أصبحت قضية إعفاء الشبان اليهود الأرثوذكس المتشددين، المعروفين باسم الحريديم أو "خشاة الله"، من الخدمة العسكرية من أكثر القضايا المثيرة للانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي.
يعود هذا الإعفاء إلى سنة 1948، عندما منح ديفيد بن غوريون، أول رئيس للحكومة، إعفاءات عسكرية لـ 400 طالب يدرسون في "اليشيفوت" وهي المدارس التلمودية، من مجموع يزيد قليلاً عن 40000 من اليهود الحريديم. ومنذ سنة 1977، أصبح جميع الشبان الحريديم الذين يدرسون في هذه المدارس يستفيدون من الإعفاء. لكن منذ أعوام، وخصوصاً بعد قيام إسرائيل بشن حربها على قطاع غزة، وحروبها على جبهات أخرى، وتزايد حاجة جيشها إلى العديد، صارت هذه القضية من القضايا الملتهبة في المجتمع. فبينما يبذل الحزبان الحريديان، المؤثران في الائتلافات الحاكمة، قصارى جهدهما للحفاظ على هذا الامتياز، يُلزم الشبان الإسرائيليون الآخرون بأداء ثلاثة أعوام في الخدمة الإلزامية وعامين بالنسبة للشابات، فضلاً عن فترات الخدمة الاحتياطية.
من هم الحريديم، وما هي علاقاتهم بالإسرائيليين الآخرين؟
في تحقيق مطوّل بعنوان: "لماذا لا يرغب اليهود الأرثوذكس في الخدمة في الجيش الإسرائيلي، وما علاقة ذلك بسياسة البلاد؟"، نُشر في 11 آب/أغسطس 2024، لاحظت الصحافية في "بي بي سي" باولا روزاس أن من يُطلق عليهم اسم "الحريديم" يعيشون في مجتمعات مغلقة، مع القليل من الاتصال بالعالم الخارجي، ولا يملك الكثيرون منهم أجهزة تلفزيون أو اتصال بشبكة الأنترنت، وليس لهم بالطبع حسابات على شبكات التواصل الاجتماعي. يكرس معظم الرجال البالغين أنفسهم لدراسة النصوص الدينية بدوام كامل، ويرتدون بدلات سوداء وقبعات ذات حواف عريضة، ويتميزون بضفائرهم الطويلة بالقرب من الأذنين ولحاهم الطويلة. وترتدي نساؤهم تنانير طويلة وجوارب سميكة وحجاباً أو شعراً مستعاراً على الرأس، وهن يقمن بإعالة الأسرة وتربية الأولاد الكثيرين، إذ هم يميلون إلى إنجاب الكثير من الأطفال، وعادة ما تكون أسرهم فقيرة وتعتمد على الإعانات الحكومية. وتدور حياتهم كلها حول التوراة، والشريعة المكتوبة والشفوية، وتخضع جميع خياراتهم في الحياة، سواء كانت مهنية، أو تعليمية، أو متعلقة بمكان العيش، أو الملابس، للتقاليد اليهودية. وهم يلتزمون التزاماً حازماً بيوم السبت (يوم الراحة اليهودي)؛ ويتبعون نظاماً غذائياً كوشير ويمارسون عموماً ما يسمى "الطهارة الزوجية" (النوم في أسرة منفصلة وعدم ممارسة الجنس قبل سبعة أيام من انتهاء الدورة الشهرية، وبعد الاستحمام الطقسي).
ويضطلع حاخاماتهم بدور القادة الكبار للمجتمع، الذين يلجأ إليهم السكان عندما يتعين عليهم اتخاذ قرار مهم في حياتهم، مثل من يتزوجون أو ماذا يدرسون. ومن الناحية اللاهوتية، ظلت مجموعة صغيرة من الحريديم تعتبر أن دولة إسرائيل لا يمكن أن تقام إلا بعد مجيء المشيح، لكن الأغلبية العظمى منهم تتبنى طريقة تفكير أكثر عملية، وتدعم المشاركة السياسية للدفاع عن مصالحها. وقد شكلوا في الماضي تحالفات مع حزب العمل للحفاظ على إعفاءاتهم ومزاياهم الاجتماعية، ثم انحازوا، بعد سنة 1977، بقوة إلى حزب الليكود. وهم يمثلون حالياً حوالي 13٪ من السكان اليهود في إسرائيل، وتمارس أحزابهم السياسية، وخصوصاً "شاس" و"يهدوت هتوراه"، تأثيراً حاسماً على السياسة. ففي مقابل دعمهم لحكومات اليمين المتعاقبة التي شكّلها بنيامين نتنياهو، نجح ممثلوهم في الحفاظ، من بين أمور أخرى، على إعفاء شبانهم، الذين يكرسون حياتهم للدراسة الدينية، من الخدمة العسكرية الإلزامية، بالإضافة إلى مئات الملايين من الشواكل لمؤسساتهم.
