• اخر تحديث : 2024-04-25 13:23
news-details
ندوات وحلقات نقاش

حلقة نقاش: ما بعد صفقة القرن: هل نحن أمام عودة محتملة إلى الحرب؟.


تشير مجمل القراءات إلى احتمالات عدة لصفقة القرن وتداعياتها على المنطقة، وتحديدًا لبنان وفلسطين المحتلة والأردن لما تحمله في طياتها من أبعاد وأهداف استراتيجية تحقق المشروع الصهيوني، وتعيد بحسب معظم المحللين رسم خارطة المنطقة ككل؛ كما تشير إلى أدوار محدّدة لكل من مصر ولبنان والأردن والسعودية فيها.

وفي سياق متابعة الموضوع، والوقوف على خلفيّاته وأهدافه بمختلف أبعاده، نظّمت الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين حلقة نقاش تمحورت حول الأسئلة الآتية:

1ـ هل سقطت صفقة القرن فعلًا في ضوء المعطيات الصهيونية؟

2ـ ما هي طبيعة البدائل الأميركية والصهيونية المحتملة لصفقة القرن؟، وهل إن ورشة البحرين الإقتصادية إحداها؟ .

3ـ ما هو دور كل من مصر وتركيا ولبنان والأردن والسعودية في موضوع صفقة القرن؟

4ـ بين خياري الصفقة والحرب: هل إنّ احتمال الحرب وارد في المنطقة؟ وبالتالي ما هي طبيعة الصراع مع الكيان الصهيوني في المرحلة المقبلة.

وقائع الجلسة:

     بدايةً، وبعد الترحيب بالحضور، قدم د. طلال عتريسي موضوع الحلقة، وأبرز التساؤلات التي تدور حوله؛ معتبرًا أن مشروع صفقة القرن خطير في كل الأحوال، وأن الموقف الفلسطيني المتماسك هو مفتاح افشالها.

ومهّد لورقته المكتوبة التي عنونها ب: "صفقة القرن ليست المحاولة الأولى"  بالمراحل التي  شهدتها القضية الفلسطينية في العقود الماضية، و حالة النهوض من خلال المقاومة  التي استمرت على الرغم من كل الحروب التي شنت عليها، وثبات الشعب الفلسطيني  الذي يبتدع وسائل كفاحية  وجهادية غير متوقعة (عمليات الطعن)  في مواجهة المستوطنين، أو في مواجهة العدوان المباشر(الطائرات المسيّرة)، وكانت مسيرات العودة المتواصلة أبرز تعبير عن هذه الحالة من النهوض رداً على قرار الرئيس الأميركي إعلان القدس عاصمة لدولة إسرائيل.

لكن قضية فلسطين واجهت في الوقت نفسه، محطات ومنعطفات ومشاريع لم تكن كلها في مصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته المحقة، فقد قدمت القمم العربية منذ عام 2002 الى "اسرائيل" وعوداً بالإعتراف والتطبيع إذا وافقت على دولة فلسطينية الى جوار الدولة الإسرائيلية. واعتبرت تلك القمة أن الإعتراف  بهذا الحق الفلسطيني  هو الذي ينهي الصراع ويجعل اسرائيل دولة  طبيعية ومقبولة في المنطقة العربية. لكن هذا  الربط بين الحل السياسي ودولة فلسطينية من جهة وبين التطبيع مع إسرائيل والاعتراف بها من جهة ثانية، تغير وانقلب رأساً على عقب ولم يعد كذلك . في حين لم تتغير اسرائيل، فقد رفضت منذ 1993 بعد اتفاق أوسلو أن تتقدم ولو خطوة واحدة  نحو السلام المفترض والإعتراف بدولة فلسطينية، بل ذهبت الى المزيد من  تكريس الإحتلال من خلال بناء الآف المستوطنات التي حولت الضفة الغربية أشبة بجزر متقطعة الأوصال.

وعرض د. عتريسي لمؤشرات تغيّر العرب:

        ـ لم يعد السلام، أو الدولة الفلسطينية من شروط التطبيع، بل بات التطبيع مجانياً من دون أي مقابل سياسي: لا دولة ولا وقف المستوطنات.. وتكرس عبر زيارات متبادلة قامت بها بعض  الشخصيات الخليجية الى اسرائيل، ووفود أتت من كيان الاحتلال  للمشاركة في لقاءات وأنشطة رياضية وفنية وسياسية في بعض دول الخليج.  

         ـ لم تعد إسرائيل هي العدو، بل إيران الجمهورية الإسلامية. وقد انصرفت وسائل إعلام بعض دول الخليج الى التركيز على هذا العداء لإيران بمبررات مذهبية تارة (شيعة وسنة) ، وعنصرية تارة أخرى(فرس ومجوس)؛ ولم يقتصر الأمر على تغيير أولوية العداء وتغيير وجهة الصراع، بل تحولت المقاومة نفسها في لبنان وفلسطين الى تنظيمات إرهابية من وجهة نظر هذه الدول.

       ـ التراجع عن فلسطين كقضية مركزية، وحق تاريخي للشعب الفلسطيني. وتراجع حتى التفكير في قرارات الأمم  المتحدة التي صدرت لاسترجاع هذا الحق. واختفت حتى المطالبة بتنفيذ قرارات أوسلو التي وعدت بدولة فلسطينية بعد خمس سنوات (1998)، واستبدل بما أطلق عليه "صفقة القرن". وهذه الصفقة تعني شيئاً واحداً هو إنهاء القضية الفلسطينية، فهي تقوم على إلغاء "حق العودة" عبر توطين اللاجئين، وعلى مشروع دولة بديلة خارج حدود فلسطين، والتخلي عن القدس، وعلى شرعنة وتكريس وجود الدولة العبرية. وهي حتى على مستوى الإسم صفقة، وليست تسوية، بمعنى غلبة البعد المادي (التمويل) على طبيعة هذه الصفقة .

وطرح د.عتريسي عددًا من التساؤلات: هل ستحقق قمة البحرين(25 و26 حزيران 2019) أهدافها، وتمهد فعلياً لصفقة القرن التي سنتهي القضية الفلسطينية، ويتم بعدها توطين اللاجئين؟، وهل ثمة فرص جدية أصلاً لمثل هذه الصفقة لإنهاء القضية الفلسطينية؟

في معرض الإجابة عن توقعاته، دور كل دولة عربية، ذكر د.عتريسي أن  أكثر الدول حماسة لمثل هذه الصفقة هي المملكة السعودية تحديداً التي تعتقد أن هذه الصفقة ستقطع الطريق على دور إيران في فلسطين (دعم حركات المقاومة) ، ويمكن أن تجعل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان موضع ثقة لا تتزعزع في الغرب عامة، وفي الولايات المتحدة بشكل خاص.

ولفت د.عتريسي إلى المشاريع السابقة التي سعت إلى إنهاء القضية الفلسطينية؛ حيث ذكر أنها ليست المرة الأولى التي تطرح فيها أفكار سياسية أو اقتصادية سواء لدمج إسرائيل في بنية المنطقة، أو إنهاء القضية الفلسطينية. وقال: لقد طرحت مثل هذه الأفكار واللقاءات في مطلع التسعينيات بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وبعد مؤتمر مدرير للسلام، وبعدما اعتبرت الولايات المتحدة  نفسها القوى العظمى الوحيدة في العالم. فعقد في المغرب في الدار البيضاء مؤتمر التنمية والتعاون الإقتصادي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عام 1994، وفي عمّان في الأردن عام 1995، وفي القاهرة عام 1996 مؤتمر"البناء من أجل المستقبل وإيجاد بيئة مؤاتية للمستثمر" ، شارك فيه كل من مصر وإسرائيل الى  جانب الأردن وفلسطين، وقطر والمغرب.  وعقد البنك الدولي في تركيا في الفترة نفسها مؤتمراً حول "دور القطاع الخاص  في تدعيم البنية الأساسية لبلاد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، شاركت فيه إسرائيل بفاعلية كبيرة. انبثقت كل هذه المؤتمرات عن محادثات مؤتمر مدريد للسلام 1991. وكان الهدف الأساس من هذه المؤتمرات هو التركيز على الفوائد الإقتصادية التي ستجنيها دول المنطقة من السلام والتصالح الإقليمي ، بعد إنهاء الصراع مع إسرائيل.

"صفقة القرن" اليوم تكرر اليوم من خلال مؤتمر المنامة في البحرين هذه الإغراءات الإقتصادية لدول المنطقة التي تشهد معظم بلدانها حالات إقتصادية صعبة ومستويات مرتفعة من البطالة ومن الفقر. وتتسلح صفقة القرن بالدعم الأميركي اللامحدود لإسرائيل بعدما منحها ترامب شرعية القدس عاصمة لدولتها، وتوقف عن دعم المنظمات الدولية التي تهتم  باللاجئين (الأونروا).

أما فرص الصفقة، ونقاط ضعفها وقوتها، فقد حددها د.عتريسي بالآتي:

        ـ إن نقطة الضعف الأساسية في مشروع هذه الصفقة أنها غير مقبولة  من ممثلي الشعب الفلسطيني كافة. لا فرق بين السلطة وبين حركات المقاومة. ولذا سيكون  من الصعب جداً على الدول العربية المشاركة أن  تفرض على الفلسطينيين أي حل أو أي تصور هو أدنى بكثير مما يمكن أن تقبل به حتى السلطة الفلسطينية.

      ـ استعجال الرئيس ترامب تمرير هذه الصفقة قبل انتهاء ولايته الأولى  لا يعني أنها ستحظى بفرصة للنجاح. فالتردد الأميركي وتأجيل الإعلان عن هذه الصفقة أكثر من مرة  يبين أنها لا تقف على قدمين ثابتتين. ويمكن أن  نضيف إلى ذلك الوضع الداخلي في اسرائيل، والأزمة السياسية التي فرضت حل الكنيست والدعوة  الى انتخابات في أيلول المقبل. ما يعني أن لا إعلان مجدداً عن أي صفقة قبل ذلك التاريخ على أقل تقدير، وقبل نهاية العام 2019.

      ـ لقد دفع اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لدولة اسرائيل الشعب الفلسطيني الى مسيرات العودة التي لا تزال مستمرة منذ أشهر ولم تتوقف. وترافقت تلك المسيرات مع حالة من الوعي والنهوض الشعبي الفلسطيني، سوف تكون أكثر أتساعاً وفاعلية إذا تم الإعلان بشكل رسمي عن صفقة القرن.  

    ـ إن الحماس السعودي لهذه الصفقة لا يعني أن هناك استعجالاً عربياً للموافقة عليها. فالمشاركة في المنتدى الإقتصادي شئ (لإرضاء الولايات المتحدة والمملكة) وقبول صفقة القرن (من دون الشعب الفلسطيني شئ آخر). أضف الى ذلك مخاوف المملكة الأردنية من تداعيات الصفقة السلبية على استقرار الأردن. كما أن مصر بدورها لا تستطيع ان تقبل بمثل تلك السهولة التي يفترضها البعض التخلي عن جزء من سيناء لتكون  امتداداً للدولة البديلة.

       ـ غياب المشاركة الروسية والصينية عن  مؤتمر المنامة لا يعني سوى إضعاف البعد الدولي لهذا المؤتمر. ومعلوم أن هاتين القوتين الدوليتين تخوضان معارك متعددة الأبعاد لمواجهة الهيمنة الأميركية في المنطقة والعالم. وسيشجع هذا الغياب دول أخرى على عدم الرهان على هذا المنتدى.

إن ما تقدم لا يعني سوى أن مشروع صفقة القرن يواجه عقبات جدية لن تسمح بالإعلان عنه. وحتى لو تم هذا الإعلان فإن سبل تحقق ما جاء في هذه الصفقة من بنود لن تكون ممكنة. وسيحتاج الأمر الى سنوات قبل تنفيذ تلك الرؤية التي تقوم عليها هذه الصفقة (مثل توطين اللاجئين، ودولة بديلة بين غزة وسيناء...). ويكفي أن يستمر عمل المقاومة، أو أن تستمر مسيرات العودة حتى تجد صفقة القرن نفسها أمام  حائط صلب هو الشعب الفلسطيني.

ساهم الترويج لصفقة القرن، وما جاء في بنودها من إنهاء لقضية حق العودة ـ التي هي صلب قضية الشعب الفسطيني ـ في خسارة  المملكة السعودية لمشروعها الذي أرادت  منه  جعل إيران هي العدو الأول للأمة. فما جرى منذ الإعلان عن هذه الصفقة وعن منتدى المنامة هو التطابق التام بين الشعب الفلسطيني وبين إيران في رفض هذه الصفقة  وفي رفض  انعقاد هذا المنتدى. ما يعني أن مشروع صفقة القرن جعل مواقف إيران والشعب الفلسطيني أكثر تطابقاً؛ حيث لم يعد من الممكن الإستمرار في تكرار خديعة أن إيران هي العدو. وليس إسرائيل؛ وفي نهاية المطاف إن ما يحتمل أن يحققه منتدى المنامة، لن يكون أكثر من تشريع التطبيع العلني مع اسرائيل، والإعلان عن مبادرات تجارية واقتصادية مشتركة معها.  أما صفقة القرن فستبقى مثل مشاريع أخرى سابقة (مشروع بيريز الشرق الأوسط الكبير) لإنهاء القضية الفلسطينة لن تبصر النور، طالما بقي الشعب الفلسطيني في الميدان.

وما خصّ الموقف التركي، فقد أعتبر د. عتريسي أن السقف التركي بالموضوع الفلسطيني تسووي، ولا يوجد في كل المواقف التركية شيئ عن المقاومة، بل المفاوضات.

أبرز النقاط التي وردت في مداخلة د.أمين حطيط:

بداية أشار د.أمين حطيط إلى ارتباط كثير من الاحداث التي تجري في المنطقة بشكل مباشر وغير مباشر بما يقال بصفقة القرن التي  ستصفي ـ فيما لو نجحت ـ القضية الفلسطينية؛ مشيرًا إلى أن الصفقة تعتمد على 6 عناصر هي:

ـ اعتبار إسرائيل جزء لا يتجزأ من المنطقة.

ـ اعتبار أن كل ما تحتله إسرائيل هو ملك لها أينما وُجد الجندي الصهيوني.

