• اخر تحديث : 2025-08-22 04:06
news-details
ملفات

مكافحة الإرهاب في ألمانيا ـ صعود اليمين المتطرف وانعكاساته على الأمن القومي


1 ـ مكافحة الإرهاب ـ صعود اليمين المتطرف في ألمانيا وتحديات الأمن القومي
شهد حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) صعودًا لافتًا في المشهد السياسي الألماني، وهو ما يُثير تساؤلات واسعة حول أسباب هذا التقدّم المستمر. يعود تنامي تهديدات الجماعات اليمينية المتطرفة إلى عدة عوامل أبرزها،ن جاحها في استغلال المخاوف المتعلقة باللجوء والهجرة، والأمن، ما دفع شريحة متزايدة من الشباب نحو التيارات اليمينية المتطرفة. تشير تقارير الاستخبارات الألمانية إلى علاقات متنامية عابرة للحدود بين الجماعات اليمينية المتطرفة في ألمانيا وجماعات أخرى على المستوى الأوروبي والدولي، ما قد يهدد النظام الديمقراطي الألماني من الداخل.
 
لماذا يحقق حزب البديل من أجل ألمانيا تقدمًا مستمرًا؟
تُشير تقارير الاستخبارات الألمانية في العام 2025 إلى تنامي حزب البديل لألمانيا فيما يتعلق بنتائج الانتخابات وتطور العضوية منذ عام 2022. أصبح لدى حزب البديل من أجل ألمانيا ماليًّا وتنظيميًّا، موارد أكبر تحت تصرفه، على سبيل المثال، من خلال مجموعته البرلمانية في البوندستاغ، التي أصبحت أقوى بمرتين.
 
تعادل الحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي (CDU/CSU) وحزب البديل من أجل ألمانيا في مؤشر اتجاهات RTL/ntv الصادر عن معهد فورسا لاستطلاعات الرأي في الخامس من أغسطس 2025. حصل كلا الحزبين على (%25) من الأصوات، أي أقل بنقطة مئوية واحدة لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي مقارنة بيوليو 2025، بينما ظل حزب البديل من أجل ألمانيا دون تغيير.
 
إلى أي مدى يمثل “التيار اليميني المتطرف” تهديدًا داخليًا؟
أفادت الاستخبارات الألمانية أن عدد المتطرفين اليمينيين الذين يخضعون لرقابة هيئة حماية الدستور الاتحادية، ارتفع بنسبة (23%) ليصل إلى (50250) شخصًا عام 2024. ويرجع جزء من هذا الارتفاع إلى تزايد الدعم لحزب البديل. أجرى البروفيسور الدكتور دانسيغير من جامعة برينستون دراسة تُشير إلى أن ما بين (38.7%) و(42.5%) من مؤيدي جرائم الكراهية يصوتون لصالح حزب البديل من أجل ألمانيا.
 
تم تصنيف نحو (20) ألف عضو من أعضاء الحزب ضمن “التيار اليميني المتطرف” خلال العام 2024 بحسب هيئة حماية الدستور، كما ارتفع عدد المتطرفين اليمينيين الذين يُعتقد أنهم مستعدون لاستخدام العنف بمقدار (800) شخص، ليصل عددهم إلى (15300) شخص في عام 2024.
 
تُظهر أرقام مكتب التحقيقات الفيدرالي خلال العام 2025 أنه من بين إجمالي (575) شخصًا، يُعتبر (458) شخصًا تهديدًا بسبب “أيديولوجيتهم الدينية”، معظمهم من الإسلاميين. في المقابل، تأتي (74) من التهديدات من الطيف اليميني المتطرف.
  
هل يشكّل التطرف اليميني تهديدًا خفيًا داخل المؤسسات الأمنية؟
كشفت دراسة أجراها مركز الجيش الألماني للتاريخ العسكري والعلوم الاجتماعية (ZMSBw) أن (%0.4) فقط من الجنود يُظهرون مواقف يمينية متطرفة. وأكد المؤلفون أن النسبة بين الأفراد المدنيين في الجيش تبلغ (0.8%)، وهي أقل بكثير من (5.4%) التي تم قياسها في عموم السكان الألمان. وجدت الدراسة وجهات نظر إشكالية أخرى بين الجنود، (6.4%) لديهم “مواقف متطرفة”، و(3.5%) لديهم “مواقف ثابتة ضد كراهية الأجانب”. وهذا يتناغم بشكل عام مع أرقام وزارة الدفاع، حيث أفادت إحصاءات الوزارة إنه في عام 2023، كانت الوزارة تحقق في (1049) حالة يُشتبه في تطرفها في القوات المسلحة، منها (776) حالة يمينية.
 
ما الدور الذي يلعبه القبول المجتمعي في نشر التطرف؟
حذّرت “كريستين هيرنتييه” رئيسة بلدية في “شبرمبرغ” بولاية “براندنبورغ” في يوليو 2025 من أن عدد حوادث اليمين المتطرف شهد ارتفاعًا حادًا. قام أنصار اليمين المتطرف من حزب “الطريق الثالث” النازي الجديد برسم شعارات معادية للأجانب على واجهات المباني. انتشر التطرف اليميني والعنصرية بشكل ملحوظ في مدينة “ديساو” بولاية “ساكسونيا أنهالت”. تجلى ذلك في كتابات الجرافيتي، والصليب المعقوف، وصور هتلر، والشعارات النازية، التي أصبحت مشهدًا شائعًا في الشوارع.
 
أكد مكتب حماية الدستور أن جنوب “براندنبورغ” بات بؤرةً لنشاط اليمين المتطرف لسنوات، وإن جزءًا كبيرًا من هذا النشاط يُعزى إلى أنصار الحزب النازي الجديد “الطريق الثالث”، الذي يشهد مكتب حماية الدستور بأنه يتبنى رؤية عالمية نازية جديدة. ويُفيد الأخصائيون الاجتماعيون بانجذاب الشباب إلى دوائر اليمين من خلال أنشطة ترفيهية مثل إشعال النيران أو الفعاليات الرياضية.
 
أوضح “ماركوس غايغر” العضو في مجموعة “بونتيس روسلاو”: “يزداد التطرف شيوعًا، ويزداد قبولًا اجتماعيًّا”. يواجه العديد من مجموعات الكشافة والمعلمين والأفراد الآخرين، والجامعة، والعديد من المدارس، والجمعيات المحلية، والجماعات المدنية، وحتى بعض السياسيين المحافظين، العداء والكراهية بجانب اختراق اليمين المتطرف لتلك المؤسسات.
 
