تحدثت وسائل اعلام الكيان الصهيوني عن وفد من تشاد وصل سرًا من تشاد إلى الكيان مساء الإثنين 6\9\2020 برئاسة رئيس مجلس الوزراء الأمني ونجل الرئيس التشادي عبد الكريم ديبي، ويضم مستشار الأمن القومي التشادي، ومسؤولين في المجال الاستخباراتي.
وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الصهيونية أن المحادثات تركزت على تطوير العلاقات بين البلدين كجزء من اتفاقية الاعتراف الثنائي الموقعة في العام 2019 بعد قطيعة دامت ما يقرب من 50 عامًا.
وعلى ضوء هذه الزيارة يرصد تقرير اعدته الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين لأبرز مراحل تطور العلاقات الافريقية الصهيونية؛ وذلك من خلال بعض الأبحاث التي سلطت الضوء على تاريخ الوجود الصهيوني في إفريقيا، ودوافع الكيان، والأدوات التي استخدمها.
اولا: دوافع الوجود الصهيوني في إفريقيا وأدواته
تعود العلاقات الصهيونية - الإفريقية إلى خمسينيات القرن الماضي، وتأرجحت ما بين انقطاع تارة، وتطبيع ثانية إلى أن نجح الكيان الصهيوني في تثبيت وجوده ونفوذه في القارة الإفريقية.
في حزيران العام 2017 نشر موقع قراءات أفريقية دراسة للباحث في الدراسات الإفريقية نجم الدين محمد عبدالله جابر تحت بعنوان: "الوجود الإسرائيلي في إفريقيا دوافعه وأدواته"؛ وهو أشار إلى أن "محاولة التغلغل الإسرائيلي في إفريقيا لم تبدأ بقيام دولة الكيان في العام 1948، بل مع انعقاد أول مؤتمر صهيوني في آب\ أغسطس 1897 في بازل بسويسرا؛ حيث برزت في صدارة جدول أعماله خيار أوغندا ليكون وطنًا قوميًا لليهود بجانب الأرجنتين وفلسطين. وقد ظلّت إفريقيا في العقل الصهيوني على الرغم من حصول اليهود على فلسطين، وقيام الكيان في العام 1948؛ وذلك للأسباب والدوافع الآتية:
1 ـ تمثّل إفريقيا البداية التي من خلالها يستطيعون إقامة دولة إسرائيل الكبرى؛ وذلك لوجود منابع النيل فيها الذي يمثّل حلم إسرائيل.
2 ـ حاجة إسرائيل للاعتراف بها دولة من قبل الدول الإفريقية لكسب الشرعية السياسية والقانونية، كما قال وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق أبا إيبان.
3 ـ الحيلولة دون قيام تكتل عربي – إفريقي ضد إسرائيل؛ وهذا ما أكده مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية شكومو أفنيري في العام 1975 قائلاً: "إن الأهداف التي كنا نتوخاها من وراء توطيد العلاقات مع الدول الإفريقية هي كسب صداقة هذه الدول من أجل الخروج من العزلة السياسية، والحيلولة دون قيام معسكر إفريقي معاد يقف إلى جانب العرب في نضالهم السياسي ضد إسرائيل".
وفي هذا السياق، تؤكد وكالة التعاون الدولي الاسرائيلية (مشاب MASHAV) جدوى الاستثمار في العلاقات مع افريقيا، وترى أنه ينعكس في التصويت على القرارات الهامة في الامم المتحدة، وكسب ود الدول الافريقية الواقعة جنوب الصحراء من شأنه أن يضمن تفوق إسرائيل في الهيئة الأممية، ويضع حداً للمدّ الدبلوماسي الفلسطيني وانجازاته التي حققها، ويحول دون استخدام آلية الشرعية الدولية للاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية وتحت الاحتلال، ناهيك عن قيامها فعليًا. وهو ما يعكسه أيضًا كلام بن غوريون في الكنيست في العام 1960: " تهدف الصداقة الإسرائيلية – الإفريقية في حدّها الأولي إلى تحييد إفريقيا عن الصراع العربي الإسرائيلي، كما تهدف في أحسن حالاتها إلى ضمان مساندة إفريقية للمواقف الإسرائيلية".
