• اخر تحديث : 2024-10-11 16:02
news-details
ميديا

كيف رد المستشار الثقافي الإيراني بالجزائر الدكتور محمد رضا زائري على الشبهات؟ ..حاورته عضو الرابطة د. هناء سعادة


الدكتور محمد رضا زائري هو الملحق الثقافي بالسفارة الإيرانية، أو المستشار الثقافي الإيراني كما هو المصطلح السائد عندهم في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولقبه ” زائري ” بحيث لا ينقصه إلا حرف الجيم كما يقولها بنفسه، حتى يصير جزائريا! إنه يحب الجزائر كثيرا وقد أثبت ذلك خلال فترة وجوده فيها بنشاطاته المكثفة وإصداره كتابا عن الشخصيات الجزائرية باللغة الفارسية، فضلا عن مشروعه الجديد عن المعالم السياحية الجزائرية.. ذهبنا إليه لنحاوره عن هذه المشاريع وتلك النشاطات، لكنّ مسار الحوار قد أخذ بُعدا آخر في بدايته دون أن نقصد ذلك، فما كان منا إلا أن تركنا الحديث يأخذ مجراه لما وجدنا فيه من كلام مشوق وطرح جريء! وإليكم ما دار بيننا من حديث..

المحاورة: دكتور زائري، أصبحنا نرى في السنوات الأخيرة نشاطا مكثفا للسفارة الإيرانية بالجزائر من أجل تفعيل العلاقات الثقافية بين البلدين..

المستشار الثقافي الإيراني: نعم، لطالما كانت هذه العلاقة موجودة وذات فعالية إلا في فترات قصيرة لأسباب معينة، لكننا نستطيع أن نقول وبشكل مبدئي وأساسي أن إيران والجزائر دولتان شقيقتان تتقسمان ذات القواسم الثقافية، وقد تكونت عندي خلال وجودي في الجزائر قناعة ترسخت يوما بعد يوم بأنه قلّما يوجد بَلدان في العالم هما أقرب لبعضهما من إيران والجزائر.

المحاورة: هل تقصدون بذلك المواقف الثورية والجهادية؟

المستشار الثقافي الإيراني: بالطبع هذا أمر بديهي.. ونستطيع أن نستشفه من خلال نقطة واحدة على سبيل المثال، ألا وهي الوقوف والدفاع عن القضية المركزية: القضية الفلسطينية؛ وما ذلك إلا لأن هناك مبادئ وأُسسا فكرية ودينية مشتركة بيننا فيما يخص هذه المسألة.. وقد كانت تجربة المعاناة مع المستعمر الظالم في الجزائر إضافة إلى الثورة المجيدة التي كانت ملهمة للثورة الإيرانية.. ولذلك نجد صورة الجزائر في إيران إيجابية جدا والناس هناك يحبون الجزائر وشعبها ومجاهديها بشكل كبير؛ وفضلا عن ذلك وأكثر منه، نجد حتى من جهة المواصفات الأنثروبولوجية والخصائص الاجتماعية أن هناك تشابها كبيرا يصل إلى حدود الألوان التي يزخر بها العلم الخاص بكل واحدة من الدولتين وكذا مضمون النشيدين الوطنيين.

المحاورة: وما دام الأمر كذلك، فلماذا لا نرى زخما في العلاقات بين البلدين يرتقي إلى مستوى هذا التشابه؟

المستشار الثقافي الإيراني: هناك أسباب أدت إلى ذلك، منها البعد الجغرافي، وكذلك عائق اللغة؛ وهكذا، مع أن تعلم اللغة العربية هو واجب حسب الدستور الإيراني ويتم تعليمها في المدارس، فضلا عن أن الخط المستخدم هو نفسه ولدينا أحيانا عدد كبير من الكلمات المشتركة، كما لا يخفى عليكم أن هناك كلمات فارسية تزخر بها الدارجة الجزائرية، لكن اللغة في الأخير مختلفة فيما بين البلدين.

المحاورة: والناس عندنا في الجزائر لا يعرفون شيئا كثيرا عن إيران..

المستشار الثقافي الإيراني: هناك أيضا عندنا في إيران فكرة كلية ومجملة عن الجزائر وتفتقد إلى التفاصيل، وهذا ما يُؤدي بالطبع إلى أننا لا نعرف بعضنا البعض بالشكل المطلوب، مما يسبب الكثير من المشاكل ويخلق سُوء فهم متبادل ويُمهد الأرضية المناسبة للإعلام الغربي حتى يعطي للجمهور الجزائري أو أي جمهور آخر صورة سلبية عن إيران.. ونحن نعرف أن هناك محاولات مستمرة ودائبة لمنع التقارب بين البلدين بحُجج وذرائع وتبريرات غير صحيحة مثل “سعي إيران للتدخل في الجزائر”.

المحاورة: هل تقصدون التدخل السياسي؟

المستشار الثقافي الإيراني: لا.. بل إنني أقصد الجانب الثقافي والفكري والديني، وأعني بشكل محدد التدخل المذهبي، وهذا ما يُروجه إعلام البلدان التي تنصب العداء لنا أو بعض المطبعين في المنطقة العربية لأن الصهاينة لا يريدون أن يكون هناك تقارب بين إيران والجزائر، فتراهم يركزون على ما يمس حساسية الناس وينشرون هذا الخوف..

المحاورة: هل تسمحون لنا بسؤال صريح وجريء؟

المستشار الثقافي الإيراني: طبعا.. أنا في خدمتكم. أنا أرحب بكل سؤال مهما كانت درجة الصعوبة أو الإحراج.

المحاورة: وعطفا على ذلك، وطالما أنكم لا تمانعون، فإنني أفضل أن أترك ما عندي من الأسئلة المتعلقة بالنشاطات الثقافية والفنية وأركز على هذا الجانب..

