• اخر تحديث : 2025-09-28 21:00
news-details
تقارير

لا بدّ من تدابير عقابية إزاء المحتل كي لا يظل الاعتراف بفلسطين رمزياً


يجمع الباحثون على أهمية الاعترافات الدولية الأخيرة بالدولة الفلسطينية، التي شملت ثلاثة أعضاء ضمن مجموعة الدول السبع الكبرى، هي فرنسا والمملكة المتحدة وكندا، وجعلت أربع دول دائمة العضوية في مجلس الأمن، هي روسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة، تعترف بهذه الدولة. لكنهم يتساءلون عما إذا كانت هذه الاعترافات يمكنها أن تغيّر شيئاً على أرض الواقع، أو أنها لا تنطوي على أكثر من  دلالة رمزية، وخصوصاً في ظل الرفض الحازم، الإسرائيلي والأميركي، لقيام دولة فلسطينية مستقلة.
 
الرفض الإسرائيلي والأميركي للاعتراف بالدولة الفلسطينية
توحدت في إسرائيل مختلف الأطياف السياسية الصهيونية على رفض إعلانات الاعتراف بالدولة الفلسطينية الأخيرة، إذ وصف زعيم المعارضة يائير لبيد هذا الاعتراف بأنه "إجراء ضار، ومكافأة للإرهاب"، بينما وصفه يائير غولان، زعيم حزب "الديمقراطيون"، بأنه "مدمر" و"ضار للغاية" بإسرائيل، وصرّح رئيس الدولة إسحاق هرتسوغ: "هذه المبادرة لن تساعد فلسطينياً واحداً، ولن تُفرج عن رهينة واحدة، ولن تساعدنا على التوصل إلى اتفاق بين الإسرائيليين والفلسطينيين؛ لن يكون تأثيرها سوى تشجيع قوى الظلام؛ إنه يوم حزين لمن يسعون إلى السلام الحقيقي". وكان بنيامين نتنياهو قد وعد بالردّ على هذه الاعترافات بعد لقائه دونالد ترامب في الأسبوع المقبل في واشنطن، وذلك بعد أن كان قد جدد تأكيده على أنه لن يكون هناك دولة فلسطينية، وهدد بتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، بينما دعا الوزيران إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، إلى ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة رداً على ذلك.
 
أما في الولايات المتحدة، فقد اعتبر الرئيس دونالد ترامب أن هذا الاعتراف "مكافأة" لحركة "حماس"، وفقاً لما صرحت به المتحدثة باسمه يوم الاثنين في 22 أيلول/سبتمبر الجاري، وأضافت كارولين ليفيت أن الرئيس الأميركي سيعلم الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية، بما فيها فرنسا، في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثلاثاء بأن هذه "مجرد كلمات وليست أفعالاً ملموسة"، وهو ما فعله دونالد ترامب بالفعل خلال كلمته المطولة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، علماً أن أعضاء ديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأميركي اقترحوا، في 18 من هذا الشهر، مشروع قرار يدعو إلى الاعتراف بدولة فلسطين، و"يحث الولايات المتحدة على الاعتراف بدولة فلسطينية منزوعة السلاح إلى جانب إسرائيل آمنة، بهدف إعادة الأمل للجانبين وتعزيز آفاق السلام". 
 
وكان من ضمن رعاة مشروع هذا القرار كلٌ من السيناتور كريس فان هولين من ماريلاند، وتيم كين من فرجينيا، وبيتر ويلش من فيرمونت، وتينا سميث من مينيسوتا، وتامي بالدوين من ويسكونسن، ومازي هيرونو من هاواي وبيرني ساندرز من فيرمونت. بينما وزع النائب رو خانا من كاليفورنيا رسالةً تسعى إلى حشد الدعم لمبدأ الاعتراف بالدولة الفلسطينية في مجلس النواب. وكان استطلاع للرأي أجرته رويترز/إبسوس، في الشهر الماضي، أظهر أن 58% من الأميركيين يعتقدون أن جميع دول الأمم المتحدة ينبغي أن تعترف بدولة فلسطينية.
 
