• اخر تحديث : 2025-07-29 12:17
news-details
مقالات مترجمة

قوة خفية في الشرق الأوسط: كيف يُقيّد الرأي العام العربي التطبيع مع إسرائيل


عندما بدأت إسرائيل بتطبيع العلاقات مع بعض جيرانها عام 2020، كجزء من اتفاقيات إبراهام التي توسطت فيها الولايات المتحدة، بدأ العديد من المحللين يتساءلون عما إذا كانت القضية الفلسطينية لاتزال تُشكل أهمية للعالم العربي. ازدادت الشكوك حول أهمية هذه القضية بالنسبة للعرب أواخر العام 2023، عندما بدا أن السعودية قد تنضم أيضًا إلى الاتفاقيات، وتُطبّع علاقاتها مع إسرائيل دون المطالبة، في المقابل، بإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
 
أثارت الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة، التي أعقبت هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، غضبًا دوليًا إزاء نطاق العنف المُستخدم ضد المدنيين الفلسطينيين وحصار إسرائيل للمساعدات الإنسانية المُقدمة إلى غزة. لطالما عانى الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية وإسرائيل من العنف والحرمان، لكن المعارضة العربية للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية نادرًا ما كانت عاملًا حاسمًا في الصراع. بالنظر إلى مستوى الدمار غير المسبوق الذي خلّفته هذه الجولة من القتال، توقع العديد من المراقبين أن يؤدي غضب المواطنين العاديين في الدول العربية إلى تحولات جوهرية في خطاب حكوماتهم وسياساتها. وبدل ذلك، جادل بعض الباحثين بأن هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول والأحداث التي تلتها قد أضعفت في الواقع القضية الفلسطينية، مشيرين إلى أن القضية قد غابت إلى حد كبير عن الأجندة الدولية. ويستشهد البعض، على سبيل المثال، بحقيقة أن أياً من الدول العربية التي وقّعت معاهدات سلام مع إسرائيل لم تُنهِ تلك العلاقات. وبالمثل، خلال زيارة الرئيس دونالد ترامب الأخيرة إلى قطر والسعودية والإمارات، تراجعت أهمية القضية، على الأقل علناً، إذ طغت عليها المصالح الاقتصادية للأطراف المعنية. وبالنسبة لبعض المراقبين، بدا الغضب الشعبي في العالم العربي إزاء الحرب أشبه بـ"كلب لا ينبح".
 
إلا أن هذا الرأي يغفل حقيقة جوهرية. فكما تُظهر استطلاعات الرأي التي أجريناها في المنطقة، فقد تحوّل الرأي العام العربي بالفعل - وبطرق أثّرت على سلوك الأنظمة في الدول العربية. على الرغم من أن مصالحهم الأساسية لم تتغير بشكل ملموس نتيجة للصراع في غزة، إلا أن سياساتهم الخارجية قُيّدت بسبب غضب مواطنيهم المتزايد إزاء الهجمات الإسرائيلية. بعد أن بدأت إسرائيل حملتها على غزة، توقف التطبيع العربي الإسرائيلي. وخلال زيارة ترامب الأخيرة إلى السعودية، لم يكن توسيع اتفاقيات إبراهام مدرجًا على جدول الأعمال. ورغم أحداث السابع من أكتوبر وحرب غزة، لاتزال بعض الحكومات العربية تأمل في علاقات أوثق مع إسرائيل، معتقدةً أن هذه العلاقات ستخدم مصالحها الاستراتيجية. لكنهم لم يتمكنوا من المضي قدمًا بسبب المعارضة الشعبية. إن عدم إحراز تقدم في هذه الأجندة هو "الكلب الذي لم ينبح".
 
اليوم، وعلى عكس ما كان عليه الحال قبل السابع من أكتوبر، لا يمكن لقادة المنطقة تجاهل دعم شعوبهم للقضية الفلسطينية. فإذا أرادت إسرائيل أن تُحرز تقدمًا ملموسًا في اندماجها في المنطقة، فلا بد من طرح مسارٍ ما نحو إقامة دولة فلسطينية.
 