لماذا تتضاعف منشورات الكراهية رغم جهود السلطات الأمنية؟
تُستخدم منصات مثل “تيك توك”، و”إنستغرام”، و”يوتيوب” لتجنيد أعضاء جدد والحشد للتحرك، لا سيما التحرك ضد المظاهرات المناهضة لليمين المتطرف. أعلن المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية (BKA) في مايو 2025، أنه سُجِّلت (10732) جريمة تتعلق بما يُسمى منشورات الكراهية عام 2024، بزيادة قدرها حوالي (34%) مقارنة بعام 2023، وبالمقارنة بعام 2021، تضاعفت هذه الأعداد (4) مرات.
 
أفاد مكتب المدعي العام الاتحادي أن اليمين المتطرف يسعى إلى تقويض النظام الديمقراطي في ألمانيا من خلال مهاجمة مساكن طالبي اللجوء والمؤسسات اليسارية. حذّر “هولغر مونش” رئيس المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية، في مايو 2025 من أن السلطات تشهد بشكل متزايد تطرفًا بين الشباب ذوي الآراء اليمينية، حيث يُنظّم بعضهم لارتكاب جرائم خطيرة.
 
ما دور التطرف اليميني في تهديد النظام الديمقراطي والدستوري؟
خلص المكتب الاتحادي لحماية الدستور إلى أنه “لا يوجد أي اغتراب أساسي” بين حزب البديل من أجل ألمانيا ومنظمة الشباب. ومن المتوقع أن يستمر أعضاء الرابطة الألمانية في العمل لصالح حزب البديل لألمانيا في المستقبل، وبالتالي سيستمرون في تمثيل ونشر المواقف المتطرفة اليمينية المثبتة التي مثّلوها سابقًا كأعضاء في الرابطة الألمانية داخل حزب البديل لألمانيا ككل.
 
يركز مكتب حماية الدستور على الروابط الأيديولوجية، والشخصية، والمالية للحزب، ومسؤوليه، وممثليه المنتخبين مع منظمات متطرفة يمينية أخرى تم تأكيد تصنيفها بالفعل، والتي تم تأكيد تصنيفها من قبل المحاكم، والتي تعاونوا معها علنًا لسنوات. منها على سبيل المثال لا الحصر”حركة الهوية” (IB)، وجمعيتها التابعة “واحد في المائة”، و”معهد سياسة الدولة”.
تُعتبر “مملكة ألمانيا” أكبر جمعية لما يُسمى بمواطني الرايخ. تصف وزارة الداخلية المجموعة بأنها مجموعة خطيرة بشكل خاص داخل مشهد مواطني الرايخ، والتي واصلت تنفيذ أجندتها المناهضة للديمقراطية بشكل عدائي للغاية، وبقدرات كبيرة، هدفهم هو إقامة “دولة خيالية ملكية” خارج النظام القانوني الألماني.
 
تملك حركة “الشباب الألماني إلى الأمام” (DJV) فروع في عدة مدن، وتُعد نقطة تجمع لشباب يميل للعنف. كثير من أعضائها لا يرغبون بالانخراط في منظمات حزبية، فينضمون إلى هذه الحركة التي تُشبه في سلوكها مجموعات مشجعي كرة القدم المتعصبين. من بين مؤيديهم مشجعو أندية ألمانية.
 
لا تزال مجموعة “الدائرة الآرية” (Aryan Circle) نشطة في ألمانيا، يرفعها الشباب على أعلامهم ولافتاتهم خلال المظاهرات. انضمت “فرقة الشمال” (Division Nord) بقيادة “مارسيل ش”. إلى هذه الشبكة، وقاموا بتهديد نشطاء المناخ وغيرهم.
 
كانت منظمة الاشتراكيين الوطنيين الجدد (NSU) خلية إرهابية نازية جديدة، تتألف من “زشابي، وأوفي بونهاردت، وأوفي موندلوس”. دأبت المنظمة على ارتكاب “جرائم قتل” في جميع أنحاء ألمانيا لسنوات منذ عام 2000، دون أن يُكشف أمرها. كان من بين ضحاياها (9) من أصحاب الأعمال من أصول تركية ويونانية، بالإضافة إلى شرطية ألمانية.
 
كيف تسهم الشبكات العابرة للحدود في صعود اليمين المتطرف؟
يتمتع حزب البديل من أجل ألمانيا وغيره من الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا بعلاقات وثيقة، ولذلك فهم يُشكلون التهديد الأكبر للاتحاد الأوروبي. هذا التعاون والتواصل ليس في ألمانيا أو شرق ألمانيا فحسب، بل في جميع أنحاء أوروبا. يبدو أن استراتيجية شبكات اليمين المتطرف على المستوى الدولي والأوروبي تعمل مع بعضها البعض. فقد أُعيد انتخاب الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” في الولايات المتحدة بفضل تلك الروابط العابرة للحدود. وتواصل الأحزاب والجماعات الشعبوية اليمينية اكتساب الدعم في دول مثل فرنسا، والمملكة المتحدة، والنمسا.
 
تقول “كاترين فانجن” أستاذة علم الاجتماع بجامعة “أوسلو” في النرويج، والخبيرة في الشبكات العابرة للحدود الوطنية لليمين المتطرف: “إن القضايا السياسية الرئيسية التي توحد شبكات اليمين المتطرف هذه تشمل معارضة الهجرة، والقومية، والقيم الأسرية التقليدية، ومناهضة العولمة”. وأوضحت “فانجن”: “أن هذه الشبكات لا تسعى من أجل المزيد من النفوذ السياسي فحسب، بل أيضًا من أجل الهيمنة الثقافية. وهدفها النهائي هو إعادة تشكيل المشهد الأيديولوجي العالمي لصالح القومية والمحافظة الاجتماعية، ومعارضة الديمقراطية الليبرالية”.
 
2 ـ الأمن القومي ـ أزمة الثقة بالمؤسسات الأمنية الألمانية
شهدت ألمانيا خلال السنوات الأخيرة تزايد النقاشات حول سلوك بعض عناصر الأجهزة الأمنية، سواء الشرطة أو حتى بعض فروع الاستخبارات، في ظل اتهامات بارتكاب عنف مفرط أو تبنّي أفكار متطرفة. ورغم الصورة النمطية التي لطالما ارتبطت بالمهنية والانضباط في هذه المؤسسات، كشفت تقارير إعلامية وتحقيقات برلمانية عن وجود حالات فردية أو شبكات محدودة داخل الأجهزة تحمل ميولًا يمينية متطرفة، أو تتورط في استخدام القوة على نحو غير متناسب، خاصة ضد الأقليات أو المشاركين في احتجاجات.
 