لم يعد في الإمكان الانتظار أكثر للإقدام على هذه الخطوة
هذا ما خلصت إليه افتتاحية صحيفة "لوموند" الباريسية في 20 أيلول/سبتمبر الجاري، التي رأت أن فرنسا "دعمت دوماً حل الدولتين، بصفته الأفق الذي كرسته خطة تقسيم فلسطين الانتدابية التي جرى التصويت عليها في تشرين الثاني/نوفمبر 1947 في الأمم المتحدة"، وأن هذا الدعم "يتوافق مع مبدأ أساسي وهو حق الشعوب في تقرير مصيرها؛ فالاعتراف بدولة فلسطين، يعني الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني، وهو أمر لا يُشكك فيه أحد، وبوجود أرض يمارس عليها حقه في تقرير المصير؛ وهذه الأرض، المكوّنة من الضفة الغربية وقطاع غزة، جرى غزوها واحتلالها من جانب إسرائيل، وعدم قبول هذا الغزو هو مبدأ أساسي آخر في القانون الدولي"، مقدّرة "أن التصعيد الجاري في غزة، أقنع [إيمانويل] ماكرون أن فرنسا لا يمكنها الانتظار أكثر للانضمام إلى الأغلبية الساحقة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، التي اعتبرت، منذ زمن بعيد، أن الاعتراف بدولة فلسطين هو فعل عدالة، يمكن أن يضع حداً لصراع طويل".
 
وبعد أن لاحظت افتتاحية الصحيفة أن الحل الإسرائيلي للقضية الفلسطينية، المطروح حالياً يتمثّل "في تدمير قطاع غزة لدفع أكثر عدد من سكانه إلى الهجرة، وفي ترحيل الفلسطينيين في الضفة الغربية وحجزهم في ما يشبه بانتوستانات الأبرتهايد، الخاضعة لضغط عسكري واقتصادي وإنساني، ما يجعل رحيلهم حتمياً"، خلُصت إلى أن مبادرة الرئيس الفرنسي تظل محدودة التأثير في ظل "سياسة نتنياهو المتطرفة، المدعومة بصورة عمياء من جانب ترامب"، لكن "الانتظار اليوم يعادل إعلان العجز والتسليم بمشروع التطهير العرقي"؛ من الصحيح أن الاعتراف بدولة فلسطين "لن يكون كافياً لجلب السلام، وهو أمر مؤكد، لكن التخلي عن ذلك هو تسريع تدمير حل الدولتين، أي ضمان استمرار حرب لا نهاية لها".   
 
هل يمكن أن ينطوي الاعتراف بدولة فلسطينية على أكثر من دلالة رمزية
يؤكد فانسان روماني، الأستاذ في قسم العلوم السياسية بجامعة كيبيك في مونتريال، أنه قبل اعتراف الدول الجديدة بالدولة الفلسطينية، كانت هذه الدولة تحظى باعتراف 147 دولة، لكن هذه الأرقام، على الرغم من أهميتها، لم يكن لها القدرة على إجبار إسرائيل والولايات المتحدة على التراجع عن موقفهما المعارض تجسيد الدولة الفلسطينية على أرض الواقع. أما جان-فيليب ثيريان، الأستاذ بجامعة مونتريال والمتخصص في المنظمات الدولية، فهو يقدّر أن الاعترافات الأخيرة بدولة فلسطين تمثّل "بادرة رمزية في المقام الأول، لكنها بلا شك ستضغط على الولايات المتحدة، التي باتت آخر دولة كبرى تقاوم الاعتراف بدولة فلسطين، وقد يتبع هذا الاعتراف تقديم مساعدات للدولة المعترف بها حديثاً، وتخصيص مبالغ مالية لفلسطين في السنوات القادمة"، معتبراً أن أحد شروط نجاح الدولة الفلسطينية هو اعتراف جميع دول مجموعة السبع بها. 
 
ومن جهتها، تعتبر الباحثة السياسية مريام بن رعد أستاذة العلاقات الدولية ودراسات الشرق الأوسط في "المعهد الكاثوليكي" في باريس، أن الاعترافات الأخيرة بالدولة الفلسطينية لن تغيّر الكثير في المستقبل القريب، ذلك إن قطاع غزة "أرضٌ قاحلة، غارقة في أزمة إنسانية طويلة الأمد يصعب التنبؤ بنهاية لها"، بينما السلطة الفلسطينية "عاجزة تماماً عن تولي زمام الأمور في قطاع غزة لا سياسياً ولا اقتصادياً، نظراً لحجم الدمار". 
 