الأولويات العامة
لطالما دعم المواطنون العاديون في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قيام دولة فلسطينية. وفي الأشهر التسعة التي تلت بدء الحملة الإسرائيلية، تعمّق هذا الالتزام. خلال تلك الفترة، أجرت منظمتنا، الباروميتر العربي، استطلاعات رأي تمثيلية على مستوى المنطقة. ووجدنا أنه من المغرب إلى الكويت، وصفت أغلبية واضحة من المشاركين في الاستطلاع هجوم إسرائيل على غزة بمصطلحات "إبادة جماعية" أو "مجزرة" أو "تطهير عرقي".
 
 ومع ذلك، أقرّ معظم المشاركين بحق إسرائيل في الوجود: حتى بعد ردّ إسرائيل بالقوة العسكرية على هجمات السابع من أكتوبر، أيّدت أغلبية في جميع الدول التي شملها الاستطلاع تقريبًا حل الدولتين لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. لكن العداء تجاه إسرائيل ظلّ سائدًا: على سبيل المثال، أفاد ثلاثة بالمئة فقط من التونسيين بأن لديهم رأيًا "إيجابيًا جدًا" أو "إيجابيًا إلى حد ما" تجاه إسرائيل. كما انخفض تأييد التطبيع مع إسرائيل، بما في ذلك في الدول التي وقّعت بالفعل على اتفاقيات إبراهام. في المغرب، الذي طبّع العلاقات مع إسرائيل من خلال الاتفاقيات عام 2020، أيّد 13 بالمئة فقط من المستجيبين تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل في الأشهر التي تلت 7 أكتوبر، مقارنةً بـ 31 بالمئة عام 2022.
 
كما تغيّرت آراء المواطنين العرب تجاه الجهات الفاعلة الدولية نتيجةً للحرب في غزة. في معظم الدول التي شملها الاستطلاع في المنطقة، أفاد الناس بانخفاض كبير في تأييدهم للولايات المتحدة في الاستطلاعات التي أُجريت بعد 7 أكتوبر، مقارنةً بتلك التي أُجريت بين عامي 2021 و2022، بما في ذلك انخفاض بنسبة 23 نقطة مئوية في الأردن، و19 نقطة في موريتانيا، و15 نقطة في لبنان، وسبع نقاط في العراق. وحدثت انخفاضات مماثلة فيما يتعلق بحلفاء إسرائيل الآخرين، مثل فرنسا والمملكة المتحدة. انخفضت نسبة التأييد لفرنسا بمقدار 20 نقطة مئوية في لبنان، و17 نقطة في موريتانيا، وعشر نقاط في المغرب. وانطبق الأمر نفسه على الآراء الإيجابية تجاه المملكة المتحدة، التي انخفضت بمقدار 38 نقطة مئوية في المغرب، و11 نقطة في الأردن، وخمس نقاط في العراق. وفي الوقت نفسه، وخلال الفترة نفسها، تحسنت الآراء تجاه الصين بشكل كبير، معوضةً تراجعًا استمر لسنوات. فقد زادت نسبة التأييد للصين بمقدار 16 نقطة مئوية في الأردن، و15 نقطة في المغرب، وعشر نقاط في العراق، وست نقاط في لبنان.
 
لم تصاحب هذه التغيرات الجذرية في الرأي العام اضطرابات من النوع الذي شهدته المنطقة، على سبيل المثال، خلال ثورات الربيع العربي في عامي 2010 و2011. إلا أن الاحتجاجات كانت شائعة نسبيًا في المنطقة العربية خلال العام والنصف الماضيين. ففي استطلاعات الباروميتر العربي التي أجريت من العام 2023 إلى العام 2024، أفاد ما لا يقل عن عشرة في المئة من المشاركين البالغين في كل دولة شملها الاستطلاع بمشاركتهم في مظاهرة في العام الماضي - وهي نسبة مماثلة لنسبة الأميركيين البالغين الذين شاركوا في الاحتجاجات ضد وحشية الشرطة خلال ربيع وصيف العام 2020 وفقًا لاستطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة كايزر فاميلي وسيفيس أناليتيكس. 
 