المستشار الثقافي الإيراني: أهلا وسهلا

المحاورة: ألا ترون معنا بأن الكثيرين من الإخوة الشيعة، ربما المغالين، هم من تسببوا في هذه المشكلة من خلال بعض تصرفاتهم وأقوالهم المستفزة مثل شتمهم للرموز والمقدسات المذهبية، وغير ذلك؟

المستشار الثقافي الإيراني: هل تعنوننا نحن الإيرانيين هناك في إيران أم تقصدون الذين هم في الجزائر مثلا؟

المحاورة: لا.. بل أقصد الشيعة بشكل عام.. لأننا طالما رأينا مقاطع متداولة من الفيديوهات عن رجال دين شيعة يسبون ويشتمون ويحرضون..

المستشار الثقافي الإيراني: معكم حق تماما، لكن عندي سؤال لو سمحتم، أليس مثل هذا ما يقع من بعض رجال الدين السنة الذين يشتمون ويحرضون؟ وهذا ما قصدته من وراء فكرة تأجيج نار الفتنة والطائفية المقيتة؛ فهناك من يريد تقديم صورة تعم الشيعة ككل من خلال أشخاص محددين لا يمثلون إلا أنفسهم، وهو نفس الأمر أيضا من أهل السنة ككل من خلال هذا أو ذاك. ودعوني أحكي لكم بصراحة، فأقول بأن هناك أفرادا من علماء الشيعة يشتمون السيد السيستاني ويسبون السيد آية الله علي خامنئي علنا بسبب مواقفهما الإيجابية، ناهيك عن بعض من يتستر باسم الشيعة من الجواسيس والدخلاء الذين دسهم الصهاينة بيننا مثلما هو الشأن عندكم، فلا يمكننا والحال هذه، أن نعمّم هكذا مواقف على الجميع.

المحاورة: لكن لا يُمكننا أن نقول بأن المشكلة تنحصر في هذه النقطة فقط..

المستشار الثقافي الإيراني: نعم، تُوجد هناك دائما أخطاء صغيرة وتصرفات شخصية لا أنكرها، فنحن بشر يمكن لأي واحد منا أن يخطئ، لكن يجب ألا نبني الأحكام على مثل هذه التصرفات الخاطئة والشخصية بل على المواقف الرسمية والخطوط العريضة المنصوص عليها عند كبار علماء الشيعة، وفوق ذلك وعلى الخصوص عند قائد الثورة الإسلامية في إيران الذي يحرص دائما على الوحدة الإسلامية واحترام خصوصيات الآخرين، وأنتم على علم بأنه حرّم المساس بالرموز الدينية والمذهبية وأكّد دائما على حرمة المقدسات المذهبية، حيث قال: “كلُّ قولٍ أو فعلٍ يؤدّي إلى تأجيج نار الخلافات بين المسلمين، وكلُّ إساءةٍ لمقدّسات أيٍّ من الفِرَقِ الإسلاميّة، أو تكفير أحد المذاهب الإسلاميّة هو خدمةٌ لمعسكر الكفر والشرك، وخيانةٌ للإسلام، وحرامٌ شرعاً”.

المحاورة: هل تأذنون لنا بأن نكون صرحاء هنا، ولا تنزعجون منا؟

المستشار الثقافي الإيراني: طبعا.. أحب كما قلتي أن نصارح بعضنا البعض في الحديث لأنني أفضل الحوار الصريح الشجاع الصادق على الصمت الحذر المترقب الذي يفتح الطريق أمام كل المخاوف والظنون السيئة والمؤامرات الخفية..

المحاورة: طيب.. أليس موقفكم هذا ناتجا عن الخوف والتزام الموقف الضعيف أمام أهل السنة؟ فعندكم كما نعلم مبدأ التقية!

المستشار الثقافي الإيراني: أولا، موضوع التقية ما زال لم يُفهم كما ينبغي أن يكون وأنا الآن لست بصدد التوقف عنده وسنتطرق إليه لاحقا، لكن دعونا نفترض أننا نتصرف من هذا المنطلق؛ وهنا أسألكم بالله، هل كانت الجمهورية الإسلامية في أي يوم من أيامها أقوى مما هي عليه اليوم؟ إنها تضرب الكيان الصهيوني ولها حلفاء من حزب الله إلى أنصار الله، وهي بعد خمس وأربعين سنة من الحصار الشامل في كل الأصعدة لا تزال واقفة في وجه الاستكبار العالمي!

المحاورة: يقول البعض إن إيران تسعى إلى إحياء إمبراطوريتها القديمة وتوسيع نفوذها في شمال إفريقيا حتى تُعيد تأسيس دولة الفاطميين من جديد!

المستشار الثقافي الإيراني: أولا، كُلنا نعلم أن التناسبات قد تغيرت في عالمنا اليوم كُليا وبشكل نهائي، فإيران ليست دولة شيعية كما يُروجون له، إذ لو صح ذلك لجاز لنا أن نتساءل: هل الجزائر دولة سنية؟ لا.. بل إن الواقع يقول بأن دول العالم اليوم هي حُكومات ومُؤسسات سياسية شعبية تضُم أناسا لهم اتجاهات دينية ومذهبية مُتعددة.

وثانيا، يُمكننا بحكم العادة أن نقول نفس الكلام وبنفس الصيغة عن تركيا وإسبانيا على سبيل المثال.. فهل يجوز لنا أن ندّعي بأن تركيا تُريد إعادة بعث الحكم العثماني في الجزائر من خلال علاقاتها الاقتصادية أو الثقافية أو السياسية مع هذه الأخيرة؟ أو أن إسبانيا بمركزها الثقافي Instituto Cervantes الذي ينشط في الجزائر أنها تريد من ورائه إحياء استعمارها للبلد من جديد؟ هذا أمر مثير للضحك أصلا.. فالعالم اليوم قد تغير شكله تماما عما كان عليه في سابق العهود، كما أن التناسبات السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها مختلفة تماما عن صورتها التي عرفها الناس قبل أربعة قرون على سبيل المثال.