وتتابع الصحافية تحقيقها، فتذكر أن الحريديم يعيشون عادة في مناطق معزولة، إذ تضم أحياء مثل "ميا شعاريم" في القدس أو "بني براك" في ضواحي تل أبيب نسبة كبيرة من هذه الفئة السكانية. وعلى الرغم من عزلتهم، فإنه بدأت تظهر بينهم فئة جديدة أكثر حداثة، يعيش أفرادها حياة حريدية، لكنهم صاروا يعملون في مهن كالتعليم والمحاماة ويستخدمون الإنترنت، وبعضهم يتطوع أحياناً للالتحاق بالجيش، إذ يوجد حالياً كتيبة، هي كتيبة "نيتزا يهودا"، التي تم إنشاؤها خصيصاً لتلبية متطلبات الحريديم فيما يتعلق بالفصل بين الجنسين، ومتطلبات الطعام الكوشر، والجداول الزمنية المخصصة للصلاة والطقوس اليومية.
تزايد النقمة على إعفاء الشبان الحريديم
صار الاستياء من إعفاء الشبان الحريديم من الخدمة العسكرية وتقديم الإعانات الاجتماعية لهم يشمل قطاعات متعاظمة من الإسرائيليين، الذين يعتبرون أنهم يدفعون من ضرائبهم الإعانات الاجتماعية لفئة معظمها عاطل عن العمل، وأنهم يرسلون أولادهم للقتال بينما يظل آخرون في أمان بعيداً عن خطوط المواجهة.
في منتصف شهر آذار/مارس 2024، تجمع آلاف المتظاهرين في تل أبيب، وكان أحد مطالبهم الرئيسية إنهاء إعفاء الشبان الحريديم من الخدمة العسكرية، في الوقت الذي يعاني فيه الجيش من نقص في الجنود منذ بداية حربه على قطاع غزة. وكان الشعار الرئيسي الذي ردده آلاف المتظاهرين "تقاسموا العبء"، في تعبير عن الشعور العميق بالظلم الذي ينتاب الأغلبية العظمى من الإسرائيليين. "لا يوجد أي سبب يدعو خطيبي في غزة إلى المخاطرة بحياته في كل لحظة، في حين أن الحريديم يرفضون ارتداء الزي العسكري لحماية البلاد"، تقول آية كوهين، وهي معالجة فيزيائية شابة من تل أبيب، قامت هي نفسها بأداء الخدمة العسكرية قبل بضعة أعوام.
في أواخر تشرين الأول/أكتوبر 2024، أرسل أكثر من 1000 من ضباط وجنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، الذين استدعوا إلى الخدمة مرات عديدة في قطاع غزة، رسالة إلى رئيس هيئة الأركان السابق هرتسي هاليفي، ينتقدون فيها الغياب المستمر لتجنيد الشبان الحريديم، وهي خطوة كان في إمكانها أن تخفض مدة خدمتهم الطويلة. وتتهم الرسالة قيادة الجيش بأنها لا تكترث بجنود الاحتياط المتعبين والمحبطين، وتشير إلى أن عبء الحرب لا يجب أن يقع على كاهلهم وحدهم، وأنه كان من الممكن تخفيف هذا العبء في حال تم تجنيد ألاف الشبان الحريديم. ويؤكد ضباط وجنود الاحتياط أن أوضاعهم الاقتصادية، وصحتهم النفسية، وعلاقاتهم مع أفراد عائلاتهم قد تضررت جراء خدمتهم الطويلة في الجيش. فغداة إعلان الحرب على قطاع غزة، جند جيش الاحتلال نحو 300000 جندي احتياطي، شاركوا في الحرب على الجبهات المختلفة، بمتوسط 136 يوماً في العام. ومع الوقت، راح معدل مشاركة جنود الاحتياط يتراجع جراء الإنهاك والصعوبات الاقتصادية والنقمة على الحريديم وافتقاد الثقة في الحكومة.
