• اخر تحديث : 2024-07-01 12:23
news-details
أبحاث

الإيكاس والتدخل في انقلاب الغابون: حدود الدور والفاعلية


تأسست المجموعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا (ECCAS) ، في 18 أكتوبر/تشرين الأول 1983، من خلال التوقيع في ليبرفيل على معاهدتها التأسيسية لتحقيق التعاون والتكامل الاقتصادي في الإقليم، وتضم أحد عشر عضوًا، هم: أنغولا، وبوروندي، والكاميرون، وجمهورية إفريقيا الوسطى، والكونغو، والغابون، وغينيا الاستوائية، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ورواندا، وساو تومي وبرينسيبي، وتشاد، وتعد واحدة من الجماعات الاقتصادية الإقليمية الثماني المعترف بها كركائز للتكامل الإقليمي في إفريقيا، وبالتالي فهي تشارك بشكل كامل في الديناميات المتعلقة ببناء المجموعة الاقتصادية الإفريقية المنصوص عليها في معاهدة أبوجا 1991.

الإيكاس: الهياكل الأمنية

باعتبار الإيكاس مجموعة اقتصادية بالأساس، لم تشر المعاهدة المنشئة لها في حينها، شأنها شأن باقي التجمعات الإقليمية الاقتصادية الإفريقية، للجوانب المتعلقة بالسلام والأمن والاستقرار في هيكلها المؤسسي. لكن مع اندلاع الحروب في العديد من الدول الأعضاء، مثل: الكونغو الديمقراطية "زائير سابقًا" والحرب الأهلية في رواندا بوروندي وغيرهما، فضلًا عن عدم الرغبة الدولية أو حتى الإفريقية في التدخل، تنامى الحديث بصورة متزايدة عن أهمية السلام والأمن في المعاهدة المنقحة باعتبارهما أساسي التكامل الاقتصادي.

لذا اعتمدت الإيكاس بروتوكول السلام والأمن، في فبراير/شباط 1999، للتعامل مع الصراعات وعدم الاستقرار السياسي في المنطقة، من خلال نظام للأمن الجماعي يعتبر الاعتداء على أي دولة اعتداء على الأخريات.

هذا البروتوكول هو الذي مهَّد لإنشاء مجلس السلم والأمن في وسط إفريقيا (COPAX)، والذي يعد الأداة الرئيسية لتحقيق السلم والأمن، ويتكون من ثلاث آليات رئيسية، هي: لجنة الدفاع والأمن (CDS)، ونظام الإنذار المبكر (MARAC)، والقوة متعددة الجنسيات (FOMAC)، ولقد تم التصديق رسميًّا عليه بعد حوالي خمس سنوات (يناير/كانون الثاني 2004).

ولقد تم تنقيح البروتوكول مرة أخرى، في ديسمبر/كانون الأول 2019، ليتضمن ثلاثة هياكل أساسية، هي: المؤتمر، والذي يضم كل رؤساء وحكومات الدول الأعضاء والمنوط به اتخاذ القرارات المتعلقة بالتدخل لحفظ السلم والأمن، وتعاونه لجنة الدفاع والسلامة والأمن (CTSDSS) التي تضم وزراء الدفاع والخارجية والداخلية، بالإضافة إلى لجنة المندوبين الدائمين للدول الأعضاء على مستوى السفراء (COREP)، كما تم التوسع في حالات التدخل خاصة في المجال الإنساني، ورفض الوصول للحكم عبر الانقلابات، فضلًا عن إنشاء مزيد من الآليات المساعدة في مجال تسوية الصراعات كلجنة الحكماء وغيرها.

وخلال الفترة بين اعتماد البرتوكول الأول والتصديق عليه، شكَّلت الدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا (CEMAC التي تضم ست دول هي أعضاء أيضًا في الإيكاس، قوة سلام إقليمية، للتدخل في الصراع الدائر حينها في إفريقيا الوسطى عام 2002، ثم قامت في يوليو/تموز 2008، بنقل هذه القوات إلى الإيكاس لتباشر مهامها بعد ذلك.

الإيكاس والتدخلات السابقة "إفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية "

لقد نصت المادة 3 من بروتوكول مجلس السلام والأمن المنقح على أربع حالات، تجيز للمجموعة حق التدخل في دولة عضو بناء على قرار من المجلس، وهي: جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية والعدوان الخارجي؛ ثم أضافت المادة 5 (أ) حالة أخرى تقضي بنشر هذه القوات حال حدوث تغييرات غير دستورية في الأنظمة السياسية.