وثالثا، ومن المسلّم به عند كل شخص مثقف وعند كل عالم بصيرورة الحضارات لدى الأمم والشعوب بأن التاريخ هو مفهوم ذو انسيابية متواصلة ويمتاز بحركية ومرونة دائمتين، وليس هو بالتالي كائنا متوقفا جامدا لا يبرح مكانه حتى نستطيع مثلا إحياء الحقبة الفلانية أو الحقبة الأخرى من التاريخ.. هذا شيء لا يصح وهو كلام غير علمي بتاتا، بل هو مجرد دعاية موجهة للاستهلاك الإعلامي فقط، والغرض منها هو منع توسيع العلاقات وتعميقها بين البلدين، لأن العدو يعرف أحسن منا نتائج الهدوء والسلم والطمأنينة والاستقرار في العلاقات الجزائرية الإيرانية، فهي حتما ستعود بالنفع والفائدة على البلدين على مختلف الأصعدة، لذلك نطمح لتعزيز العلاقات الثنائية بين الطرفين والدفع نحو الاستدامة والإنتاجية، على أن تكون هذه الوشائج قائمة على مبدأي الاحترام المتبادل والتعاون المشترك خدمة لشعبينا العزيزين ومصالح بلدينا الشقيقين.

المحاورة: نعم، وإذا عدنا الآن لو سمحتم إلى مسألة التقية؟

المستشار الثقافي الإيراني: هذا موضوع مهم ومعقد وذو تفاصيل كثيرة، وله جوانب تاريخية وسياسة تتعدى الجانب المذهبي بحيث لا يسعنا المجال الآن لاستيعابها كاملة.. وسنكتفي في هذه العجالة بكلمة واحدة هي: أننا لو حاولنا أن نبني الأحكام التي نتعامل بها فيما بيننا على أساس قراءة النوايا، أي بمعنى أن نعتبر في قرارة أنفسنا أن الشخص المقابل لنا يقول شيئا وهو ينوى شيئا آخر أو أنه يريد أن يفعل كذا وكذا بينما هو يُظهر عكس ذلك، فإن الحال سيؤول بنا في النهاية إلى أنه لا يمكن لأي إنسان أن يتعامل مع إنسان آخر أو أن يتعاون مع غيره من البشر! لكنّ الله سبحانه وتعالى قال لنا: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) وهذا التعارف لا يمكن أن يحصل إلا من خلال القبول بالآخر والثقة فيه، كما قال الرسول الأكرم، صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (احمل أخاك المؤمن على سبعين محملا من الخير!)

المحاورة: صحيح.. ولنفترض أنه لا توجد تقية وأننا لا نقرأ النوايا ولا نحكم بناء عليها، فما هو المبدأ عندكم، ألستم تحاولون حقا تشييع الناس؟

المستشار الثقافي الإيراني: أتذكر قبل عدة سنوات أن البعض قد وجّه مثل هذا السؤال إلى السيد حسن نصر الله، حيث كانت هناك إشاعات مفادها أن حزب الله يحاول نشر التشيع في منطقة عكار بالشمال اللبناني! فرد عليهم السيد قائلا: ما شغلنا نحن بعكار؟ لو أردنا أن نُشيّع أحدا لذهبنا إلى أهل السنة عندنا في الضاحية الجنوبية! لماذا نذهب إلى عكار من أجل تشييع الناس؟ ونحن الآن أيضا نقول: لو أردنا أن نغير مذهب أحد فلماذا نأتي إلى شمال إفريقيا وعندنا الملايين من أهل السنة في إيران؟

ولعلمكم أنه توجد ثلاث محافظات أو ولايات في إيران كل أهلها أو أغلبهم من السنة؛ وتوجد عندنا مساجد تحمل أسماء عمر بن الخطاب وأبوبكر الصديق وعثمان بن عفان، وعندنا شارع أم المؤمنين عائشة، وقائد القوات البحرية عندنا سني، بما يعني أنه يتبوأ أعلى مراتب القوات العسكرية.. لكن مع هذا هل تعرفون أين تكمن المشكلة ومتى بدأت؟

المحاورة: أين ومتى؟ هل يُمكن أن نسمع رأيكم؟

المستشار الثقافي الإيراني: لقد بدأت المشكلة بالضبط بعد الثورة الإسلامية في إيران، وذلك لأن العدو آنذاك أدرك خطورة الوحدة الإسلامية وعرف أن الأمة لو اجتمعت على كلمة واحدة تجمع صفوفها مثل قضية فلسطين، فماذا كان سيحدث؟ ودعوني هنا أسألكم سؤالا هو: لو كنتم أنتم- لا سمح الله – مكان العدو الصهيوني، من باب الافتراض أكيد، ووجدتم الأمة الإسلامية من جاكرتا إلى أقصى المغرب العربي صفا واحدا وعلى كلمة واحدة، فماذا كنتم ستفعلون؟ ألم تكونوا حينئذ ستخافون على كيانكم؟ ألا تبدؤون على الفور بتمزيق هذه الأمة؟ ألا تعملون بكل جهودكم على أن تدسوا فيها العملاء والجواسيس؟ ألا تجتهدون في أن تنشروا فيها الإشاعات والأكاذيب المغرضة حتى تُشغِلوا بعضها ببعض؟

ألا تحاولون أن تبثوا في أوساطها أحيانا أشخاصا في زي علماء الدين حتى يؤججوا نار الفتنة فيما بين صفوفها؟ وكما أظهر التاريخ وبينت الحقائق ذلك، فإننا نرى بين فترة وأخرى أنه قد خرجت علينا وثائق الإدارة الأميركية أو مستندات الخارجية البريطانية بعد عقود من الزمن لتكشف لنا كيف خطط الأعداء لمؤامرات خبيثة ودسائس مريبة.. فمن هذا المنطلق وضع الإمام خامنئي مصطلحين اثنين يتم تداولهما ألا وهما: ” الشيعي البريطاني ” و” السني الأمريكي” بما يعني أنه يمكن أن تدعي بأنك شيعي لكنك في حقيقة الأمر تكون مجندا بشكل مباشر أو غير مباشر لدى المخابرات البريطانية كما هو حال بعض شيوخ الزيف أو ممن يطلق عليهم اسم “العلماء” الذين انتحَلوا الإصلاح فكذَبوا، واستخفُّوا عقولَ السُّذَّج فضلّوا وأضلّوا، فهم يتوشحون بعباءة الدين الحنيف لتأجيج الفرقة التي تؤدي، لا محالة، إلى سَفك الدماء، وقتل الأبرياء، وترويع الآمِنين، وهتْك الحُرُمات، وتدمير المُمتلكات، وتخريب المُكتسَبَات، فمثلا هناك “شيخ” كما يُطلق على نفسه، يظهر على القنوات والشاشات بعمامة شيعية وهو يرمي الزيت على كل نار طائفية ومذهبية كي يزيدها اشتعالا! كما يمكن أن يكون هناك أيضا شخص يدعي بأنه سني لكنه يتعاون مع الإدارة الأمريكية للوقوف مع الصهاينة في تدمير غزة وإبادة أهلها الشرفاء..