في العام الماضي، وفي سياق توترات متعاظمة حول هذا الموضوع، تم استدعاء عشرات الآلاف من الشبان الحريديم إلى الخدمة، لكن أقلية بسيطة بينهم تقدمت إلى مراكز التجنيد. بينما نزل معظمهم إلى الشوارع للتظاهر ضد تجنيدهم. ومع أن من تخلف منهم يخضع لعقوبات، إلا أن قلائل هم الذين تعرضوا للملاحقة بسبب موارد الجيش المحدودة وتحالف بنيامين نتنياهو مع أحزاب الحريديم، الذين طالب ممثلوهم بسن قانون يشرع إعفاء الشبان الحريديم من الخدمة العسكرية، وإلا فإنهم سينسحبون من الحكومة. في المقابل، بادرت زوجات جنود وضباط الاحتياط إلى تشكيل "منتدى" خاص بهن، وطالبن بالحصول على تعويضات من الحكومة، كما أجبرن الكنيست على إقرار قانون يمنع أصحاب العمل من تسريح أزواجهن الذين يؤدون خدمة الاحتياط.
قلائل من الحريديم يؤيدون أداء الخدمة العسكرية
رداً على محاولة تجنيد الشبان الحريديم، أعلن الحاخام الأكبر لليهود الشرقيين (السفارديم) يتسحاق يوسف في 9 آذار/مارس 2024 في حديث إلى القناة 12 الإسرائيلية بأنه "في حال أجبر الحريديم على الخدمة العسكرية فإنهم سيغادرون البلاد والكل سيسافر إلى الخارج"، ثم أضاف أن "العلمانيين يضعون الدولة على المحك". فحاخامات الحريديم يرفضون أن يقوم أتباعهم بارتداء الزي العسكري إلى جانب "العلمانيين"، ويعتبرون أن الدراسات الدينية وحدها هي التي أنقذت الشعب اليهودي. وكما يشرح حاييم ليفي، الطالب في معهد تلمودي في ضواحي تل أبيب: "لقد حفظتنا التوراة على مدى آلاف السنين ومكنتنا من التغلب على كل المعاناة التي عانيناها، وبفضلها نجونا وعُدنا إلى أرضنا". بيد أن تصريحات يتسحاق يوسف أثارت ضجة كبيرة في المجتمع، وكذلك بين أتباع الصهيونية الدينية، الذين يشكلون أغلبية المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، والذين يتزايد عددهم بين ضباط جيش الاحتلال.
كانت قيادة الجيش الإسرائيلي قد أصدرت، في ربيع سنة 2024، أوامر بتجنيد 3000 شاب إضافي من الحريديم، بالإضافة إلى 1500 شاب يخدمون بالفعل في الجيش. لكن لم يحضر سوى 273 شاباً إلى مراكز التجنيد وانضم 48 منهم في النهاية إلى الجيش. وبعد أن طُلب من قيادة الجيش وضع خطط لتجنيد عدد أكبر من هؤلاء الشبان في الأعوام القادمة، بدأ الجيش، في تشرين الثاني/نوفمبر من ذلك العام، في إصدار 7000 أمر تجنيد على أن يتم إرسالها على مدى ثلاثة أشهر إلى الشبان الحريديم الذين بلغوا سن الخدمة الإلزامية. وبحسب يوسي ليفي، المدير العام لجمعية "نتساح يهودا" التي تعمل منذ 25 عاماً على تشجيع الشبان الحريديم الذين لا يدرسون التوراة على التجنيد في الجيش، فإنه "لا يوجد اليوم أي عذر يبرر إعفاء شاب حريدي لا يدرس في معهد ديني، فنحن في حاجة الآن أكثر من أي وقت مضى إلى عدد أكبر من الجنود، وهناك العديد من المواقع في الجيش التي تناسب الجنود الحريديم، مثل كتيبة "نيتزا يهودا" ولواء "الحشمونائيم" الجديد.
