نشر معهد The Washington Institute دراسة للكاتب براء صبري بعنوان: مقاربة قوات سوريا الديمقراطية تجاه فوز أردوغان، والتي تطرح تداعيات إعادة انتخاب الرئيس التركي رجب أردوغان، وحاجة الأكراد في شمال شرق سوريا لدعم نشط من قبل الولايات المتحدة، في ما يلي نص الدراسة مترجم الى العربية:
نتيجة تخوفهم من تداعيات إعادة انتخاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يحتاج الأكراد في شمال شرق سوريا إلى دعم نشط من قبل الولايات المتحدة الآن أكثر من أي وقت مضى.
لم يكن هناك أدنى شك من أن متابعة الانتخابات التركية الأخيرة من قبل السكان في سوريا، وبالأخص في شمالها المنقسم، كانت بذات الأثارة التي عاشها الأتراك أنفسهم. ويعزى هذا الاهتمام إلى ارتباط مصير شمال سوريا بالمسار الانتخابي والسياسي لتركيا في نواح عدة. الآن بعد أن أصبح من الواضح أن أردوغان سيبقى في السلطة، يحاول السوريون فهم ما يجب فعله وكيفية تسيّير الأوضاع مع أنقرة خلال السنوات المقبلة، فبعد فوز اردوغان أصبحت قيادة الإدارة الذاتية وأنصارها تراقب تلك التطورات بقلق شديد في سعيها للبحث عن تطمينات. في نهاية المطاف، هناك حاجة ملحة لتدخل الأطراف المعنية مثل الولايات المتحدة لتشجيع الحوار بين هذه الأطراف لتفادى الصدام بين الجانبين والحد من احتمال نشوب صراع آخر.
منذ عام 2016، نفذت تركيا عمليات برية متتالية لطرد القوات الكردية من المناطق الحدودية في شمال سوريا. وفي حين قادت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من قبل الولايات المتحدة الحملة العسكرية التي أزاحت مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" من الأراضي السورية في عام 2019، إلا أن أنقرة تعتبر وحدات حماية الشعب (YPG)- المجموعة الرئيسية المكونة لقوات قسد- امتدادًا لحزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي تصنفه أنقرة كجماعة إرهابية. ومن الجدير بالذكر أن حزب العمال الكردستاني يخوض صراعاً مسلحاً ضد تركيا منذ ثمانينيات القرن الماضي بهدف تحقيق الحكم الذاتي للأكراد في مناطق تواجدهم في جنوبي شرقي تركيا.
وفي السياق نفسه، أدركت (قسد) أنه باستثناء حدوث أي تغييرات مهمة، فإن انتصار أردوغان يعني خمس سنوات جديدة من الضغط والمخاطر مشابهة لما حدث في الماضي، بما في ذلك احتلال عفرين إلى رأس العين ومحاولات ابتلاع تل رفعت وكوباني (عين العرب)، إلى حرب المسيرات المستمرة على السكان.
ومع ذلك، هناك بعض المخاوف الآن من أن السياسة الداخلية التركية قد يكون لها تداعيات على وضع الأكراد خاصة بعد مشاركة حزب الشعوب الديمقراطية في الانتخابات تحت اسم حزب "اليسار الأخضر" ودعمه أوغلوا ضد أردوغان، مما زاد من المخاوف أكثر في شرق الفرات خوفا من ردود فعل انتقامية من قبل أردوغان ضد حزب الشعوب الديمقراطية وحلفائه في المنطقة. وبالتالي، الانتقام الممكن منهم في سوريا حيث لا تنفك تركيا تربط كلا من حزب الشعوب الديمقراطية وحزب الاتحاد الديمقراطي بحزب العمال الكردستاني، بالتالي فاحتمالية العقاب الجماعي قد يكون ممكن.
عسكريا، تشعر قوات سوريا الديمقراطية بالقلق تجاه أنقرة التي قد نقوم بتكثيف ضرباتها الجوية على النقاط العسكرية لتلك القوات أو قد تقوم بعملية عسكرية جديدة في المناطق الهشة والبعيدة عن معقل قسد في القامشلي كتل رفعت ومنغ. من المتوقع أيضا أن تمارس تركيا مزيدًا من الضغوط على واشنطن لتقليل دعمها لـ(قسد) والإدارة الذاتية، كما أن هناك شكوك من أن تركيا ستعمل على تضييق الخناق الاقتصادي على مناطق شمال شرق سوريا، بالإضافة إلى الاندفاع لمد يد العون للروس والإيرانيين وحكومة دمشق لإضعاف مناطق الإدارة الذاتية.