وفي أبريل ومايو من هذا العام، اندلعت احتجاجات محلية متعلقة بغزة في الجزائر والبحرين ومصر والعراق والأردن ولبنان وليبيا وموريتانيا والمغرب وعمان وسوريا وتونس واليمن. وفي المغرب، كان هناك 110 مظاهرة في 66 مدينة وبلدة في يوم واحد فقط في أبريل. وفي هذا الأسبوع، وصلت قافلة شعبية كبيرة تُعرف باسم الصمود وتتكون من تونسيين وليبيين وأفراد من مجموعة متنوعة من البلدان الأخرى إلى ليبيا، من نقطة انطلاقها في تونس، في مهمة لتوصيل المساعدات إلى سكان غزة. وتتوقع القافلة أن تكتسب مشاركين مع استمرارها في اتجاه غزة. مع ذلك، لم تحظَ هذه الأحداث باهتمام يُذكر من وسائل الإعلام الدولية.
 
لولا الممارسات القمعية لحكومات المنطقة لكانت المظاهرات، على الأرجح، أكبر حجمًا وأكثر وضوحًا للمراقبين الخارجيين. الاحتجاجات ليست محظورة رسميًا في معظم الدول العربية، لكن معظم المواطنين يدركون أنه عمليًا، ليس لديهم حق مضمون في المشاركة في المظاهرات التي تُعبّر عن معارضة سياسات حكوماتهم. في 11 دولة شملها استطلاع الباروميتر العربي بين عامي 2021 و2022، وافق 36% فقط من المشاركين في المتوسط على أن حرية المشاركة في الاحتجاجات والمظاهرات السلمية مضمونة "إلى حد كبير أو متوسط". كانت تونس الدولة الوحيدة التي وافقت فيها أغلبية واضحة من المشاركين - 61% - على ذلك؛ بينما أجاب 25% فقط من المشاركين في الأردن و12% في مصر بالمثل. 
 
في السنوات التي تلت إجراء تلك الاستطلاعات، لم تُعطِ حكومات المنطقة الناس سوى القليل من الأسباب للاعتقاد بأنها أصبحت أكثر انفتاحًا على المعارضة. ففي المغرب، شهد شهر أبريل/نيسان 110 مظاهرة في يوم واحد. في الأردن، المرتبط بمعاهدة سلام مع إسرائيل، بدأت الاحتجاجات ضد الحملة الإسرائيلية على غزة تندلع يوميًا تقريبًا بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، مع مظاهرات واسعة النطاق عقب صلاة الجمعة أسبوعيًا. 
 
وبعد اندلاع احتجاجات مماثلة حول السفارة الإسرائيلية في عمّان، أجلت إسرائيل سفيرها، ولم تُعِدْ منذ ذلك الحين بعثتها الدبلوماسية في الأردن. في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، استدعت الحكومة الأردنية سفيرها لدى إسرائيل استجابةً للضغط الشعبي. وواصل الأردن، في بعض الحالات، تعامله مع إسرائيل. فعلى سبيل المثال، ردًا على هجوم إيران الصاروخي والطائرات المسيرة على إسرائيل في أبريل/نيسان 2024، ساعد الأردن بهدوء في الدفاع عن إسرائيل بقيادة الولايات المتحدة. أدى هذا الدعم إلى احتجاجات شعبية واسعة في الأردن، وفي أبريل/نيسان من هذا العام، بدأت الحكومة الأردنية فرض حظر على جماعة الإخوان المسلمين، وهي جماعة إسلامية ذات تاريخ طويل في تنظيم المظاهرات ضد إسرائيل ودعم القضية الفلسطينية، وحلّت الجماعة. ونتيجة هذه الحملة، أصبحت الاحتجاجات المنتظمة لدعم غزة أقل شيوعًا خلال الشهرين الماضيين. 
 
في المغرب أيضًا، كان النظام حذرًا من أولئك الذين ينتقدون علاقات البلاد مع إسرائيل، والتي تم إضفاء الطابع الرسمي عليها عام 2020 كجزء من اتفاقيات إبراهيم. سجنت الحكومة بشكل روتيني المتظاهرين المطالبين بخرق المغرب للاتفاقية. لكن حركة الاحتجاج لم تنتهِ. بدل ذلك، غيّر المتظاهرون تكتيكاتهم، بما في ذلك الانتقال من المراكز الحضرية إلى موانئ البلاد. على مدار الأشهر القليلة الماضية، استهدف المتظاهرون السفن الراسية في المغرب والمتجهة إلى إسرائيل لدعم المجهود الحربي الإسرائيلي. في أبريل 2025، دعا أكبر اتحاد عمالي في المغرب الحكومة إلى حظر مثل هذه السفن من المياه المغربية، ويسّر جولة من الاحتجاجات دعماً لغزة.
 