تزايد معدلات التطرف في أجهزة الأمن الألمانية
أشار تقرير حكومي نشر في مايو 2025 هناك ما يقرب من 200 ضابط شرطة في الأجهزة الأمنية الألمانية مشتبه بهم رسميًا بالتطرف. ووفقًا للتقرير، يواجه ما لا يقل عن 193 ضابط شرطة حكوميًا إجراءات تأديبية أو تحقيقات للاشتباه في تبنيهم آراءً يمينية متطرفة أو أيديولوجية مؤامرة. وأضاف التقرير أن العدد الفعلي قد يكون أعلى من ذلك، إذ لم تتمكن ولايات شمال الراين – وستفاليا وبرلين وميكلنبورغ – فوربومرن من تقديم أرقام نهائية. وبينما أفادت كلٌّ من ولايتي شمال الراين – وستفاليا وبرلين بوجود حوالي 80 قضية تأديبية قيد المعالجة حاليًا، فقد صرّحتا بعدم قدرتهما على تصنيفها ضمن فئات سياسية مثل “اليمين” أو “اليسار”. وفقًا للبحث، فقد فُتح أو لا يزال يُجرى ما يزيد عن 571 إجراءً تأديبيًا أو تحقيقًا ضد ضباط شرطة في الولايات الاتحادية منذ عام 2020، للاشتباه في تبنيهم آراءً يمينية متطرفة أو أيديولوجية مؤامرة.
 
حددت السلطات الأمنية الفيدرالية وسلطات الولايات في يوليو 2024  أدلة على أنشطة يمينية متطرفة أو أنشطة أخرى منافية للدستور لدى 364 من موظفيها. وعلى مدار عام ونصف، حقق المكتب الفيدرالي في 739 قضية تتعلق بموظفي أجهزة أمنية، ظهرت فيها مؤشرات على مواقف وأنشطة يمينية متطرفة محتملة. وفي تقريره الحالي عن المتطرفين اليمينيين في أجهزة الأمن، وجد المكتب الفيدرالي لحماية الدستور أدلة فعلية على أنشطة منافية للنظام الأساسي الديمقراطي الحر في كل حالة ثانية تقريبًا (49%). ويغطي التقرير الفترة من 1 يوليو 2021 إلى 31 ديسمبر 2022، ويتناول السلطات الفيدرالية وسلطات الولايات.
 
وفقًا للمعلومات، كانت أكثر الانتهاكات المُكتشفة شيوعًا هي التصريحات المتطرفة على مواقع التواصل الاجتماعي أو المحادثات، والشتائم ذات الدوافع السياسية، والتواصل مع منظمات وأحزاب متطرفة أو الانضمام إليها أو دعمها. ولم تُرصد أعمال عنف إلا في حالات قليلة.  
 
التمييز والعنصرية في عمل الشرطة الألمانية
تكررت النقاشات في السنوات الأخيرة، حول دور العنصرية في عمل الشرطة الألمانية. وتشير دراسات عديدة إلى أن الشرطة في ألمانيا تراقب الأشخاص بناءً على خصائصهم الجسدية. وقد تناولت دراسة حديثة ممارسات الشرطة  العنصرية تجاه المواطنين الألمان. وقد صرح  مفوض الشرطة الاتحادية ، أولي غروش في يوليو 2025 ، أنه لا تزال هناك مخاطر التمييز في جميع مجالات عمل الشرطة. ويتضح ذلك من عدد من المذكرات التي وصلت إلى مفوض الشرطة العام الماضي 2024.
 
وقدمت مفوضية الشرطة الاتحادية أرقامًا ونتائج ملموسة في تقريرها السنوي 2025، مشيرةً أن في المتوسط، يتواصل شخص واحد مع مفوض الشرطة يوميًا، ويأتي ما يقارب ثلث هذه الحالات من ضباط الشرطة وثلثيها من المواطنين. ويشير التقرير إلى أن بلاغات المواطنين ركزت على “مزاعم التمييز العنصري عند المعابر الحدودية، وعند الدخول في المطارات، وفي محطات القطارات، والتي غالبًا ما تقترن باتهامات بالعنصرية، بالإضافة إلى مزاعم بالتمييز بسبب سلوك الشرطة غير المتناسب”.
 
يذكر التقرير أيضًا أن إفادات ضباط الشرطة غالبًا ما تتناول “شواغل شخصية” مثل الترقيات والتقييمات والمهام اللاحقة وسلوك الرؤساء. وتتعلق نقاط محورية أخرى في التقرير بالوضع وزيادة عبء العمل على الحدود الخارجية لألمانيا، بالإضافة إلى تزايد تعقيد الظواهر الإجرامية والمتطلبات المرتبطة بها على سلطات الشرطة.
 
أظهرت دراسة أجرتها جامعتا ترير وماينز في 2024، أن 18% من ضباط الشرطة الذين شملهم الاستطلاع يوافقون على التصريحات المعادية للمسلمين ، بينما لا يعارضها 26% بشدة. يرفض غالبية ضباط الشرطة الذين شملهم الاستطلاع (60%) إجراء فحص نقدي للعنصرية ، بينما يعارضها 29% آخرون جزئيًا.
 
كشفت دراسة أجرتها أكاديمية شرطة ساكسونيا السفلى في 2024، عن ممارسات روتينية في العمل الشرطي اليومي تؤدي إلى التمييز. لتقييم الخطر قبل أي عملية، تأخذ الشرطة، على سبيل المثال، في الاعتبار جنسية الأشخاص المعنيين. على سبيل المثال، يُعتبر الأشخاص الذين تعتبرهم الشرطة روسًا عرضة للعنف. ومن ثم، يميل الضباط إلى إظهار صرامة بناءً على أصولهم فقط.
 
عنف الشرطة الألمانية
بحلول بداية أغسطس  2025، قُتل 16 شخصًا برصاص الشرطة في ألمانيا. في حين قُتل 22 شخصًا على مستوى البلاد عام 2024 زهو أعلى رقم منذ أكثر من أربعة عقود. ومع ذلك، بالمقارنة مع الولايات المتحدة، تُعتبر هذه الأرقام منخفضة نسبيًا، حيث يموت حوالي 1000 شخص كل عام نتيجة عنف الشرطة.
 
يحق للشرطة استخدام القوة في حالات معينة. ومع ذلك، فإن صلاحية استخدام القوة تُعدّ أيضًا صلاحية استثنائية. تُعطى الأولوية دائمًا لتدابير أخرى، مثل التواصل وتهدئة الموقف. ولا يُسمح لضباط الشرطة باستخدام القوة إلا عندما يتعذر تطبيق تدابير الشرطة بوسائل أخرى، وفقط طالما كانت متناسبة.  إذا تجاوزت الشرطة الحدود التي ينص عليها القانون، فإن ذلك يُعدّ استخدامًا غير قانوني للقوة. ووفقًا لدراسة عام 2023  فإن عنف الشرطة يحدث بشكل رئيسي في الفعاليات الكبرى كالمظاهرات أو مباريات كرة القدم. وتنطوي 20٪ من الحالات على عمليات خارج نطاق الفعاليات الكبرى، كحالات النزاع أو التحقق من الهوية. ووفقًا للدراسة، فإن الشباب هم الأكثر تعرضًا لعنف الشرطة.
 
