أولاً: معطيات أولية حول اللقاء:
الزمان |
الخميس 1\7\ 2021. |
المكان |
منصّة Zoom Cloud Meeting |
مدة اللقاء |
الحادية عشرة صباحًا لغاية الثانية عشرة والنصف |
المشاركون |
||
1 |
رئيس الرابطة د. محسن وصالح. |
|
2 |
عضو الهيئة الإدارية في سوريا د. بسام بو عبد الله. |
|
3 |
عضو الهيئة الإدارية في العراق د. محمود الهاشمي. |
|
4 |
عضو الهيئة الإدارية في المغرب د. ادريس هاني. |
|
5 |
عضو الرابطة، مدير مركز أطلس للدراسات والبحوث ـ غزة الأستاذ عبد الرحمن شهاب. |
|
6 |
أمينة سر الرابطة د. وفاء حطيط. |
|
ثانياً: مجريات اللقاء:
نظّمت الرَّابطة الدُّوليَّة للخبراء والمُحلِّلين السِّياسيِّين حلقة نقاش عبر الفضاء الافتراضي سلطت الضوء على مجموعة من التحولات التي طرأت على النظام العالمي الذي تأسس منذ الحرب العالمية الأولى، وترسخ بعد الحرب الباردة؛ بين تلك التحولات بروز تعدد القوى الدولية والمؤثرة في التوازنات الاستراتيجية وصنع القرار العالمي، وهي بعنوان: "التحولات الجيوسياسية في المنطقة وتأثيرها على النظام العالمي الجديد"..
بعد الترحيب بالسادة المشاركين، افتتح د. محسن صالح حلقة النقاش بالإشارة إلى أهمية هذه الحلقة كونها تناقش ما يحصل في منطقتنا من تحولات جيوسياسية في العراق وأفغانستان وغرب آسيا وشمال افريقيا، على الرغم من محاولات التعمية والتطبيع والحكام المتخلفون الذين يحاولون جرّ المنطقة الى مكان أخر، وقال: في السابق كنا نقول في أدبيات التقدم "الحكومات الرجعية"، ولكن لا هذه ليست رجعية، بل حكومات عميلة، ولديها أموال وبعض المصانع، ولكن في العقل والسياسة والمؤامرة حاولت كثيرًا انتهاج الخط الصهيو أميركي والصهيو غربي ، ولكن التحولات التي انتجتها قوى المقاومة في المنطقة استطاعت أن تغير جيوسياسي، وجيو فكري وجيو عقلي؛ بمعنى أن الابعاد الثقافية والسياسية أصبحت قريبة جدًا من بعضها البعض إلى درجة أن الأميركي والغربي أصبح عاجزًا عن ملاقاتنا، وانكشفت طرق الفصل التي كانوا يتبعونها ضعفًا ومنطقًا، ولذلك باعتقادي نحن امام تحولات كبرى تفرض علينا تعميق هذه العلاقات وتطويرها.
نسعى الى تفعيل الرابطة من حيث مجموعات الفكر في الشؤون التي يهتم بها الاختصاص، ونريد أن نعمق هذا الامر لتكون الرابطة فعليًا مكونًا له كينونة ثقافية سياسية جيو استراتيجية عميقة من أجل الدفع بالتغيير الذي تقوم به اليد والجسد والسياسة، وصولًا الى انشاء نظريات جديدة تسهم في تطوير الاجتماع الثقافي المقاوم ونشره في هذه المنطقة، وباعتقادي أصبحنا نستطيع.
أبرز ما جاء في مداخلة د. بسام أبو عبدالله
بدوره أشار د. بسام أبو عبدالله إلى أن التحولات عميقة وليست سطحية؛ معددًا أهم تلك التحولات. وقال: كانت القوى المهيمنة في المنطقة تعتمد على تمزيقنا، ليس فكريًا فقط؛ بل جغرافيًا واقتصاديًا واجتماعيًا أيضًا، وخلق عدوات مصطنعة كقصة السنة والشيعة، والتخويف من إيران، أو حزب الله والخ...، وما حدث في فلسطين المحتلة باغتيال الشهيد نزار بنات الذي لم يكن يحمل سلاحًا على الاطلاق، بل كان يحمل فكرًا أخافهم.