المحاورة: دعونا لو سمحتم نرجع إلى موضوعنا الأصلي.. وطالما أنكم لا تمانعون في أن نكون صريحين في الحديث، فما هو المبدأ عندكم لكف جميع المحاولات في هذا المجال؟

المستشار الثقافي الإيراني: في البداية، وبعد أن يتم إدراك حقيقة الخطر المحدق بالأمة، فإن هناك أولوية تفرض نفسها عندنا ألا وهي ضرورة التصدي لهذا التهديد والوقوف في وجه هذا الخطر الكبير، وهنا تصبح أولوياتنا هي الحفاظ على المشتركات المتبادلة التي نقصد بها القبلة الواحدة والصلاة الواحدة والمصحف الكريم والصوم والحج والنبي الأكرم وآل البيت، وكل ذلك ذخر مشترك عندنا يجب أن نحافظ عليه ليجمعنا في صف واحد في وجه العدو المشترك.

المحاورة: هذا بداية.. وماذا بعد ذلك؟

المستشار الثقافي الإيراني: بصراحة.. عندنا بعد ذلك مبدأ الإنصاف الذي اعتبره رسول الله صلى الله عليه وآله أفضل سجية أخلاقية، لدرجة أنه لو وُجد في مدينة كبيرة شخص واحد يتصف بالإنصاف ونزل عليها البلاء، رفع الله ذلك البلاء عن كل أهل المدينة بفضل هذا الشخص، وقد قال الإمام علي في كلمته الخالدة التي تركها وصية لابنه الحسن عليهما السلام: ” يا بني! اجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك، فأحب لغيرك ما تحب لنفسك، وأكره له ما تكره لها، ولا تظلم كما لا تحب أن تُظلم، وأحسن كما تحب أن يحسن إليك وارضَ من الناس بما ترضاه لهم من نفسك “. ويُعتبر هذا المبدأ ” غولدن رول ” أو ” القاعدة الذهبية ” عند علماء الأخلاق.

المحاورة: كلام جميل!

المستشار الثقافي الإيراني: نعم! لو أحببت ألا يتدخل أحد في بلدي، فإنني بالمقابل يجب عليّ ألا أتدخل في بلده! ودعوني أقول لكم شيئا؛ إن من الأمور التي أعجبتني في الجزائر هي أن هناك نوعا من الحماسة والحمية والغيرة – أو كما شئتم فسموها – عند الشعب الجزائري.. إن الناس هنا تهمهم كثيرا سيادتهم فلا يقبلون أدني شكل من الوصاية من أي أحد كان.. وهذه الخصوصية الجزائرية أمتدحها جدا.

المحاورة: لطيف.. شكرا!

المستشار الثقافي الإيراني: وإضافة إلى ذلك، فإنني أعتقد بأننا يجب أن نكون مؤمنين حقا.. ليس بالكلام فقط، إذ قال الله سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا آمِنوا..) والمؤمن الحق هو من لا تخاف على نفسك منه.. يعني أنك ترتاح له، بحيث أنك لو قضيت عنده ليلة واحدة مثلا، فإنك تستطيع أن تنام نوما هنيا؛ ولو أنك تركت مالك وأهلك عنده أو تركت له حرية التصرف في بيتك فإنك ستكون مرتاح البال، لا تشعر بتوجس أو قلق أو خوف من مكروه تخشى أن يصيبك عن طريقه! أعتقد أننا لو كنا مؤمنين حقا فلا ينبغي أن نحاول التدخل في خصوصيات بعضنا البعض، وذلك كي يتأكد كل منا أنه في أمان مع الآخر!

وقد قال لي صديقي المسيحي الكاهن مرة: لو تركت أولادي عندك فإنه أفضل عندي من أن أتركهم عند بعض أهلي.. لأنني متأكد بأنك ستحافظ عليهم مثل أولادك.. فقلت: هذه شهادة أعتز بها.. وفعلا كانت هكذا لأنني في مثل هذا الحال أعتبر مؤمنا!

وإن أئمتنا من أهل البيت عليهم السلام وكبار علماء الشيعة هكذا كانوا؛ إذ كانت لهم علاقات طيبة وودية تربطهم بأهل السنة وتجعلهم قريبين منهم، وكان لهم تلاميذ من أهل السنة أخذوا العلم على أيديهم مثلما أنه في المقابل كان لأمثال الشيخ المفيد والسيد المرتضى من الشيعة أساتذة وشيوخ من أهل السنة.

ولا ننسى أن نذكر في هذا الشأن وجود روابط قرابة وعلاقات عائلية كانت تربط الجميع ببعضهم البعض كما هو الحال الآن في البلدان الإسلامية، مثلما نرى في إيران حيث يوجد الكثيرون ممن تجمعهم من الجانبين روابط عائلية.. وعلى سبيل المثال، ففي محيط عائلتي أنا نجد عمتي شيعية قد تزوجت برجل سني كنا نحبه ونحن صغار، ولم نسمع ولا مرة في أوساط أهلنا أن فلانا سني ونحن شيعة، أو أننا ينبغي أن نتجنب التعامل معه.. بل على العكس من ذلك، كانت علاقاتنا فيما بيننا طيبة جدا.