انتقد مفوض حقوق الإنسان في مجلس أوروبا، مايكل أوفلاهيرتي، في يونيو 2025 ، بشدة تصرفات السلطات الألمانية خلال المظاهرات المناهضة لحرب غزة. وفي رسالة إلى وزير الداخلية ألكسندر دوبريندت انتقد القيود المفروضة على حرية التجمع وحرية التعبير خلال المظاهرات. يستند أوفلاهيرتي في مداخلته إلى تقارير عن ملاحقة بعض الشعارات المؤيدة للفلسطينيين، واستخدام الشرطة “للقوة المفرطة” ضد المتظاهرين، مما أدى إلى إصابات. وأشار أن المشاركين تعرضوا لمراقبة إلكترونية وجسدية مفرطة، بالإضافة إلى عمليات تفتيش تعسفية من قبل الشرطة. ودعا أوفلاهيرتي الحكومة الألمانية إلى الامتناع عن أي إجراءات تمييزية ضد الأشخاص بناءً على آرائهم السياسية أو دينهم أو جنسيتهم أو وضعهم كمهاجرين.
 
المساءلة والشفافية
توصلت دراسة أجرتها جامعة بوخوم في يوليو 2025، أن عنف الشرطة غير القانوني أكثر شيوعًا في ألمانيا مما كان يُعتقد سابقًا. ووفقًا للدراسة، يُزعم وقوع ما لا يقل عن 12 ألف اعتداء غير قانوني من قِبل ضباط الشرطة سنويًا، أي خمسة أضعاف ما هو مُبلغ عنه.
 
حتى الآن، كان من المعروف أن هناك ما لا يقل عن 2000 اعتداء غير قانوني مزعوم من قِبَل ضباط شرطة في ألمانيا سنويًا، وهي حالات قيد التحقيق من قِبَل النيابة العامة. ونادرًا ما تُحال هذه الحالات إلى المحاكم. ووفقًا للبروفيسور توبياس سينجلنشتاين، عالم الجريمة ، فإن أقل من 2% من الحالات تُحال إلى المحاكم، وأقل من 1% منها تُسفر عن إدانة. وغالبًا ما يكون رأي المواطن مخالفًا لرأي الضباط.   يقول سينغلنشتاين إن انخفاض معدل البراءة يعود بالأساس إلى عدم رغبة المدعين العامين في توتر علاقتهم بالشرطة. علاوة على ذلك، هناك افتراض سائد لدى المدعين العامين بأن تهم الاعتداء أثناء العمل لا أساس لها من الصحة عمومًا، مما يؤدي إلى ندرة توجيه التهم.
 
أشارت دراسة مفصلة أجراها باحثون في جامعة جوته فرانكفورت  في مايو 2023 أن “الغالبية العظمى من حالات استخدام القوة المفرطة من قبل ضباط الشرطة لا تُسفر عن عواقب جنائية”. وقد لوحظ انخفاض في استعداد الإبلاغ بين المشاركين بالاستطلاع،  نتيجةً لذلك، لا تزال نسبة كبيرة من الحالات المشتبه فيها باستخدام الشرطة للقوة بشكل غير قانوني دون إبلاغ. وأفاد 14% فقط من المشاركين في الاستطلاع بوقوع إجراءات جنائية في قضاياهم”. ولكن حتى في حال توجيه اتهامات، تُسقط النيابة العامة أكثر من 90% من القضايا.
في عام 2023، أُغلق أكثر من 4500 تحقيق ضد ضباط شرطة في ألمانيا. ومع ذلك، نادرًا ما أسفرت هذه التحقيقات عن إجراءات جنائية أو حتى إدانات. على سبيل المثال، في العام نفسه، لم تُنجز سوى 80 دعوى جنائية ضد ضباط شرطة في المحاكم الجزئية . ولا تكشف الإحصاءات الرسمية عن عدد مرات صدور أحكام الإدانة في هذه القضايا. علاوة على ذلك، لم يتضمن سوى عدد قليل من هذه الدعاوى جرائم قتل.
 
ثقة الألمان بأجهزتهم الأمنية
رغم تجاوزات العنف والعنصرية والنزعات اليمينية المتطرفة، يتمتع معظم الألمان بثقة عالية بشرطتهم. كشف استطلاع للرأي أجراه معهد أبحاث السوق والرأي “فورسا” ونشر في يناير 2025، أن   الألمان يثقون بمؤسساتهم الأمنية بشكل متزايد ، بنسبة بلغت  81% من الألمان يثقون بالشرطة ثقةً كبيرة، وهو نفس المستوى الذي سُجِّل العام الماضي. فيما تكشف النتائج التفصيلية أن الثقة في مؤسسات الدولة أقل بكثير في شرق ألمانيا: إذ تبلغ نسبة الثقة بالشرطة 73%، أي أقل بعشر نقاط مئوية عن غرب ألمانيا. يقول مفوض الشرطة الاتحادية، أولي غروش ، في مقابلة تلفزيونية برلمانية، إن العلاقة بين المواطنين والشرطة أوثق من أي دولة أخرى تقريبًا.
 
بالمقابل، أظهر استطلاع  نشر في مايو 2025، أن  57% من المواطنين يثقون بجهاز الاستخبارات الألماني بينما 34% عبروا عن عدم أو قلة الثقة. كما أعرب 54%عن ثقتهم في تقييم الجهاز للأحزاب المتطرفة مثل حزب البديل الألماني “AfD” حين تم تصنيفها كـ”يمينية متطرفة” قبل تجميد هذا التصنيف مؤقتاً . رغم ذلك، سبق وأن أظهرت بيانات قديمة لصيف عام 2024 من أن غالبية الألمان ، ما يقارب قارب 48%  يرون احتمال أن جهاز الاستخبارات يُستغل لأهداف سياسية، في حين يرى 31% أن هذا الاحتمال غير وارد. 
 
3 ـ أمن قومي ـ إعادة بناء استراتيجية ألمانيا لمواجهة اليمين المتطرف
لطالما شكل اليمين المتطرف تهديداً خطيراً على الأمن القومي لدول أوروبا، إلا أن الثلاث سنوات الأخيرة تصاعد فيها نفوذ اليمين المتطرف بصورة غير مسبوقة، وكانت ألمانيا في مقدمة الدول الأوروبية التي تواجه هذا الخطر بشكل متسارع، خاصة وأن استطلاعات الرأي كشفت عن تزايد شعبية أحزاب اليمين المتطرف مقارنة بباقي الأحزاب التقليدية، ما انعكس على نتائج الانتخابات المحلية والتشريعية، ويعقد المشهد السياسي بألمانيا، ويؤكد على أن اليمين المتطرف بات ضمن المعادلة الانتخابية ومؤثراً في سياسات الحكومة الألمانية الحالية.
 