أما في الضفة الغربية، فإن السلطة الفلسطينية "لا تعمل هناك إلا من خلال إدارة الشؤون اليومية، أما إذا اندلعت أعمال عنف غداً، فسيتولى الجيش الإسرائيلي زمام الأمور، كما هو الحال بالفعل إلى حد كبير". وبحسب هذه الباحثة، فإنه "طالما أن إسرائيل، ومن ورائها الولايات المتحدة، لا تؤيدان حقاً حل الدولتين، فقد تحظى فلسطين باعتراف أكثر من ثلاثة أرباع  دول الأمم المتحدة، لكن هذا لن يغير شيئاً"، إذ "اعترفت ما يقرب من 150 دولة بالفعل بدولة فلسطين، وهذه الدولة، من وجهة نظر القانون الدولي، موجودة بالفعل، لكنها غير قابلة للتحقيق على أرض الواقع، لاعتبارات إقليمية وديموغرافية وسياسية وأمنية"، وخصوصاً بعد أن "سيطر المنطق الديني المسياني في إسرائيل، وتم اعتماد قانون بشأن الطابع اليهودي للدولة سنة 2018، وتدهورت العلاقات بين العرب واليهود الإسرائيليين بصورة رهيبة منذ 7 أكتوبر وبدء الحرب على غزة، بحيث لم نكن قط بعيدين عن حل الدولتين إلى هذا الحد".
 
ما هي المعايير اللازمة لتجسيد دولة فلسطين على أرض الواقع؟
بغض النظر عن موافقة إسرائيل والولايات المتحدة، توقف عدد من المحللين عند المعايير اللازمة لتجسيد الدولة الفلسطينية على أرض الواقع. فأشارت الصحافية في راديو كندا، رانيا مسعود، إلى أن الدولة المستقلة تحتاج "إلى حدود واضحة المعالم، ويجب أن تتمتع بقدر من السيادة الإقليمية، فضلاً عن استقلال سياسي واقتصادي"، إلا إن الفلسطينيين، سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، "لا يتمتعون بأي من هذه المقومات". 
 
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة "بورغندي أوروبا"، رفائيل بورتيا، أن علماء القانون يعرّفون الدولة وفقاً لثلاثة معايير تأسيسية: السكان، والإقليم، والسلطة السياسية ذات السيادة، كما أن هناك معياراً رابعاً هو اعتراف دول أو منظمات دولية بها. ففلسطين تحوز على هذا المعيار الرابع، إذ هي، منذ سنة 2012، دولة "مراقب غير عضو" في الأمم المتحدة، وتمتعت بالفعل بإمكانية الوصول إلى عدد من هيئات الأمم المتحدة، واعترفت بها، قبل الاعترافات الأخيرة، 147 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة، وانضمت إلى ما يقرب من 100 معاهدة متعددة الأطراف، وهي عضو في 21 منظمة دولية، وتتمتع بصفة مراقب في العديد من المنظمات الأخرى، وبالتالي أصبحت بحكم الواقع موضوعاً للقانون الدولي. وتدعم القرارات الصادرة عن محكمة العدل الدولية في تموز/يوليو 2004 ثم في كانون الثاني/يناير 2024 ضمنياً وجود دولة فلسطين. ومع ذلك، فإن المعايير الثلاثة التأسيسية تظل، في تقدير هذا الباحث،  إشكالية جراء سيطرة الاحتلال الإسرائيلي: فالشعب الفلسطيني، وعلى الرغم من كونه واقعاً ملموساً، فإنه يبقى مُشتّتاً ومُقسّماً إلى شرائحَ مُختلفة، نتيجة تاريخٍ طويل بدأ مع نكبة سنة 1948، وتفاقم بسبب قضية عودة اللاجئين التي لم تُحلّ أبداً، رغم القرار الدولي رقم 194، الذي استُكمل بقراراتٍ أخرى لم تُطبّقها سلطة الاحتلال؛ أما الأرض، فهي مُجزّأة، بلا تواصل جغرافي، مع فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، كما يُشكّل الاستيطان اليهودي جغرافية الضفة الغربية، مُنشئاً خريطةً على شكل جلد نمر، وهو شكلٌ من أشكال "البانتوستانات" يعكس سياسةً طويلة الأمد في قضم أراضي الضفة الغربية يومياً؛ وأخيراً، فإن السلطة السياسية السيادية، التي تجسدها السلطة الفلسطينية منذ "اتفاقيات أوسلو"، ضعفت مصداقيتها بين الفلسطينيين، كما ضعفت سيادتها بعد نهاية الانتفاضة الثانية، إذ صارت الحياة الفلسطينية بأكملها تُحكم غالباً بأوامر عسكرية إسرائيلية. وفوق كل ذلك، فإن هذه السلطة غير قادرة منذ سنة 2007 على تأكيد أي سلطة في قطاع غزة، بعد أن رسخت حركة "حماس" نفسها باعتبارها السلطة الوحيدة هناك.
 