والآن تذكرت شيئا عن مصطفى العقاد المخرج العالمي.. طبعا تعرفونه!

المحاورة: نعم طبعا..

المستشار الثقافي الإيراني: الشهيد مصطفى العقاد – رحمه الله – كانت له مقابلة صحافية أجريت معه قبل وفاته بيومين باح فيها بسر غريب، إذ قال للصحافي الكويتي الذي كان يُحاوره: ” أنا لما كنت في إيران قلت للإمام خامنئي بأنني أريد أن أتشيع! ” ولننتبه إلى شيء هام هنا.. لم تذهب إليه إيران لتشييعه وهو رجل مشهور ويُعتبر قامة فنية كبيرة بل إنه هو الذي بدأ بهذه المبادرة.. والآن ماذا تتوقعون أن يكون رد قائد الثورة الإسلامية في إيران؟

المحاورة: ليس لدينا فكرة..

المستشار الثقافي الإيراني: يقول مصطفى العقاد بنفسه ما نصه.. والآن دعوني – لو سمحتم – أقرأ عليكم النص الموجود في الأنترنت: ” وهنا أحب أن أشير إلى حادثة لأول مرة أقولها: ذات يوم ذهبت إلى إيران لعرض فيلم “الرسالة ” وقابلت الرئيس ” خامنئي ” وطلبت إليه أن أصبح شيعيا، فضحك وقال لي: ” السنة والشيعة واحد، والإسلام ديننا ولا خلاف على ذلك، ابقَ سنيا لأنك شيعيٌّ والعكس صحيح، والخلافات ليست جوهرية.. المهم أنك قدَّمت لنا تحفة عالمية ستبقى مع كل الأجيال.. ولا تفكر بذلك.. بل فكر كيف ستخدم قضايا الإسلام ككل ” هذا هو الموقف الرسمي الإيراني يا إخوتنا”.!

المحاورة: عظيم جدا، يجب علينا أن نقدر ذلك!

المستشار الثقافي الإيراني: هل تريدون أن أزيدكم من الشعر بيتا؟

المحاورة: تفضلوا..

المستشار الثقافي الإيراني: وهذا معروف.. إذ بعد الأحداث الدامية التي تلت الغزو الأمريكي وسقوط النظام العراقي وعلى خلفية الخلاف المذهبي الكبير، فإن مجموعة من علماء السنة في العراق مع ممثلين لجهات شيعية حضروا عند السيد السيستاني الذي كما هو معلوم يعتبر أكبر علماء الشيعة في النجف وهو القائد العظيم، فقال أحد علماء الشيعة إجلالا وإكبارا لعلماء السنة العراقيين وهو يناديهم: ” إخواننا أهل السنة!” فقال له السيد السيستاني:” لا تقولوا إخواننا، بل قولوا أنفسنا.. فنحن لسنا منفصلين بل إننا جسم واحد وروح واحدة! ”

المحاورة: رائع!

المستشار الثقافي الإيراني: هل أزيدكم أكثر؟

المحاورة: تفضلوا!

المستشار الثقافي الإيراني: وهذا أيضا شيء معروف في لبنان.. وهو أن الإمام السيد موسى الصدر المغيب – أعاده الله بالسلامة – كان له موقف مشابه لما قُلناه آنفا، ليس من الناحية السياسية والاجتماعية بل بوصفه فقيها ومُجتهدا ومُفتيا وعالم دين.. فقد جاءه شاب في يوم من الأيام وقال له: أنا من أهل السنة وأحببت فتاة شيعية ونحن نريد أن نتزوج لكنّ أهلها يرفضون ذلك ويقولون بأنه يجب عليّ أن أتشيع لكي يقبلوا بي! ثم اتفقنا في الأخير بأن نحتكم إلى سماحتكم وصرّحوا بأنهم سيخضعون لكلمتكم! فقال له الإمام الصدر: أسمعني شهادتك! فأجاب الشاب: أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله.. فرد الإمام الصدر قائلا: وأنا أشهد بأنك شيعي! وبالفعل جاء الإمام الصدر إلى أهل الفتاة وقال لهم: هذا الشاب شيعي! وأقنعهم مصرحا لهم: إن شهادة الشيعة هي أيضا الإعتراف بالتوحيد والقبول برسالة النبي صلى الله عليه وآله وهذا هو ديننا ومذهبنا! وبذلك رتب أمورهما فتزوجا..

فالإمام الصدر هو صاحب كلمته المشهورة “لا يدخل في عقولنا قولكم إنهم سنة ونحن شيعة، فالشيعة يعني هم الذين يموتون لأجل السنة ولأجل الإسلام ولأجل القضايا الإسلامية.. فما وقف الحسين أو الصادق يوما يقول: أنا أريد أن أدافع عن جماعتي.. إنهم دافعوا عن الأمة.. عن المسلمين.. عن الحق أينما كان ”

المحاورة: صراحة.. هذه أول مرة نسمع فيها عن هذه المواقف!

المستشار الثقافي الإيراني: نعم.. لا أخفيكم أن هناك تصرفات شخصية وسلوكيات ونفسيات مختلفة عند كل طرف.. فمثلا، أنا كإيراني يمكن ألا أفرق بين شخصيات جزائرية ذات فكر متناقض، فكلاهما جزائريان عندي! ولكنهما في الحقيقة أبعد ما يكون عن بعضهما البعض في الجوهر.

وكذلك الحال بالنسبة للطرف الإيراني والشيعي! فأنت كجزائرية ترين الشخصين كليهما معممين ومن العلماء والشيوخ لكن الفرق بينهما كما بين السماء والأرض!

فيجب علينا إذن الحذر من تعميم موقف ما من المواقف لشخص ما من الأشخاص على كل الشيعة وكل إيران! وكان هذا هو الموقف الصحيح الذي اتخذه غالب العلماء وكبار الشخصيات الدينية عند الشيعة كالإمام خامنئي والإمام الصدر والسيد السيستاني وغيرهم الكثيرون. وهو الموقف السياسي الرسمي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، والدليل على ذلك زيارة الرئيس الإيراني السابق، الشهيد إبراهيم رئيسي، لجامع الجزائر، هذا الصرح الثقافي والفكري والديني الخالد، وصلاته خلف إمام سني.

