلزال الذي هزَّ لبنان بمقتل الشهيد الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، حيث إبتدع المحققون الدوليون، بالتنسيق والتعاون مع بعض الأجهزة الأمنية اللبنانية وساسة قوى 14 أذار، أدلة وهمية عبر الاتصالات وغيرها، لتوريط حزب الله فيها، واصدار حكم المحكمة بعد خمسة عشر عاماً استنادا على تلك الأدلة، هذا عدا عن الاتهام السياسي من باب الخصومة السياسية بين الشهيد والمقاومة.

أما في إنفجار المرفأ، الأمور واضحة وضوح الشمس بأنه لا صلة لحزب الله بما حدث، ولا بد أن تخلص التحقيقات إلى هذه النتيجة، إلا إذا إنحرف التحقيق إلى ما هو غير متوقع. وأُريد لهذا الانفجار توظيفه في الحرب التي تُشن على المقاومة، أو ينحصر التوظيف بالإعلام عن طريق بعض الصحف والمحطات التلفزيونية اللبنانية والعربية التي تجندت من اللحظة الأولى للانفجار لإلصاق التهمة بحزب الله وتأكيد تورطه بالحادثة، على أن عنبر رقم 12 مليء بالصواريخ والذخائر الخاصة بالمقاومة، ليتبين لاحقا أنه يحوي على نيترات الأمنيوم منذ العام 2013، والانفجار نتج عن طريق الاهمال واللا مسؤولية لدى القيمين على المرفأ من عسكريين ومدنيين.

وبعيدا عن إتهام حزب الله بإنفجار المرفأ والهجمة المنظمة عليه، فقد فتح هذا الإنفجار باب النقاش على اننا نعيش في دولة مهترئة لا يمكن الركون إليها بشيء، بالأمس كنَا مُسلمين بأن الطبقة السياسية فاسدة ولا تؤتمن على المال العام ولا على إدارة مؤسسات الدولة، لكن ما فوجئنا به بأن تلك الطبقة لن تكتفِ بسرقة أموالنا بالتكافل والتضامن مع المصارف، وتجويعنا، إنما لم نسلم من الموت نتيجة فسادها وإهمالها بعد إنفجار المرفأ الذي أودى بحياة أكثر من 150 شهيد، وجرح الآلاف، وأحدث خراب بمئات آلاف الشقق السكنية والمحلات، ودمر ثلاثة ارباع المرفأ.

بمعنى آخر، أن الطبقة السياسية اللبنانية لم تعد تصلح لتولي أمر العباد والبلاد، وهي باقية لا يمكن إزاحتها، ولم تغيّر الانتخابات المرتقبة في 2022 أو المبكرة أي شيء، وإن إنتقلت الاكثرية النيابية من ضفة إلى ضفة أخرى، علمًا أن الضفتين مجربتين، ولم نحصد منهما إلا الخراب.

وعليه، يبقى الأمل معقودا على حزب الله والمخلصين في هذا البلد، بحيث لم يعد جائز بعد اليوم ترك الأمور على حالها، نحن أمام طبقة سياسية إنتهت صلاحيتها، حتى المجتمع الدولي أمسى يتعاطى بالملف اللبناني وكأنها غير موجودة، أقله في إمتناعه عن تسليمها مساعدات منكوبي انفجار المرفأ بعد ان فقد الثقة بها كما هو حال اللبنانيين كافة على اختلاف أطيافهم ومشاربهم. ولم يعد مسموحا ان يتفرغ حزب الله للمقاومة وحسب، هذا الأمر كان يصلح إبان وجود الضابط السوري، إنما اليوم على حزب الله ان يعلم بكل شاردة وواردة سواء بنيترات الأمنيوم في المرفأ، أو بأموال الخزينة وأحوالها، أو بما يجري في المحاكم العسكرية والمدنية ايضا، حتى لا نُفاجأ يوما ما بإنفجار آخر بمكان ما، أو بديون مترتبة على اللبنانيين، أو يطلق سراح عميل من هنا وهناك على غرار عامر فاخوري دون ان نعلم.

حماية الأمن القومي اللبناني لم تعد تقتصر على فرض المقاومة توازن ردع وقواعد اشتباك مع العدو الاسرائيلي وحسب، إنما مفهوم الأمن القومي أوسع بكثير من ذلك، كما أشار إلى ذلك الباحث أنيس النقاش في إحدى تصريحاته التلفزيونية، ليشمل كل مقومات الدولة من زراعة وصناعة واقتصاد و...، وهذا كلّه يحتاج إلى دولة، وهي مفقودة مع شديد الأسف، طالما الطبقة السياسية باقية في الحكم، وهو كذلك.

هذا ما دفعنا لأن نطلب ما هو غير منطقي ولا يصح بأي دولة في العالم، وما نطلبه لا يتوافق مع مفهوم الدولة والدستور، بحيث لا يحل حزب مكان الدولة، لكن إنطلاقا من ان لبنان استثناء بكل شيء لا مثيل له في هذا العالم، نسمح لأنفسنا بذلك بعد أن سُدت امامنا كل السُبل والخيارات، وفشلنا بكل شيء سوى في مقاومة العدو الاسرائيلي والتكفيري، فالحري بنا ان نسلم أمرنا لمن نجح بما ذكرت. خصوصا أن حزب الله متهم بأنه دويلة داخل دولة، فليكن دولة داخل شبه دولة، وذلك بفضل حكامنا الذين أحالوها إلى مزرعة حتى!