وتعتبر مشاب ان رفض الطلب الفلسطيني بالانضمام الى هيئة البريد الدولية UPU هو ثمرة الاستراتيجية الناعمة تجاه افريقيا، ودليل على جدوى الدبلوماسية النشطة في الهيئة الاممية. إذ دلّت نتائج التصويت التي نشرت بتاريخ 15 ايلول 2019 على أن 56 دولة فقط أيدت الطلب الفلسطيني، وعارضته سبع دول، في حين امتنعت أو لم تشارك في التصويت 129 دولة.
كما أنّ امتناع مندوب رواندا عن التصويت لصالح اقتراح القرار الاردني في مجلس الامن (ديسمبر 2014) الداعي الى اقامة دولة فلسطين، قد أسقط الاقتراح عن جدول الاعمال والذي يتطلب إدراجه تأييد تسعة من بين اعضاء المجلس.
وتحت عنوان: "الأمن العربي و إشكاليات التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا" في العدد 38 - تشرين الأول 2001 من مجلة الجيش اللبناني أشار الباحث في الشؤون الصهيونية إحسان مرتضى إلى وزن أفريقيا في حسابات الأمن القومي الصهيوني، وسعي الكيان إلى تلمس التأييد الدولي خارج الدائرتين الأميركية والأوروبية. ولهذا عمل على إقامة علاقات متنوعة مع دول في قارات أخرى، خصوصاً في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية وفق اعتبارات عدة أمنية وسياسية واقتصادية، واستراتيجية، لأن "إسرائيل كانت تتوخى من سعيها إلى إنشاء علاقات مع دول آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية البحث عن الأمن وضمان وجودها ودعم مركزها الدولي مع ما يحققه ذلك من مزايا إستراتيجية تنعكس إيجابا على أمنها القومي" كما قال ثالث رئيس الوزراء الكيان ليفي اشكول.
اعتمد المخطط الصهيوني في القارة الإفريقية على أربعة مداخل أساسية عند بدء تنفيذه، وهي:
أولًا: مرحلة المبادرة إلى الاعتراف باستقلال الدول الإفريقية.
ثانيًا: إنشاء علاقات دبلوماسية كاملة مع هذه الدول.
ثالثًا: تقديم معونات مالية وفنية ومعها جيش من الخبراء.
رابعًا: عقد الاتفاقيات الاقتصادية والثقافية مع الأقطار الإفريقية.
ويذهب الباحث في مركز الجزيرة للدراسات فهد ياسين إلى أن "العصر الذهبي للتغلغل الإسرائيلي في إفريقيا الذي شمل عقد الستينيات شهد نهاية حاسمة له بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973؛ إذ أدى العدوان الإسرائيلي على مصر وسوريا والأردن إلى تغيير صورة إسرائيل من دولة فتيَّة ومسالمة في نظر الأفارقة إلى دولة قوية عدوانية وتوسعية. قامت الدول الإفريقية بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل بناءً لقرار منظمة الوحدة الإفريقية ـ في اجتماعها الذي عُقد في نوفمبر/تشرين الثاني 1973 ـ قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدولة العبرية مطالبةً إسرائيل بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، ومنح الشعب الفلسطيني حق تقرير المصير. لكن العلاقات التجارية بين إسرائيل والدول الإفريقية بقيت على حالها السابقة، فيما سعت الدبلوماسية الإسرائيلية من جديد لإعادة علاقاتها.