وبالرجوع إلى بدايات الثورة الإسلامية المباركة، نجد أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية قامت على شعارين إثنين هما: “لا شرقية لا غربية، جمهورية إسلامية”، و”لا سنية لا شيعية، إسلامية إسلامية”. يُشكل هذان الشعاران دليلا دامغا على هوية الجمهورية التي جاهرت بتمسكها بالمنهج الإسلامي الحنيف. ولعل أهم وثيقة تُثبت صدق هذا العزم هي دستور الجمهورية الإسلامية، ففي هذه الوثيقة التي تُعتبر، عالميا، القانون الأول للبلدان مقارنة مع كل الوثائق والقوانين والتنظيمات والتشريعات الوضعية التي تضبط عمل السلطات وتنظم الصلاحيات فيما بينها، نجد الجمهورية الإسلامية الإيرانية تُنادي بالوحدة الإسلامية، ومن أهم العبارات الوحدوية ما جاء في البندين الخامس عشر والسادس عشر من المادة الثالثة، وجاء فيهما:

1 ـ تعزيز الأخوّة الإسلامية والتعاون الجماعي بين الناس كافة.

2 ـ تنظيم السياسة الخارجية للبلاد على أساس المعايير الإسلامية والالتزامات الأخوية تجاه جميع المسلمين والحماية الكاملة لمستضعفي العالم.

فضلا عن المادة الثالثة عشر، التي تنقل حرفيا الآية الكريمة: “إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون”، مع إضافة نصها الحرفي: “يُعتبر المسلمون أمة واحدة، وعلى حكومة جمهورية إيران الإسلامية إقامة كل سياساتها على أساس تضامن الشعوب الإسلامية ووحدتها، وأن تواصل سعيها من أجل تحقيق الوحدة السياسية والاقتصادية والثقافية في العالم”.

تُبين هذه المادة حرص الجمهورية الإسلامية على تكريس مفهوم الوحدة الإسلامية لإحداث قفزة فكرية وثقافية واقتصادية نوعية في العالم الإسلامي، على عكس بعض الدول التي تنتهج نهجا طائفيا. أما فيما يخص التفاصيل المذهبية، نجد المادة الثانية عشرة من الدستور الإيراني، تضمن المساواة بين المذاهب الإسلامية جميعها دون استثناء، إذ تتمتع المذاهب الأخرى، والتي تضم المذهب الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي والزيدي باحترام تام، وبالحقوق الكاملة دون نقصان، كما أن أتباع هذه المذاهب أحرار في أداء طقوسهم الدينية حسب فقههم الخاص ولهم حرية التعامل فيما بينهم، خاصة ما تعلق بالدعاوي والقضايا في المحاكم، وفقا للنصوص الفقهية الخاصة بكل مذهب. وتنتشر هذه المذاهب في مناطق سیستان وبلوتشستان وشمال جرجان وخراسان وهرمزكان وكردستان، ولعلمائهم حظوة ومكانة مرموقة في الدولة ولدی السلطة أيضا.

وفي ذات السياق، دأبت الجمهورية الإسلامية الإيرانية على زرع بذور التقريب بين المسلمين من خلال عقد مؤتمر الوحدة الإسلامية، في أسبوع ولادة النور حبيب الله، محمد بن عبد الله المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلّم، خير المرسلين وسيّد الوصيّين، وهي مبادرة سنوية، تُقام تحت إشراف المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وتجمع تحت سقف واحد رموز المذاهب والطوائف والأديان وكبار رجالات مجامع التقريب والحوار والوحدة.

يستعرض المشاركون في هذا المؤتمر تاريخِ الوحدة بين المسلمين، مجددين الولاء لميثاقَ الوفاء والقرب والاتحاد، مصداقا لقوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا….)، فقد خاطب اللّه المسلمين بأنهم أمة واحدة في ظل ربوبيته التي تُلزمهم بعبادته وتقواه، فالاتحاد هو الشرطِ اللازم لإحقاقِ الحضارة الإسلامية، خاصة بعد تعمق الفجوات بسبب الفتاوى المغرضة وموجات التكفير. والجدير بالذكر أن الإخوة الجزائريين من الضيوف الدائمين للمؤتمر، يتقدمهم رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، السيد بوعبد الله غلام الله.

وسابقا، ارتبطت ملتقيات الفكر الإسلامي التي كانت تعقد في الجزائر منذ 1968م وحتى عام1990م، حيث توقفت بسبب اندلاع العشرية السوداء بالبلد، بمشاركة الإيرانيين أيضا. كان هذا المؤتمر علميا خالصا للمذاهب والتيارات والأفكار وحتى الاجتهادات، وعلامة فكرية فارقة في العالم الإسلامي، يجمع تحت سقف واحد علماء الإسلام بجميع توجهاتهم وسائر طوائفهم ونِحَلِهم، وكان العلماء الإيرانيون أمثال أية الله الشيخ التسخيري، والسيد هادي خسروشاهي، والعلامة الكبير الدكتور السيد جعفر شهيدي، رحمهم الله، والإمام موسى الصدر والمستشار الثقافي الإيراني السابق، سيد جلال ميراقائي، من المشاركين الثابتين في هذه الفعالية الفكرية، إذ لزموها لسنوات عديدة، صادحين بأصواتهم التي تنادي بالوحدة والتسامح مع الآخر والتحاور معه وفق أرضية مشتركة للوصول إلى نقاش بنّاء ومُثمر، يُساهم في دفع عجلة التقريب إلى الأمام، والقضاء على المرض الذي مزّق الأمة الإسلامية إلى مذاهب وطوائف وعشائر.

المحاورة: جميل جدا… ولعل ذلك هو السبب في معاداة الصهاينة، ومحاولات هؤلاء في ممارسة الحرب الإعلامية..