التحول الأول: وهو يحدث في واقع دول الإقليم، فواقع دول الخليج الى أين سيتجه مع تأثيرات الحرب اليمنية؛ فهناك تحولات عميقة بالنظرة إلى ما يجري في اليمن،
التحول الثاني موضوع وزن كيان الاحتلال الإسرائيلي بعد السنوات العشر الأخيرة وما ما قبلها، أين هو الآن؟، وبالطبع عدم الاستقرار والتأثير المتبادل بين الدول عكس ما كان يقال لنا، الآن هناك ازمة اقتصادية اجتماعية في لبنان، فهل يمكن للبنان أن ينقذ نفسه من دون سوريا، أو سوريا من دون العراق، أو العراق من دون إيران وهكذا، فهذا الفكر الذي كانوا يحاولون تقطيع المنطقة على أساسه، واعتبارنا أعداء لبعضنا البعض بدأ يطغى عليه فكر أخر. فضلًا عن أن جزءًا من هذه التحولات أصبح في بنى ليست دولتية، وهذه التحولات ليست إقليمية انما عالمية.
التحول الثالث: فرضته الجمهورية الإسلامية ومفاوضات الملف النووي الإيراني، فهل كنا نعتقد يومًا أن هناك دولة في الإقليم يفاوضها العالم، فهناك عزة وكرامة بدأت شعوب المنطقة تشعر بها.
التحول الرابع: وهو تكامل محور المقاومة في معركة "سيف القدس"، وهذا التكامل حتى إعلاميًا وهو مهم جدًا، يبقى وجود نقطة ضعف في هذا التكامل هو البعد الاقتصادي الذي يهم شعوبنا، يجب العمل على هذا البعد الاقتصادي. لاسيما مع دخول قوى بازغة في العالم تريد التحالف مع قوى محور المقاومة، لأنها دفعت دماء غزيرة على صعيد تغيير تاريخ المنطقة، وطريقة التفكير بها.
التحول الخامس: التأثير المتبادل لملفات المنطقة على بعضها البعض لم يعد يمكن الفصل، وكل هذه السياقات لم تعد ممكنة.
التحول السادس: اضطرار الكثير من القوى الفاعلة لإعادة النظر في مقارباتها لتنفيذ الاجندات الأميركية، فهناك حوار سعودي –إيراني، وهنا هم مضطرون، وفي مقاربات دول الخليج في العلاقة مع سوريا هم مضطرون، الانسحاب الأميركي من أفغانستان هم مضطرون، وفي موقف المقاومة العراقية من بقاء الاحتلال الأميركي هم مضطرون، كل هذه التحولات بدأت ترسو حتى في حسابات الدول الأخرى الداخلة في الإقليم كروسيا والصين.
التحول السابع: إيقاف محور المقاومة، وهذا كلف كلفة عالية، ولكن لا يوجد حرية وتحولات من دون ثمن باهظ، وهناك مواجهة واسقاط لمشاريع الهيمنة. نحن في الطريق الى النصر النهائي، لأنه لا تزال هناك محاولات هنا اوهناك، لكن تبقى التحديات أمام هذا المحور ودوله على صعيد المنطقة، وتبقى التحديات الاقتصادية الاجتماعية هي الأخطر، وهي الأداة التي يحاولون الضغط علينا.
كنت اتابع خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حديثه السنوي مع المواطنين الروس، وقد قال: "إن مرحلة القطب الواحد انتهت، والعالم يتغير بسرعة وبشكل جذري"، هذا رئيس دولة عظمى يتحدث بما يشير إلى تحدي الهيمنة على مستوى الصين وروسيا الذي كان خجولًا واختلف الآن. والمهم أن نواكب فكريًا، ونؤطر هذه التحولات ونحولها الى مادة فكرية، لأن الناس تخلط الأمور في الظرف الاقتصادي. هناك عالم يتغير ونحن جزء منه، ودفعنا ثمن هذا التغيير مئات الاف الشهداء، وفي اليمن هناك عدد هائل من الشهداء الذين صنعوا هذه التحولات.
هناك تحولات جيوسياسية نجد أثرها في كلام بوتين، واليوم الرئيس الصيني كان يتحدث في بكين، وعلينا أن نؤطرها، ونكشف كيف يمكن أن نبني مصالحنا المشتركة، وكيف يمكن أن نقدم وجبة التحولات العميقة والسريعة هذه، ونقنع بها جمهورنا الذي لم يهتز، ولكن أضاقته كثيرًا الابعاد الاقتصادية والاجتماعية التي أراها أساسية ويجب أن نوليها كل الاهتمام.
أبرز ما جاء في مداخلة الأستاذ عبد الرحمن شهاب
ركز الأستاذ عبد الرحمن شهاب مداخلته على التحولات الحاصلة في البعد الفلسطيني، وقال: كان لدى بن غوريون رؤية بعد نكبة 1948 بأن العرب بحاجة الى هزيمة أخرى، أو هزيمتين كي يستوعبوا وجود دولة إسرائيل في المنطقة، وهذا حصل بعد 1956 وبعد نكبة فلسطين؛ فسقوط القدس كان مدويًا، وأوجد استيعاب العرب والمسلمين لهذه الدولة على مستوى النخب السياسية، وحتى الثقافية في العالم العربي والإسلامي.