أما البلد الأفريقي الذي أقامت الصهيونية العالمية علاقات وطيدة معه حتى قبل إعلان الكيان فكان جنوب أفريقيا أثناء حكم العنصريين البيض فيه. وقد تجسدت هذه العلاقة الوطيدة بين العنصريين في جنوب أفريقيا والصهاينة في زيارة رئس حكومة البيض دانيال ميلين للكيان الصهيوني في مطلع الخمسينات التي أسهمت في توطيد العلاقات الشاملة بين تل أبيب وجوها نسبورغ بحيث أصبح العنصريون البيض أقوى حليف للصهاينة بعد الولايات المتحدة.
ارتبطت إسرائيل بعلاقات وطيدة مع زعماء دول شرق إفريقيا في إطار تشكيل إسرائيل لقاعدة لوبيات من الموالين لها من الصفوة السياسية الإفريقية ممن تلقَّوا تعليمًا وتدريبًا في "إسرائيل"؛ فقد سعت ـ وبالتنسيق مع الخبراء والطلبة الجامعيين الافارقة الذين تدربوا ودرسوا في جامعاتها ومعاهدها ـ الى إقامة قوى ولوبيات ضغط في بلدانهم للتأثير على السياسات باتجاه مناصرة الكيان ودعم مصالحه، ويعتبر "نادي السلام" في كينيا، ويضم أكثر من ثلاثة آلاف من الكينيين الذين درسوا في المعاهد الصهيونية إحدى أقوى مجموعات الضغط تلك.
كما ركَّز الكيان في تفاعلاته مع دول شرق إفريقيا منذ الاستقلال على المساعدات العسكرية في مجال تدريب قوات الشرطة والحرس الرئاسي لعدد من دول الشرق الإفريقي، مثل: أوغندا وكينيا، وإثيوبيا ودول أخرى.
وفي المجال الاستخباراتي تُوِّج النشاط الاستخباري "الإسرائيلي" في شرق إفريقيا منذ العام 1976، أي بعد انطلاق عملية الكوماندوز الإسرائيلي من كينيا إلى أوغندا لاقتحام طائرة تابعة لشركة إير فرانس التي كانت تحمل 83 إسرائيليًّا من إجمالي 229 راكبًا اختطفتهم مجموعة فلسطينية بغرض مبادلتهم بأسرى فلسطينيين.
وأثناء الهجوم الذي شنَّته حركة الشباب الصومالية على مجمع "ويست غيت" التجاري في عام 2013 تدخلت قوات إسرائيلية سريعة لمساندة القوات الكينية لإعادة السيطرة على المركز التجاري.
بالإضافة إلى عدد كبير من المستشارين والخبراء الإسرائيليين يعملون في صفوف جيوش تلك الدول لتدريب عناصرها ومدِّهم بالسلاح خصوصًا سلاح الطيران. كما عملت إسرائيل على نقل المهارات التقنية لدول المنطقة عن طريق البرامج التدريبية، وإنشاء شركات مشتركة، أو على الأقل نقل الخبرات والمهارات الإدارية للشركات الإفريقية.
وفي المجال الاقتصادي والتجاري، يحتل آلاف "الإسرائيليين" مراكز اقتصادية مهمة في منطقة شرق إفريقيا لاسيما في مجالات التجارة وإدارة المزارع والمشروعات الخدمية؛ إذ تحتكر الشركات "الإسرائيلية" معظم الأنشطة الاقتصادية في كينيا وأوغندا وإثيوبيا، ويتجلَّى ذلك من خلال عدد من الشركات الإسرائيلية العاملة في المنطقة مثل شركة سو ليل بونيه وهي الشركة الإسرائيلية الأولى التي تعمل في مجالات التشييد، وإقامة المطارات والموانئ وتشييد المباني السكنية والحكومية، وشركة أجريد أب التي تعمل في مجال تطوير الزراعة، وشركة "كور" المنتِجة للمعدات الإلكترونية والأجهزة الكهربائية والمعدنية، إضافة إلى شركة "موتورلا" التي تُعنى بمدِّ شبكات الكهرباء والمياه، وتوريد أجهزة السيطرة المائية، وشركة "كرمل" للمواد الكيماوية وتختص بإنتاج المواد الكيماوية. وفي مجال مكاتب الدراسات طورت شركة تلمال للاستشارات الهندسية نشاطاتها في أفريقيا حيث تملك مكاتب تمثيل في نيجيريا وغانا وليبيريا والكاميرون. وهي تعمل في مشاريع الري وبناء الطرق والمرافئ النهرية وإصلاح المدن.