في غضون ذلك، سعت الحكومة في الكويت إلى منع المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين من خلال حظر مثل هذه الاحتجاجات العامة. ومع ذلك، وجد الكويتيون طرقًا لإظهار دعمهم لشعب غزة. أشارت نتائج استطلاع أجراه الباروميتر العربي في مارس/آذار 2024 إلى أن 84% من المشاركين قاطعوا الشركات التي تدعم إسرائيل، و62% تبرعوا لدعم سكان غزة، و40% نشروا رسائل مؤيدة للفلسطينيين على وسائل التواصل الاجتماعي، و22% شاركوا في أنشطة عامة تضامنًا مع سكان غزة.
 
لا عودة للوراء
على الرغم من انتقاد الحكومات العربية لسلوك إسرائيل في غزة، إلا أنها امتنعت عن اتخاذ أي خطوات من شأنها أن تُصعّب على إسرائيل مواصلة عملياتها العسكرية هناك. ولكن هذا ليس لأن المواطنين قد تجاوزوا مرحلة ما أو لأن القادة يستطيعون ببساطة تجاهل مثل هذه التيارات الفكرية. فالاحتجاجات تحدث يوميًا في المنطقة، وحتى لو لم تُفضِ إلى تغييرات جذرية في سياسات الحكومات الاستبدادية، فإنها تُقيّد خياراتها السياسية. قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بدت السعودية قريبة من تطبيع العلاقات مع إسرائيل، حتى دون وجود أي مسار نحو الاستقلال الفلسطيني في الأفق. في فبراير/شباط 2025، على النقيض من ذلك، أصدرت وزارة الخارجية السعودية بيانًا أعربت فيه عن دعمها "الثابت والراسخ" لإقامة دولة فلسطينية، وهو موقف وصفته بأنه "غير قابل للتفاوض وغير قابل للتنازلات"، وذكرت أن قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس شرط أساس لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. 
 
في مارس/آذار، طرحت مصر مقترحًا لإعادة إعمار غزة، يرتكز على إعادة إعمار بقيادة عربية وتأسيس إشراف أمني مستقبلي على غزة. وافقت جامعة الدول العربية بالإجماع على الخطة، ومثّلت تناقضًا صارخًا مع الرؤى الإسرائيلية والأميركية لإخلاء غزة من سكانها والاستيلاء عليها. وكان الهدف منها جزئيًا حشد الدعم الشعبي للحكومات العربية، استجابةً لمطالب شعوبها باتخاذ إجراءات. ورغم سعي ترامب لتوسيع نطاق اتفاقيات إبراهام لتشمل دولًا عربية أخرى، بما في ذلك السعودية ولبنان، فيبدو من غير المرجح أن تُثمر هذه المبادرة في وقت قريب.
 
قد لا يكون القادة العرب مستعدين لتحدي إسرائيل بشكل مباشر، لكنهم أيضًا غير مستعدين لمواجهة رد الفعل الشعبي الذي قد ينتج عن تعاون أوثق. إن تحركات الحكومات العربية، مثل إلغاء المغرب زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي كانت مقررة عام 2024، لا تُحدث انقسامًا جذريًا. لكنها أعاقت اندماج إسرائيل في المنطقة - وهو هدف رئيس من أهداف اتفاقيات إبراهام. لا يقتصر الأمر على خروج المواطنين العرب لدعم شعب غزة فحسب؛ بل تُغير جهودهم أيضًا الديناميكيات الإقليمية بطرق تتحدى المصالح الأميركية والإسرائيلية. ما دامت الشعوب العربية ترى أن سياسات الولايات المتحدة والغرب تجاه إسرائيل قائمة على ازدواجية المعايير والإفلات من العقاب، فمن المرجح أن يستمر هذا الجمود. وإذا استمرت حملة إسرائيل على غزة واستمرت جهود تهجير سكانها بالقوة، فمن المرجح أن تتصاعد.