مراجعة العقيدة الأمنية لمواجهة التهديدات الداخلية
قدمت حكومة أولاف شولتس في 14 يونيو 2023، أول استراتيجية للأمن القومي بتاريخ ألمانيا، بعد الحرب العالمية الثانية، لمواجهة التهديدات الأمنية والسياسية، إضافة إلى العسكرية والسيبرانية، وركزت الاستراتيجية على التعاون بين المستويات الحكومية والقطاع الاقتصادي والمجتمع، ودارت نقاشات بالأوساط السياسية حول إعادة تشكيل مجلس الأمن القومي، وطبيعة الصلاحيات الممنوحة له.
 
وتزامن مع إعلان الاستراتيجية، تحذيرات من المكتب الاتحادي لحماية الدستور، بشأن ارتفاع مستوي التهديد من التطرف الإسلاموي عقب حرب غزة في 7 أكتوبر 2023، وأصدرت السلطات الألمانية مذكرة توقيف بحق (453) شخصاً، ووجهت اتهامات بالإرهاب إلى (226) منهم. وكرد فعل طبيعي على تصاعد التطرف الإسلاموي، زادت جرائم اليمين المتطرف، وأصدرت الحكومة الألمانية تقريراً، عن ارتفاع الجرائم المرتبطة بالعنف اليميني في 2024، وأشارت الاستخبارات الداخلية خلال 2024 و2025، إلى أن اليمين المتطرف يشكل خطراً جوهرياً على ديمقراطية ألمانيا.
 
وقال المكتب الاتحادي لحماية الدستور “BfV” في 13 مايو 2024، إن حزب “البديل من أجل ألمانيا” الشعبوي اليميني المتطرف مخالف للدستور، ورغم هذا الموقف، فإن المكتب الاتحادي لا يملك أي سلطة تنفيذية، ولكنه يجمع ويقيم المعلومات المتعلقة بالحركات والأفراد المناهضين للديمقراطية، ويحيلها لوزارة الداخلية، ويمكن للحكومة تفعيل إجراءات الشرطة أو حظر الأحزاب السياسية، وهي خطوة تتطلب تصويت البرلمان عليها.
 
وسجلت ألمانيا في 2024، زيادة عدد المتطرفين اليمينيين بنسبة (23%)، وفقاً لتحذيرات الاستخبارات الداخلية، ليصل إجمالي المتطرفين اليمينيين إلى (50) ألف و(250) شخص، يصنف منهم (15) ألف و300 شخص كمتطرفين عنيفين، وارتفعت الجرائم بدوافع يمينية متطرفة في 2024، بزيادة قدرها (47.4%) عن عام 2023، ووقع ما يقرب من (38) ألف حادث. وصنفت الاستخبارات الداخلية في 2 مايو 2025، حزب “البديل من أجل ألمانيا” كقوة متطرفة يمينية مؤكدة، ورغم أن تقرير الاستخبارات أشار إلى أن حركة “مواطني الرايخ” والمتطرفين اليمنيين زادت نفوذهم، فإن مسألة حظر حزب البديل من أجل ألمانيا ليست بالمهمة السهلة، ودار نزاع قانوني بين المكتب الاتحادي لحماية الدستور والحزب، بعد اتخاذ الأخير إجراءات قانونية ضد تصنيفه كقوة متطرفة، وأكد وزير الداخلية الاتحادي ألكسندر دوبريندت، أن ما تضمنه تقرير الاستخبارات لا يكفي لإجراءات حظر الحزب.
 
وفي الوقت نفسه ركز تقرير الاستخبارات على زيادة التطرف الإسلاموي لتصاعد حدة النزاعات في الشرق الأوسط، وارتفاع ما يسمى بالجماعات الإسلاموية المحتملة بنحو (4%)، وأوضح أن أعمال العنف ذات الخلفية المعادية للسامية تزايدت بشكل حاد.
 
إن تقارير الاستخبارات تعني ضرورة ضبط توازن تقييم التهديدات المحتملة من اليمين المتطرف، عبر تمويل وحدات التحقيق والمتابعة وتحليل ربع سنوي لعدد الحوادث الإرهابية، وتوضيح أسباب العنف وقدرات الوصول لأسلحة وشبكات التمويل.
 
ونظراً لأن اليمين المتطرف بألمانيا ظهر مرتبطاً بهجمات مسلحة وعنف جماعي، فيتطلب مراجعة قوانين تراخيص السلاح، وتنصح تقارير وزارة الداخلية الاتحادية بالمزج بين البرامج الوقائية بتشديد الرقابة على تمدد اليمين المتطرف في المدارس والجامعات، وفرض أدوات رقابة على الشبكات المنظمة لليمين عبر الإنترنت، ومكافحة الدعاية الإلكترونية المتطرفة.
ويتطلب تباين نفوذ اليمين المتطرف بالولايات، تقوية التعاون الفيدرالي لتبادل المعلومات بين الاستخبارات والشرطة المحلية والبلديات، والحد من تسلل الأيديولوجية اليمينية المتطرفة بالمؤسسات والأحزاب السياسية.
 
الإصلاح المؤسسي لأجهزة الأمن الألماني
يتمتع جهاز الاستخبارات الداخلية بسلطة مراقبة أعضاء المنظمات المشتبه بها، ومع ذلك يمكن الطعن في تصنيف هذه المنظمات أمام المحاكم، النقطة التي استغلها حزب البديل من أجل ألمانيا ضد قرارات الاستخبارات الداخلية، واعتبرها إجراءات ذات دوافع سياسية، إلا أن محكمة كولونيا الإدارية قضت بحق الاستخبارات في تصنيف الحزب كقوة متطرفة في 2021. واتخذت أحزاب أخرى إجراءات ضد مراقبة الاستخبارات الداخلية في 2023، بالاستناد على أن المراقبة تدخل غير قانوني، وحددت المحكمة العليا بألمانيا الشروط التي يجوز بموجبها مراقبة أعضاء البرلمان، وتتعلق بأن عضو البرلمان يسئ استخدام صلاحياته لمحاربة النظام الديمقراطي. وفي 2019 عارض نواب تقييم دستورية الأحزاب من قبل الاستخبارات المحلية.
 
ولم تكن الأجهزة الأمنية بعيدة عن نفوذ اليمين، وأشارت تقديرات في مايو 2022، إلى أكثر من (327) حالة مثبتة للتطرف اليميني بين الجنود وضباط الشرطة والمخابرات في الفترة ما بين (يوليو 2019- يونيو 2021)، ما ينذر بمخاطر تسريب معلومات أمنية حساسة والكشف عن خطط مراقبة المنظمات اليمينية، وأبلغ الجيش الألماني في يوليو 2020، عن فقدان (62) كيلوغراماً من المتفجرات، و(60) ألف طلقة من الذخيرة، و(48) ألف طلقة أخرى من وحدات القوات الخاصة.
 