كما يقوم قطاع النقل البحري واتحاد نقابات الهستدروت والاتحاد البحري الإسرائيلي الذي يملك نظاماً للشركات المختلفة بدور بارز في تعزيز واستمرار عملية الاختراق.
ثانيا: التركيز الصهيوني على دول شرق إفريقيا
يشير الباحث ياسين في دراسة بعنوان: "التغلغل الإسرائيلي في شرق إفريقيا: أهدافه ومخاطره" إلى عدد من الأهداف التي تجعل من دول شرق افريقيا محطة أساسية في الأجندة الصهيونية، ويجملها في الآتي:
أولًا ـ أهداف استراتيجية وسياسية: تشكِّل دول شرق إفريقيا بالنسبة لإسرائيل أهمية استراتيجية في غاية الأهمية، باعتبارها تمتلك ممرات ومنافذ بحرية حيوية مطلة على المحيط الهندي والبحر الأحمر الذي يشكِّل أهمية بالغة بالنسبة للمصالح الإسرائيلية التجارية والاستراتيجية؛ وقد دلل بن غوريون على أهمية هذا البحر لإسرائيل عندما وصف ميناء ايلات بأنه موت وحياة إسرائيل. وهو حدد غاية إسرائيل من التحكم بمنافذ البحر الأحمر بثلاثة أهداف:
أ- جعل البحر الأحمر منفذاً إسرائيليا إلى القارة الأفريقية والشرق آسيوية.
ب- استخدامه كشريان إسرائيلي والإفادة منه عوضاً عن قناة السويس.
ج- تفكيك الروابط القومية للعالم العربي.
ثانيًاـ أهداف اقتصادية: خلال الجولة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو جولته الشرق إفريقية في 8 من يوليو/تموز 2016، وشملت أوغندا وكينيا وإثيوبيا ورواندا، وقَّعت إثيوبيا وإسرائيل على اتفاقات تعاون ومذكرة تفاهم حول بناء القدرات في مجال الزراعة، والسياحة، والاستثمار. كما أبرمت إسرائيل وكينيا اتفاقيات شملت مجالات الصحة والهجرة لتُضاف إلى اتفاقات أخرى وُقِّعت بين الطرفين في مجال الزراعة والري في فبراير/شباط 2016. وبالتزامن مع ذلك، أقرَّ مجلس الوزراء الإسرائيلي اقتراحًا بفتح مكاتب للوكالة الإسرائيلية للتنمية في الدول الأربعة، كما أعلن عن تخصيص 13 مليون دولار لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتعاون معها.
ويتزامن ذلك مع وقت تنامت فيه الاستثمارات الإسرائيلية بالسوق الإثيوبية بسرعة مذهلة، لاسيما في مجال زراعة الزهور والتصنيع الزراعي، ووفقًا لهيئة الاستثمار الإثيوبية فقد بلغ عدد المشاريع الإسرائيلية في إثيوبيا 187 مشروعًا بقيمة 1.3 مليار بر إثيوبي (ما يوازي 58.4 مليون دولار).
وتعاقدت وزارة الزراعة الرواندية أيضًا مع شركة إيبوني المحدودة، وهي شركة إسرائيلية، لوضع خطة رئيسية للري الرواندي، وتم التوقيع على مذكرة تفاهم بين الجانبين، يوم 22 يناير/كانون الثاني 2007 في مقر الوزارة في مدينة كيغالي.