ـ الوجود الإسرائيلي يجب ان يكون وجودا صافيًا، ما يستوجب تهجير الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948.

ـ الكيان الفلسطيني المزعوم هو مجرد كيان مدني انساني لا يرقى حتى الى الكيان السياسي.

ـ الأردن هي الوطن الفلسطيني البديل.

ـ انشاء منظومة امنية اقتصادية سياسية إقليمية بإدارة إسرائيل، وإشراف أميركا.

بعد ذكر عناصر الصفقة، بدأ د.حطيط بالحديث عن مفاعيل الصفقة وأهدافها؛ حيث قال: إن صفقة باهدافها أبعد من تصفية قضية فلسطين، بل هي لإعادة صياغة الشرق الأوسط لمئة سنة جديدة أسوأ من سايكس بيكو.

ومن هنا فإن مواجهة الصفقة ليست من أجل الفلسطينيين فقط،  بل لأجل كل شعوب المنطقة، ومن الخطأ الجسيم حصر مفاعيلها بفلسطين، بل تهدف إلى تمليك المنظومة الإنغلوساكسونية الصهيونية كامل منطقة الشرق الأوسط الذي تحدثت عنه كونداليزا رايس أثناء الحرب على لبنان في العام 2006. وبالتالي فصفقة القرن ليست من نتاج فكر ترامب، بل تمتد جذورها الى الدولة العميقة الأميركية بشقيها، وهو من يخرجها اليوم.

وخلص حطيط إلى تأكيد أن محورها كامل المنطقة، وأن فشلها بعد افتضاح النوايا العدوانية سيؤدي الى اقتلاع مفاعيل سايكس بيكو. وهو وضع المنطقة بمختلف قواها وأنظمتها وشعوبها أمام أحد خيارات ثلاثة هي:

ـ إفشال الصفقة  والحرية للمنطقة وشعوبها وقواها.

ـ نجاحها ويعني عبودية المنطقة وشعوبها وقواها.

ـ  توازن قوى ودخول المنطقة بفي حالة عدم الإستقرار.

أما النقطة المركزية في المواجهة فتكمن من وجهة نظر حطيط في ثبات الموقف الفلسطيني، وهو بحاجة الى الاحتضان والتشجيع.لاوقال: إن وضع محور المقاومة في حيثياته القائمة حاليًا أوصل المحور الصهيوماسوني الى الشعور بانه مقيد وغير قادر على الذهاب الى الحرب.

وما خص الموقف الدولي، فقد اعتبر د.حطيط أن الموقف الأوروبي أقرب الى الرفض والعرقلة منه الى الموافقة؛ فيما تسير روسيا ضمن حدين: حد الطموح وحد الخوف، وأن الرهان على روسيا بالوقوف في معسكر افشال صفقة القرن هو رهان فاشل، فهي ستقف في الصفوف الخلفية.  والصين من جهتها لم، لن تقوم بحرب مع أحد، ولن تغامر، وهي تدعم بالسياسة إذا لم يرتد عليها هذا الموقف بشيء سيء. في حين نجد أن  الإيراني وضع استراتيجية يبنى عليها في مواجهة صفقة القرن. أما التركي فمتمسك باي حبل يُلقى اليه لإخراجه من الضغوطات التي يتعرض لها ويعيشها، وغير مستعدة للنزول الى خندق المواجهة لأفشال الصفقة. والصوت الأهم هو سوريا لبنان والاردن ومصر. وطالما الجيش المصري متماسك بعقيدته لن تُعطى سيناء لغزة لتمرير الصفقة.

وبخصوص مآل الأوضاع في حال فشل الصفقة، أكد حطيط ان النقطة المركزية في المواجهة هي وحدة الموقف الفلسطيني منذ 30 علامين، ولأول مرة، ومن الضروري صيانة هذا الموقف واحتضان الشعب الفلسطيني؛ ووجد أن الأميركي والصهيوني والأوروبي حتى، وللمرة الأولى يجد نفسه مقيدًا بخصوص اتخاذ قرار الحرب.

وفي ما يتعلق بالموقف الأوروبي قال حطيط أن الأوروبي اليوم في مرحلة البحث عن الذات، وهو أقرب إلى رفض الصفقة على قاعدة رفضه تسليم الشرق الأوسط إلى الإدراة الأميركية الصهيونية؛ وبالتالي فأوروبا أقرب إلى عرقة الصفقة، أو رفضها، وإقامة علاقات صداقة مع مكونات المنطقة؛ كما أشار د.حطيط إلى إمكانية الرهان على الموقف الروسي، وإن كان هذا الموقف يتأرجح بين الطموح والخوف؛ فيما بنى الموقف الصيني على سياسة الصين القائمة على عدم خوض أي حرب، لا مع ولا ضد أحد.

واعتبر أن ايران مستفيدة من عدم قدرة الآخر (الأميركي والصهيوني) على الحرب؛ أما تركيا اليوم في وضع التقاط أي حبل يُلقى إليها لإنقاذ نفسها من مآزقها، لكنها ليست مستعدة لخوض المواجهة من أجل إلغاء الصفقة التي تقول  بالأردن وطنًا بديلًا للفلسطينيين.

أبرز النقاط التي وردت في مداخلة د.محمد نور الدين:

بدأ د. محمد نور الدين مداخلته باسعتراض وجيز لأبرز المحطات التي مرت بها القضية الفلسطينية خلال أكثر من قرن، بدءً بمؤتمر بال الذي أسس للمشروع الصهيوني في المنطقة عمومًا، مرورًا بوعد بلفور وتأسيس الكيان الغاصب، وصولًا إلى اتفاق أوسلو؛ ثم قال: اليوم نحن امام محطة جديدة مختلفة حيث ان صفقة القرن قد تكون المحطة الأخيرة التي تهدف الى تصفية القضية الفلسطينية، وصوغ المنطقة من جديد في إطار التوازنات الجديدة، وإدخالها في بحر جديد من الصراعات والتنحرات.

ولاحظ د.نورالدين أن مواجهة الصفقة متواضعة إن لم تكن عاجزة؛ مؤكدًا أن الرهان قائم علم على الشعب الفلسطيني على الرغم  من كل الظروف الصعبة التي يعيشها، فبيت القصيد هو الشعب الذي عليه أن يقف وقفة تاريخية.

وما خص الدور التركي، فقد ربطه نورالدين بحيثيات العلاقات التركية الإسرائيلية التي وصفها بأنها علاقات استراتيجية معنية بتثيبت شرعية الوجود الإسرائيلي؛ مشيرًا إلى أن هذه العلاقات أزمة لحزب العدالة والتنمية كحزب اسلامي كان أول من دعا رئيس الكيان لأول مرة إلى زيارة تركيا، هو شيمون بيريز في العام 2007.

 وقال: الدخول التركي على الخط الفلسطيني من خلال حماس كان له وظيفة إقليمية وداخلية... وجود حركات وفصائل إسلامية كان عاملًا أساسيًا استثمرته تركيا من اجل توسيع دورها في المنطقة ولحسابات داخلية. وفي ظل هذا الاستغلال للقضية الفلسطيني من خلال حماس كانت تركيا في الوقت نفسه ترضخ لمطالب إسرائيلية وأميركية ووقعت وثيقة التطبيع مع إسرائيل التي خلت حتى من بند رفع الحصار عن غزة كحد أدنى، وبالتالي نحن امام هذه التركيا الدولة الصديقة وموضوعيا الحليفة اقتصاديًا وامنيًا وسياسيًا للكيان.

ولفت د.نورالدين إلى بعض النقاط التي تحكم دور تركيا:

         ـ تركيا عضو في حلف الشمالي الأطلسي ما يحول دون اتخاذ موقف معارض للصفقة.

      ـ الحسابات الداخلية تخدم تركيا في معارضة صفقة القرن وبالتالي في من اهتزاز حزب العدالة والتنمية، ومن المفيد لاردوغان إعادة شد العصب من خلال معارضة الصفقة، والوقوف الى جانب القضية الفلسطينية.

     ـ إذا كانت الصفقة تعني زيادة النفوذ المصري السعودي في المنطقة، عندها فقط قد ترفض تركيا الصفقة.

     ـ استمرار تأييد اميركا للأكراد في شمال سوريا يجعل تركيا ترفض الصفقة.

وخلص نورالدين إلى تأكيد أن ردود الفعل على الصفقة القرن والقضية الفلسطينية فرصة لإعادة توحيد العالم العربي والإسلامي. 

أبرز النقاط التي وردت في مداخلة الأستاذ حسن حجازي:

       من جهته أكد الباحث في الشّؤون الصهيونية الأستاذ حسن حجازي أن  الجانب الصهيوني ليس متفائلًا بتمرير صفقة القرن؛ مؤكدًا أن جلّ ما تحمله الصفقة هو العنوان الاقتصادي العامل الذي يصر عليه الإسرائيلي لأي حل؛ والمراد من ورشة البحرين هو الحصول على تعهدات اقليمية بالتغطية المالية لإنشاء مناطق صناعية، وتخصيص الأموال لقطاع غزة. أما العنوان السياسي فلن يتحقق لأن الفلسطيني لن يقبله، ولأن الدول العربية عمليًا لا يمكنها الذهاب الى اتفاق يتخطى الحق الفلسطيني، فضلًا عن أنه لا يوجد فلسطيني قادر على تقديم التنازلات لتمرير الصفقة؛ خاصة أن الرؤية الإسرائيلية لا تلحظ قيام دولة ثنائية قومية، بل سيتم عزل الفلسطينيين. وقال: إن الورشة الاقتصادية في البحرين تهدف الى تهيئة الأجواء لبناء مشاريع اقتصادية فقط  في المرحلة المقبلة، مقابل تصفية كل القضايا العالقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لكن دون هذه الصفقة الأزمة الكبيرة على مستوى الداخل الإسرائيلي. وبكل الأحوال ستكون الحكومة الإسرائيلية الجديدة ذات طابع يميني حتى ولو خرج نتنياهو من السلطة، وأي تشكيلة حكومية ستاتي ستطرح العناوين نفسها. يبقى العنصر الفلسطيني هو العنصر الاساسي والمؤثر جدا لمواجهة الصفقة. والشعب الفلسطيني لن يعطيها الشرعية. ولفت حجازي إلى بعض الخطوات التي قد يقدم عليها العدو من قبيل: ضم كامل المستوطنات حتى وإن وجد فيها مستوطن واحد فقط، وعزل الفلسطينيين. ويبقى الرهان المؤثر على تمرير الصفقة الأول والأخير هو على موقف الشعب الفسطيني.

أبرز النقاط التي وردت في مداخلة الأستاذ قاسم قصير:

       بدوره  أكد الأستاذ قاسم قصير أن صفقة القرن والقضية الفلسطينية يمكن أن تعيد توحيد العالم العربي والإسلامي، معتبرًا أن  هذا الموضوع يحتاج الى متابعة في المرحلة المقبلة، لأننا أمام تصفية للقضية الفلسطينية، سواء بصفقة أو بغير صفقة.، والموقف الفلسطيني الرافض هو العنصر الأقوى في المشهد لأن الصفقة تعني: يهودية الكيان، وعاصمته القدس، وإنهاء حق اللاجئين، وتنفيذ صفقة تبادل الأراضي، أو المناطق، خاصة ما يتعلق بغزة وسيناء، بالإضافة إلى التطبيع؛ يعني نحن أمام تصفية القضية الفلسطينية.

وإذ أشار قصير إلى عدم وجود  وضعية رسمية مقاومِة لموضوع الصفقة، غير أن أحدًا من الدول العربية لا يتجرأ على الموافقة بشكل علني، ولا يستطيع اعلان التخلي عن القضية الفلسطينية في ظل وجود موقف فلسطيني موحد... هذه القضية يجب ان تعيد تصويب الصراع، لكن تحتاج الى متابعة وجهد كبيرين.

أبرز النقاط التي وردت في مداخلة الأستاذ إحسان عطايا:

    وضع الأستاذ إحسان عطايا صفقة القرن في إطار الحاجة الاميركية والصهيونية، والعمل على تجديد او تعديل اتفاق سايكس بيكو لتكريس تقسيم اخر، ولإعادة ترتيب المنطقة وفق ما أُطلق عليه مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي فشل في العام 2006 بفعل صمود المقاومة  اللبنانية. وقال: من هنا فإن صفقة القرن ليست لتصفية القضية الفلسطينية فحسب، بل تهدف إلى تحقيق ما هو أبعد من ذلك لجهة تثبيت الوجود الصهيوني، وإعادة تجديد زعامة جديدة للعرب الذين يسيرون في طريق التطبيع. لكن أول مسمار في نعش صفقة القرن كانت مسيرات العودة التي انطلقت في غزة؛ وقد سعى بعض الدول، بل طالب بوقفها تحت ضغط من الكيان الصهيوني.

واعتبر أن ورشة البحرين مؤشر على أن فشل السلام السياسي، وأنه يلفظ انفاسه الأخيرة، فراحت إسرائيل الى إعادة احياء السلام الاقتصادي؛ لافتًا إلى أن الكيان، بل والعقلية اليهودية لم تكن جاهزة لتقبل الصفقة، أو راغبة بها  كما صاغها الأميركيون وبعض ساسة إسرائيل بكل ما فيها، وليس صحيحاً أن اسرائيل اكتفت بنقل السفارة الأميركية للقدس لقبول الصفقة والطبخة المسمومة بكل ما فيها من محاسن لها أو مثالب، لكن موافقته عليها جاءت بعد رفض الفلسطيني لها من منطلق المزايدة، وأنه لا يتحمل مسؤولية إفشالها، بل إن الفلسطيني هو من أفشلها برفضها.  فليس صحيحاً.  فالعقلية الإسرائيلية تريد الحصول على كل شيء، ولا تقبل أن تقدم التنازل عن أي شيء طالما كانت الأطراف الأخرى ـ وأقصد هنا العربية والإسلامية ـ قابلة ومستسلمة.

ولفت الأستاذ عطايا إلى أن القيادة الفلسطينية مقتنعة وتسير بموضوع المفاوضات حتى النفس الأخير، ولم تستطع ان تستثمر في العنصر القوي المتمثل في المقاومة. وهو استبعد احتمال الحرب على قاعدة أن الإسرائيلي في أسوأ أوضاعه، ولأن الموقف الأميركي أيضًا منقسم حيال اعلان ترامب عن صفقة القرن. وقال عطايا: وفي حال حصلت أي مواجهة فإن الفلسطيني جاهز للدخول في المعركة، ورفض الشعوب لعملية التطبيع سيؤدي إلى افشال الصفقة.