المستشار الثقافي الإيراني: نعم.. لذلك كان الإمام الصدر يحاول أن يسلط الضوء على الكيان الصهيوني الغاصب بوصفه شرا مطلقا وغدة سرطانية بدل انشغال المسلمين بمسائل هامشية.. ولو كان اليوم معنا لوجدناه يُركز على أهل غزة المظلومين.. ودعوني أسألكم عن أهل غزة، أهل الإباء الذين قدموا للعالم درسا في الإيمان والتوحيد والصبر والعقيدة.. هل كانوا شيعة؟ نحن نعتز بهم ونفتخر وندافع عنهم أكثر مما ندافع عن غيرهم.

المحاورة: هذا صحيح، فنحن نرى اليوم وقوف الجمهورية الإسلامية الإيرانية ولبنان والعراق واليمن بجانب أهل غزة.. وبشهادة الفلسطينيين أنفسهم، كالشهيد هنية الذي وصف الجنرال الإيراني الشهيد قاسم سليماني ب “شهيد القدس،” والقائد السنوار الذي قال بأن طهران “كانت كريمة دائما “في دعمها للفصائل المقاومة ماديا ولوجستيا ومعنويا. وأضاف: “لإيران الفضل الأكبر بعد الله في دعم المقاومة، إيران قدمت لنا المال والسلاح والخبرات في حين خذلنا إخوان عرب عن تقديم العون”.

المستشار الثقافي الإيراني: ولذلك أنا على يقين واقتناع بأن أي تغلغل مذهبي اليوم في الجزائر سيؤدي إلى تفكيكها، وهذا بالتالي لن يصب إلا في مصلحة الصهاينة والأنظمة المُعادية.. ومن هذا المنطلق، فأنا مع الإصرار على ترسيخ المذهب المالكي والحرص على توحيد الجزائريين في بوتقته، وذلك حتى يحفظ الجزائر ويجعلها حصنا منيعا من حصون الإسلام.. ومن الأفضل أن نكون مالكيين ونقف في وجه المحتل الغاشم كما فعل المجاهدون خلال فترة الثورة الجزائرية!

المحاورة: دعوني أسألكم بصراحة وأرجو ألا يكون في ذلك إحراج لكم.. إننا نقبل منكم أنكم لا تريدون أن تشيعوا أحدا، لكن ألا تفضلون أن أكون أنا مثلا شيعية؟

المستشار الثقافي الإيراني: أجيبك بصراحة كما عهدتني، أنا أفضل أن تكوني إنسانة!

ولنفترض أنك الآن جالسة في مقعد من مقاعد الباص وأن هناك امرأة تحمل رضيعا أو رجلا طاعنا في السن، ففي هذه الحال لو وقفت من مقعدك وجعلت أحدا منهما يجلس مكانك فأنت حينئذ أقرب إليّ وأعظم مكانة من أي شيعية! أو لنفترض أيضا أن لك جارا يُعاني من ضائقة مالية أو يتخبط في مشكلة من مشاكل الحياة المعيشية ثم واسيته بمالك وخففت عنه من همه وغمه، فأنت هنا كذلك أقرب إليّ وأعلى منزلة من أي شيعية يا أختي الكريمة!

ولو كان هناك شيعي في بلدي لا يهتم بأخيه وأخته من المواطنين ولا يتألم لآلامهم ولا يتأذى من جوعهم فهو أبعد مني من أي سني أو غير سني!

المحاورة: نحن سعداء جدا بهذه الرؤية ومرتاحون غاية الارتياح لطريقة التفكير هذه.. ولا نخفيكم سرا أنكم فاجأتمونا شيئا ما، إذ لم نتوقع منكم هذه الصراحة وهذه الطريقة في توضيح الأمر.. وفي المحصلة أننا سمعنا منكم كلاما مُطمئنا ويُثلج الصدور.. فيا ترى من أين يأتي هذا الموقف؟

المستشار الثقافي الإيراني: من الناحية النظرية لا نستطيع أنْ ندعي أنّ الإسلام هو حكر علينا وحدنا، وليس هذا هو مبدؤنا، مثلما ذكره القرآن الكريم عن قوم آخرين: ” وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى”.. لأنه في مثل هذا الحال يمكن للحنفي أن يقول: ” لن يدخل الحنبلي الجنة ” أو يقول الشافعي مثل ذلك عن المالكي أو كل واحد عن الآخر الذي يختلف عنه!

ولا أُخفي عنكم أن هناك من الشيعة من لهم رأي آخر كما هو الشأن عند أهل السنة؛ لكن الأساس الذي نبني عليه والذي ينير لنا الطريق هو رأي القيادة العليا الدينية في إيران القائم على الفكر الوسطي العقلاني والمؤسس على تراث أهل بيت رسول الله.

ثم بعد ذلك، وإذا نظرنا من الناحية العملية والتطبيق الميداني، فهنا نصل إلى موضوع حرية المعتقد.

المحاورة: وهناك طبعا تبقى الخلافات النظرية أيضا..

المستشار الثقافي الإيراني: نعم.. ولكن، وبشكل عام، لا شك أننا في الحياة المشتركة التي تكون بيننا، في حاجة إلى أن نرسم مساحة مشتركة للتعامل الإنساني، ولا يدخل المذهب بالطبع في تلك المساحة المشتركة..

نحن أحوج ما نكون لتعامل اجتماعي انساني على مبدأ: ” وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ” ولا يمكن لهذا التعارف إلا أن يكون ضمن مساحات مشتركة تجمعنا، وإلا فسنبقى منعزلين في زوايا ضيقة ودوائر مغلقة، كلمة رسول الله القيّمة والمشهورة ” استر ذهبك وذهابك ومذهبك” التي تم تفسيرها عادة بالتقية من باب الخوف.. نعم، لعل هناك ظروفا تاريخية كانت تقتضي ذلك، لكن يتوجب علينا اليوم أن نفهم هذه الكلمة ونفسرها وِفق ظروفنا الراهنة في إطار الأدب الاجتماعي..

