بذلت أطراف متعددة في محور المقاومة طوال الفترة الماضية جهوداً متواصلة لإعادة العلاقات بين حركة "حماس" والدولة السورية إلى طبيعتها، وبما يتناسب مع التقارب في التموضع الاستراتيجي للطرفين، وبما ينسجم مع علاقة حركات وفصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى بالدولة السورية، وقد وصلت هذه الجهود أخيراً إلى ثمرتها. وبناءًا على عودة العلاقات التي تتكرس اليوم في لقاء جمع كلًا من الرئيس السوري بشار الأسد ووفد الفصائل الفلسطينية من بينها وفد حركة "حماس".
ولأهمية هذا الحدث، تضع الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين بين أيدي السادة الأعضاء مجموعة من المقترحات للتعامل معه في الخطاب الإعلامي:
أولًاـ التركيز على أهمية قرار استئناف حركة "حماس" للعلاقة مع سوريا الذي بدأ يتبلور منذ حوالي الـ 10 أشهر بعد انقطاع دام لسنوات طويلة. وذلك بهدف تقوية وتعزيز تحالفاتها الإقليمية في مواجهة التحديات، في ظل تشكّل محاور وأحلاف أخرى في المنطقة.
تنبثق الأهمية الاستراتيجية من كون وحدة الجبهات تصب في صالح القضية الفلسطينية، وتخدم مشروع التحرير، نظرًا لأهمية الدور السوري في مواجهة عدو مشترك يحتل الأراضي الفلسطينية والجولان السوري. فالدولة السورية من أكثر الداعمين للقضية الفلسطينية ومقاومتها على مدار السنوات الماضية، وتستضيف على أرضها مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين، وتحتضن العديد من فصائل المقاومة الفلسطينية وقوى المقاومة في المنطقة، وهو ما عبّرت عنه حركة "حماس" في بيان لها بعنوان "أمّة واحدة في مواجهة الاحتلال والعدوان"، أعلنت فيه رسميًا قرارها باستئناف علاقتها مع سوريا (16 أيلول 2022 ) قالت فيه: "سوريا احتضنت شعبنا الفلسطيني وفصائله المقاومة لعقود من الزمن"؛ مؤكّدة مضيها في "بناء وتطوير علاقات راسخة مع الجمهورية العربية السورية في إطار قرارها باستئناف علاقتها مع سوريا الشقيقة؛ خدمةً لأمتنا وقضاياها العادلة، وفي القلب منها قضية فلسطين، ولا سيما في ظل التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة التي تحيط بقضيتنا وأمتنا"... و"تمسّ بشعبنا الفلسطيني وقضيّته العادلة، وأبرزها مظاهر التطبيع ومحاولات دمج العدو الصهيوني ليكون جزءاً من المنطقة، مع ما يرافق ذلك من جهود للسيطرة على موارد المنطقة، ونهب خيراتها، وزرع الفتن والاحتراب بين شعوبها ودولها، واستهداف قواها الفاعِلة والمؤثّرة، الرافضة والمقاوِمة للمشروع الصهيوني".
ثانيًا ـ التركيز على أن استعادة علاقة الحركة مع محور المقاومة بكل أطرافه بمثابة الخيار الأكثر واقعية، في ظل هجوم التطبيع الذي انتشر في بعض الدول العربية.
ثالثًا ـ الإضاءة على الحصار الذي يفرضه الأميركي والكيان المؤقت على المقاومة الفلسطينية، وحاجة "حماس" إلى جغرافيا قادرة على التحرك فيها إعلاميًا وعسكريًا والتي يمكن أن يؤمنها النظام السوري.
