• اخر تحديث : 2025-11-28 21:11
news-details
مقالات عربية

الضم بالحسم: كيف يعمل اليمين الإسرائيلي في الضفة الغربية؟


يسعى المقال للإجابة عن سؤال محوري يتعلق بالهدف الذي تسعى الحكومة الإسرائيلية لتحقيقه عبر تكثيف الاستيطان في الضفة الغربية، على ضوء المعطيات المتوفرة في السنتين الأخيرتين عقِب 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. وتجادل المقالة وجود مخطط حكومي إسرائيلي يهدف إلى حسم الصراع لا إدارته عبر ضم الضفة الغربية وتدمير أي إمكان لقيام كيانية فلسطينية.
 
رؤية الحكومة الإسرائيلية للضفة الغربية
تنطلق الحكومة الإسرائيلية الحالية المكونة من ائتلاف للأحزاب اليمينية وتيار الصهيونية الدينية من رؤية دينية توراتية، قائمة على اعتبار مناطق الضفة الغربية جزء لا يتجزأ من أرض إسرائيل الكاملة، مع وجوب ضمها وحسم الصراع حولها. يعبِّر عن ذلك صراحةً الاتفاق الائتلافي للحكومة الإسرائيلية؛ والذي نص على أن "للشعب اليهودي حق حصري لا جدال فيه في أنحاء أرض إسرائيل كافة. سوف تقوم الحكومة بتطوير الاستيطان في جميع أنحاء أرض إسرائيل؛ في الجليل، والنقب، والجولان، ويهودا، والسامرة (الضفة الغربية)." ويضاف إلى ذلك إحكام السيطرة على القدس عبر تعزيز التواجد اليهودي فيها، وزيادة الدعم لموجات الهجرة الاستيطانية عبر استيعاب مستوطنين جدد، وكذلك رفع مستوى الاهتمام بالتراث اليهودي، في إشارة ضمنية إلى تعزيز السيطرة على الضفة الغربية التي تتضمن المناطق المذكورة في التراث اليهودي والتوراة. 
 
بُنيت رؤية الحكومة الإسرائيلية على افتراض فشل المقاربة التي انتهجتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة والقائمة على إدارة الصراع لا حسمه، فالقبول بنموذج حل الدولتين سوف يقود إلى إدارة الصراع مع الفلسطينيين وتسكينه لا حله، والحل من وجهة نظر اليمين الإسرائيلي يكمن في منع إقامة أي كيانية فلسطينية في المناطق المحتلة سنة 1967، فإقامة أي كيان سياسي فلسطيني تحت أي مسمى (دولة أو حتى حكم ذاتي موسع) سيبقي على جذوة الصراع، ولذلك يجب القضاء على أي إمكان لنشوء كيان كهذا عبر فرض الوقائع على الأرض وترسيخ الاستيطان، الذي بدوره سيساهم في حسم الصراع.
 
الهدف:
تهدف الحكومة الإسرائيلية إلى القضاء على أي أمل لدى الفلسطينيين بالتحرر من الاحتلال وإقامة كيانية فلسطينية سياسية مستقلة على أي بقعة جغرافية مهما صغر حجمها، وحتى لو كان هذا الكيان يفتقر إلى سيادة فعلية، فالخطر يكمن بالقبول بمبدأ أن يكون للفلسطينيين كيان سياسي، فهذا الكيان (الضعيف أو المسلوب السيادة) ربما يتطور لاحقاً ليطالب بسائر الحقوق الفلسطينية المسلوبة على يد منظومة الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي. ولكي يتحقق ذلك، يجب فرض الوقائع الأرض بتقطيع أوصال الضفة الغربية عبر المستوطنات، الأمر الذي يبدّد أي حلم فلسطيني بإقامة كيان سياسي على منطقة جغرافية متواصلة، ويحفر في الوعي الجمعي الفلسطيني استحالة التحرر من الاحتلال. ومن ثم، فإن الحسم الاستيطاني سيساهم في حسم الصراع، وليس أمام الفلسطينيين سوى القبول بالعيش تحت سلطة الاحتلال كمقيمين فاقدين للحقوق السياسية، لا كمواطنين، أو كمهاجرين هجرة طوعية إن لم يرغبوا في الحكم الإسرائيلي، فإذا تمردوا على الاحتلال، لا جزاء لهم سوى القتل أو السجن. 
 
أدوات الحكومة
تستخدم الحكومة الإسرائيلية عدة أدوات من أجل تحقيق أهدافها ورؤيتها الاستيطانية، ومن أبرزها العنف، والقانون، والمال. وسنقوم بتفصيل ذلك فيما يلي:
أولاً: العنف:
يمكن اعتبار استخدام العنف جزء من الشيفرة الوراثية لأي منظومة استعمارية من أجل إخضاع السكان الأصليين والتحكم بهم والسيطرة عليهم، وإسرائيل ليست شاذة عن ذلك؛ إذ يتجلى ذلك بنظرية الجدار الحديدي التي صكها الأب الروحي لليمين الصهيوني زئيف جابوتينكسي، والتي أصبحت جزءاً من العقيدة الأمنية الإسرائيلية؛ القائمة على استخدام القوة المفرطة ضد الخصم (الفلسطينيين)، بهدف كيّ الوعي الجمعي الفلسطيني، والحفر فيه بعدم إمكان هزيمة المشروع الاستعماري الصهيوني، والتعايش مع وجوده.
 