أبرز النقاط في ورقة العمل التي قدمها د.عباس اسماعيل بعنوان: إسرائيل" و"صفقة القرن": الخيارات والتقديرات:

       بدايةً تحدث د.اسماعيل عن ماهية "صفقة القرن، فأشار إلى أنه لم تصدر بعد أي ورقة أو وثيقة أو خطة ، أولية أو نهائيةعن أي جهة رسمية في الإدارة الأميركية، وأن كل ما هو متوفر  حتى الآن هو عبارة عن تسريبات وأخبار وتوقعات ومواقف متفرقة من قبل القيّمين على إعداد " صفقة القرن" ؛ إلا أنه بات من المؤكد أنها تتضمن مرحلتين: اقتصادية وسياسية؛ مشيرًا إلى أن الخطوات التي أقدم عليها الرئيس الأميركي دونالد ترامب حتى الآن، والمتعلقة بمكانة القدس المحتلة، وقضية اللاجئين ومصير الأونروا وغيرها من الإجراءات جزء لا يتجزأ من الصفقة.

 وبناءً على كلام الطاقم الأميركي الذي يبلور " صفقة القرن"،  فقد تضمنت تعهدًا والتزامًا أميركيا بإعطاء الأولوية للمصلحة الإسرائيلية، وبالتالي ستكون على حساب الحقوق الفلسطينية، من دون أن يعني ذلك أن طريقها مصفوفة بالورود في إسرائيل في ظل تنامي شدة وقوة التيارات اليمينية المتطرفة التي لا ترى في فلسطين المحتلة أي حق للفلسطينيين.

 ولفت د.اسماعيل إلى حقائق ثلاثة تتفق عليها المستويات كافة في الكيان:

       1ـ  وجود إدراك وتوافق واسع في إسرائيل على أن المقصود ب " صفقة القرن" هي الخطة التي تعمل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على بلورتها وصياغتها لإيجاد تسوية للصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني.

       2ـ التقدير السائد في إسرائيل يفيد أن الخطة الأميركية للتسوية " صفقة القرن"  ستتضمن " تنازلات" من الطرفين، كما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وكلمة "تنازلات" هذه، وبصرف النظر عن مغزاها الحقيقة ومدى استيفائها لمعيار التناسبية، تثير قلق الأوساط اليمينية في إسرائيل التي لا تبدي استعداداً للموافقة على الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية، لهذا لا تبدو الحكومة الإسرائيلية اليمينية الحالية ( الانتقالية)، بكل مكوناتها، متشجعة لطرح " صفقة القرن"، وتتعامل معها كما لو أنها " وصفة مضمونة" لخلاف مع إدارة الرئيس ترامب، و"لغم داخلي" من شأنه تفجير اي حكومةإسرائيلية يمينية في حال وافق نتنياهو عليها.

      3ـ  ثمة خطوات وقرارات وإجراءات اتخذتها الإدارة الأميركية منذ مجيء الرئيس ترامب (الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وقف المساهمة المالية للأونروا..)، ستكون من دون أدنى شك جزء لا يتجزأ من أي خطة اميركية مستقبلية، وهي تُعد دفعة على الحساب لصالح إسرائيل، بحيث سيكون عليها (إسرائيل) تسديد مقابلها عند طرح الخطة الأميركية

السؤال الذي طرحه د.اسماعيل هو: ما الذي يمكن أن توافق عليه إسرائيل، وما لا توافق عليه في "صفقة القرن المفترضة"؛ معتبرًا أن الإجابة عن هذا السؤال مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بطبيعة الحكومة، أو الائتلاف الحكومي القائم، وحتى المقبل. وهذا يتطلب استعراض مواقف الأحزاب التي تتشكل منها حكومة نتنياهو الحالية، وتلك المتوقعة بعد الانتخابات من الملفات والقضايا المطروحة للتفاوض.

وقال: صحيح أن الائتلاف الحكومي اليميني الحالي برئاسة بنيامين نتنياهو، وذاك المتوقع بعد الانتخابات القريبة في 17 ايلول المقبل، تعصف به الخلافات بشأن العديد من الملفات، لكن يُسجل لمعسكر اليمين الإسرائيلي أن مركباته تتفق على جملة من الملفات ذات الصلة بالتسوية مع السلطة الفلسطينية،  وأن سياسته بشأن التسوية المرتقبة مع السلطة الفلسطينية تقوم على قاعدة: "أخذ كل شيء مقابل لا شيء"، والمبنية على "اللاءات الخمس":

       ـ لا لقيام دولة فلسطينية مستقلة على أراضي الضفة الغربية، ولا حتى على أجزاء منها.

       ـ لا لتفكيك وإخلاء أي من المستوطنات المعزولة أو الكبيرة.

       ـ لا لتقسيم القدس في أي ظرف من الظروف.

       ـ لا للانسحاب من غور الأردن في ظل أي تسوية مستقبلية، على فرض حصولها.

        ـ لا لحق العودة للفلسطينيين، الجزئية أو الشاملة، ولو تحت عنوان لم الشمل.

هذه " اللاءات الخمس" تضمنها البرنامج الحكومي الذي على أساسه تشكلت حكومة نتنياهو الأخيرة، وتم التعبير عنها مرارا وتكرارا في مناسبات عدة، من قبل رؤوساء ووزراء ونواب الأحزاب اليمينية المشاركة في حكومة نتنياهو. وهذا ما يفسر سياسة نتنياهو في الفترة الفاصلة بين إعلان ترامب تكليف فريقه الخاص وضع خطة للتسوية وإعلان الخطة، وهي سياسة تتضمن جملة مبادئ أبرزها: الرهان العلني على إدارة ترامب، والترحيب بكل القرارات ذات الصلة حتى الآن، والامتناع عن أي صدام مع إدارة ترامب، وعدم توجيه أي انتقاد لها،  وتجنب إبداء أي موقف بشأن ما يمكن أن يُطلب من إسرائيل تقديمه في سياق صفقة القرن. وفي المقابل استغلال كل مناسبة لتأكيد الخطوط الحمراء الإسرائيلية بخصوص التسوية، والتلطي وراء الموقف الحازم والصدامي لرئيس السلطة الفلسطينية تجاه ترامب وإدارته، والقاء مسؤولية إفشال صفقة القرن المفترضة على الجانب الفلسطيني.

واعتبر اسماعيل أن طبيعة تركيبة الائتلاف الحكومي الحالي والمتوقع، وخارطة مواقفه من القضايا الساسية الخلافية مع السلطة الفلسطينية، تتيح القول مسبقاً إن الموقف الإسرائيلي المبدئي المضمر من " صفقة القرن" سيكون سلبيًا بامتياز في حال عدم استجابتها " للاءات الخمس" منفردة، أو مجتمعة، وأن هذه الصفقة في حدها الأدنى ستطيح حتمًا بأي ائتلاف يميني يرأسه نتنياهو ( أو غيره) ، على فرض استعداد نتنياهو للقبول بها. مع الإشارة إلى أن المعارضة المتوقعة لها من داخل حزب الليكود الذي يرأسه نتنياهو لن تكون أقل حدة وشدة من معارضة الأحزاب اليمينية الأُخرى لها.

وتساءل اسماعيل: كيف ستعبّر الحكومة الإسرائيلية عن معارضتها لخطة التسوية الاميركية؟، وهل هي مستعدة للذهاب في معارضتها لها إلى حد الرفض الذي يؤدي إلى الاصطدام بإدارة ترام، على غرار ما حصل بين نتنياهو والرئيس الأميركي السابق باراك أوباما؟.

واعتبر في معرض الإجابة عن السؤال أن حكومة نتنياهو ستفعل كل شيء لتجنب الاصطدام مع ترامب تحديدًا، ولهذه الغاية قد تتبع اسراتيجية ثلاثية الأبعاد:

      ـ اللجوء لاستخدام روافع الضغط التي تمتلكها في الساحة الأميركية عبر اللوبي اليهودي في كل المستويات.

       ـ التذرع بعدم قدرة الحكومة الإسرائيلية على السير في خطة التسوية على ضوء موازين القوى الحزبية داخل الحكومة وعلى الساحة الإسرائيلية.

      ـ  والأهم، الرهان على الطرف الفلسطيني ليكون أول من يرفض الخطة الأميركية، والتلطي وراء هذا الرفض لتجنب تجرع الكأس المرة الناجم عن رفض الخطة.

أما تأثير الواقع السياسي الإسرائيلي على موعد طرح الخطة الأميركية، فقد قرأه د.اسماعيل من منطلق هشاشة الواقع السياسي الهش والمهزوز في إسرائيل الذي انعكس في تقديم موعد الانتخابات للكنيست للمرة الثانية في غضون أشهر، ما أثار أسئلة حول تأثير الواقع السياسي الداخلي في إسرائيل على موعد طرح الخطة الأميركية، ربطًا بتأثير ذلك على فرص نجاحها. وأشار إلى أن هذا النقاش أُثير في تل أبيب وواشنطن على حد سواء، حيث برز احتمالان:

       1ـ  طرح الخطة الأميركية  قبل الانتخابات الإسرائيلية: هذا الاحتمال  يضع نتنياهو أمام خيارات ثلاثة:

ـ رفض الخطة والمخاطرة بصدام مع الرئيس ترامب شخصيا كي لا يخسر تأييد الشارع اليميني قبل الانتخابات. وهذا خيار الضرورة بالنسبة لنتنياهو. 

ـ رفض الخطة من دون إعلان ذلك، والمراهنة على موقف السلطة الفلسطينية الرافض للخطة، وهذا الخيار المفضل على نتنياهو، فهو لا يُفقده تأييد الشارع اليميني، ويجنبه الصدام مع ترامب وإدارته، ويُبعد عنه صورة الرافض للتسوية، ويتيح الصاق هذه التهمة برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وتحمله والسلطة تبعات الرفض.

ـ  قبول الخطة وتحمل التبعات الداخلية لذلك، وهو خيار مستبعد.

ويمكن القول إن لجوء إدارة ترامب إلى خيار نشر الخطة قبل الانتخابات مغامرة كبرى بفرص نجاحها، لأنها ستُعرض في ظرف لا حكومة فيه في إسرائيل، وستتحول إلى عنوان للمعركة الانتخابية، وبما أن كل استطلاعات الرأي العام في إسرائيل تُظهر أرجحية مضمونة للتيار اليميني في إسرائيل، فمن الطبيعي الافتراض أن نتنياهو سيتجنب قدر المستطاع إعطاء موقف إيجابي من الخطة الأميركية تجنبًا لخسارته الانتخابات.

وطرح ترامب خطته في ظل الانتخابات، يعني إذاً تجميدها حتماً في انتظار انتهاء الانتخابات لأنه لا توجد حكومة للقبول بها وتنفيذها، واذا فاز اليمين فسيكون مصيرها محسوما بالفشل. فرص هذا الاحتمال ضعيفة جدا.

           2ـ  أن تأخذ إدارة ترامب في الاعتبار الواقع السياسي الداخلي في إسرائيل، وبالتالي الانتظار إلى ما بعد الانتخابات من أجل طرح خطة التسوية منعًا لفشلها، وأن تعلن ذلك. لكن مشكلة هذا الخيار أنه سيؤجل طرح الخطة لمدة أربعة اشهر أقل تقدير، وهي فترة طويلة جدًا بالنسبة لترامب المستعجل لإحداث اختراق نوعي على حلبة التسوية الإسرائيليةـ الفلسطينية قبل انتهاء ولايته الرئاسية، وقبل بدء الحملات الانتخابية للرئاسة الأميركية، ولأن هذه الفترة الطويلة ستكون حبلى أيضًا بأحداث وتطورات لا يمكن لأحد التكهن بطبيعتها ولا بتداعياتها. هذا الخيار هو المفضل بالنسبة إلى نتنياهو لأنه يُجنبه اتخاذ قرار بشأن الخطة قبل الانتخابات، ويرفع عنه إحراج خوض الانتخابات على أساسها. هذا الخيار ينقل النقاش إلى السياسة الاسرائيلية المتوقعة خلال الفترة ؛ ويتوقع أن يلجأ نتنياهو إلى عقد صفقة مع شركائه المحتملين في الحكومة المقبلة، يوفر له بموجبها "شبكة أمان لحمايته في ملفات الفساد"، مقابل الحصول على اعتراف أميركي بـ"سيادة إسرائيلية" على المستوطنات في الضفة الغربية.

أبرز النقاط في ورقة د.رفعت سيدأحمد بعنوان: صفقة القرن  :المضمون الاستراتيجي وسبل مواجهتها:

      ذهب د. رفعت سيدأحمد ـ كما جميع المشاركين في حلقة النقاش ـ إلى أن ما سميت (صفقة القرن ) بدأ تنفيذها منذ إعلان ترامب  الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني (6/12/2017 )، ثم سلسلة خطواته التي إنتهت بإعلان ضم الجولان إلى دولة الاحتلال (25/3/2019)؛ وهذا يعني  أننا أمام صفقة تتم على مراحل، أو خطوات  وليس دفعة واحدة، ومن ثم فإن الانتظار  العربي من قبل بعض الساسة والمحللين للحظة تاريخية محددة سيقف فيها ترامب  ليعلن عن بنود صفقته هو تحليل ساذج، وفي أفضل الاحوال هو تحليل قائم على قراءة سطحية للمسار الامريكي في فهم وادارة الصراع العربي الصهيوني لصالح (إسرائيل ) في المطلق .

وفي هذا السياق تُفهم أحداث الخليج الاخيرة والازمة مع إيران التي يراد ترويضها ومحور المقاومة بأكمله، تمهيدًا لقبول الصفقة وخطواتها الأخطر القادمة. وفي السياق نفسه يوضع مؤتمر البحرين، أو ما سمي ب"ورشة العمل الإقتصادية" (25 و 26 حزيران/ يونيو) تحت عنوان «السلام من أجل الازدهار»؛ وسيترأّس المؤتمر  مستشارا البيت الأبيض جاريد كوشنر ومبعوث البيت الأبيض في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات وصقور البيت الأبيض، وبمشاركة الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية في مقدمتها السعودية والامارات ومصر.