وفي السياق نفسه سلطت عملية تفكيك الخلية اليمينية بألمانيا في 7 ديسمبر 2022، الضوء على تغلغل اليمين لصفوف المؤسسات العسكرية والأمنية، خاصة وأن عدداً كبيراً من الخلية كانوا بالجيش الألماني.
 
وخلال 2025، أعرب مفوض الشرطة الاتحادية أولي غروتش، عن معارضته لانتماء الشرطة لحزب البديل من أجل ألمانيا، لعدم توافقه مع أداء مهام الخدمة بجهاز الأمن، وطالب نواب بالبرلمان بفصل الضباط الذين يظهرون التزاماً بالحزب من الخدمة، لتصنيفه كقوة يمينية متطرفة.
 
تطوير التشريعات والمساءلة البرلمانية
تتولى لجنة برلمانية رقابة أجهزة الاستخبارات الاتحادية، ويرشح كل حزب ممثل في البوندستاغ للجنة، ويجب أن يوافق البرلمان بأكمله عليهم، ومنذ عامين لم يحصل مرشحو حزب البديل من أجل ألمانيا على موافقة باقي الأحزاب الأخرى. لتصنيفه كقوة متطرفة، واعتبار منظمة الشباب التابعة له في ولايات “ساكسونيا وتورينجن وساكسونيا أنهالت” منظمة متطرفة، ما دفع الأحزاب لرفض إشرافه على عمل الاستخبارات الداخلية.
 
وواجه حزب البديل من أجل ألمانيا في 2025، دعوات متزايدة لحصره بدعوى سعيه لتقويض الديمقراطية، وقد يلجأ البرلمان لقرار الاستخبارات الداخلية، لتبرير خفض أو منع تمويل الحزب، ولكن المستشار الألماني المنتهية ولايته أولاف شولتس، حذر من التسرع لحظر الحزب، وأن تأتي الخطوة بنتيجة عكسية وتعزز صورته كضحية أمام الألمان.
 
ووفقاً للنظام السياسي بألمانيا يصبح الطريق القانوني، لحظر حزب البديل من أجل ألمانيا طويلاً، حيث يقوم النظام السياسي على الديمقراطية المتشددة، ما يعني ديمقراطية قادرة على الدفاع عن نفسها، ضد التهديدات الداخلية، بما في ذلك حظر الأحزاب.
 
وفي الوقت نفسه، يتعين على المحكمة الدستورية الألمانية، استيفاء معيارين لتشكيل أساس قانوني للحظر، الأول، يجب أن يعمل الحزب ضد النظام الديمقراطي ويظهر موقفاً عدائياً نشطاً، والثاني، يجب أن تكون شعبيته تهدد الديمقراطية. ويقول أستاذ القانون الدستوري بجامعة لوفانا “تيل هولترهوس”، إن الانتشار الواسع لحزب البديل من أجل ألمانيا يعزز حظره وفقاً لهذه المعايير.
 
وينقسم السياسيون الألمان حول مسألة حظر الأحزاب اليمينية، ويرى المؤيدون للخطوة ضرورة تحديث قانون الأحزاب والإجراءات القضائية، لوضع مسارات واضحة لحظر حزب عند توافر معايير التهديد للديمقراطية، وضمان رقابة دستورية صارمة على تمويل الأحزاب وتحديث القوانين الجنائية المرتبطة بالتحريض على العنف. وتمكين لجنة الرقابة البرلمانية من الحصول على تقارير استخباراتية ملخصة، حول الرقابة المحتملة وآليات حماية المعلومات، وإنشاء لجان تحقيق برلمانية سريعة الاستجابة، في حال وجود إخفاقات أمنية.
 
ويرى المتحفظون على الخطوة، أهمية تفعيل التعاون بين البرلمان والحكومة لرفع طلبات الحظر حين تتوفر معايير قانونية، ومراعاة متطلبات المحكمة الدستورية، وتنظيم جلسات استماع عامة منتظمة لخبراء من المجتمع المدني وباحثين وصحفيين لوضع أدلة واضحة للحظر، مع تدشين البرلمان حملة توعية ضد التطرف بالمدارس والجامعات. 
 
دور المجتمع المدني والإعلام للتصدي للتهديدات الداخلية
تتبع صحف ومؤسسات إعلامية مثل “ZDF، ARD، CORRECTIV” خطط التحقق واستقصاءات عميقة، للكشف عن شبكات التضليل، والادعاءات الكاذبة من قبل اليمين المتطرف، ما يقلل من قدرة رسائل الكراهية على البقاء دون تدقيق، وتعمل على التحري الصحفي والقصص الاستقصائية، بتحقيقات طويلة المدى تكشف الروابط بين مجموعات على الإنترنت، ومناصري أحزاب يمينية متطرفة وممولين لهذه المواد، وتستخدم هذه المواد لاحقاً من قبل السلطات ومنظمات المجتمع المدني لتتبع المسؤولين وملاحقتهم أمنياً وقضائياً.
 
وتزود مؤسسات مثل “Amadeu-Antonio-Stiftung” الصحف ببيانات رصد، وأدلة على التحريض، ومنهجيات مواجهة عبر تدريبات للصحفيين، لتعزز من فرص مواجهة الخطاب اليميني المتطرف. وتسفيد وسائل الإعلام من قانون إنفاذ الشبكات “NetzDG”، للإبلاغ عن المحتوى المتطرف، ومراقبة تقارير الشفافية للمنصات والكشف عن حالات عدم الامتثال.
ويراعي مجلس الصحافة والمؤسسات المهنية، تطبيق معايير أخلاقية وتوجيهات لمواجهة الدعاية المتطرفة عبر المنصات، ويحرص على تدريب الصحفيين للتعامل مع المحتوى المتطرف، بقواعد نشر أسماء المتهمين، وإجراءات السلامة الشخصية، في حال تعرض الصحفيون لتهديدات من متطرفين.
 
التعاون الأوروبي لمواجهة التهديدات اليمينية العابرة للحدود
يركز اليوروبول على جمع وتحليل المعلومات الاستخباراتية عن الظواهر العابرة للحدود، مثل تقارير سنوية “EU TE-SAT” لتوثيق اتجاهات الإرهاب، بما فيها اليمين المتطرف، ويدير منصات “European Counter Terrorism Centre — ECTC” لدعم تحقيقات الشرطة الوطنية، وربط قواعد البيانات وتبادل الأدلة الرقمية ودعم العمليات المشتركة، وتنسيق مشاريع عمل عبر “EMPACT” وهو جهد أمني متعدد التخصصات لمواجهات التهديدات الأمنية عبر الحدود.
 