كما تشارك إسرائيل أيضًا في مشروع ثلاثي مع ألمانيا وكينيا لتطهير مياه بحيرة فيكتوريا التي تبلغ مساحتها حوالي 69 ألف كيلومتر مربع وتشكِّل المنبع الرئيس لنهر النيل، وتم في 17 أغسطس/آب 2012 التوقيع في نيروبي بين الدول الثلاث على مشروع إنقاذ بحيرة فيكتوريا التي تعد أكبر خزان للمياه العذبة في إفريقيا.
وكشف ياسين عن طموحات اقتصادية واسعة لتعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية مع الدول الإفريقية، ورغبة إسرائيلية في تنويع شراكاتها الاقتصادية بخلاف الاعتماد المفرط على أسواق أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. وأشار إلى أن العلاقات الإسرائيلية مع دول شرق إفريقيا اتسمت بتعاون نشط في مجالات التجارة والاستثمار، بحيث يتمثل التعاون التجاري المشترك -والذي يسعى نتنياهو إلى تعزيزه- في وجود مكاتب وشركات تجارية لإسرائيل في كل من إثيوبيا وأوغندا وكينيا لتعزيز التبادل التجاري بين إسرائيل وبين تلك الدول؛ فالصادرات الإسرائيلية إلى إثيوبيا بلغت 18 مليون دولار عام 2008، وبلغ حجم الواردات الإسرائيلية في نفس العام 46 مليون دولار، وتُصدِّر إسرائيل لإثيوبيا المواد الكيماوية والآلات الصناعية والبرمجيات، وتستورد إسرائيل منها المنتجات الزراعية والتبغ. كما تضاعفت الواردات الإسرائيلية لإثيوبيا أكثر من ثلاثين مرة خلال عقد التسعينات من 1.9 إلى 5.8 ملايين دولار سنويًّا. أمَّا كينيا فقد بلغت الصادرات الإسرائيلية إليها في عام 2007 (97 مليون دولار)، وبلغ حجم الواردات في نفس العام (22 مليون دولار).
ثالثًا: أهداف أمنية وعسكرية: تحولت دول شرق إفريقيا -لاسيما كينيا وإثيوبيا وأوغندا- خلال السنوات الأخيرة إلى قاعدة للمخابرات الإسرائيلية بجميع أجهزتها من أجل محاولة فهم ما يدور في القرن الإفريقي، والحد من انتشار الجماعات الإسلامية المتطرفة في شرق إفريقيا باعتبارها تهديدًا مباشرًا لأمن إسرائيل.
رابعًا: التأثير على دول حوض النيل: سعي إسرائيل الدؤوب للتحريض على دول المنبع ضد دول المصب وخاصة جمهوريتي مصر والسودان، وذلك من خلال تغذية الخلافات وتأجيجها مع دول حوض النيل كمحاولة لزيادة نفوذ إسرائيل في الدول المتحكمة في منابع النيل، مع التركيز على إقامة مشروعات زراعية تهدف إلى سحب المياه من بحيرة فكتوريا التي تشترك في ملكيتها عدَّةُ دول في شرق إفريقيا. وتتطلَّع إسرائيل إلى ضمان أمنها المائي والحصول على حصة ثابتة من مياه نهر النيل
ثالثا: التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا ومخاطره على الأمن العربي
بدوره يشير الكاتب السوري غازي دحمان في مقال نشره موقع الجزيرة نت بعنوان: "التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا ومخاطره على الأمن العربي إلى أن الكيان الغاصب يقيم "علاقات دبلوماسية مع 46 دولة أفريقية من مجموع دول القارة البالغ عددها 53 دولة، منها 11 دولة بتمثيل مقيم بدرجة سفير وسفارة، و33 بتمثيل غير مقيم، ودولة واحدة بتمثيل على مستوى مكتب رعاية مصالح، ودولة واحدة أيضا بتمثيل على مستوى مكتب اتصال، علما بأن لإسرائيل 72 سفارة و13 قنصلية، و4 بعثات خاصة على مستوى العالم. وهذا يعني أن البعثات الدبلوماسية الإسرائيلية في أفريقيا مقارنة مع بعثاتها في العالم تشكل 48 في المئة، في حين تبلغ نسبة العلاقات الدبلوماسية الأفريقية الإسرائيلية بالمقارنة مع نسبتها بالعالم 28في المئة.
