• اخر تحديث : 2024-10-11 16:02

 
ثمة سمة بارزة لحال الصراع مع العدو الصهيوني في الوقت الحاضر : المماطلة في المفاوضات والتصعيد في القتال بلا توقف على جميع الجبهات. العدو يرتكب المزيد من المجازر في قطاع غزة. يغزو بوحشية مخيمات الفلسطينيين في محيط جنبن ونابلس والقدس وطولكرم في الضفة الغربية . يضرب بمدافعه القرى الحدودية في جنوب لبنان . يقصف بمسيّراته مدنيين يتنقلون على درّجاتهم في كل مناطق لبنان ، لاسيما في منطقة  البقاع وجنوب البلاد.
مئات المدنيين ألأبرياء يصابون ويرتقون شهداء نتيجةَ هذه الإعتداءات الوحشية المتفاقمة ما استدعى  ويستدعي ردوداً من المقاومة الفلسطينية في القطاع والضفة ، ومن اليمن المقاوم ضد سفن التموين المتجهة الى ميناء ام الرشراش (إيلات) في جنوب فلسطين المحتلة ، ومن حزب الله في جنوب لبنان ضد مستعمرات العدو في الجليل الأعلى بشمال فلسطين المحتلة  وفي الجولان المحتل بجنوب سوريا.
في الأثناء ، تتضارب الأخبار والتقارير من مصادر شتى حول المفاوضات المتعثرة في القاهرة التي تتولاها الولايات المتحدة ومصر وقطر . تارةً تشير الى "إختراقات إيجابية". تارةً أخرى الى جمود متواصل مردّه الى تعنّت رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو المصرّ على إبقاء جيشه ، بشكل او بآخر ، في منطقة فيلادلفيا الحدودية بين مصر وفلسطين المحتلة وفي نتساريم بقلب قطاع غزة لفصل شماله عن  جنوبه.
الردّ من هنا والردّ على الردّ من هناك يتحولان تدريجاً الى تصعيد ٍمتبادل تنهض معه أسئلة ثلاثة :
الاول ، اذا توقف القتال في قطاع غزة ، هل تستمر اعتداءات العدو الوحشية على المخيمات في الضفة الغربية ؟
الثاني ، اذا نفّذ حزب الله وعده بالإنتقام من العدو لإغتياله كبير قادته العسكريين الشهيد فؤاد شكر ، هل تردّ "اسرائيل" بضربةٍ قاسية ما تستوجب رداً عليها من حزب الله لا يقلّ قسوة ً؟
الثالث ، اذا نفذت ايران وعدها بالإنتقام من العدو لإغتياله رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران الشهيد اسماعيل هنية ، هل تردّ "اسرائيل" بضربة قاسية تستوجب رداً مقابلاً من ايران  لا يقلّ قسوةً ؟
هذا التصعيد المتبادل المستمر والمتطور بين أطراف الصراع ، وتلك المفاوضات المتعثرة ، هل تؤشران الى إنفجار كبير ؟
الجواب ، مضموناً وتوقيتاً ومكاناً وزماناً  ، ما زال حبيس عقول القيادات العليا لأطراف الصراع . معظم ما يرشح من أخبار وتسريبات منسوبة الى هذا الطرف او ذاك ، هو من قبيل الظنّ والتخمين. لكن بعضه قد يكون تسريباً مقصوداً من أحد أطراف الصراع لجسّ نبض العدو ومحاولة إستشفاف ما ينتويه من ردود أفعال.
هذا الوضع الملتبس لا يحول دون إقدام أهل التفكير والتدبير كما الخبراء والكتّاب والمحللين على إجراء ما يُسمّى تقدير موقف طرف او اكثر من أطراف الصراع في ضوء وقائع وحقائق ومعلومات ودراسات تتبدّى في مختلف ميادين الحياة العامة لدى كلٍّ منهم.
في هذا المجال ، يمكن الإستنتاج بثقةٍ أن كيان الإحتلال يشكو من جملة صعوبات ومتاعب وفجوات على صُعُد الجمهور والدولة والإقتصاد والجيش :
الجمهور ، وبالتالي الرأي العام ، منقسم على نفسه تتنازعه بصورة عامة  ثلاث فئات متفاوتة في عديدها وعدتها وفعاليتها ودورها في إتخاذ القرارات الكبرى وتنفيذها : فئة اليمين التي تضمّ أحزاب الليكود (نتنياهو) و"القوة اليهودية" (بن غفير) و"الصهيونية الدينية" (سموتريتش) والحريديم بشتى تنظيماتهم (مرشدهم الحاخام يوسف) .هؤلاء جميعاً يشكلون الإئتلاف الحاكم بقيادة نتنياهو. وفئة الوسط التي تضم تنظيمات ليبرالية متعددة ، أهمها حزب "يوجد مستقبل" بقيادة رئيس الحكومة الأسبق مائير لابيد. وفئة اليسار التي تضم كتلة حزب العمل وحزب ميريتس معاً بقيادة الجنرال المتقاعد يائير غولان ، وهي أضعف الفئات الثلاث .