ولفت د.رفعت إلى أن الهدف المعلن هو دعم الاقتصاد الفلسطيني، وكأن المشكلة في الاقتصاد وليس في الاحتلال؛ وهذا تزييف للواقع والحقائق المرة على الارض الفلسطينية؛ وهو ما دفع جميع الفصائل والقوى الفلسطينية الى رفض  المشاركة في الورشة، بما في ذلك السلطة الفلسطينية وحركة فتح .

ولفت د.سيد أحمد إلى أن هذة الصفقة بدأت من العام 2017 وتتم على مراحل هو ما يخطط لتوطين الفلسطينين (6 ملايين لاجئ في الشتات ) داخل أراضٍ أردنية وفي سيناء المصرية؛ وعلى الرغم من الرفض المصري الرسمي والشعبي، وكذلك الرفض الفلسطيني؛ الا أن الاجراءات، والتحرك تجاهها يتم في وتيرة سرية متصاعدة.

 وهنا أشار د.رفعت الى مخطط توطين الفلسطينين في سيناء  بإعتباره المضمون الاخطر القادم لصفقة القرن الذي سيتم تقديمه تحت مسميات مختلفة(جميلة المنظر )، وفي قلبه القدس التي ستمُحى ولن يكون للعرب والمسلمين حق فيها .. وهذا المخطّط له تاريخ طويل منذ الخمسينات حتى اليوم؛ ووفقاً للوثائق المُتاحة فإن هذا المخطّط بدأ منذ 1953، وقد رفضه عبد الناصر . والمخطّط بأكمله منشور فى كتاب اسمه "خنجر إسرائيل" والكتاب عبارة عن تصريحات موشيه ديان وزير الحرب الإسرائيلى وقتها عن خطته لتقسيم العرب واحتلالهم.

وفي العام 1955 حاولت منظمة الأونروا خديعة عبد الناصر بحجج تبدو إنسانية وطلبت منه تخصيص 230 ألف فدان لإقامة مشاريع للفلسطينيين المطرودين من المحتل ورفض عبد الناصر، وفي عام 1967 قدم آرييل شارون ـ وكان قائد القوات الإسرائيلية في قطاع غزّة ـ مشروعه الذي هو نسخة محدثة من المشروع السابق بذريعة  أن المشروع يهدف إلى تخفيف الكثافة السكانية في قطاع غزّة المزدحم؛  لكنه أُلحِقَ بتقديم المشروع تحرك عملي منه على طريقته الخاصة بشقّ شوارع في المخيمات الرئيسة في قطاع غزةّ لتسهيل مرور القوات إلى المخيمات، ما أدّى إلى هدْم الآلاف من المنازل، ونقل أصحابها إلى مخيم كندا داخل الأراضي المصرية. وبعد توقيع اتفاقية السلام مع مصر رفضت إسرائيل عودة هؤلاء إلى الأراضي الفلسطينية ليصبح مشروع آرييل شارون هو حتى اللحظة المشروع الإسرائيلي الأكثر نجاحاً  الذى أسّس للمشاريع اللاحقة.

وفي سنة 2003 قامت المجلة الدورية لوزارة الدفاع الأميركية بنشر خرائط تقسيم الدول العربية التي وضعها اليهودي برنارد لويس وفيها إشارة لهذا المخطط، وفي سنة 2005 نفّذت الحكومة الإسرائيلية انسحاباً من قطاع غزّة كبداية كما أعلن لبدء تنفيذه؛ وفي عام 2006 قامت حركة حماس بحُكم غزّة بعد صراعات مع السلطة الفلسطينية ومحمّد دحلان، وفي عام 2010 جاءت أخطر وثيقة إسرائيلية في هذا المجال وهي وثيقة مستشار الأمن القومى الإسرائيلى السابق اللواء احتياط  جيورا إيلاند  الذي طرح فيها أن مملكة الأردن هي دولة الفلسطينيين، وبوضعها الجديد ستكون من ثلاثة أقاليم تضمّ الضفّتين الغربية والشرقية وغزّة الكبرى التي تأخذ جزءً من مصر.

وقال إيلاند بأن إسرائيل نجحت بجهود سرّية خصوصاً في إقناع الولايات المتحدة الأميركية بالضغط على العرب للاشتراك في حل إقليمي للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي  يقوم على استمرار سيطرة إسرائيل على مساحات ضخمة من الضفة الغربية  مقابل تعويض الفلسطينيين  بمساحات ضخمة من شبه جزيرة سيناء لإنشاء دولة فلسطينية مستقرّة وقادرة على النمو والمنافسة.

لكن أخطر ما كشفه إيلاند هو أن عملية الانسحاب الأحادي الجانب من غزّة عام 2005 كانت الخطوة الأولى في هذا الاتجاه، وبُنيَ على الآتي : تنقل مصر إلى غزّة مناطق مساحتها نحو 720 كيلومتراً. وتشمل هذه المنطقة جزءً من الشريط المبني الممتد على طول 24 كيلومتراً على طول شاطىء البحر المتوسط من رفح غرباً حتي العريش. بالإضافة إلى شريط يقع غرب كرم سالم جنوباً، ويمتد على طول الحدود بين إسرائيل ومصر. وتؤدي هذه الزيادة، إلى مضاعفة حجم قطاع غزّة البالغ حالياً 365 كيلومتراً نحو ثلاث مرات، وتوازي مساحة 720 كيلومتراً حوالى 12 في المئة من أراضي الضفة الغربية. مقابل هذه الزيادة على أراضي غزّة، يتنازل الفلسطينيون عن 12 في المئة من أراضي الضفة التي ستضمّها إسرائيل إليها... وما ورشة البحرين الاقتصادية  (يونيو /حزيران 2019) سوى مقدمة لتنفيذ هذا المخطط  بإعتباره أهم مراحل صفقة القرن وأكثرها صعوبة .

وختم سيد أحمد بالإشارة إلى سبل المواجهة بالقول:  إننا من المؤمنين بأن المقاومة في مفهومها الواسع الذي يبدأ بالكلمة وينتهي بالبندقية هي السبيل الامثل للإفشال  أي صفقات مع الاحتلال،  وتحديدا صفقة القرن سواء بخطواتها التي نفذت أو تلك التي قيد التنفيذ ، وهذا يستدعي وحدة القوى المقاومة في فلسطين وخارجها مع التنسيق الكامل بينها؛  وفي موازة ذلك  إحياء حركات مقاومة التطبيع ومقاطعة الكيان الصهيوني، والدفاع عن فلسطين والقدس.

أبرز النقاط في ورقة الأستاذ ادريس هاني بعنوان: صفقة القرن: إعلان حرب وتصفية للقضية الفلسطينية:

   إن ورشة المنامة (25 و26/5/2019) ستكشف عن الشّق الاقتصادي من الصفقة التي ستشكل البديل عن كلّ خطط السلام التي أشرفت عليها الإدارات الأميركية السابقة، وهي مولود غريب عن مسار التسويات كافة المطروحة منذ نشأة الاحتلال، وهي حتى الآن تقدم نفسها بدفعات تقطيرية، ومع ذلك تتحدث التسريبات التي هي في الحقيقة محاولات لجس النّبض عن الهيكل العظمي للاتفاقية.

ولفت الأستاذ هاني إلى أن الصفقة عبارة عن اتفاق ثلاثي يقضي بترسيم حدود فلسطين الجديدة على أراضي الضّفة والقطاع باستثناء المستوطنات التي ستخضع لعملية إخلاء يتم بموجبها ضمّ المستوطنات المعزولة إلى الكتل الاستيطانية المتبقية في حوزة إسرائيل. وتقدم صفقة القرن حلاّ لقضية القدس خارج خيار التقسيم بحيث تصبح مدينة مشتركة بين إسرائيل وفلسطين الجديدة، ويصبح سكان العرب سكانًا في فلسطين الجديدة وليسوا إسرائيليين. أما بلدية القدس فهي حسب صفقة القرن ستتولى مسؤولية كل أراضي القدس باستثناء التعليم فستتولاه فلسطين الجديدة التي ستدفع لبلدية القدس اليهودية الضريبة. وعليه لن يسمح لليهود بشراء بيوت العرب ولا العرب بشراء بيوت اليهود، وستبقى الأماكن المقدسة كما هي.

وتفترض صفقة القرن أن تمنح مصر أراضي جديدة لفلسطين لبناء مطار، ومصانع للتبادل الزراعي والصناعي، ولن يُسمح بإقامة سكن فيها للفلسطينيين، ويتم بناء طريق أوتستراد بين غزّة والقطاع، وإقامة ناقل للمياه المعالجة تحت الأرض بين المنطقتين. وتزعم الصفقة أنّه تمّ رصد مبلغ 30 مليار دولار على مدى خمس سنوات لمشاريع تخص فلسطين الجديدة، في حين ستتكلف إسرائيل بتمويل عمليات ضمّ المستوطنات، وسيتم توزيع المساهمات على الدول الداعمة حيث تتكفل الولايات المتحدة الأميركية ب20 في المئة والاتحاد الأوربي ب 10 في المئة بينما تتكفل دول الخليج المنتجة للنفط 70 في المئة، كما تتكفل الدول العربية الأخرى حسب إمكانياتها النفطية.

وتمنع صفقة القرن أن يكون لفلسطين الجديدة جيشًا ولا سلاحًا ما عدا سلاح الشرطة، وسيتم عقد اتفاق بين فلسطين الجديدة وإسرائيل يقضي بأن تتولى إسرائيل الدفاع عن فلسطين الجديدة ضد أي عدوان خارجي، وتفرض صفقة القرن أن تدفع فلسطين الجديدة ضريبة لإسرائيل مقابل حمايتها من قبل إسرائيل، وسيتم تحديد قيمة ما يجب أن يدفعه العرب لإسرائيل ثمنا للحماية من خلال مفاوضات بين إسرائيل والدل العربية.

ووضعت صفقة القرن سقفا زمنيا لبدأ تنفيذ المخطط وفق الجدول الزّمني الآتي:

       ـ عند توقيع الاتفاقية ستقوم حماس بتفكيك أسلحتها بما فيه سلاح قادتها الفردي والشخصي وتسليمه إلى السلطة المصرية. مقابل أن يتلقى رجال حماس راتبًا شهريًا من الدول العربية.

       ـ تُفتح حدود قطاع غزة للتجارة العالمية عبر المعابر الإسرائيلية والمصرية ومع الضفة.

       ـ بعد مضي عام على الاتفاق تُنظم انتخابات ديمقراطية لحكومة فلسطين الجديدة.

      ـ بعد مرور عام على الانتخابات يتم إطلاق سراح جميع الأسرى تدريجيا لمدة ثلاث سنوات.

      ـ خلال خمس سنوات يتم إنشاء ميناء بحري ومطار لفلسطين الجديدة، وقبل ذلك سيستخدم الفلسطينيون مطارات وموانئ إسرائيل.

وتقرر الصفقة بأن تظل الحدود بين إسرائيل وفلسطين الجديدة مفتوحة أمام المواطنين والبضائع كدولتين صديقتين. وتتحدث الصفقة أيضًا عن إنشاء جسر معلق بارتفاع عن سطح الأرض بمقدار 30 مترًا يربط بين غزة والضفة تتولاّه شركة صينية، وتشارك في تكلفته الصين 50%، اليابان 10%، وكوريا الجنوبية 10%، واوستراليا 10%، وكندا 10%، وامريكا والاتحاد الاوروربي مع بعضهما 10%.

كما تقرر الصفقة بقاء وادي الأردن في حوزة إسرائيل، بينما يتحول الطريق 90 بإشراف إسرائيل  إلى طريق ذو أربعة مسارات: اثنان منهما يربطان بين فلسطين الجديدة والأردن، ويكون تحت إشراف الفلسطينيين.

وفي حال رفضت حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية، يشير هاني إلى نوع العقوبات؛ حيث تهدد الولايات المتحدة الأميركية بإلغاء دعمها المالي للفلسطينيين، ومنع أي دولة أخرى من مساعدة الفلسطينيين. وفي حال وافقت منظمة التحرير الفلسطينية، ورفضت كل من حماس أو الجهاد الإسلامي الصفقة فإنهما سيتحملان مسؤولية أي مواجهة بين إسرائيل وحماس، وستدعم الولايات المتحدة الأميركية إسرائيل لإلحاق الأذى شخصيًا بقادة حماس والجهاد الإسلامي. وفي حال رفضت إسرائيل الصفقة فإن الدعم الاقتصادي لها سيتوقّف.

وتناول الأستاذ هاني الخلفية التي أتى منها جاريد كوشنر كبير مستشاري ترامب وصهره المقرّب، فأشار إلى أنه يشرف على مجموعة من المستشارين بحكم روابط والده التاريخية مع سياسيين ورجال أعمال من إسرائيل: أباه كان صديقا لنتنياهو الذي يجعل زيارة آل كوشنر في أولويات كلّ زياراته الرسمية إلى أميركا.

وأبعد من ذلك ربط هاني صفقة القرن بالإنتخابات الرئاسية الأميركية، إذ تساءل: هل ستكون الصفقة هي فرصة لنقل كوشنر عام 2024 إلى البيت الأبيض على أساس أنّه الشخصية المناسبة لدى قوى المصالح واللوبي الصهيوني في أميركا لخوض الانتخابات بعد أن يكمل أبو زوجته العهد الثاني في رئاسة البيت الأبيض؟؛ أم أنها صفقة فاقدة لأي فرصة للنجاح حتى أنّ الكاتب في صحيفة واشنطن بوست إيشان ثارور اعتبرها خطّة منكوبة بالفعل؟.

مآلات الصفقة:

في سياق احتمالات فشل الصفقة أو نجاحها أشار إلى أن كوشنر ينظر إلى السلام نظرة مقاول، وفي هذا استهتار بالبعد السياسي للمشكلة. ونقل عن رئيس مؤسسة جيه ستريت المساندة لإسرائيل جيرمي بن عامي بأنّ محاولة كوشنر إيجاد حل اقتصادي لهذا الصراع السياسي الطويل الأمد مآلها الفشل، وهي تنطوي على خطر تمهيد الطريق لخطوات كارثية، مثل الضم الرسمي الذي من شأنه أن يقوض أي جهود مستقبلية للتوصل إلى سلام دائم.