وأشار دحمان إلى مداخل تبنّاها الكيان الصهيوني منذ بداية القرن الحالي في علاقاته مع الدول الأفريقية بما يتناسب مع معطيات المشهد الدولي الحالي. وشرحها وفق التالي:
المدخل الأيديولوجي والثقافي: ويقوم على الزعم بخضوع كل من اليهود والأفارقة (الزنوج) لاضطهاد مشترك، وأنهم من ضحايا الاضطهاد والتمييز العنصري. ويؤكد رئيس الإدارة الأفريقية في وزارة الخارجية الإسرائيلية موسى اليشم أن العلاقات القومية التي تطورت ونمت بين إسرائيل وأفريقيا تتصل بالروابط التي قامت على أن اليهود والزنوج أجناس أدنى، إضافة إلى أن التجربة النفسية متشابهة لديهما من خلال تجارة الرقيق وذبح اليهود.
مدخل محاربة الأصولية: تقدم إسرائيل نفسها على أنها خط الدفاع الأول للغرب ضد التطرف الإسلامي، وتحاول دائما أن تثير مخاوف الأفارقة من المد الإسلامي والحركات السياسية الإسلامية، وأن تقدم خدماتها للحكومات الأفريقية باعتبارها الخبير الأول في هذا المجال. وتولي إسرائيل أهمية خاصة للقرن الأفريقي لاعتبارات عديدة منها وجود السودان دولة إسلامية، وتخوف إسرائيل من أن يتحول القرن الأفريقي -خصوصا على امتداد الساحل البحري- إلى منطقة نفوذ إيرانية سودانية، من شأنها تعريض مصالحها الإستراتيجية لخطر كبير. ويقول نائب المدير العام لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية الإسرائيلية تسفي مزال: "إن العالم صغير ومغلق، وإن ما يحدث في أي مكان يؤثر على المكان الآخر، وخاصة بالنسبة لما يحدث في أفريقيا التي نعتبرها جارة لإسرائيل من الناحية الجغرافية، وإذا ما تفشى الإسلام هناك فإن إسرائيل ستتضرر كثيرا".
وتقوم جماعات تبشيرية يهودية، من بينها "شهود يهوه" التي استطاعت أن تؤثر في فئات مسيحية ومسلمة لاعتناق ما تدعو إليه عن طريق الإغراءات وتقديم المساعدات.
اتخذت إسرائيل من دعم المجتمع المدني والديمقراطية مدخلًا للنفاذ والتغلغل داخل نسيج المجتمع الأفريقي. ويعد هذا المدخل من أهم وأكثر المداخل فعالية. وقد أنشأت العديد من المراكز التدريبية الخاصة في أفريقيا، كما تقوم على الدوام بإعادة تقويم هذه المراكز وتطويرها ومنها:
ـ مركز "جبل كارمن" في مدينة حيفا الذي ينظم حلقات دراسية للمرأة الأفريقية في ميدان التنمية.
ـ مركز "دراسة الاستيطان" الذي يوفر تدريبات في البحوث الزراعية والتخطيط الإقليمي.
ـ المركز الزراعي الذي يوفر الخبراء والمساعدات الفنية لتعظيم استخدام الموارد المتاحة.
ـ قسم "التدريب الأجنبي" الذي يهتم بقضايا التنمية الأفريقية.