في غضون ذلك، تأثرت المواقف في شمال غرب سوريا أيضًا بنتيجة الانتخابات التركية، حيث تختلف العلاقة التركية بوجود أردوغان في مناطق الشهباء وعفرين وتل أبيض عنها عن مناطق أدلب، فبوجود أردوغان تنفست المعارضة السنية المحسوبة على تركيا الصعداء، حيث كانت المعارضة تخشى من وصول أوغلوا لسدة الحكم، خاصة انه كان ينوى إرجاع اللاجئين السوريين والدخول في علاقات مباشرة مع الأسد. لكن، وإن كان هناك تقارب بين حكومة انقرة ودمشق عبر روسيا إلا أن الكثيرون نظروا إلى هذا التقارب على انه تكتيكي ومرتبط بمحاولات أردوغان لكسب المزيد من الأصوات، بإظهار اهتمامه بحل الملف السوري وإنهاء أزمة اللاجئين.
لذا، تعتقد الكثير من أطراف المعارضة أن التطبيع مع الأسد وتسليم المناطق التي احتلتها تركيا لدمشق شبه مستحيل حالياً. ومع ذلك، تبقى المنطقة التي تلي عفرين وتشمل جل إدلب والتي قد تشهد مقايضات جديدة، حيث إن فوز أردوغان يعني بقاء تلك المناطق لفترة أطول على حالها، ويعني ان الخط الشمالي لحلب سيبقى على حاله. علاوة على ذلك، لن تتوانى الكتل القومية التركية التي أصبحت راسخة في البرلمان والحكومة عن استخدام المتطرفين أو التخلي عنهم عند توفر العروض من دول كروسيا، حتى لو أتت تلك السياسات على حساب المعارضة الموالية لتركيا أو على حساب مصالح واشنطن نفسها.
علاوة على ذلك، ترى قسد أنه لا يمكن أن يكون وجود واشنطن والتحالف الدولي في شرق الفرات عبارة عن وجود شكلي عندما يأتي الخطر، فقد يدفع ذلك شركاء واشنطن إلى البحث عن بدائل أخرى تنقذها من عدوانية أردوغان خلال الخمس سنوات القادمة، ما يجعلهم عرضة لمبادرات من قبل موسكو وطهران اللتان يسعيان إلى استهداف واشنطن والتحالف الدولي. لذا، ولتفادي الشرخ الأكبر، ولنشر رسالة اطمئنان لسكان تلك المنطقة الهشة والمنهكة من الحرب التي لا تنتهي، على واشنطن والتحالف الدولي القيام بالخطوات التالية لرأب الصدع وتقديم حلول فعالة ممكنة بهذا المسار:
أولاً: محاولة فتح ملف التفاوض بين حزب العمال الكردستاني وتركيا من جديد. وقد يكون إقليم كردستان بوابة الحل لفتح المفاوضات لما له من أهمية في الملف الكردي وعلاقاته الجيدة مع الأطراف المعنيين بالقضية.
ثانيا: محاولة التوسط لبناء علاقة تواصل بين قسد والإدارة الذاتية من جهة وأطراف المعارضة الموالية لتركيا أو مع تركيا مباشرة لإنهاء التوتر وتوفير خطط لبناء أرضية مصالح مشتركة قد تفيد الجانبين.
ثالثا: التركيز أكثر على لعب دور مباشر مع روسيا للضغط على حكومة دمشق لدفعها للتفاهم مع ممثلو شرق الفرات للوصول إلى حل دستوري نهائي لتلك المنطقة. قد يكون الحوافز بتخفيف العقوبات الاقتصادية عن دمشق طريقة جاذبة بهذا الصدد.
رابعا: انتشار نقاط عسكرية للتحالف الدولي على الخط الحدودي لشمال شرق سوريا مع تركيا. هذا الانتشار، ولو كان رمزياً، سيعطي نوع من الطمأنينة لسكان تلك المنطقة بإنهم لن يتعرضوا للخيانة من جديد، وسيكون رادع عملي لخطط تركيا باجتياح مناطق جديدة في تلك البقعة.
خامسا: الدفع بقادة تلك المنطقة إلى تعزيز الاقتصاد والحوكمة والمفاهيم الديمقراطية والمشاركة المتنوعة في إدارة المنطقة، والضغط لتفادي انخراطها في عملية ابتزاز قد توفر الذرائع لتركيا للقيام بنشاطات خطيرة على تلك الخارطة.