لذا كان الصراع الدائر في إفريقيا الوسطى منذ عام 2008، بين الرئيس فرانسوا بوزيزي، وجماعات التحالف "السيلكا" المناهضة له، أحد أبرز حالات تدخل الإيكاس لعملية تسويته، حيث تم ذلك أولًا من خلال لجنة الوساطة التي عُهد بها في حينها لرئيس الكونغو، ﺳﺎﺳﻮ ﻧﻐﻴﺴﻮ، ثم من خلال إرسال قوات حفظ سلام عُرفت باسم MICOPAX وتضم جنودًا تابعين للسيماك، حيث بلغ عدد القوات المتدخلة 700 جندي، ثم ارتفع العدد إلى ألفين مع تجدد الاشتباكات عام 2013، حيث قامت بدور الوساطة وحفظ السلام معًا، ومع ذلك لم تنجح المجموعة في عملية تسوية الصراع، وتحقيق هدفها من التدخل المتمثل في حماية المدنيين، ما حدا بالاتحاد الإفريقي إلى التدخل بالاستعانة ببعض قوات سيماك، فضلا عن قوات من دول أخرى، وتشكيل ما يعرف باسم قوات MISCA، التي اندمجت بعد ذلك في القوات الدولية التابعة للأمم المتحدة والتي عرف باسم MINUSCA

وهنا يلاحظ أمران بشأن محدودية عملية تدخل المجموعة وتأثيرها في تسوية الصراع في إفريقيا الوسطى في حينها:

الأول: أن جهود التسوية السلمية من خلال الوساطة التي قام بها رئيس الكونغو كانت تتم خارج الإطار المؤسسي، وبدون التنسيق مع المجموعة، وبحسب الرؤية الشخصية، ما يعني غياب الطابع المؤسسي "وجود لجنة وساطة"، وغلبة الطابع الشخصي الذي قد ينحاز لهذا الطرف أو ذاك، فضلًا عن غياب الدبلوماسية الوقائية القائمة على وجود شبكة إنذار مبكر فاعل ترصد مكامن الصراع قبل تفاقمها وتسعى لاحتوائها.

الثاني: أن بعض الدول الأعضاء كتشاد كانت ضالعة بصورة أو أخرى في الصراع لصالح فرنسا، مرة من خلال دعمها وصول بوزيزي للحكم، عام 2003، ثم المساهمة في الإطاحة به بعد الخلاف الفرنسي معه (مارس/آذار 2013)، ثم مرة ثالثة في المساهمة في الإطاحة بالرئيس المسلم محمد ضحية "ميشيل دوجوتا" وإجباره على الاستقالة بعد الخلاف الفرنسي معه؛ حيث قامت بنقل أعضاء البرلمان المؤقت في إفريقيا الوسطى الموجودين في أراضيها، بالطائرة للموافقة على استقالة الرئيس وتعديل الدستور المؤقت.

وإذا كان تدخل الإيكاس في إفريقيا الوسطى يوصف بالمحدود، وغير الفاعل، فإنها لم تتدخل في الصراع الداخلي في شرق الكونغو الديمقراطية بين الرئيس السابق، جوزيف كابيلا، والمتمردين المدعومين من بعض دول الجوار منذ أوائل هذا القرن، رغم أنه أشد تعقيدًا، وأكبر من حيث حجم الخسائر، والأطراف الإقليمية المتدخلة الداعمة لهذا الطرف أو ذاك، مثل: أنجولا، ورواندا، وبوروندي، فبالرغم من تأثر هذه الدول "الأعضاء في المجموعة" بهذا الصراع، إلا أنها كانت أيضًا أحد الأطراف الفاعلة فيه، ومن ثم لم تقم بطرحه على أجندة المجموعة رغم خطورته، وأفسحت المجال لمنظمات أخرى تحظى بعضويتها للقيام بتسويته مثل المجموعة الإنمائية للجنوب الإفريقي "السادك"، والمؤتمر الدولي للبحيرات العظمى، فضلًا عن تقديم الدعم للقوات الدولية التابعة للأمم المتحدة التي انتشرت في شرق البلاد، عام 2013.