كما تبرز المعطيات تصاعدَ العنف الموجّه ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس؛ إذ تظهر إحصاءات الأمم المتحدة قتل قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين 1010 فلسطيني في الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية، في الفترة 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023-5 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، ويشمل هذا العدد 215 طفلاً، وقد تم تسجيل 757 هجوماً للمستوطنين في النصف الأول من سنة 2025 وحدها، وهو رقم أعلى بنسبة 13% من الفترة نفسها من العام الماضي. 
 
يضاف إلى استخدام المستوطنين العنف تجاه المواطنين الفلسطينيين، استخدام قوات الاحتلال الإسرائيلي العنف ضد فصائل المقاومة، تحت مظلة سياسة "قص العشب"؛ المتضمنة مهاجمة فصائل المقاومة أينما وُجدت، وعدم السماح لها بالتشكل والحيلولة من دون تمأسسها، وفي سبيل ذلك يتم استخدام سياسة العقاب الجماعي. ففي السنتين الأخيرتين تصاعدَ التهجير القسري للفلسطينيين في الضفة الغربية، وخصوصاً في شمالها، وتم إفراغ العديد من مخيمات اللاجئين من سكانها تقريباً. كما بدأت العملية في مخيم جنين، وتوسعت لكي تشمل مخيمات طولكرم ونور شمس والفارعة، وأدت إلى تشريد أكثر من 40,000 لاجئ فلسطيني. 
 
ومنذ 21 كانون الثاني/يناير 2025، شن الاحتلال حملة عسكرية واسعة، أطلق عليها اسم "الجدار الحديدي"، وأصدر خلالها أوامر بهدم نحو 1400 منزل في شمال الضفة الغربية. 
 
ولذلك، يمكن اعتبار السلوك الإسرائيلي تجاه السلطة الفلسطينية والاقتحامات المتكررة للمناطق المصنفة (أ) شكلاً من أشكال العنف، الهادف إلى إضعاف السلطة وتقويضها، بالإضافة إلى ذلك منع أموال المقاصة، التي تستند عليها السلطة من أجل تسديد رواتب الموظفين، فقد زادت الأموال التي استولت عليها إسرائيل على 10 مليارات شيكل (نحو 3 مليارات دولار). 
 
ثانياً: القانون:
عمل الائتلاف الحكومي الحالي على سن حزمة من القوانين تعزز من الاستيطان وتدفع باتجاه تقنين فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية؛ فمع بداية ولاية الكنيست، تم تقديم 31 مشروع قانون تصب في تحقيق هذا الهدف. يضاف إلى ذلك تصاعُد في وتيرة مصادرة الأراضي الفلسطينية لصالح بناء المستوطنات أو القواعد العسكرية؛ إذ تمت مصادرة الآلاف من الدونمات، وخصوصاً في منطقة الأغوار وشمال الضفة الغربية. وترافق ذلك مع الموافقة الحكومية على بناء العديد من الوحدات السكنية في المستوطنات، والتي بلغ عددها 41,709 خلال السنتين والنصف الماضيتين، بمعدل زيادة بنسبة 40%، وهو يفوق ما تم بناؤه خلال 6 سنوات قبل تشكل الحكومة الحالية. 
 
ثالثاً: الدعم المالي:
خصصت الحكومة الحالية ميزانيات كبيرة لدعم الاستيطان والضم؛ فقد بلغ مجموعها 10,450 مليار شيكل (3,235 مليار دولار)، تم توزيعها كالتالي: 750 مليون شيكل لقسم الاستيطان، و600 مليون من أجل تنظيم المعابر، و8 مليارات من أجل تطوير الطرقات، و300 مليون لمديرية الاستيطان، و350 مليون من أجل تشجيع الهجرة، و300 مليون لحماية أراضي الدولة (المناطق المصنفة ج)، و150 مليوناً للمحافظة على التراث في الضفة الغربية. 
 
خاتمة:
تحاول الحكومة الإسرائيلية استغلال الأوضاع المؤاتية من أجل تعزيز الاستيطان وشرعنة ضم الضفة الغربية، في ظل انشغال العالم بحرب الإبادة التي شنتها على قطاع غزة، وعجز العالم العربي والانقسام الفلسطيني، علاوةً على اغتنام فرصة وجود إدارة أميركية متماهية مع المخططات الإسرائيلية.
 
فيستخدم الاحتلال عدة أدوات من أجل تحقيق هدفه بضم الضفة الغربية؛ من أبرزها استخدام العنف وسن القوانين وتوفير الميزانيات. أمّا أدواته السياسية، فتتلخص في العمل على إضعاف السلطة وإنشاء بيئة طاردة للسكان من أجل تشجيع الهجرة الطوعية، ويترافق ذلك مع رفض أي مبادرة سياسية مبنية على نموذج حل الدولتين، بل ووصل الأمر أيضاً إلى تصويت الكنيست سياسياً على رفض أي اعتراف دولي محتمل بدولة فلسطينية مستقلة، بأغلبية 99 صوتاً من أصل 120 من أعضاء الكنيست،وهو ما يعكس حالة من الإجماع لدى التيارات السياسية الإسرائيلية على رفض الكيانية الفلسطينية، وفرض الضم على الضفة الغربية.