ويبدو أنّ صفقة القرن هي صفقة بين ترامب ونتينياهو، وهي تنظر كما عبر ترامب وكوشنر مرار بأنهم ملتزمون بأمن إسرائيل، فهذه أولوية شكّلت ثابتا في السياسة الخارجية الأميركية.

نفوذ كوشنر المالي

ولفت إدريس هاني إلى أن كوشنر الرجل المغمور أنجز صفقة القرن بتشجيع من ترامب الذي منحه كامل الثقة في حلّ مشكلة الشرق الأوسط. وقد بدا رجل ترامب في الشرق الأوسط واثقا من مبادرته أكثر من وثوق رجالات كبار من أمثال هنري كيسنجر وبريجنسكي. لعل قناعته بما سماه بالحل الواقعي هو ما جعله يفكّر في الكشف عن الخطة الاقتصادية لصفقة القرن قبل الإعلان عن مبادئها السياسية.

وذكر أن نتنياهو لا ينظر كوشنر كوسيط في مبادرة للسلام في الشرق الأوسط بل ينظر إليه كحليف. فجاريد كوشنر سليل عائلة يهودية أرثوذكسية نشأ في المدارس التلمودية الخاصة، ويرتبط بعلاقة مصاهرة مع ترامب؛ حيث تزوج إيفانكا ابنته التي أقنعها بالتحول إلى الديانة اليهودية، وهو منذ أبيه من أهم المستثمرين في القدس، حيث حاول سنة 2014 أن يشتري 47 في المئة من أسهم شركة فينيكس هولدنغز للتأمين في الوقت الذي كانت الحرب على غزّة في ذروتها. كما أن لدى عائلة كوشنر الكثير من المعاملات والشراكات مع رجال أعمال إسرائيليين، ومع أنّه من الصعوبة إحصاء مقدار هذا النفوذ المالي لكوشنر في إسرائيل فإنه يمكن أن نأخذ فكرة عن ذلك من خلال تصريح للسفير الإسرائيلي السابق زلمان شوفال بأنّ عائلة كوشنر تشارك في أنشطة كثيرة لها علاقة بإسرائيل.

لذا لا يستبعد هاني أنّ ما يسعى إليه كوشنر من خلال صفقة القرن هو تعزيز مكانته في أميركا والعالم في محاولة للتحضير لانتخابات 2024، بل وحسب مقالة لشلومو شامير في موقع صحيفة معاريف تأكيد على ذلك حيث اعتبر ذلك وجهة نظر لكثير من المراقبين الأميركيين. إن صحّ هذا الكلام وهو من الواضحات، فإنّ ترامب بالفعل يسعى من جهته لتوريث كوشنر زوج ابنته مكانًا في البيت الأبيض، لذا فإنّ تحركات كوشنر لن تتوقف خلال هذه الفترة التي تسبق الحملة الانتخابية، فهو في حاجة إلى حدث كبير يضعه في الواجهة. إنه التوريث على الطريقة الأميركية، فترامب يسعى لكي يضمن لابنته أن تكون سيدة البيت الأبيض، لكن عن طريق صفقة القرن التي لا تعدو أن تكون تمرينًا لكوشنر في تطوير علاقاته الخارجية وتكريسه كلاعب دولي. وفي مثل هذه الحالة لن يكون همّ كوشنر ولا ترامب مدى نجاح هذه الصفقة، بل كلّ ما يهمهما الآن هو أن تكون تلك فرصة لبروز إعلامي ملفت لكوشنر مهندس المبادرة.

صفقة غير ديمقراطية

تتميز الصفقة من وجهة نظر ادريس هاني بديكتاتورية بنودها التي لم تحترم مبدأ التشاور مع الأطراف المعنية حتى من كانوا شركاء في التسويات التي أشرفت عليها الإدارة الأميركية في أوسلو ووادي عربة مثل الأردن الذي يجد نفسه محشورًا في زاوية حرجة، ومضطر لرفض الصفقة، ويعتبرها مقوضة لكل معاهدات السلام السابقة؛ لاسيما أنها تنسف فكرة أن تكون القدس عاصمة للدولة الفلسطينية.

ويتخوّف الأردن من أن تكون الصفقة القرن تقويضًا لهوية الأردن السياسية، كما تمارس عليه الضغوط، وتتجلى في تراجع دعم المملكة السعودية في العهد الجديد.  إنّ إدارة ترامب لا تعطي أي اعتبار حتى لحلفائها العرب، فالابتزاز سيد الموقف، لكن في وضعية الأردن فهي تسعى ليس للابتزاز بل للمحق، فهي وبشكل آخر حرب صريحة على الأردن، تتجاهل دور الهاشميين في الإدارة التاريخية للقدس، بل في كل التغييرات المطروحة في مشروع الصفقة سيكون الأردن هو من يتحمّل الثمن. فالصفقة تعد بحرب سيضطر الأردن لخوضها بوصفها مهددة لوجوده وهويته السياسيتين.

لقد تقرر الكشف عن الجزء الأول من الصفقة في ورشة العمل الاقتصادي في المنامة (يونيو 2019) لجلب الاستثمارات لكل من غزّة والقطاع، ومن دون التشاور مع الطرف الأساسي في هذه الصفقة وهم الفلسطينيون، الأمر الذي أكده  رئيس الوزراء في السلطة الفلسطينية محمد اشتيه خلال افتتاح الاجتماع الأسبوعي لحكومته، وقال بأنّهم لم تتم استشارتهم لا من ناحية المدخلات ولا المخرجات ولا التوقيت. وفي وقت تتسابق دول الخليج لاستقبال مثل هذه الصفقات فهي تدرك أن الغاية من هذا الاختيار إقحامها في صفقة القرن كمساعد ومموّل.

أدوار عربية في تكريس الصفقة

وأشار الأستاذ هاني إلى أن إدارة ترامب تراهن على دول عربية معينة لإنجاح صفقة القرن، ولا تكتفي بالمطالبة في إطار التحالف؛ بل هي تنكأ الجراح داخل كل قطر عربي، وتستعمل أوراق ضغط مباشرة وغير مباشرة لإرغامها على توقيع الصفقة. ويبدو أنّ الرياض هي اليوم أكثر حماسة لتمرير هذه الصفقة لأنّها ترى فيها مخرجا لكل أزماتها السياسية، بل هي الثمن الذي تدين به لواشنطن مقابل الدّفاع عنها؛ وهو ما يجري أيضًا  بطرق غير معلنة بالنسبة إلى دول الخليج المنتجة للنفط، ولن يحدث أي جديد في هذا الأمر غير تقنين هذه الضريبة وتوسيعها، فإسرائيل ستقدم نفسها حامية ليس لفلسطين الجديدة كما تتخيلها الصفقة، بل حامية أيضًا للخليج الذي سبق وراهن عليه بيريز في صفقة الشرق الأوسط الجديد ككتلة مموّلة لمشروع يكون فيه العقل الصهيوني هو المهندس بينما مصير الفلسطينيين والعرب في هذه العملية التنموية التي بشرت بها الصفقة يبقى غامضًا، لكن نستطيع معرفته من خلال صفقة الشرق الأوسط الجديد التي  منحت الفلسطينيين وباقي العرب دورًا هامشيًا يتعلق باليد العاملة؛ فمشروع صفقة القرن الذي أراد أن يمنح مشروع الشرق الأوسط الجديد بعدًا واقعيًا حدد المصير الطبقي للإنسان الفلسطيني والعربي، حيث جعل فلسطين الجديدة والدول العربية غير المنتجة مصدرا لليد العاملة.

وإذا كانت بعض دول الخليج المنتجة للنفط شريكًا في هذه الصفقة، حيث سيتم الإعلان عن فصولها الأولى في ورشة المنامة فإنّ دولا أخرى كمصر مرشّحة لهذا النوع من التعاون في ما ذكرته وسائل الإعلام، ومنها يديعوت أحرنوت عن دور عبد الفتاح السيسي في العمل على تجنيد العالم العربي المسمى معتدلًا على دعم هذه الصفقة؛ ما يجعل صفقة التطبيع مع إسرائيل مسألة أساسية، بل هي أفق شجع الكثير من الدول على المضيّ أشواطًا على طريق التطبيع.

صفقة تحمل بذور الفشل

وفي سياق الإشارة إلى مصير صفقة القرن اعتبر أن لا ضمانات على نجاحها، وبالتالي لا شيء تضمنه إدارة ترامب لحلفائها غير التوريط والتحلل من كل التزاماتها. ويبقى الرهان على حلّ قضايا عربية أخرى على حساب الحقّ الفلسطيني ليس شكلًا من الخيانة للقضية الفلسطينية بل ستكون ورطة تزيد القضايا العربية تعقيدًا، وترسم مسارًا من التنازع لم تشهده المنطقة من قبل.

إنّ صفقة القرن تحمل بذور الإخفاق معها وهي مرتبطة بتطلّعات شاب جاهل بماضي الشرق الأوسط وحاضره، لكنه مصرّ أن يركب موجة صفقة القرن ليعزز مواقعه في القادم من الانتخابات الأميركية. وهم كي يقنعوا بعض العرب بتبني الصفقة المذكورة سيبيعونهم الكثير من الوهم، وذلك من خلال نظرية الألعاب، وتوزيع الأدوار، واستغلال الفرص والتلويح. ففي تلويح واشنطن بالحرب على إيران ما يؤكد أنها إشارة لطمأنة الشريك الخليجي في الصفقة بأنّ واشنطن ستكون حاضرة كي تمر الصفقة من دون إزعاج إيراني، لا سيما ورشة المنامة، لقد حرك ترامب بوارجه دعمًا لهذا التمرين الذي يقوم به صهره في المنطقة.

لم تكن يوما فلسطين عقدة جغرافية لاحتلال يهتمّ بالأرض دون تاريخانيتها بل هو يدرك تماما أنّ للجغرافيا معنى يتحدّد في التّاريخ وتاريخ يتحدد بالجغرافيا. لم يعد الفصل بين التاريخ والجغرافيا ممكنا، بل نحن هنا منذ قيام الجغرافيا السياسية مع هالفورد ماكندر أمام المحور الجغرافي للتّاريخ. وإذا كان ترامب يعكس وجهة النظر الأمريكية التي تنظر إلى التّاريخ كمجال قابل للإهمال، فإنّ صفقة القرن هي قفز فوق حقائق التّاريخ ونظرة للمستقبل تعيد انتشار المفهوم الاختزالي لفلسطين والبحث عن محتوى جديد يتماهى مع تصفية قضية الهنود الحمر بمحق فلسطين التاريخية والحديث عن فلسطين جديدة، فهي خطّة حرب لا خطّة سلام لأنّها لم تقف عند هضم الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني بل تسعى لتغيير الهوية التاريخية والجغرافية والاجتماعية لفلسطين.

إنّ صفقة القرن هي العنوان البديل نفسه عن الشرق الأوسط الجديد الذي بشّر به بيريز ودعت إليه كوندوليزا رايس، مع وجود رتوش جديدة وقناعات متجددة للأطراف التي سميت بالدّول المؤيدة. وإذا كان مشروع الشرق الأوسط الجديد قد واجهه موجة من المقاومة انتهت بإفشاله، فإنّ صفقة القرن ما هي إلاّ محاولة لإعادة فرض مشروع الشرق الأوسط الجديد بأساليب وتعديلات أخرى بعد إدخاله من النّافذة. إنّ المضمون واحد هو تصفية القضية الفلسطينية، وتغيير ملامحها التاريخية والجغرافية.

تمثّل صفقة القرن عنوان سياسة الإرغام الذي هو سيناريو مرحلة ترامب نفسها، وهو يشكّل أكبر إهانة للشعب الفلسطيني والعرب حيث تأخذ الصفقة طابع عقود الإذعان. إنها صفقة لا تراعي وجهة النظر الفلسطينية بل تستخف بالإرادة الفلسطينية وتعتبر مقاومتها مجرد طرف دخيل في المعادلة. إنّ صفقة القرن تجعل الفلسطينيين والعرب يدفعون ثمن الحماية الإسرائيلية، لكن ضدّ من يا ترى؟ ومن يتهدد الفلسطينيين غير إسرائيل؟.

وحين تقول الصفقة أنه في حال رفضت إسرائيل الصفقة سيتوقف الدعم الاقتصادي، فهذا دليل على أنّ الصفقة تمثّل وجهة نظر إسرائيل، وهي تدرك مسبقا أنها لن ترفضها. إن عنصر الابتزاز حاضر لاسيما مع رهن الدعم والمساعدة بالقبول بالصفقة وأيضًا العقاب. تستطيع واشنطن أن تسمح بعدوان إسرائيلي على الفلسطينيين في حال رفضت المقاومة الصفقة، ويكون ذلك فرصة للانخراط في هذا العدوان بشكل سافر. والحديث عن توقيع ثلاثي بين إسرائيل ومنظمة التحرير وحماس يقصي الحق الفلسطيني في العودة وكذا المستوطنات، هو محاولة لاستطلاع الرأي بطريقة أخرى.

كانت أوسلو في الحقيقة مقدّمة لما نحن فيه، وما حدث هو إذن تنفيذ لما لم يتم الوصول إليه وفق مسار التسويات الممنوحة. فشل أوسلوا وفشل مشروع الشرق الأوسط الجديد، وكلها كانت مشاريع وصفقات متداخلة، فكان لا بدّ إذن من هدف لصفقة القرن يعزز الشرخ العربي-العربي، وينتهي بجغرافيا سياسية ممزقة ومواقف تناقضية واضحة. وهنا يسعى الراعي الأميركي بمؤازرة من نتنياهو إلى مستوى إرغامي للتطبيع يأتي من رأس الهرم ويتنزّل ناحية الشعوب كحقيقة لا مفرّ منها.

يبدو انّ الغرض من مشروع صفقة القرن ـ وإن بدا حتى الآن عنوانا غير عملي ـ هو الإرغام بوسائل الابتزاز، وعليه ستتحرّك الكثير من مناطق الإقليم لتحقيق ما تبقى من فصول سياسات الإرغام. ربيع عربي على طريقة ترامب ولكن مختلف من حيث مخرجاته، فالمنطقة يجب أن تصبح منقسمة وخالصة في مواقفها: قسم مع إسرائيل وقسم مقاوم ولا وجود لمنطقة وسطى.