ـ المعهد الأفروآسيوي" للهستدروت الذي يهتم بأنشطة الاتحادات العمالية.
ركزت إسرائيل في تفاعلاتها الأفريقية منذ البداية على هذه المسائل التي تمت ترجمتها على شكل شركات أمنية. ويمكن التمييز في هذا الإطار بين نوعين من الشركات:
ـ شركات المرتزقة، ومن أبرزها شركة "ليف دان" وشركة "الشبح الفضي" التي تتولى تدريب وتسليح مليشيات قبلية لحماية الرؤساء والشخصيات السياسية المهمة.
ـ شركات تتولى تنفيذ المخططات الإسرائيلية في أفريقيا، وأهمها شركة "يول باريلي" للأسرار، وشركة "أباك" وهما شركتان فرنسيتان مملوكتان لعناصر يهودية.
وتتبنى إسرائيل سياسة تهدف إلى إشعال وتصعيد الصراعات في أفريقيا بهدف إسقاط أنظمة تسعى للتقارب مع الدول العربية، ولإحكام السيطرة السياسية والاقتصادية الإسرائيلية.
في الجانب السياسي تقوم إسرائيل بدعم أنظمة الحكم المتعاونة معها والموالية لها في القارة الأفريقية، وبتوسيع دور حركات المعارضة في الدول غير الموالية لإسرائيل لنشر حالة من عدم الاستقرار السياسي.
وقد اتفق الباحثون في توصيف أهمية القارة الافريقية بالنسبة إلى الكيان الغاصب، والأهداف الكبيرة التي يرمي الكيان إلى تحقيقها من خلال تغلغله في القارة الأفريقية، فماذا تشكل أفريقيا بالنسبة إلى الكيان الغاصب؟ من وجهة نظر الكاتب السوري غازي دحمان.
هي تشكل أهمية إستراتيجية كبيرة لأسباب عديدة:
1 ـ امتلاك أفريقيا لممرات حيوية للتجارة الدولية ومنافذ وموانئ بحرية هامة على المحيطين الهندي والأطلسي. ويشكل البحر الأحمر أهمية كبيرة بالنسبة للمصالح الصهيونية التجارية والإستراتيجية لأن الكيان يعتمد عليه في تجارته مع أفريقيا وآسيا وأستراليا، ومع استقلال إريتريا في العام 1993 وابتعادها عن النظام العربي يحاول الكيان ضمان تلبية مطالبه الأمنية الخاصة بالبحر الأحمر.
2 ـ يحقق التغلغل في أفريقيا أهمية كبيرة على المستوى الاقتصادي لجهة فتح أسواق للمنتجات الصهيونية، والحصول على المواد الأولية اللازمة للصناعة، وتشغيل فائض العمالة لديها من خبراء وفنيين في دول القارة. بالإضافة إلى السيطرة على قطاع الصناعة الاستخراجية في القارة الأفريقية، واستغلال الثروات الطبيعية كالماس في كلٍّ من الكونغو الديمقراطية وسيراليون وغانا وأفريقيا الوسطى، واليورانيوم في النيجر.
يشكِّل التوجه الصهيوني نحو دول شرق إفريقيا من وجهة نظر الباحث فهد ياسين جزءًا من الصراع العربي-الإسرائيلي، وجزءًا من نظرية الأمن الإسرائيلية القائمة على اكتساب الشرعية والهيمنة والتحكم في المنطقة وتطويق الدول العربية وحرمانها من أي نفوذ داخل منطقة تعتبر واعدة في المجالات التجارية والاستثمارية. كما أن الوجود "الإسرائيلي" القديم والمتجدد من شأنه أن يؤدي إلى تَكوُّن محور استخباري أمني (نيروبي-أديس أبابا) من خلاله تستطيع إسرائيل مساعدة الأفارقة من جهة، وتطويق الأمن القومي العربي من جهة ثانية، وذلك في ظل الدور العربي الضعيف في المنطقة.