الإيكاس والانقلاب الأخير في الغابون

كما سبق القول، لقد نص البروتوكول المنقح المادة 5 فقرة "أ" على ضرورة منع الأزمات وإدارتها وحلها من خلال نشر بعثات دعم السلام في حالة الكوارث والأزمات أو الصراعات بين الدول وداخلها أو في حالة حدوث تغييرات غير دستورية في الأنظمة السياسية، كما نصت المادة 7 فقرة 3، على حق المجموعة في اتخاذ كافة العقوبات حالة حدوث تغييرات غير دستورية للحكومة في إحدى الدول الأعضاء من خلال عقد قمة استثنائية عند اللزوم، وهو ما يعني إمكانية تدخل المجموعة، واتخاذ ما تراه مناسبًا في هذا الشأن بدءًا من تعليق العضوية، مرورًا بفرض عقوبات اقتصادية، ووصولًا إلى التدخل العسكري.

ولقد اصطدمت الإيكاس بالعقبة الأولى في التعامل مع الانقلاب الذي شهدته الغابون في الثلاثين من أغسطس/آب 2023، وهي أن الغابون هي مقر مفوضية المجموعة، كما أن الرئيس المعزول، علي بونغو، هو رئيس الدورة الحالية للمجموعة؛ ومن ثم عُقد الاجتماع الأول افتراضيًّا في اليوم التالي من خلال نائب الرئيس "رئيس غينيا الاستوائية" حيث أدانوا الانقلاب، وطالبوا قادته بالحفاظ على سلامة الرئيس، علي بونغو، باعتباره الرئيس الشرعي، كما قاموا بتعيين وسيط للحديث مع قادة الانقلاب هو رئيس إفريقيا الوسطى، فوستين توديرا.

وفي القمة الثانية التي عُقدت حضوريًّا في غينيا الاستوائية، يوم 4 سبتمبر/أيلول، تم اتخاذ قرار بتعليق عضوية الغابون في المجموعة، ونقل مقر المفوضية من الغابون إلى غينيا الاستوائية بصورة مؤقتة.

وهنا يلاحظ أن المجموعة لم تتخذ أية إجراءات خاصة بفرض عقوبات اقتصادية على قادة الانقلاب على عكس ما فعلته المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا "إكواس" في تعاملها مع انقلابات مالي وبوركينا فاسو، والانقلاب الأخير في النيجر.

كما يلاحظ أنها اعتمدت أسلوب التسوية السلمية "الدبلوماسية" من خلال الوساطة "الشخصية" لرئيس إفريقيا الوسطى، دون الحديث عن أية إمكانية للتدخل العسكري، لذا لم يكن من المفارقة أن يقوم قائد الانقلاب، بريس أوليغي نغيما، بأداء اليمين الدستورية حاكمًا للبلاد خلال فترة انتقالية لم يحدد مدتها حتى كتابة هذه السطور.

أسباب محدودية فاعلية تدخل الإيكاس

من العرض السابق لحالات التدخل سواء من خلال قوات كحالة إفريقيا الوسطى، أو إسناد التدخل لمنظمات أخرى "حالة الكونغو الديمقراطية"، أو الاكتفاء بتعليق العضوية في التعامل مع انقلاب الغابون الأخير. يمكن القول: إن دور الإيكاس في عملية تسوية الصراعات محدود جدًّا مقارنة بالإكواس على سبيل المثال.. هذه المحدودية ترجع لأسباب عدة:

أولًا: الهشاشة الأمنية لبعض الدول الأعضاء؛ ما يجعلها غير قادرة على توفير الأمن الداخلي بها، ناهيك عن إمكانية مساهمتها في جهود تسوية الصراعات في الدول الأخرى. فالمجموعة تضم ثلاث دول من أكثر ست دول هشاشة في العالم، وهي: إفريقيا الوسطى، والكونغو الديمقراطية، وتشاد، بسبب الحروب الأهلية وحالة عدم الاستقرار الأمني التي تشهدها هذه الدول منذ فترة، فضلًا عن انتشار الجماعات الجهادية كبوكو حرام في بلدان عدة في وسط وغرب إفريقيا على حدٍّ سواء.       

ثانيًا: ضعف مشروعية وشرعية معظم النظم الحاكمة لدول المجموعة.. ونقصد بالمشروعية "الجانب القانوني؛ حيث الوصول للحكم إما عبر الانقلابات العسكرية أو انتخابات شكلية مزورة"، أما الشرعية فيقصد بها مدى "التأييد الشعبي".