لقد أدرك الراعي الأميركي بأنّ مشكلة بعض النظم العربية هي مشكلة شرعية ومشروعية، لذا فعمليات الإرغام تأخذ بعين الاعتبار هذا المعطى، ويُضاف إليه معطيات أخرى، وهو استعمال أوراق أخرى تشكل محور أزمات الأقطار العربية، سواء الورقة السياسية أو الاقتصادية. لقد تمّ حشر العديد من الأنظمة في مشكلاتها الداخلية وأزماتها المحورية، ومقايضتها بما سمّي صفقة، فهي تأخذ معنى المتاجرة والابتزاز معًا.

تسعى صفقة القرن إلى الارتقاء في سلم التطبيع إلى مستوى من الحسم والوضوح؛ حيث يُفترض أنّ المنطقة بعد صفقة القرن لن تكون هي نفسها بعدها، وهي صفقة توريطية هدفها دفع الأقطار العربية للسباق باتجاه إرضاء إسرائيل باعتبار ذلك هو معيار القرب من الولايات المتحدة التي تستثمر في آخر ما تبقى لها من إمكانات التأثير لاسيما على محاورها. وهي لكي توحي بأنّ الصفقة جادة تتحرك ببوارجها في مياه المنطقة وتلوّح بالحرب ضدّ إيران حيث الغرض من ذلك منح صفقة القرن معنى الجدّية.

لكن مع كلّ ذلك، هناك أكثر من معطى يعزّز فشل صفقة القرن التي ستبقى عنوانًا لمسلسل من الابتزازات للرجعية العربية، وتعزيز الشرخ النهائي في الصف العربي، وهذه المعطيات هي التّالي من باب المثال:

        ـ إنّها صفقة غير عملية وتقفز على كلّ قواعد الاشتباك ولا يمكن أن تعتبر سوى واحدة من أشكال التهريج التي وصفت به قرارات ترامب التي لا تؤخذ بجدّ من حيث لا تراعي مبادئ السياسة الخارجية.

         ـ تناقض صفقة القرن القانون الدولي لأنّها تتعاطى مع المنطقة خارج مراعات الإرادات الفاعلة وتناقض حق تقرير المصير نفسه بحيث تستبعد إرادة الشعب الفلسطيني ولأنها تستند إلى سياسة التدخّل.

         ـ تناقض صفقة القرن مطلب المقاومة باعتبارها الناطق الحقيقي باسم الشعوب وبأنّها وسيلتهم في التعبير عن مطالبهم، فهي بهذا المعنى صفقة إمبريالية بامتياز.

         ـ لما كانت صفقة القرن صفقة إمبريالية تفرض من طرف واحد إذ لا يوجد طرفان في الصفقة سوى القوة الإمبريالية ومحاورها، فهي صفقة تبسيطية في واقع شديد التعقيد.

         ـ تدخل صفقة القرن في نوع الصفقات البهلوانية وما نسميه رسمًا أحمق، والقفز على كلّ ممكنات السياسة، إنّها جزء من التشويش المتحامق في منطقة تشهد انتصارات محور المقاومة.

      ـ ليست إسرائيل ولا الولايات المتحدة في الموقع الذي يسمح لها بتمرير صفقة القرن، لا بوسائل السياسة ولا بوسائل الحرب، فالمنطقة أصلًا تعيش على أشكال من الحرب بالوكالة، وأنّ المقاومة تطورت بشكل لم يعد في إمكان أميركا أو إسرائيل أن تجازف بالحرب، إنّ صفقة القرن تفرض خيارًا واحدًا لا غير بشروطها الراهنة: الحرب، ولم تعد الحرب خيارًا تتحكم به اليوم الجهة الراعية للصفقة، وإذن اتضح أن صفقة القرن تشبه صفقة تسليم الجولان لإسرائيل.

ويبقى الأمر الأهم هنا هو أنّ صفقة القرن تقويض لاتفاقية أوسلو وبأنّ مجرد تقديم هذه الصفقة والعمل عليها هو نسخ لما قبلها من معاهدات السلام. بهذا تعيدنا صفقة القرن إلى المربع الأول ولكنها في الوقت نفسه تشكل منعطفا للخروج من مضيق أوسلو وسائر الاتفاقيات التي لم تكن في مستوى طموح الشعب الفلسطيني.

سوف تشكّل صفقة القرن محفّزا للشعب الفلسطيني في اتجاه مزيد من المقاومة، لأنّ مسارات التسوية كانت ولا تزال تستهدف جوهر الاستقلال وسيادة الشعب. إنّ الصفقة هي بطريقة أخرى إعلان حرب على فلسطين وإرغامها على التخلي عن الحقوق التاريخية، وفي مقدمتها الحدود التي أقرتها الأمم المتحدة نفسها حتى في أفق حلّ الدولتين. إنّ صفقة القرن لم تعر أي اهتمام لكل هذه المعطيات، فهي أسوأ من أوسلو مع أنّها فُرضت في زمن تتراجع فيه الهيمنة الإمبريالية على المنطقة بفعل التوازن الذي حققته المقاومة. صفقة القرن هي أشبه ما تكون خطابا لمنتصر يفرض شروطه على المهزوم بينما نتحدث اليوم عن فشل المشروع الأميركي والصهيوني في المنطقة.

يوم القدس العالمي

في يوم القدس العالمي عبرت الشعوب عن موقفها من صفقة القرن، وأنّ رفض الصفقة لا يتوقف على أطراف تختزلهما الصفقة في تنظيمات بل هو موقف الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية والعالمية، وذلك رهن بتصعيد الوعي بالقضية الفلسطينية نفسها في سياق معادلة المقاومة.

اليوم العالمي للقدس فرصة لتصحيح الوعي أولا بالقضية الفلسطينية، وتطوير وسائل العمل، وتجديد الأفكار حولها، وتهذيب المواقف. إن كنا سنواجه صفقة القرن بمواقف وأفكار زائفة فهذا يعني أنّنا لن نحقق المطلوب. إحدى أهم تلك الأفكار الزائفة هو الفصل التعسفي بين القضية الفلسطينية ومعادلة المقاومة في المنطقة، فالعزل كان ولا يزال مطلب الإمبريالية والرجعية، ولاتزال أساليب التنسيقيات خارج منطق ما تتطلبه مواجهة الصفقة؛ حيث نلاحظ أن بعض التنسيقيات تعمل بمنطق حزبوي مغلق، وتمارس ضربًا من الانتقاء، وتتناقض في مقارباتها ومزايداتها، فتصبح القضية قضيتها، هي وليست القضية الفلسطينية.

 لقد كان يوم القدس هو المناسبة التي دعا إليها الإمام الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران، وذلك بأن تكون آخر جمعة من شهر رمضان الفضيل مناسبة ليوم القدس العالمي الذي جعل من إيران الثورة ركنًا أساسيًا في هذه المعركة، وأعادها إلى بيئتها الطبيعية كعمق استراتيجي للقضية الفلسطينية، وسيكون من غير المعقول أن نتحدث عن يوم عالمي للقدس، ثم  نمارس حساسيات ضد إيران أنتجتها ثقافة وسياسات الرجعية، ثم نفصل ما يحدث الآن من التلويح بالحرب على إيران كما لو أنه شأن خاص خارج عن مجمل ما تتعرض له فلسطين. فالحرب على إيران هي في الدرجة الأولى حرب على فلسطين، فهي موضوع الخلاف الرئيس بين إيران وواشنطن وعموم الغرب، وليس هناك موضوع آخر لخلاف بينهما ممتد عبر عشرات السنين.

لقد تحدث ترامب عشية إطلاق بوارجه في مياه المنطقة بأنّ إيران تبحث عن صفقة ويمكن أن تعقد معها صفقة، ومعروف أنّ الصفقة مع إيران هي توأم لصفقة القرن، بل في حال تمت هذه الصفقة غير الممكنة لن تكون واشنطن في حاجة إلى صفقة القرن، لكن أي صفقة مع إيران يراد لها أن تكون على حساب فلسطين؟؛ فماذا لو كانت إيران غير إيران الثورة؟، وماذا لو أنها تعاملت بمنطق مصالح الدول وحسابات الإقليم؟.

 إنّ واشنطن وإسرائيل تستطيعان الانتصار على إيران في حال تمرير صفقة القرن، وسيعتبر إفشال هذه الصفقة انتصارًا لإيران، ومن هنا فإنّ انتصارات فلسطين كانت ولا تزال تشكّل انتصارات لإيران ولكل محور المقاومة. لكننا لا زلنا نرى بعض الحساسيات، وهي حساسيات تورث الضعف والهشاشة في الموقف العربي، والفلسطيني نفسه.

يوم القدس العالمي هو ميثاق، وتعاقد أنشأته الجمهورية الإسلامية في إيران، وبه حددت وحدة الهدف والمصير المشترك مع فلسطين. ولقد سعت دول عربية كثيرة للتشكيك في الموقف الإيراني من القضية الفلسطينية، لكن في نهاية المطاف، وتحديدًا مع صفقة القرن لم يعد هناك أي رصيد لتبرير موقف العرب وتشويه الموقف الإيراني، بل حتى رصيد الحرب الطائفية المزيّفة للتشويش على الموقف لن يكون له أي دور حين تصبح الاصطفافات حاسمة وواضحة.

يوم القدس العالمي هو أيضًا يوم الوعي بالأخطار الاستراتيجية التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية كما تستهدف قوى الممانعة التي تشكل حزامًا أمنيًا لحماية القضية الفلسطينية. فهو يوم سوريا واليمن وإيران والعراق والمقاومة في فلسطين ولبنان، لا يمكن أن نواجه صفقة القرن بموقف مزدوج كالذي تقوم به الكثير من التنسيقيات التي نعتبرها عائقا ضدّ العمل الفلسطيني، وجزء من التآمر على قوى الكفاح العربي بأساليب المكر والاستبعاد والحسابات الحزبوية الضّيقة. إنّه يوم الأمّة بأكملها لأنّه يعبّر عن نبض الشارع العربي نفسه. فالقضية الفلسطينية لا تختزل في دكاكين تحتكر العمل الفلسطيني، وتناور بأساليب الاستبعاد والمزايدات والانتقائية والاصطفافات المشبوهة. لقد ذكرنا يوم القدس العالمي بأنّ التضامن مع فلسطين لا يمكن أن يكون بالعمل على تدمير سوريا واليمن، وإعلان الحياد في ما يتعرض له محور المقاومة من تحدّيات.

 يوم القدس العالمي هو يوم الانتفاض ضدّ كل هذه الحساسيات، واكتساب الشجاعة الثورية لإيقاف نزيف الشرخ الذي تخطط له الكثير من الدوائر، وتساهم فيه الكثير من التنسيقيات التي تضع نفسها هي الهدف الأسمى وليس فلسطين.

 

أبرز النقاط في ورقة د. مصطفى يوسف اللداوي بعنوان: صفقة القرن وسبل مواجهتها:

أشار  د.مصطفى اللداوي بداية إلى عدد من الخطوات التي مهد بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ أن دخل البيت الأبيض، خاصةً تلك المتعلقة بالكيان الصهيوني والقضية الفلسطينية، حيث أقدم على نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى مدينة القدس المحتلة، وأعلن اعتراف إدارته بالقدس عاصمةً أبديةً موحدةً للكيان الصهيوني.وكان قد سبق نقلها تعيين ديفيد فريدمان سفيراً للولايات المتحدة لدى الكيان، علماً أنه يهودي الديانة، ويحمل الجنسية الإسرائيلية، ويقيم في مستوطنةٍ، وسبق له أن خدم في جيش الاحتلال الإسرائيلي.

كما اتخذ مجموعة من القرارات التنفيذية أغلق بموجبها مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وقطع المساعدات التي تقدمها إدارته إلى بعض المؤسسات التعليمية والطبية الفلسطينية التي تعمل في القدس خاصةً، وفي عموم المناطق الفلسطينية بصورةٍ عامةٍ.

كما أصدر أوامره بتجميد المساهمة الأميركية في ميزانية وكالة الأونروا، ودعا إلى شطب الوكالة وتصفية مؤسساتها، كما طالب بإعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني على أساس الفلسطينيين الذين كانوا يعيشون في فلسطين المحتلة قبل تأسيس الكيان الصهيوني، وخرجوا منها إلى دول الجوار بصفة لاجئين، حيث أرادت الإدارة الأميركية شطب صفة اللاجئ عن كل فلسطيني لم يكن مقيماً في فلسطين قبل النكبة، أو ولد بعدها في مخيمات ومناطق اللجوء.

ورافقت قرارات ترامب حملة تضيقٍ كبيرةٍ قامت بها بعض الدول العربية تجاه السلطة الفلسطينية ورئيسها، وضد الفصائل الفلسطينية والمنتسبين إليها، شملت إنهاء عقود الكثير من الفلسطينيين، وإلغاء إقاماتهم وطردهم بصورة فورية خلال ساعاتٍ من بلادهم، فضلاً عن محاربة ومكافحة كل عمليات الدعم والمساندة من مواطنيهم للقضية الفلسطيني، حيث تعتقل سلطاتهم كل من يثبت في حقه أنه تبرع أو ساهم في دعم الفصائل الفلسطينية، أو تبين أنه يكتب ويغرد تضامناً معهم.

وإلى جانب القرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، أصدر ترامب قرارا الاعتراف بهضبة الجولان السورية أرضاً إسرائيلية، تخضع للقانون والسيادة الإسرائيلية، ثم قامت إدارته بتسليم حكومة نتنياهو خارطة للكيان جديدة، ممهورةً بتوقيع الرئيس ترامب، تظهر فيها الجولان جزءاً من الكيان الصهيوني.