بينما تعمل المؤسسات الأوروبية مثل “المفوضية والمجلس والبرلمان”، على وضع الإطار التشريعي والسياسي كقوانين وتنظيمات رقمية، للحد من خطاب الكراهية وإزالة المحتوى المتطرف عبر المنصات الإلكترونية، وتمول برامج الوقاية وبناء القدرات، وتسمح بتبادل الخبرات بين الدول للوقاية من تمدد اليمين المتطرف بالسجون والمدارس والبلديات. وتدعم التعاون القضائي بين الدول، بملاحقة شبكات التمويل العابرة للحدود.
 
ويعد التعاون الأوروبي في مواجهة اليمين بالغ الأهمية، لانتشار الخطاب اليميني عبر الإنترنت، ما يسهل عملية نقل الأسلحة والأموال وتبادل المعلومات بين الجماعات المتطرفة، ويؤكد على دور اليوروبول والاتحاد الأوروبي كقوة ضاغطة للتعاون والتحليل المشترك، لتفكيك الشبكات المتطرفة.
 
وفي الإطار نفسه، قدمت فرنسا نموذجاً في التعامل مع جماعات اليمين المتطرف، بالحظر وتحريك أدوات رقابية لمواجهة شبكات يمينية، وتبنت هولندا نهجاً متكاملاً، للوقاية المحلية والتنسيق المبكر بين أجهزة الاستخبارات والشرطة والبلديات وبرامج الإدماج، وطورت أدوات لرصد التعبير الرقمي والاتجاهات الثقافية عبر الإنترنت.
 
ويمكن لألمانيا الاستفادة من النموذج الفرنسي، في مواجهة التطرف اليميني، مع مراعاة التحديات الدستورية والقانونية، ما يتطلب مراجعة القوانين بشكل يحفظ النظام الديمقراطي والحريات، ويمنح النموذج الهولندي ألمانيا، فرصة لاتخاذ تدابير استباقية لمنع تغلغل اليمين المتطرف بمؤسسات الدولة.
 
سيناريوهات مستقبلية: التصعيد أم الاحتواء؟
تحمل نتائج انتخابات 2025 مؤشراً على زيادة النفوذ السياسي للأحزاب اليمينية بألمانيا، ما يزيد المخاوف من التحولات المستقبلية بشأن ملفات الهجرة والدفاع، في ظل التغيرات بسياسة واشنطن تجاه حلف الناتو، واتباع اليمين سياسة الانعزالية، ما يؤثر على قدرة الاتحاد الأوروبي في تبني سياسة الدفاع المشتركة، ويعرض دول وسط وشرق أوروبا لضغوطاً خارجية، ويقوض جهود دول مثل بولندا في الحفاظ على قوة ردع قوية ضد روسيا، ما يضعف الاتحاد الأوروبي وتحالف الناتو أمام التهديدات الأمنية.
 
وتربط أحزاب اليمين الأزمات الاقتصادية بالهجرة، ما يعني تبني ألمانيا سياسات متشددة بشأن الهجرة على مستوى الاتحاد الأوروبي، ويزيد من الانقسام داخل التكتل حول تقاسم أعباء المهاجرين، ويعرقل العمل الجماعي بالاتحاد ويؤجج المشاعر المعادية لأوروبا، ويطرح فكرة انسحاب ألمانيا من التكتل الأوروبي.
 
إن تبعات صعود اليمين المتطرف بألمانيا، يطرح إمكانية تكرار سيناريو اقتحام “الكابيتول” الأميركي، في ضوء حمل الجماعات اليمينية سلاحاً، حيث وقعت اقتحامات رمزية لمبنى البوندستاغ في 2020، بخروج مظاهرات أمام المبنى ومحاولة تخطي الحواجز، وتمكنت الشرطة من تفريق المتظاهرين واعتقال المئات. وعقب اقتحام الكابيتول، طورت ألمانيا من خططها الأمنية وسياساتها الوقائية لحماية المؤسسات الحكومية، ورصدت تهديدات يمينية متطرفة، خططت لأعمال عنف ومحاولات انقلاب.
 
وفي 7 أغسطس 2025، أعلنت السلطات الألمانية إلقاء القبض على (3) رجال في بافاريا، لصلتهم بجماعة “مواطني الرايخ”، المتهمة بالتخطيط للإطاحة بالنظام السياسي الحالي، وربطت السلطات بين هذا المخطط، وسلسلة المداهمات الأمنية في 7 ديسمبر 2022، التي كشفت عن خطة لاقتحام البوندستاغ واعتقال المستشار الألماني.
 