بيد أن الدكتورة في القانون الدولي العام والباحثة المشاركة في "مركز ثوسيديد" في جامعة باريس الثانية، كلوي دي بيري-سيبيلي، تقدّر أن فلسطين تستوفي معايير الدولة، ذلك إن معيار "وجود سكان دائمين" متوفر، إذ "يعيش الملايين من الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية"، كما أن معيار الأرض المحددة متوفر، "وإن كانت محل نزاع"، وهي "تشمل عموماً الأراضي التي احتلتها إسرائيل، ولا سيما الضفة الغربية وقطاع غزة، اللتين احتلتهما سنة 1967، فضلاً عن القدس الشرقية التي ضمتها إسرائيل فعلياً"، علماً أن النزاع على هذه الأرض "ليس فريداً من نوعه: فجنوب السودان وكوسوفو، وحتى الهند وباكستان، في منطقة كشمير، لها كذلك حدود متنازع عليها". أما دور الحكومة، فإن السلطة الفلسطينية "تمارس سلطة محدودة في الضفة الغربية، بينما تسيطر حماس على قطاع غزة"، وإذ "تعقّد هذه الثنائية صورة الحكومة المركزية، لكنها لا تمنعها من الوجود كدولة".
 
وبالنسبة للعلاقات الدولية، فقد أعلنت فلسطين استقلالها سنة 1988، واعترفت بها منذ ذلك الحين 147 دولة، قبل الاعترافات الأخيرة، و"انضمت فلسطين إلى اليونسكو والمحكمة الجنائية الدولية، ووقعت على معاهدات متعددة الأطراف، وحصلت على صفة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة؛ بمعنى آخر، إنها تتصرف بالفعل كدولة".
 
كيف يكون الاعتراف بدولة فلسطين أكثر من مجرد رمز
إن وجود الدولة الفلسطينية على أرض الواقع يحول دونه فعل غير مشروع دولياً هو الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما اعترفت به محكمة العدل الدولية، عندما أشارت إلى الواقع الاستعماري وشكله الحالي: توسيع المستوطنات، ومصادرة الأراضي على نطاق واسع، والاستيلاء على الموارد الطبيعية الفلسطينية لصالح المستوطنين، وزيادة عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين، وهو واقع لا يترك مجالاً يُذكر لأي احتمال لقيام دولة فلسطينية سيدة وقابلة للحياة. ومن هنا، يجب أن يقترن الاعتراف، كي لا يبقى رمزياً، باعتماد تدابير ملموسة لتمكين الشعب الفلسطيني من إعمال حقه في تقرير المصير، وهي تدابير أكدت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي: عدم تقديم أي مساعدة أو دعم يديم حالة الاحتلال؛ والتمييز في تبادلات الدول بين إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة؛ ووقف توريد أو نقل الأسلحة والذخائر والمواد ذات الصلة إلى إسرائيل التي يمكن استخدامها في فلسطين؛ وحظر استيراد أي منتج منشؤه المستوطنات؛ واحترام أوامر محكمة العدل الدولية الثلاثة الصادرة في الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد دولة إسرائيل بموجب الاتفاقية الدولية لمناهضة الإبادة الجماعية.