رابعًا ـ التركيز على الميزة التي تتمتع بها العلاقة بين "حماس" وسوريا من خصوصيّة تجعلها تختلف عن علاقتها بالدّول العربيّة الأخرى، نظراً لكون سوريا دولة منخرطة في الصراع ضد كيان الاحتلال المؤقت؛ فالدولة السوريّة هي الوحيدة التي لم تعترف بدولة الكيان المؤقت، وكانت تجمع حركة "حماس" والدولة السوريّة الرؤية المقاومة خيارا استراتيجيا، وأيضًا انفراد الدّولة السوريّة بالموقف القومي المناهض للسياسة الأميركيّة والصهيونيّة. فقد رفضت المشاركة في مؤتمر شرم الشيخ (الديار الصفحة 18 (14-3- 1996) الذي شارك فيه رؤساء دول وحكومات ووزراء خارجية 27 دولة، وغابت عنه سوريا ولبنان، ووصف بأنه أكبر تجمع لقادة عرب مع الكيان المؤقت منذ العام 1948.
خامسًا ـ التذكير بالضغوط الدولية التي تعرّضت لها سوريا نتيجة إيواء حركة "حماس" في السابق، ومن ضمنها الضغوط الأميركيّة والأوروبيّة على سوريا لإغلاق مكاتب "حماس"، بالإضافة إلى صدور قرارات دوليّة تطالب بمقاطعة سوريا، كونها تهدد عمليّة السّلام في الشرق الأوسط، إلا أن سوريا استمرت بتقديم الدعم، وتسهيل حركة الفلسطينيين في سوريا.. بعد طرد "حماس" من الأردن، استقبلت سورية قيادتها، وفتحت مكتبًا تمثيليًا لها في دمشق، بالإضافة إلى الترحيب بفوزها في الانتخابات التشريعيّة، وتقديم دعم مالي للحكومة الفلسطينيّة في غزّة، وتسهيل حركة الفلسطينيين في سورية (رأفت مرة في بحثه: "حماس وإيران وسوريا: مصالح استراتيجية في مناخات متوترة"، الكتاب العشرون: حركة حماس، (مركز المسبار للدراسات والبحوث، 2008)، وتعرّضت سورية للهجوم الواسع من المجتمع الدّولي لإيواء حركة "حماس"، من ضمنها الضغوط الأميركيّة والأوروبيّة على سوريا لإغلاق مكاتب "حماس" والفصائل الفلسطينية وإخراجهم، وهو ما طالب به وزير الخارجية الأميركي كولن باول الذي زار سوريا في شهر أيار/ مايو بعد أسابيع من الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وحذرها من أنها ستجد نفسها "على الجانب الخاطئ من التاريخ" إذا هي لم تتوافق مع الرؤية الاميركية للشرق الاوسط بعد سقوط نظام صدام حسين. لكن الرئيس الاسد رفض الشروط الاميركية فتم تهديده بعقوبات وصدر القرار 1559 عن مجلس الامن الدولي مطلع أيلول العام 2004 يطلب انسحاب القوات السورية من لبنان، فضلًا عن ادراج سوريا على قائمة الدول التي تدعم الإرهاب، أو ما سمّاه جورج بوش ضمن خطابه عن حالة الاتحاد (كانون الثاني العام 2002) "محور الشر"، وفي أيلول العام 2002 ضغط أعضاء في الكونغرس الأميركي على بوش لتمرير قانون "محاسبة سوريا" بسبب تأييدها للمنظمات الإرهابية بحسب القانون، وتضمن فرض عقوبات إضافية، ووقّعه بوش ليصبح قانونًا بتاريخ 12 كانون أول 2003 ( تقرير المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات الرقم 23 ).
وفي كانون الثاني/ يناير 2005 أكدت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس أن "سوريا قد تواجه عقوبات أميركية جديدة إذا ما تمسكت بصلاتها مع منظمات متطرفة معادية لإسرائيل". واتهمتها رايس بأنها "مشكلة للعراق ولبنان والأراضي الفلسطينية"، ودعت سوريا إلى وقف دعمها للمسلحين الذين يريدون تدمير عملية السلام في الشرق الوسط إذا أردت أن ترغب بتجنب أن تصبح معزولة" (كتاب: حركة المقاومة الإسلامية حماس: دراسات في الفكر والتجربة)، ولعل قانون "سيزر " الذي أصبح نافذاً في 21 كانون الأول 2019 عندما وقعه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.، يعبر بشكل واضح عن هذه العزلة التي تحدثت عنها رايس.