ويقدّر الحاخام ديفيد ليبل، الذي كان وراء إنشاء هذا اللواء، أن هذا اللواء "يقدم حلاً للآباء المتشددين الذين يشعرون بالقلق من المخاطر الروحية التي يتعرض لها أبناؤهم"، ويضيف أن "أكثر ما يقلق الآباء المتشددين فيما يتعلق بالجيش هو أن أبناءهم سيبدأون خدمتهم العسكرية كأتباع للطائفة الحريدية، لكنهم قد لا ينهونها بالطريقة نفسها؛ لكن إذا كانت هناك وحدة داخل الجيش الإسرائيلي تمكّن الجمهور الحريدي من أن يشعر بالأمان روحياً وثقافياً فيها، فسيتم إزالة العديد من العقبات التي تحول دون تجنيد الحريديم"، وأضاف: "أعتقد أن لواء الحمشونائيم يلبي هذه الحاجة إلى الأمان بصورة دقيقة للغاية"، إذ سيتمكن الجنود الحريديم "من الاستفادة من بيئة معزولة يتم فيها الحفاظ على الفصل بين الجنسين بدقة، مع توفير طعام كوشير وسلسلة من دروس التوراة التي ستقدم بانتظام للجنود".
والواقع، أن العديد من الشبان الحريديم الذين يتطوعون للتجنيد يتعرضون للمضايقة والترهيب، وغالباً ما يتم نبذهم من قبل أفراد بيئتهم الاجتماعية. ويخشى بعضهم العودة إلى ديارهم بعد ارتداء الزي العسكري. وقد ألقى بعض المعلقين، مثل إسحاق سودري المتحدث السابق باسم حزب "شاس"، مسؤولية فشل تجنيد الحريديم على عاتق الجيش الإسرائيلي، مؤكداً أن هذا الجيش "غير مستعد لتوفير الأجواء الروحية اللازمة لدمج الجنود المتشددين دينياً"، وداعياً الحكومة إلى "أن تجعل مسألة تجنيد الحريديم هدفاً وطنياً مهماً"، و"أن تضع برامج متعددة السنوات، وأن تدعم المؤسسات القائمة، وأن تشجع الاتصال مع الشباب الحريديم وتوعيتهم، وأن تقدم حوافز لهم، وهي عملية طويلة الأمد".
الصراعات القانونية بشأن تجنيد الحريديم
بدأت هذه الصراعات منذ أن أقر قانون "تقاسم الأعباء"، في سنة 2014، تحت ضغط من حزب "يوجد مستقبل" الذي كان في السلطة آنذاك، ونصّ على زيادة كبيرة في تجنيد الشبان الحريديم. لكن في سنة 2015، أُدخل تعديل على ذلك القانون، رأت المحكمة العليا أنه "ينتهك مبدأ المساواة"، وقررت، في 12 أيلول/سبتمبر 2017، إلغاءه بتأييد ثمانية أصوات ومعارضة صوت واحد، على أن يسري إلغاء التعديل بعد عام واحد، وذلك بهدف تمكين الائتلاف الحاكم برئاسة بنيامين نتنياهو من إيجاد صيغة بديلة مقبولة لدى المحكمة والجيش والأحزاب الحريدية، التي يُعد دعمها حاسماً لحكومته. وقد أشاد يائير لبيد، زعيم حزب "يوجد مستقبل" بموقف المحكمة العليا هذا، وأكد أنه "لا يوجد مواطنون من الدرجة الأولى ومواطنون من الدرجة الثانية"، وكتب: "التجنيد الإجباري واجب على الجميع". في المقابل، أكد يسرائيل إيخلر، من حزب "يهودت هاتوراه"، كما نقلت عنه صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، أن القرار جزء من "حرب شاملة ضد اليهودية". وصرح وزير الداخلية أرييه درعي، من حزب "شاس" الديني، على تويتر بأن المحكمة العليا "منفصلة تماماً عن تقاليدنا"، ووعد بأن "طلاب المعاهد الدينية سيواصلون تكريس أنفسهم لدراستهم وحماية بقية سكان البلاد بفضل اجتهادهم الروحي".