الدولة بإداراتها ومؤسساتها تقودها الحكومة وبالتالي رئيسها نتنياهو، الأطول عمراً في السلطة بين رؤساء الحكومات المتعاقبين .
الإقتصاد بمختلف قطاعاته  المتضرر كثيراً لكون الحرب على حركة حماس أضحت أطول حروب "اسرائيل" منذ قياها سنة 1948 ما أدى الى توقف وهروب كثير من الشركات ، وتعاظم الدين العام ، وهبوط قيمة العملة ، وتراجع جباية الرسوم والضرائب نتيجة نزوح عشرات الآف المستوطنين من مستعمرات الشمال والجنوب، وتراجع مداخيل  الموانيء والمطارات.
الجيش منهك لأطالة امد الحرب (11 شهراً) وعاجز عن تحقيق أغراض رئيس الحكومة بالقضاء على حركة حماس ، وإستعادة الأسرى  ، والسيطرة على معبر رفح ، ومنطقة فيلادلفيا ، ومنطقة نتساريم في قلب قطاع غزة .
في ضؤ هذه الصعوبات والمتاعب والفجوات التي يعانيها كيان الإحتلال ، تتصاعد دعوة  ملحّة من جنرالات الجيش المتقاعدين ، ابرزهم إسحاق بريك ، الى وجوب وقف القتال وفق مقترح الرئيس بايدن ، وعدم المغامرة بمواجهة حزب الله في لبنان. غير ان تعنّت نتنياهو من جهة ، ومن جهة اخرى تزايد ضغوط الوزيرين المتطرفين بن غفير وسموتريتش المطالبين بتوسيع رقعة الإستيطان في الضفة الغربية تمهيداً لضمها الى الكيان ، قد تدفعه الى إطالة أمد الحرب أملاً بفوز حليفه دونالد ترامب بمنصب الرئيس في الولايات المتحدة ، وتصعيد المواجهة تالياً مع ايران.
في المقابل ، يبدو حزب الله وايران مصممين على الردّ إنتقاماً لقيام "اسرائيل" بإغتيال الشهيدين فؤاد شكر واسماعيل هنية ، لكنهما يحاذران ان يكون ردّهما المرتقبان على "اسرائيل" من القوة بحيث يشكّلان ذريعة لنتنياهو لتوسيع رقعة الحرب كي تشمل ايران وجرّ الولايات المتحدة اليها .
غير ان قيام حكومة نتنياهو اخيراً بتصعيد حربها الوحشية ضد الشعب الفلسطيني في مخيماته قرب جنين ونابلس والقدس وطولكرم قد يدفع حزب الله، وربما ايران ايضا، الى عدم التهاون في الردّ على كيان الإحتلال ما قد يؤدي بدوره الى توسيع رقعة الحرب.
إن حزب الله  كما ايران لا يرغبان في الظروف الراهنة بتطوير القتال الى حرب إقليمية واسعة ، لكنهما لن يترددا في خوضها اذا ما ركب نتنياهو رأسه ، ومن ورائه الولايات المتحدة ، وقرر المغامرة في هذا السبيل .
كيف يمكن لجم نتنياهو ؟
لعل ذلك يكون بأن يتخذ حزب الله تدبيراً محسوباً بدقة ، فيعلن تطوير موقفه القائل بأن وقف القتال ضد "اسرائيل" مرهون بوقف حربها على الفلسطينيين في قطاع غزة ليصبح موقفاً اشد فعالية قوامه وجوب وقف "اسرائيل" حربها على مخيمات الفلسطينيين في الضفة الغربية كذلك كشرط لوقف حربه (حزب الله) ضد كيان الإحتلال من خلال جبهة الإسناد في جنوب لبنان.
على حافة التدحرج الى حربٍ إقليمية شاملة ،  ربما يُسهم هذا التدبير الجريء والمحسوب من قِبَل حزب الله في  ردع نتنياهو وجعله يتهيّب مخاطر ومفاعيل متابعة حربه الإبادية وتوسيعها. ذلك ان قادة "اسرائيل" يدركون طاقات حزب الله الواسعة وقدرته على تكبيدها أضراراً وخسائر عسكرية واقتصادية فادحة ، لاسيما في منطقة "غوش دان" الممتدة بين حيفا ويافا حيث توجد وتحتشد اربعون في المئة من موارد كيان الإحتلال سكاناً وعمراناً وموانيء ومطارات وصناعةً وزراعةً وقواعد عسكرية.