وما خص طبيعة الصفقة ، لفت إلى  أن ترامب شكل فريقاً ثلاثياً برئاسة صهره جاريد كوشنير للإشراف على وضع خطة، وتصور جديد لحل القضية الفلسطينية حلاً جذرياً ونهائياً، والتحق به إلى جانب السفير ديفيد فريدمان المبعوث الأميركي للسلام إلى منطقة الشرق الأوسط جيسون جرينبلات، وعزز الفريق الثلاثي بمستشاره للأمن القومي جون بولتون. وقد شكل هذا الفريق الثلاثي حيناً والرباعي في أحيان أخرى، خلية عملٍ دؤوبةٍ تعمل بالتنسيق مع الحكومة الإسرائيلية، حيث وضعت مجموعة من الأفكار والمشاريع العملية، أطلق عليها فيما بعد اسم "صفقة القرن" القابلة للتعديل والتغيير من وقتٍ لآخر بناءً على الملاحظات التي تصل الإدارة الأميركية عنها، وتتم بموجب المصلحة الإسرائيلية بما يحقق أهدافها، ويلبي رغباتها، ويفي بملاحظاتها.

وتتميز صفقة القرن بثلاثة اتجاهاتٍ هي :

           1 ـ جغرافياً ... تقوم على منح الفلسطينيين جزءً من الأرض لتمكينهم من تأسيس دولتهم، والمقصود بالتوسعة هنا هو قطاع غزة  الذي ستتسع مساحته إلى أضعاف مساحته الحالية؛ وذلك عبر إلحاق أراضٍ مصرية له من صحراء سيناء، إلا أنه لا يوجد تأكيد قطعي، أو رسمي بالمساحة التي من الممكن أن تلحق بقطاع غزة، لكن أقلها سيكون ثلاثة أضعاف مساحته حالياً.

           2ـ اقتصادياً ... حيث تدعو بنود الصفقة إلى خلق مشارع تنموية واستثمارية وبنيوية في المنطقة العربية المحيطة بالمناطق الفلسطينية، خاصة في قطاع غزة وسيناء، حيث ستشكل هذه المشاريع الاقتصادية أقطاباً جاذبة للفلسطينيين في قطاع غزة ودول اللجوء للعمل في الأرض الجديدة والإقامة فيها، والاستفادة من مميزاتها ومنافعها.

وهذا الأمر يشمل دول اللجوء الأربعة مصر والأردن وسوريا ولبنان، حيث ستلزم هذه الدول بتوطين الفلسطينيين المقيمين فيها، ومنحهم جنسية بلادها، في الوقت الذي سيتم فيه منح هذه الدول ميزانياتٍ كبيرة لتعويضها وسداد ديونها، وتمكينها من بناء مشاريع اقتصادية تكون قادرة على استيعاب الفلسطينيين وتشغيلهم.

وتشير كثير من التسريبات العربية والإسرائيلية والأميركية عن مخططاتٍ كبيرةٍ وميزانياتٍ ضخمة مرصودة لمشاريع فلسطينية في سيناء، تشمل بناء مطارٍ مدني وميناء تجاري ومحطة تحلية لمياه البحر، ومحطات توليدٍ لكهرباء، وطرق دولية سريعة وخطوط سكة حديد وأنفاق وكباري تربط قطاع غزة بكلٍ من مصر والأردن والسعودية.

         3ـ سياسياً .... يتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية في قطاع غزة  ضمن شروطٍ والتزاماتٍ دولية وعربية بأن تكون دولة منزوعة السلاح، ومن دون جيش مسلح أو علاقاتٍ دولية وسفاراتٍ تمثيلية، في الوقت الذي يتم فيه العمل على ربط كونفدرالي بين سكان الضفة الغربية والمملكة الأردنية الهاشمية، حيث يتمتع السكان الفلسطينيون بالجنسية الأردنية، ويكون لهم كل الامتيازات السياسية، بينما لا يكون للأردن، أو للكيان الكونفدرالي الفلسطيني أي سلطة على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية.

ووصف اللداوي صفقة القرن بأنها صفقة عربية تجاه الكيان الصهيوني، وأن الطرف المعني بتنفيذها هي الدول العربية، بينما سيكون دور الفلسطينيين التلقي، والاستفادة من العروض والتقديمات التي توفرها، وقد تكون الحكومات العربية المعنية بها والمكلفة بتنفيذ بعض بنودها، قد تعرضت لضغوطٍ أميركية كبيرة لضمان التزامها بشروطها، وهذه المواقف هي ...

  • تعارض السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية بشدة الصفقة، وتتحدى تنفيذها، وتهاجم كل من يؤمن بها ويبدي استعداده للتعاون مع الإدارة الأمركية في تمريرها.
  • تكاد الفصائل الفلسطينية بكل أطيافها تجمع على رفض صفقة القرن، ووجوب إسقاطها، والعمل المشترك على إفشالها، وهي تتساوى جميعها في موقفها الرافض، سواء كانت مسلحة في قطاع غزة، أو سياسية في رام الله، أو تتمركز في دول الشتات واللجوء في سوريا ولبنان.
  • ترفض الحكومة الأردنية الصفقة، وتعلن خشيتها منها، ويحاول الملك عبد الله حشد المعارضين لها  كونه يعلم يقيناً أنها ستكون على حساب التاج الهاشمي، وأنها ستقلص صلاحياته، وستهدد حاكمية أسرته لصالح ملكيةٍ دستوريةٍ يكون للفلسطينيين فيها حق المشاركة في الحكم والإدارة والقرار.كما يدرك الملك الأردني أن الوصاية الهاشمية التاريخية على القدس والمسجد الأقصى والأماكن المقدسة المسيحية والإسلامية في المدينة ستنتهي، وقد تؤول إلى جهةٍ عربيةٍ أخرى، أو إلى تنسيقٍ جديدٍ مع الحكومة الإسرائيلية.

إلا أن الملك الأردني عبد الله الثاني يدرك أن قدرته على المعارضة محدودة، وأن الضغط الأميركي عليه سيكون كبيراً، وأن الخيارات المطروحة أمامه ضئيلة، وأن البدائل له إما القبول والبقاء، أو الرفض والشطب.

  • تعلن القيادة المصرية رفضها للصفقة، وأنها لن تتعاون مع الإدارة الأميركية في تنفيذها، لكن الرفض المصري شكلي وغير حقيقي، كون إدارة الرئيس المصري السيسي غير قادرة على مخالفة السياسة الأميركية، كما أن أصل الصفقة هو فكرة طرحها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على ترامب حلال زيارةٍ له في البيت الأبيض، ويبدو أن مصر ستكون اللاعب العربي الأكبر الذي يلتزم بالصفقة طوعياً، ويتساوق معها.
  • تتفق السعودية والمغرب ودول الخليج مع الصفقة وتنسجم معها، وعليها دون المغرب يقع عبء تمويل المشاريع الاقتصادية المتوقعة، حيث تظهر تسريباتٍ أن مساهمات دول النفط العربية في هذا المشروع تصل إلى نسبة 70%، وعلى أساس موقفها الرسمي غير المعلن بتأييد الصفقة فإنها بدأت في الضغط على الفلسطينيين لدفعهم إلى قبول الصفقة وتسهيل تنفيذها، علماً أن هذه الدول مجبرة على موقفها، وملزمة بقبول الصفقة وتمويلها، وإلا فإنها ستتعرض لعقوباتٍ أميركيةٍ تهدد استقرارها وتضع أنظمتها على حافة الهاوية.

وفي سياق الإشارة إلى سبل تطبيق الصفقة لفت اللداوي إلى أن الإدارة الأميركية كانت تتوقع أن ينجح بنيامين نتنياهو في تشكيل حكومته الأخيرة التي ستتشكل من أحزابٍ تقبل بالصفقة وتؤمن بها، أما وأن نتنياهو قد عجز عن تشكيل حكومته، وقد يعجز عن تشكيلها بعد الانتخابات القادمة، خاصة أنه معرض لتوجيه الشرطة لاتهاماتٍ له، قد تفضي إلى محاكمته، وبالتالي لن يكون قادراً على الترشح لرئاسة الحكومة الإسرائيلية القادمة، على الرغم من وجود ترجيحاتٍ أخرى تؤكد أنه سيتجاوز الأزمة القانونية، ولن توجه له الشرطة أي اتهاماتٍ، الأمر الذي يجعل طريقه إلى تشكيل حكومته السادسة سهلاً وممكناً.

وعليه فإن البداية المتوقعة لتنفيذ الصفقة ستكون من الجانب الإسرائيلي في حال إعلان موافقته الرسمية عليها، إذ أنه يعلم أنها لصالحه، وتراعي شروطه وتلتزم ثوابته، وتتجاوز الفلسطينيين وتنكر وجودهم كطرفٍ مستقلٍ، وفي حال قبل الفلسطينيون بالصفقة فإن الخطوات العربية التالية ستكون أسهل وأكثر سرعة بالاعتماد على موافقة طرف فلسطيني عليها.أما في حال ممانعة الفلسطينيين وعدم وجود جهة تقبل بالصفقة، فإنه قد يصار إلى شن حربٍ "تطفيشية" من شمال قطاع غزة نحو جنوبها، حيث ستكون حرباً قاسية تجبر جزءً من الفلسطينيين إلى اللجوء نحو سيناء التي هي قلب مشروع صفقة القرن وأساسها.

هذا السيناريو المفترض هو الأقوى كونه يحقق أكثر من هدفٍ أساسي في الصفقة، إذ أنه يجبر الفلسطينيين على الهروب نحو سيناء والإقامة فيها، كما أنه يخرج الحكومة المصرية من مأزقها، أو حرجها بالتنازل عن جزءٍ من أرضها لصالح الفلسطينيين، حيث أن لجوء الفلسطينيين هرباً إليها من الحرب أمر طبيعي، وقد تطول فترة لجوء الفلسطينيين من بناء قطاع غزة فيها إلى عشرات السنواتٍ في تكرارٍ مدروسٍ للجوء الفلسطيني الكبير، حيث تجد الحكومة المصرية مبرراً لدى شعبها بأنها استضافت اللاجئين الفلسطينيين على أرضها من الجانب الإنساني، ولم تمنحهم أرضها، ولم تتنازل عنها، إلا أن هذا الأمر سيطول، وسيتحول مع مرور الزمن والواقع على الأرض إلى حلٍ دائمٍ.

وعن سبل مواجهة صفقة القرن أكد د.اللداوي ضرورة العمل على عدة اتجاهاتٍ فلسطينية وعربية ودولية وفق الشكل الآتي:

         ـ فلسطينياً ينبغي العمل على استعادة الوحدة السياسية الفلسطينية، وتفعيل المقاومة المسلحة وتوسيع إطارها لتشمل الضفة الغربية إلى جانب قطاع غزة، بالإضافة إلى تنوير الشارع الفلسطيني لأخطار صفقة القرن وأبعادها التدميرية للقضية الفلسطينية. كما يجب تجريم وتخوين كل طرف فلسطيني يشارك في الصفقة، أو يشارك في اجتماعات لجانها، أو يلتحق ويشارك بمؤتمراتها مثل مؤتمر المنامة الاقتصادي، بحيث لا يكون هناك أي طرف فلسطيني يشكل غطاءً شرعياً للصفقة، ويوحي بأن الفلسطينيين يوافقون عليها ويشتركون في تنفيذها.

         ـ عربياً ... يجب دفع الأنظمة العربية لرفضها وعدم الاعتراف بها، وأنه لا يحق لهم أن ينوبوا عن الفلسطينيين، أو يقرروا نيابة عنهم، وأنه طالما أن الفلسطينيين يرفضون الصفقة، فإنه لا يحق لأي نظامٍ عربي أن يحل محلهم أو يدّعي تمثيلهم، أو يضغط عليهم للقبول بها. وهذا الأمر يفرض على شعوب الدول العربية أن تضغط على حكومات بلادها لرفض الصفقة، وعدم الانجرار إليها، حيث ستقود مشاركة الأنظمة العربية فيها إلى حالة من عدم الاستقرار في المنطقة، وستدخل دولها في دوامة من الفوضى والاضطراب، ولعل التظاهرات والاعتصامات والمسيرات ومختلف وسائل الضغط الإعلامي مطلوبة من الشعوب العربية للمساهمة في العمل على إفشال الصفقة.

         ـ دولياً .... يجب التأكيد من خلال خطابٍ فلسطيني موحدٍ أن هذه الصفقة لن تمر، وأنها ستقود إلى مزيدٍ من الفوضى والاضطراب، وأنها محاولة لتصفية القضية الفلسطينية وليست مسعى لإيجاد حلٍ عادلٍ لها، وهذه الجهود مطلوبة على كل المستويات الرسمية من قبل السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، وقوى وفصائل الثورة الفلسطينية، فضلاً عن المؤسسات والكفاءات الفلسطينية خاصة من العاملين في مجالات الإعلام المختلفة.

وختم اللداوي بالإشارة إلى مآلات الصفقة؛ حيث قال بإمكانية  فرض الصفقة عربياً ودولياً بعد الموافقة الإسرائيلية، لكن لا يتوقع لها النجاح والاستمرار، فالتاريخ يشهد أن قضايا الشعوب والأمم لا تموت، كما أن قدرة الشعب الفلسطيني على مواجهتها وإبطالها كبيرة، خاصة في ظل الإجماع العام لكل القوى والفعاليات والسلطة والمنظمة على رفضها، وفي ظل تنامي العمل العسكري والمقاومة الخشنة في الضفة والقطاع.

وأخيراً قد تسقط أعمدة المشروع ويغيب دعاته، فقد لا يعود بنيامين نتنياهو رئيساً للحكومة الإسرائيلية، وقد ينجح يمينيون إسرائيليون جددٌ ممن يرفضون الصفقة ولا يؤمنون بها، كما قد لا ينجح ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة، وبهذا تضعف خطته أو تسقط، كما قد تنشأ أصواتٌ عربيةٌ معارضة تخاف على مستقبلها ودورها في حال عدم قبول أو تبني جهة فلسطينية لهذا المشروع.

أبرز النقاط في ورقة الأستاذ علي الفايز:

من جهته رئيس المكتب السياسي في تكتل المعارضة البحرينية في بريطانيا الأستاذ علي الفايز أكد موقف شعب البحرين ـ بكل قواه المجتمعية والثقافية والسياسية والدينية ـ المؤمن بأن فلسطين هي قضيته المحورية، وان الكيان الصهيوني هو عدوه الأول، مشيرًا إلى أن النظام الحاكم في البحرين لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن الارادة الشعبية، وهو فاقد لكل معاني الشرعية في الحكم، وبالتالي فإن عزلته السياسية تجعله يتجه إلى الخارج بشكل كامل طمعا في الحصول على المزيد من أشكال الدعم الأميركي البريطاني الصهيوني.