بعد قيام حكومة بنيامين نتنياهو بشن حربها على قطاع غزة، وانخراطها في حروب على جبهات أخرى، عادت قضية تجنيد الشبان الحريديم لتطرح نفسها بقوة على جدول أعمال الحكومة والكنيست. وقررت المحكمة العليا أن صلاحية الترتيب المطبق منذ إنشاء دولة إسرائيل بشأن إعفاء الحريديم تنتهي مساء يوم 31 آذار/مارس 2024، لكن لم يتم التصويت على أي قانون بسبب عدم التوصل إلى تسوية في الكنيست، جراء موقف أحزاب الحريديم التي تمارس أقصى قدر من الضغط على بنيامين نتنياهو بالتهديد بالاستقالة والتسبب في سقوط الحكومة. وعبر ممثلوها بصورة خاصة عن غضبهم بعد أن أعلنت المدعية العامة غالي باهاراف ميارا تجميد الإعانات العامة الممنوحة لـ "اليشيفوت" التي يرفض طلابها ارتداء الزي العسكري. وفي 25 حزيران/يونيو 2024، أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية حكمًا جديداً قضت فيه بأنه في غياب إطار قانوني محدد يُعفي طلاب المدارس الدينية من الخدمة العسكرية، فإنهم يخضعون للتجنيد الإجباري أيضاً. وعقب قرار المحكمة العليا، أطلق الجيش الإسرائيلي حملات تجنيد جماعية، لكن بقيت نسبة الاستجابة منخفضة للغاية.
في 3 أيار/مايو 2025، أعلن الجيش الإسرائيلي أن رئيس الأركان الجديد، اللواء إيال زامير، أمر إدارة شؤون الموظفين في الجيش بتقديم خطة على وجه السرعة تهدف إلى "توسيع وتعظيم" عدد أوامر التجنيد الموجهة إلى الشبان الحريديم، وهو قرار أثار غضباً شديداً في أوساط المجتمع الحريدي. ورداً على ذلك، دعا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في اليوم التالي إلى عقد اجتماع طارئ مع مجموعة محدودة من كبار المسؤولين في الائتلاف، بمن فيهم زعيم حزب "شاس" أرييه درعي، في محاولة لاحتواء الأزمة المتصاعدة والتوصل إلى حل وسط حول مشروع القانون المثير للجدل بشأن تجنيد الحريديم. وحضر ذلك الاجتماع وزير الحرب، إسرائيل كاتس، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست، يولي إدلشتاين (الليكود)، الذي يعتبر، منذ فترة طويلة أن أي قانون بشأن الخدمة العسكرية للحريديم يجب أن "يزيد بصورة كبيرة من قاعدة التجنيد في الجيش الإسرائيلي".
في أواخر حزيران/يونيو 2025، قضت المحكمة العليا الإسرائيلية بعدم قانونية الإعفاءات العامة التي كانت سارية سابقاً لطلاب المدارس الدينية اليهودية (اليشيفوت). ورداً على موقف المحكمة هذا، أBottom of Formوردعلن حزبا "شاس" و"يهودت هاتوراه" قرارهما الانسحاب من حكومة بنيامين نتنياهو، على أن يحافظ حزب "شاس" على دعمه داخل الائتلاف البرلماني في الكنيست. وكان السبب الرسمي المعلن هو فشل الحكومة في تمرير تشريع يضمن إعفاء طلاب المعاهد الدينية من التجنيد العسكري. بينما كان بنيامين نتنياهو يواجه قطاعاً من حزبه يطالب بسنّ قانون لتجنيد المزيد من الشبان الحريديم وتشديد العقوبات على المتهربين منهم من الخدمة العسكرية.