فنرى رسول الله كأنه ينهانا عن التجسس على مذهب الآخرين أو معتقداتهم و” ذهابهم” أي علاقاتهم الشخصية و” ذهبهم” أي ما يملكون. وهذا ما يدركه أي إنسان متحضر في عالمنا اليوم؛ وهكذا وعلى سبيل المثال، فإنه لا بأس إذا سألت أحدا عن اسمه أو بلده، لكن من سوء الأدب أن تسأله أين تواجد ليلة أمس وعن عنوان مقصده الآن أو كم يوجد في رصيده بالبنك الفلاني.. وإذا ما تجاوزت هذه الأسئلة وتلك التفاصيل فعندئذ تُتاح لك ولغيرك الفرصة للتعاون الإنساني، ولعل مبدأ ” وتعاونوا على البر والتقوى” نفهمه أيضا من هذا المنظار.. فبحسب المشتركات الإنسانية الطبيعية ومدى التركيز عليها يبرز أمامنا ما كتبه الإمام علي بن أبي طالب إلى مالك بن الأشتر عندما ولاه مصر: ” فالناس صنفان، إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق! ”

المحاورة: لكن ممارسة هذا النوع من السلوك أمر صعب جدا ويحتاج للارتقاء إلى مستوى رفيع..

المستشار الثقافي الإيراني: نعم.. ونحن مدعوون إلى ذلك، إذ كلنا نحتاج لقبول الاختلاف والتنوع والاعتراف بالآخر كما هو. يجب عليّ أن أتقبلك وأعترف بك كما أنت من دون محاولة لجعلك مثلي أو إدخال تعديل فيك!

المحاورة: أتعبناكم سعادة المستشار، لكننا نشكرك جدا على هذه الحفاوة والصدر الرحب والكلام الجميل، ولا نريد أن نطيل عليكم لكننا أحببنا أن تتكرموا باستكمال الجزء الأخير من الكلام السابق، إذ يبدو في أول نظرة أن كلمات ومواقف مثل هذه، ونقصد بها فكرة تقبل الآخر كما هو والاعتراف به، هي مفاهيم غير إسلامية أو هي دخيلة وناتجة عن العولمة، وإلا فماذا نفعل بكل آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن نشر الرسالة والجهاد من أجل ذلك والدعوة الاسلامية؟

المستشار الثقافي الإيراني: أنا أوافقكم الرأي، لكنني أعتقد أن المشكلة تكمن في نقطتين اثنتين.. تتمثل الأولى في سوء تفسيرنا لبعض المفاهيم الدينية، وأما الثانية فتتجلى في قلة معرفتنا بالجزء الكبير من التراث الديني.. فمثلا هل سمعتم لحد الآن بهذا الحديث النبوي الشريف: ” من مات مداريا مات شهيدا”؟

المحاورة: لا أبدا، إننا نسمعه لأول مرة..

المستشار الثقافي الإيراني: وأنا بدوري فُوجئت عندما اطلعت عليه في كتاب ولأول مرة؛ والحقيقة أنّ منزلة الشهيد ليست شيئا هيّنا. هو يصرح بأن الإنسان لو كان مداريا مع الناس يتحمل أذاهم ويتجاوز عنهم ويساعدهم في حلحلة مشاكلهم وجاءه الموت فهو شهيد! هناك الكثير من مثل هذه المفاهيم والدروس والعبر التي لم نعرفها ولم نتعلمها. وفوق ذلك، فإننا لم نفسر الكثير منها بشكل صحيح.. نعم هناك دعوة إسلامية ينبغي أن نجتهد في القيام بها لكن كيف تكون؟ يقول الله سبحانه وتعالى:” ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن”.. فهي إذن دعوة بالحكمة والموعظة وبشكل مبشر لا منفر وبالطريقة السمحة التي تجذب الناس وتستميلهم إليها وليس بما ينفّرهم ويُبعدهم!

وبالإضافة إلى ذلك كله، يقول الله سبحانه وتعالى: ” وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ” فما معنى هذا الكلام؟ يشير الإمام الصادق حفيد رسول الله إلى أن الله سبحانه وتعالى فرّق بين الناس في الخلق وجعلهم مختلفين حتى يتحقق الهدف المنشود من خلال هذا التفاوت، ألا وهو: أن تبرز القدرات والطاقات وتظهر الكفاءات؛ فالتعامل الديناميكي في المجتمع لا يحصل إلا بهذا التفاوت والاختلاف، فالله سبحانه وتعالى كان قادرا على أن يخلقنا مثل بعضنا البعض وكلنا بشكل واحد وقدرات متطابقة، فأنت أذكى وأنا أقوى، وأنت تبرز في الرياضة وأنا ألمع في المجال الأدبي، وأنت أطول وأنا أسرع وهكذا… ولكل واحد خصوصياته ، والمطلوب منهم جميعا أن يتعلموا كيف يجمعون قدراتهم ويستثمرون طاقاتهم لخلق مجتمع مثالي يتقدم ويزدهر. وقد قال الله تعالى: ” ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ” بما يعني: لا تحاولوا أن تجعلوا الجميع مثل أنفسكم وارضوا بالحد الأدنى المطلوب منكم كما تكفي الشهادتان للإسلام؛ والله لم يطلب من ملايين المسلمين ما يطلبه من رسوله مما يقتضيه الأمر في شأن الصلاة أو نوعية الصوم مثلا، بل يكتفي منهم بإظهار العبودية وأداء الواجب من فروض العبادات والمعاملات.. والمشكلة مع الأسف هي أن البعض منا يريد أن يطلب أكثر مما يطلبه الله سبحانه وتعالى!

المحاورة: شكرا جزيلا سعادة المستشار.. ونحن سعداء جدا بهذا الحوار الممتع والغني..

المستشار الثقافي الإيراني: الله يحفظكم.. وأنا بدوري شاكر لكم هذه المبادرة الطيبة وقد سعدت بزيارتكم وتبادل الرأي معكم في هذا الحوار الذي كان ممتعا لي أيضا.. وأرجو لكم التوفيق في العمل الإعلامي الهادف والملتزم الذي نريد من أهله أن يكونوا في خدمة الأمة الإسلامية والوطن الغالي وشكرا..