تقييم وقراءة مستقبلية
ـ  يشهد حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) تناميًا مستمرًا في المشهد السياسي الألماني، مدفوعًا بعدة عوامل مترابطة، وأصبح هذا الاتجاه السائد في جميع مدن ومناطق ألمانيا، وخاصة في شرقها.
ـ تعزز الجماعات اليمينية المتطرفة من نفوذها في ألمانيا مما يُمكّنها من الوصول إلى الموارد والأدوات المؤثرة في الرأي العام الألماني.
ـ بات متوقعًا استمرار تقدم الحزب يبدو مرهونًا بعدة معطيات، أولها، تزايد القبول المجتمعي للخطاب اليميني المتطرف، ونجاحه في التجذر داخل المجتمعات المحلية، لا سيما في الولايات الشرقية،
ـ من المرجع أن تشدد السلطات الألمانية من مراقبة منصات التواصل الاجتماعي للحد من تجنيد الشباب ونشر الدعاية، مما يساهم في تقويض حضوره تلك الجماعات بين الأجيال الجديدة.
ـ من المحتمل أن يُواجه حزب البديل من أجل ألمانيا حظرًا أو عزلة سياسية، ما سيُقيّده على المدى الطويل. كذلك، فإن وعي المجتمع المدني وتزايد ردود الفعل المناهضة لليمين المتطرف يمكن أن يشكلا عائقًا أمام استمرارية الصعود.
ـ  تكشف التقارير والبيانات الإحصائية عن تنامي التطرف والعنف داخل الأجهزة الأمنية الألمانية، حيث تتعايش مؤشرات قوية على اختراقات فكرية يمينية متطرفة، وممارسات عنصرية وعنف مفرط. الأرقام المتعلقة بعدد الضباط المشتبه في تبنيهم أفكارًا متطرفة أو تورطهم في ممارسات عنصرية وعنيفة تعكس مشكلة هيكلية تتجاوز كونها حوادث فردية، خاصة أن التحقيقات والتقارير المستقلة تؤكد محدودية المساءلة وندرة الإدانة في قضايا الانتهاكات.
ـ  رغم تأكيد الحكومة الألمانية على أن حالات التجاوز في الشرطة الألمانية لا تمثل الغالبية، فإن تكرارها يثير تساؤلات جدية حول آليات الرقابة الداخلية، ومدى فاعلية البرامج الإصلاحية الرامية إلى ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وسيادة القانون داخل المؤسسات الأمنية.
ـ بالمقابل، تشير استطلاعات الرأي إلى  معدلات مرتفعة من الثقة الشعبية بهذه الأجهزة، خصوصًا الشرطة، اللافت أن ارتفاع الثقة الشعبية بالشرطة، بالرغم من هذه التقارير، يشير إلى فجوة إدراكية بين الرأي العام والحقائق التي تكشفها التحقيقات، وربما إلى اعتماد المواطنين على الشرطة كمؤسسة ضامنة للأمن في حياتهم اليومية، مما يقلل من تأثير الانتقادات على صورتها العامة. أما الاستخبارات، فثقتها أضعف نسبيًا وأكثر تأثرًا بالخلفيات السياسية، مع مخاوف من توظيفها لأغراض حزبية.
ـ من المرجح أن يستمر الضغط الداخلي والخارجي على ألمانيا لتعزيز آليات الرقابة والمساءلة على الأجهزة الأمنية، خاصة مع تزايد الاهتمام الأوروبي والدولي بملفات العنصرية والتطرف داخل مؤسسات الدولة. مستقبل هذه الأزمة سيتوقف على عدة عوامل:
• الإصلاح المؤسسي: تطبيق برامج تدريبية إلزامية لمكافحة التطرف والعنصرية، وربط الترقيات بمدى الالتزام بقيم الدستور وحقوق الإنسان.
• تعزيز الشفافية: نشر بيانات دورية حول التحقيقات والانتهاكات، مع توضيح نتائج القضايا للرأي العام.
• الاستجابة للضغط السياسي والمجتمعي: قد تؤدي فضائح مستقبلية أو احتجاجات واسعة إلى دفع الحكومة نحو إصلاحات أعمق، أو إنشاء هيئات رقابة مستقلة أكثر قوة.
• الفجوة بين الثقة والانتهاكات: إذا لم تُعالج الانتهاكات بشكل جدي، فقد تبدأ الثقة المرتفعة، خاصة بالشرطة، في التآكل على المدى المتوسط، خصوصًا في المناطق والشرائح التي تشعر بأنها مستهدفة أو غير محمية.
–  ألمانيا أمام تحدٍ مزدوج: الحفاظ على ثقة مواطنيها بأجهزتها الأمنية، وفي الوقت نفسه ضمان أن هذه الأجهزة لا تنزلق إلى ممارسات تتعارض مع النظام الديمقراطي وقيم الدولة التي يُفترض بها حمايتها.
ـ  لا تستطيع السلطات الألمانية إغفال خطر اليمين المتطرف، بعد صعوده على المستويين السياسي والشعبي، بل أصبحت مواجهته أولوية لدى الأمن والاستخبارات، ولكن يجب مراعاة نقطتين: النقطة الأولى؛ أن التطرف الإسلاموي لايزال قائماً ويتطلب مراقبة ورصد، النقطة الثانية؛ أن مواجهة التطرف اليميني يحتاج لتوسيع صلاحيات الاستخبارات الداخلية، ووضع خطط استباقية للتنبيه المبكر لهذا الخطر، بالتعاون بين البلديات والشرطة والاستخبارات عبر الولايات، لاتخاذ خطوات رقابية وحظر مقننة دون المساس بحرية الرأي والنظام الديمقراطي وعمل الأحزاب بألمانيا.
ـ  تسببت حرب غزة في انشغال الأجهزة الأمنية بنشاط الجماعات الإسلاموية، خاصة مع وقوع حوادث ذات دوافع إسلاموية متطرفة، وتتخوف ألمانيا من تصاعد الخطاب المعادي للسامية نظراً للاعتبارات التاريخية مع إسرائيل، ما منح اليمين المتطرف فرصة للنشاط بقوة داخل المجتمع، وللترويج لأفكاره المتطرفة التي تربط بين زيادة الحوادث الإرهابية والهجرة، الأمر الذي وضع السلطات الأمنية في مأزق للتعامل مع تداعيات حرب غزة، ولتحجيم النفوذ اليميني المتطرف.
ـ  إن تطبيق آلية إدارة المخاطر بمرونة واتزان، يضمن توفير موارد للتصدي للتهديدات الأمنية، ويمنح البوندستاغ صلاحيات أوسع لرقابة الاستخبارات ولمنع وقوع أي تجاوزت تمس الديمقراطية وعمل الأحزاب، وتمكن هذه الألية من حظر الأحزاب في حال إثبات خطورتها على الأمن القومي الألماني، خاصة وأن البرلمان بات يضم أعضاء من الأحزاب اليمينية، ما يعد عائقاً أمام أي تمرير أي قانون يحظر هذه الأحزاب.
ـ  ينبغي توظيف وسائل الإعلام، كشريك رقابي مهم وليس كمنفذ للرقابة، لوضع أطر تنظيمية لحماية الحريات والوقاية المجتمعية، وطرح برامج متقدمة لرصد المحتوى الرقمي، والتأكد من المعلومات عبر التحقيقات الصحفية وخدمة التحقق من الأخبار.
ـ  يمكن أن تعتمد ألمانيا على سياسات الاتحاد الأوروبي، لمواجهة اليمين المتطرف، كنوع من مواجهة تحديات حظر أنشطة الأحزاب اليمينية، ومنعاً لتداخل أدوار المؤسسات الأمنية والاستخباراتية والإعلامية في المهمة، وينبغي تفعيل سياسة الإنذار المبكر بخطر تمدد اليمين المتطرف بمؤسسات الدولة مثل هولندا، لاسيما وأن اليمين اخترق المؤسسات الأمنية والحكومية بشكل كبير السنوات الماضية.
ـ  بالنظر إلى حادث اقتحام الكابيتول الأميركي نجد صعوبة في تكراره بألمانيا، نظراً لوجود قوانين صارمة لحمل السلاح، وتنسيق فيدرالي بين الشرطة والاستخبارات، وآليات لرصد أي مخطط قبل حدوثه، ولعدم وجود ظرف سياسي مثل نتائج الانتخابات الأميركية 2020، يسمح بحشد أعداد كبيرة للتظاهر، وفي الوقت نفسه يجب الانتباه إلى زيادة التجنيد عبر منصات مغلقة يصعب تتبعها، وخطر وجود خلايا صغيرة ذات خبرة عسكرية بحركة “مواطني الرايخ”، ما يشير لاحتمالية شن هجمات مسلحة.
ـ  لا شك إن مواجهة اليمين المتطرف يحتاج لسنوات، وأن الأعوام المقبلة تحمل تحديات جسيمة لألمانيا، لتأثير هذا التيار على قرارات الحكومة، في ملفات الأمن والهجرة والاقتصاد والبيئة، ما يضع العلاقات الألمانية الأوروبية من ناحية، والألمانية والأطلسية من ناحية أخرى على المحك، ويهدد تماسك الاتحاد الأوروبي، في ظل صعود نفس التيار في عدة دول بالاتحاد.