فمعظم دول المجموعة تعاني نظمها الحاكمة من كلتا المشكلتين، أو إحداهما. ففي غينيا الاستوائية وصل الرئيس الحالي، توادير أوبين نغيما، للحكم، عام 1979، بعد تنفيذه انقلابًا على عمه الرئيس، فرانسيسكو ماسياس نغيما، أما في الكونغو برازفيل فإن الرئيس الحالي، ديني ساسونغيسو، حكم البلاد مرتين، الأولى من 1979 حتى 1992، ثم العودة عقب تمرد مسلح عام 1997، في حين يحكم الرئيس، بول بيا، الكاميرون منذ وصوله للحكم، عام 1982، بعد استقالة مفاجئة للرئيس، أحمد أووجا. وفي رواندا، يحكم الرئيس الحالي، بول كاغامي، البلاد منذ عام 1994 بعد انتهاء الحرب الأهلية، وغيرهم كثير.

ويلاحظ أن معظم دول المجموعة إن لم يكن كلها، تصنف ضمن الدول التي لا تتمتع بالحريات السياسية أو الحقوق المدنية وفق خريطة مؤشر الحريات الصادر عن فريدم هاوس عام 2023؛ ما يعني غياب الديمقراطية كإحدى آليات التداول السلمي في هذه البلدان؛ ما قد يفسح المجال لوقوع انقلابات عسكرية تستغل سخط الشعوب على هذه النظم كحالة الجابون مؤخرًا.

ثالثًا: عدم رغبة الدول الأعضاء في توسيع مهام تدخل الإيكاس في الصراعات الداخلية؛ حيث لم تُمنَح التفويض اللازم للتدخل؛ ما جعلها تلتزم الصمت ضد التوترات التي شهدتها الغابون وبوروندي قبل نحو عشر سنوات. ورغم أن المنظمة أنشأت، عام 2011، مركزًا للتدريب على الانتخابات ومراقبتها في ليبرفيل، إلا أن دور بعثات مراقبة هذه الانتخابات مقيد إلى حد كبير بسبب "عدم رغبة الدول الأعضاء في تفعيل هذا الدور". مثل رفض الرئيس المخلوع، علي بونغو، إشراف المجموعة أو غيرها على الانتخابات التي شهدتها البلاد عام 2016، و2023.

رابعًا: المركزية الشديدة في اتخاذ القرار؛ فأي قرار بالتدخل يستلزم موافقة جميع الأعضاء، وخشية معظم الدول الأعضاء من إمكانية تدخل المنظمة في شؤونها الداخلية، أو استخدامها من قبل الخصوم في تصفية الحسابات في ظل شيوع حالة من عدم الثقة بين الدول وبعضها البعض. كل ذلك أسهم في الحد من فاعليتها في عملية التدخل لصالح إما منظمات أخرى مثل السادك في حالة الكونغو الديمقراطية، أو الاتحاد الإفريقي في حالة إفريقيا الوسطى، أو الأمم المتحدة في الحالتين السابقتين أيضًا.

خامسًا: غياب الدولة القائد في الإقليم، والتي يمكن أن تأخذ زمام المبادرة في عملية التدخل سواء من حيث تشكيل القوات، أو حتى عملية التمويل، على غرار نيجيريا بالنسبة للإيكواس في عهد إبراهيم بابانغيدا، أوائل تسعينات القرن الماضي، وتدخلها في الحرب الأهلية التي شهدتها ليبيريا في حينها، وتكفلت بحوالي 90% من التمويل والقوات.

سادسًا: مشكلة التمويل، والتي تعد حجر عثرة في وجه أية محاولة للتدخل، ومن ثم باتت المنظمة أشبه "بمنتدى للأمن"، يجري استدعاؤه من قبل الدول الأعضاء بعد حدوث الصراعات، للبحث في إمكانية اتخاذ بعض القرارات غير الفاعلة ذرًّا للرماد في العيون، ومن ثم فلا حديث فعليًّا عن الدبلوماسية الوقائية، أو الإنذار المبكر رغم وجود هذه الآليات ضمن نصوص البروتوكول المنقح، ولكن يبدو أن المشكلة ليست في عملية الرصد والمعلومات، ولكن في اتخاذ رؤساء الدول والأعضاء قرارات استنادًا لها.. وهذه هي المشكلة الحقيقية.

من العرض السابق يتضح أنه رغم أن منطقة وسط إفريقيا تموج بالعديد من الصراعات الداخلية والبينية، إلا أن قدرة الإيكاس على التدخل لتسويتها، لا ترقى للمستوى المطلوب؛ ما قد يفتح الباب لتكرار ظاهرة الانقلابات، لاسيما في ظل عدم وجود رغبة إفريقية "الاتحاد الإفريقي" أو دولية "الأمم المتحدة" للتدخل.