مشروع قانون النائب بوعز بيسموث
في 27 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وبعد أشهر من المناورات والمفاوضات والضغوط السياسية، قُدم إلى أعضاء الكنيست مشروع قانون يقترح حصصاً سنوية لتجنيد بعض الشبان الحريديم في الجيش، ويعفي آخرين. وقد صاغ هذا المشروع بوعز بيسموث، الرئيس الجديد للجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست (الليكود)، بعد أن رفض الحزبان الحريديان نسخة سابقة كان يدعمها يولي إدلشتاين، الرئيس السابق للجنة نفسها الذي أُقيل من منصبه. وبينما انتقد سياسيون حريديون بارزون مشروع قانون بيسموث لاحتوائه على عقوبات، أعرب آخرون على مضض عن دعمهم له. ويُقدّر عدد الشباب الحريديم الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً والمؤهلين حالياً للخدمة العسكرية بنحو 80 ألف شاب. وقد صرّح الجيش الإسرائيلي بأنه في حاجة ماسة إلى 12 ألف مجند نظراً للضغط الواقع على القوات النظامية والاحتياطية. وفي حال اعتماد هذا المشروع من جانب الكنيست، سينضم نظرياً أكثر من 30 ألف شاب من الحريديم إلى الجيش أو أجهزة الأمن المدني بحلول سنة 2030، لكن العدد الفعلي للمجندين سينخفض إلى حوالي 21 ألفاً بحلول تلك السنة إذا ما أُخذت بعين الاعتبار الاستثناءات. وبحسب المشروع، يجب على أي شخص مُنح إعفاءً من التجنيد "عدم ممارسة أي نشاط آخر غير دراسته". ويلغي النص بصورة ملحوظة شرط الحد الأدنى لعدد المقاتلين بين المجندين. كما يعترف ببعض أشكال الخدمة المدنية، مثل جهود الإغاثة باعتبارها معادلة للخدمة العسكرية. ويفرض مشروع القانون عقوبات مخففة على المتهربين من الخدمة لا تُسهم إلا قليلاً في تشجيع التجنيد.
أثار مشروع القانون ردود أفعال عديدة. فقد نددت صحيفة "هابيلس" الأرثوذكسية بـالمشروع "الهدام" ، وبـ "أهداف التعبئة المروعة" و"العقوبات الجائرة"، بينما أدانته المعارضة ووصفته بـ "قانون التهرب" الذي "يتعارض مع روح العدالة والمساواة". واتهم زعيمها، يائير لبيد، الحكومة بـ "الاستخفاف بالجنود" و"تحويل قانون التجنيد إلى قانون للتهرب". ووصف بيني غانتس، من جانبه، الخطة بأنها "اتفاق وُقّع على حساب أبنائنا". أما يولي إدلشتاين، فقد علّق ساخراً: "عندما أرى القانون، أفهم سبب استبدالي، فأنا لا أملك المهارات اللازمة لإنشاء نظام للتهرب من الخدمة العسكرية".
خاتمة
في مقال بعنوان: "إنه الأمن، أيها الأحمق"، نشره في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، في 16 كانون الأول/ديسمبر الجاري، ونقلته نشرة "مختارات من الصحف العبرية"، علّق الصحافي أمير أتينغر على مشروع قانون النائب بوعز بيسموث، فكتب: "خلافاً للحملات الموجهة إلى الخارج، من الواضح للأغلبية الساحقة من أعضاء الكنيست في الائتلاف - باستثناء قلة قليلة- أن القانون لن يجنّد الحريديم على نحوٍ يلبّي حاجات الجيش الإسرائيلي، وأنه في الأساس حل سياسي، لسدّ ثغرة في سفينة السلطة المتمايلة". ويستشهد الصحافي بتقرير جديد بعنوان "المجتمع الحريدي السنوي"، صادر عن "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، يحذّر "من خطر وقوع ضررٍ استراتيجي بدولة إسرائيل"، ناجم عن "إحكام الأحزاب الحريدية قبضتها على دفة الحكم"، وخصوصاً أن "وتيرة نموّ السكان الحريديم مرتفعة جداً، مقارنةً ببقية السكان، ومن المتوقع أن يتضاعف عددهم كلّ 17 عاماً، في حين أن بقية السكان اليهود لن يتضاعف عددها إلّا كلّ 80 عاماً"، ومن المتوقع أنه "بحلول سنة 2030، سيكون ربع جميع الشباب حتى سن العشرين من الحريديم"، ليخلص إلى أن "دمج الحريديم لتحمّل العبء الأمني والاقتصادي هو حاجة استراتيجية من الدرجة الأولى، سواء لزيادة حجم القوة القتالية، أو لتقليص العبء على الاقتصاد، والناتج من حجم قوات الاحتياط ونفقات الأمن الكبيرة"، لكن "في ظلّ حكومةٍ يملك فيها الحريديم حق النقض السياسي، من المستحيل الدفع قدماً بعمليات حقيقية لدمجهم في التجنيد، وفي سوق العمل".