وصنّف الفايز  ما يفعله النظام في خانة خيانة الأمة وفلسطين، وهي مسألة طبيعية واستراتيجية له بلحاظ تاريخ النظام، وقد أصبحت علنيتها حاجة ملحة له ولرعاته الإقليميين (السعودية والامارات) والدوليين (اميركا وبريطانيا) والصهاينة لمواجهة جبهة المقاومة.

وقد ربط الفايز موقف النظام في البحرين بالتاريخ لجهة أن منشأ الصهيونية وانظمة الاستبداد في الخليج كانت بريطانيا، وان الولايات المتحدة تقوم اليوم على رعايتهم وحمايتهم، لذلك فالصهيونية وانظمة الاستبداد في الخليج وجهان لعملة واحدة، وأداة لهدف واحد هو استمرار اللأمن واللااستقرار والفوضى وافتعال الازمات والحروب، وهو ما رأيناه جليا في العراق ولبنان وسوريا واليمن وليبيا وغيرها، حيث تشعل أنظمة الاستبداد في الخليج النار باستخدام النفط، وبالتضليل الاعلامي تحت عناوين طائفية تارة، وتارة باسم العروبة والاسلام خوفًا على عروشهم من جهة، وخدمة للصهيونية ـ برعاية سياسية دوليه من اميركا في الدرجة الأولى ـ من جهة ثانية لتتمكن من استمرار إحكام السيطرة على الأمة ونهب ثرواتها.

واعتبر الأستاذ الفايز أن خطورة ما يسمى بصفقة القرن اليوم ليس في كونها قادرة على التحقق فعليًا ـ أي إنهاء قضية فلسطين والقبول ببيعها فذلك محال ـ لكنها تأسيس لتقبّل الخيانة والجريمة بسياسة فرض الأمر الواقع على شعوبنا، خصوصًا في الخليج بكونها "فرصة" لشعب فلسطين، وخطوة ل"السلام" و"الازدهار" بهدف مسخ الوعي، إنها الخطوة الاخطر التي تهدف إلى الخضوع والاستسلام الثقافي في المستوى الجماهيري ما لم تتقدم الزعامات الدينية والسياسية والنخب الثقافية والاعلامية بكل قوتها كصف موحد لمقاومتها سياسيًا وثقافيًا واعلاميًا في الدرجة الاولى.

وحذّر من أن جعل البحرين ـ بما هو النظام الحاكم في البحرين أداة صغيرة من أدوات اميركا، واستخدام البحرين بدفع وتمويل سعودي اماراتي، والقفز على تاريخنا وعلى ارادة شعبنا المقاوم، وبلحاظ الموقع الجيوسياسي لها ـ منصة لاطلاق ما تسمى بصفقة القرن يجعل البحرين ساحة متقدمة وخطيرة لتصفية القضية الفلسطينية ثقافيًا بشكل اساسي، لأن المطلوب اليوم هو الإجهاز الكامل على وعي امتنا وعقيدتها في فلسطين والقدس، وذلك يمثل ساحة حرب بديلة أشد خطورة من الحرب العسكرية.  

وإذ قال الفايز بسقوط صفقة القرن وفشلها قبل اطلاقها بفعل رفض القوى الفلسطينية لها، فقد رأى في الإصرار الأميركي  على إقامة ما سُمي "مؤتمر الازدهار من أجل السلام" في البحرين لتمرير الصفقة يدلل بوضوح على الضعف والوهن والافلاس الأميركي  الصهيوني.

ان هذه الصفقة ميتة قبل ولادتها، حيث لا وجود لموضوع لها (ففلسطين والقدس ليست للبيع)، ولا وجود لطرفين فيها؛ فالفلسطينيون قاطبة يرفضونها، ولا يعترفون بالكيان الصهيوني.  لكنها بالنسبة لاميركا خطوة استراتيجيه لحماية بقاء الكيان الصهيوني الغاصب، وبديلًا للحرب العسكرية التي باتت مستبعدة بفعل التوازن الذي أحدثته جبهة المقاومة بقيادة الجمهورية الاسلامية في ايران، وقوى التحرر في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن، وما تعزز بفعل فشل وكلاء أميركا وأدواتها في المنطقة وهزيمتهم التي ستكون قاصمة على أيدي أبناء اليمن العزيز.

ولفت إلى أن الحرب الثقافية أقل كلفة للأميركيين والصهاينة، وأشد خطورة على جبهة المقاومة، وأمتنا وقضيتنا فلسطين؛ وبالتالي يرجون من الإجهاز، أو مسخ وعي الأمة بسياسة فرض الأمر الواقع  تحقيق ما عجزوا عن تحقيقه بالحرب العسكرية؛  ولذلك هم مستمرون في اقامة ما يسمى ب "مؤتمر الازدهار من أجل السلام".

مشيرًا إلى أن هذه الصفقة تتم بالتوازي مع حرب اقتصادية وحصار على الجمهورية الاسلامية في ايران وجبهة المقاومة، وقرع طبول الحرب العسكرية المستبعدة بشكل غير مباشر من أميركا وأدواتها عبر اختلاق الذرائع؛ وذلك بهدف زعزعة جبهة المقاومة سياسيًا وإضعافها؛ ما يستوجب رصّ الصف، وأن تكون المقاومة السياسية والثقافية والإعلامية أولوية قصوى اليوم في مواجهة الكيان الصهيوني وأميركا وأدواتهما في المنطقة، ورفض "صفقة القرن"، وتوحيد الموقف الواضح والحاسم بدعم الجمهورية الاسلامية في ايران والشعب اليمني سياسيًا على الأقل، وذلك من شأنه حماية قضيتنا المحورية فلسطين، ويعزز مصادر قوتنا، ويزيد من اقتدار جبهتنا، ويمنع أي اختلال في الموازين يعطي فرصة لجنون "تراامب" و"نتنياهو" وعبر وكلائهم المراهقين سياسيًا في السعودية والامارات لفرض "صفقة القرن" حتى في المستوى الإعلامي.

وما خص احتمال الحرب العسكرية، فقد استبعده الفايز بسبب قوة واقتدار الجمهورية الاسلامية في ايران، وجبهة المقاومة، وتجاهلهم للاستفزازات، وعدم اعطاء أميركا والكيان الصهيوني وأدواتهما اي ذريعة سياسية لإشعالها بشروطهم، وأدواتهم،وفي توقيتهم، والساحة التي يريدون، وأيضًا لعدم قدرتهم على تصور انتصار ولو جزئي، أو معرفة الخسائر التي ستحدث لهم ولوكلائهم وأدواتهم، وليس بسبب عقلانيتهم. وأكد أن ساحة الصراع اليوم سياسية ثقافية في الدرجة الأولى، لكن المواجهة الكبرى واقعة لا محالة، ففلسطين لابد أن تتحرر، والانتصار يبدأ بحماية وعي الأمة وعقيدتها وثقافتها وتعزيزه، وبالإنتصار للحق في فلسطين، وايران، والعراق، ولبنان، وسوريا، واليمن، والبحرين.

أبرز النقاط في ورقة الأستاذ بركات قار بعنوان يوم القدس العالمي في مواجهة صفقة القرن الأميركية:

أكد الأستاذ بركات قار فيها أن الحديث عن القدس يعني القضية الفلسطينية والإحتلال الصهيوني المستمر بدعم من الغرب، وعلى رأسه أميركا. لما تحمله بتاريخها وقدسيتها وتعدد اديانها ومعتقدات سكانها من الاسلام والمسيحية واليهودي من أهمية كبرى، كما تشكل رمزًا للمجتمعات الحضارية في التعايش السلمي جنبًا إلى جنب بمختلف أطياف سكانه. وفي حال تحريرها من الإحتلال الصهيوني ستصبح نموذجًا ديمقراطيًا للمجتمعات المتناحرة مذهبيًا وعرقيًا تحت سيطرة الأنظمة العميلة للامبريالية والصهيونية من خلال سياسات فرق تسد. ولعل الإمام الخميني أعلن يوم القدس العالمي في بداية الثورة الايرانية كموقف لتضامن المسلمين مع القدس والشعب الفلسطيني في مواجهة قوات الاحتلال؛ لكنه اصبح يومًا عالميًا ملفتًا ليس للعالم الاسلامي، أو العربي فقط؛ انما لجميع الشعوب المناضلة ضد الاستعمار في سبيل حق تقرير مصيرها، وقيام نظامها الديمقراطي العادل.

واعتبر قار أنه عندما نطالب بالتضامن، او تحرير القدس فيجب علينا استخدام مصطلحات نتجاوز فيها الدين الواحد والقومية الواحدة، حتى تنضم إلى هذا التضامن جميع القوى الأممية الثورية والديمقراطية؛ بالإضافة إلى الشعوب وبعض الدول المناهضة للصهيونية والإمبريالية في الاقليم والعالم، حتّى ولو كان على المستوى السياسي فقط. 

ورأى أن اعلان اميركا ـ وليس ترامب فقطـ القدس عاصمة لاسرائيل هو خطوة خطيرة تشكل ارضية لخطوات اخرى لتفتيت فلسطين رويدًا رويدًا  من خلال شرعنة الأمر الواقع عند الأنظمة العربية والإسلامية. على الرغم من الإجتماعات، واصدار هذه الأنظمة  لبيانات استنكار اعلان القدس عاصمة لاسرائيل، فإن أي نظام متحمس، ومتمسك بعروبته واسلامه  لم يقدم على وقف التعامل مع اميركا، بل بدأ يتعامل علنًا مع النظام الصهيوني بكل وقاحة. ما جعل اميركا تقدم على خطوة ليست جديدة، بل خطوة مبيتة اي اعلان القدس عاصمة لاسرائيل، وهو مشروع مكمل لانهاء القرارات الدولية التي تعترف بالقدس ، وحق العودة ، وقيام الدولة الفلسطينية، الخ..

وأكد الأستاذ قار أن مشروع "صفقة  القرن" يتطلب  حشدًا سياسيًا وماليًا وعسكريًا  لصالح الاحتلال الصهيوني على مراحل مع اكتساب الوقت اللازم؛ وهو ما يجري التحضير له في المرحلة الراهنة، وما الورشة الإقتصادية في المنامة آواخر شهر حزيران إلا خطوة في هذا السياق.

وفي حال شرعنة هذا الأمر الواقع، فإن هذا المشروع بحسب قار لن ينهي القضية الفلسطينية فحسب؛ انما يستهدف ضرب جميع القوى المناهضة للصهيونية والامبريالية،  وتفكيك التضامن الثوري المقاوم على صعيد المنطقة التي تمثل محور المقاومة لمواجهة الخطط والحروب  التي بدأها العدو  الصهيوني على لبنان والثورة الفلسطينية، والمنطقة وشعوبها منذ عقود، وحتى الان. ومن هنا اهمية تأكيد الدفاع عن القدس بيوم القدس العالمي؛ كما أنه من المهم توظيف هذه المناسبة كل عام ووقت كمنصة لانطلاقة مستمرة على صعيد  شعوب المنطقة والعالم بفعاليات تضامنية متعددة، والتشهير بخطر ما تروج له اميركا عن اشراك الدول العربية والاسلامية في مخططها تحت مسميات مختلفة كالإعلان عن المؤتمر الاقتصادي في المنامة ، وما سيلحقه من مؤتمرات اخرى بذريعة "دعم القضية الفلسطينية"، وهي  في الاساس تهدف إلى تجهيز الأرضية اللازمة لصفقة القرن المشؤومة، والقضاء الكامل على فلسطين الذي يحول دونه هو الاجماع الفلسطيني  لمقاطعة الورشة الاقتصادية كمقدمة لمشروع صفقة العصر في المنامة/ البحرين  الذي يعد بمثابة سند مهم،  ومنصة لمواجهة مؤتمر المنامة، وما سيليه من مؤتمرات اخرى، كمؤتمر القدس لأمن شرق الأوسط المزمع عقده في القدس بتوجيه اميركي، وغيره من مؤتمرات كثيرة.

وهو حث القوى الفلسطينية ـ كأصحاب القضية الفلسطينية أولًا، وقوى محور المقاومة ثانيًا على المباشرة بالدعوة  إلى اجتماعات ولقاءات تشمل كل من يهمه الأمر من شخصيات وحركات وأحزاب ثورية ديمقراطية، وعلمانية،  واسلامية وطنية مقاومِة في كلّ بلد من بلدان المنطقة لاختيار الفعاليات والتعبئة الشعبية المناسبة لاطلاق الحملات ومواجهة ومقاطعة صفقة القرن على مختلف الأصعدة، مع كشف وفضح الوجوه والدول المروجة لها سرًا، أو علنًا في المنطقة والعالم.

تاريخيًا، أثبتت نضالات الشعوب و قواها التحررية فشل مقولة إمكانية التحرر واستعادة الحقوق من خلال التفاهم والمساومة على الحقوق بدلًا من الكفاح والمواجهة، كما أثبتت أنّه تضليل والعكس صحيح. لان أكبر مثال عشناه ونعيشه  في مسار نضال الشعب الفلسطيني ضد الصهيونية، ومحاربة شعوب المنطقة وقواها الثورية ومواجهتها لتنظيم "داعش" ومن وراءه من قوى عظيمة، وانتصارها عليه هو الذي أفشل كل المخططات التقسيمية.

من هنا يمكن القول وتأكيد امكانية افشال صفقة القرن، وكل ما سبقها، وسيليها من مؤتمرات عبر التمسك بالتجارب والمكتسبات التي حققها  نضال الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة و العالم.وما حملة اميركا على ايران وفلسطين وسوريا، وفرض العقوبات إلا جزء من البراهين على الخوف من زوال اسرائيل عن الأراضي العربية المحتلة بالقوة.

ومهمة ترامب هي جمع شيوخ أنظمة المنطقة وملوكها حول اسرائيل  لتطويق ومحاصرة محور المقاومة في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق وايران وغيرهم من الشعوب التي تمتد من تونس إلى السودان واليمن والجزئر وتركيا؛ ذلك أنه  لا يمكن هزيمة هذه القوى وتمرير صفقة القرن، وتأمين أمن واستقرار اسرائيل المحتلة لأراضي فلسطين إلا بالقضاء على محور المقاومة وتطويقه ومحاصرته تهيدًا للقضاء عليه.