سادسًا ـ تأكيد دعوة الفعاليات السياسية والإعلامية والدينية والثقافية من مختلف الأطياف لتأييد هذه الخطوة ودعمها وبذل الجهود لمواجهة الرسائل السلبية المعادية التي تحاول عرقلة وتشويه مساعي عودة العلاقات والتذكير بأن الوحدة بين المسلمين وبين العرب كانت ولا تزال ضرورة سياسية ووظيفة شرعية ومقدمة ضرورية لحماية المستضعفين والدفاع عنهم في منطقة غرب آسيا والعالم الإسلامي ككل، وأن عودة العلاقات بين حركة "حماس "والدولة السورية بادرة إيجابية لها ما بعدها على صعيد العلاقات الإسلامية والعربية.
سابعًا ـ التنبيه على أن الكيان الصهيوني المؤقت هو أكثر المتضررين من هذه الخطوة، وهو يبذل الجهود بالتعاون مع دول التطبيع ومنظوماتها الإعلامية لتقليص النتائج العملية والسياسية لهذه الخطوة.
وهو ما عبّرت عنه دراسة رفيعة المستوى (عودة علاقات حماس مع سوريا تُمثل مصدر قلق “لإسرائيل” ـ شبكة الأخبار اليهودية/ بقلم ياكوف لابين ـ 3\7\ 2022 ـ ترجمة شبكة الهدهد)، بالإشارة إلى أن التقارير التي ظهرت في الأيام الأخيرة تفيد بعودة العلاقات بين سوريا و"حماس" بعد عقد من الانقسام بينهما تمثل مصدر قلق لإسرائيل.
وقال “مايكل باراك” الباحث البارز في “معهد مكافحة الإرهاب” في هرتسليا، لشبكة الأخبار اليهودية: “إن التقارير بخصوص انفراجة جديدة في العلاقات بين دمشق و"حماس" تبدو ذات مصداقية؛ شارك حزب الله في لبنان في هذه المصالحة، وأدت هذه الجهود إلى تحسين العلاقات بين "حماس" والنظام السوري، لماذا حدث ذلك الآن؟ لقد استغرق حزب الله وقتاً للتوسط ولتحسين العلاقات؛ وهذا مصدر قلق لإسرائيل لأننا نعلم أن "حماس "تعزز وجودها في شمال لبنان، وحذر باراك من أنه إذا فتحت "حماس "مقراً لها في سوريا، فيمكنها أن تبدأ في بناء القدرات في سوريا أيضاً؛ ومع وجود جزء كبير من سوريا تحت السيطرة الإيرانية، فإن لدى "حماس " فرصة جديدة للحصول على أسلحة من القوات المدعومة من إيران في المنطقة، مثل حزب الله و"الميليشيات" الشيعية الموالية لإيران في سوريا.
كما أثار باراك سيناريو سعي حماس في المستقبل لأن تكون رأس السهم “للفصائل الفلسطينية” في سوريا بمباركة حزب الله وإيران، وأشار باراك إلى أن “الهدف هو إيجاد طريقة لتوحيد الصفوف ومناقشة كيفية تقوية الكتلة الفلسطينية في محور المقاومة”. وقال باراك: “تحاول حماس إنشاء آلية قيادة وسيطرة مع الفصائل الفلسطينية الأخرى في لبنان حتى تتمكن من العمل بطريقة أكثر فاعلية من لبنان، والآن أصبح باب سوريا مفتوحا أيضاً، وهذا بمثابة قوة مضاعفة”، وأضاف: “أن الأردن قد يكون أقل إثارة من العثور على خلايا حماس تعمل بالقرب من حدوده".
ثامنًا ـ تبيين الآثار السياسية والعملية واللوجستية لهذه الخطوة وامكانيات توظيفها في مجال بناء الدعم المتقابل بين أطراف محور المقاومة.