الذي حصل بعد معركة سيف القدس هو هزيمة بعد هزيمة للاحتلال، وقد أدرك الجيش الإسرائيلي أنه بهذه الهزيمة فقد أدواته للانتصار، ولم يعد ممكنًا أن يحقق انتصار على المقاومة الا بخسائر هائلة، ولم يعد المجتمع الإسرائيلي يستطيع تحمل نتائج هذا الانتصار الذي يحلم به الجيش الاسرائيلي، حتى ولو فكر بالانتصار فإن المجتمع الإسرائيلي لا يستطيع تحمل أعباء هذا الانتصار.
هذا هو التغير الذي وقع الآن في عقول قادة الجيش الإسرائيلي، وأصبحوا مقتنعين بأنهم لم يعودوا قادرين على الانتصار، ومهما بلغت القوة لا يمكنه استخدامها في مثل هذا الصراع، فالمقاومة وجدت سبيلها لإخضاع هذا العدو كي لا يستخدم كامل طاقته في أي عدوان.
على الجانب الاخر، يرى الإسرائيليون أنه إذا كانت هذه المعركة مع غزة، فكيف ستكون المعركة من لبنان. أما في محيط الكيان، نحن نعلم أن الإدارة الاميركية الجديدة وصلت الى قناعة بأن التصعيد والصدام مع إيران وحلفائها لا يؤدي الى نتيجة.
كانت ذروتها في الحكم السابق بأميركا في ولاية دونالد ترامب، والآن وصلت الإدارة الحالية الى قناعة بوجوب تغيير الاستراتيجية والأسلوب، وأن عملية التبريد يجب أن تسود في المنطقة. من هنا بدأنا نسمع عن التقارب السعودي الإيراني الذي سيسعى الى تبريد المنطقة، لأن بايدن لا يريد ان تفاجئه السعودية، أو الامارات بأي خطوة تصعيدية مع الجمهورية الإسلامية وحلفائها.
بعد معركة "سيف القدس" تخلى بايدن عن بعض الشعارات التي تتعلق بالسيسي ومقاطعته له كمستبد في مصر، وتخلى أيضًا عن سياسة مقاطعة السلطة الفلسطينية، وهو تخلى عن هذين الشعارين بعدما تخلى عن شعار معاقبة السعودية عن مقتل خاشقجي، لأن إسرائيل كانت تنظر إلى قطاع غزة والسياسة القطرية في التعامل معه بشيء من الشك، فهناك أجندة أخرى لدى قطر غير الاجندة الوظيفية التي ترغب بها اميركا وإسرائيل لجهة تبريد القطاع، وتأجيل الصدام والمواجهة والحرب، هناك دور تقوم به قطر لا يروق لإسرائيل، وهذا الامر احتاج تغيير بعض احجار الدومينو في المنطقة المتعلقة بالسيسي وقطر والأردن والسلطة الفلسطينية.
ما خص مصر ليس لديها ما تقدمه إلى الأميركيين الا السيطرة على احكام السياسة مع قطاع غزة من جانب، وفلترة السياسة القطرية، ولذلك بدأت بالتحالف الجديد الذي هو التحالف نفسه الذي اهترئ.
بتغيير الأدوار الوظيفية، أصبح المطلوب من مصر الآن أن تقود محور: السلطة الفلسطينية، والأردن، ومصر من اجل عدم السماح لقطاع غزة بتحويل الانتصار الذي تحقق في معركة سيف القدس الى انتصارات سياسية، وإقناع العرب والمسلمين بأن المقاومة الفلسطينية في غزة على الرغم من كل ما قيل عن انتصارات لاتزال محاصرة، ولم تستطع كسر الحصار عن نفسها، وأن القوة لا تحقق أي شيء، وبذلك تستعيد السلطة الفلسطينية لتكون هي الواجهة السياسية لإعمار قطاع غزة ليبقى لا اعمار ويبقى الحصار على القطاع.
يرى الإسرائيليون في المنطقة أربع دول مؤثرة اقليميًا، وهي الدول الراسخة في المنطقة والباقي ثانوي، هم يرون أن مصر دولة مؤثرة في المنطقة تاريخيًا ومتماسكة إذا سُمح أن يكون لها دور، وإذا كان لها دور وفتحت الحريات في مصر فإن الإسلام هو الذي سيقود هذه الدولة، ولذلك سيستمر التهديد الأمني لمصر والتهديد المائي والغذائي من اثيوبيا والمنطقة، وستبقى مهددة اقتصاديًا ومائيًا وأمنيًا لكي تسير في الاتجاه الذي تحدده إسرائيل، والقيادة المصرية الحالية ليس لديها أي اجندة سوى البقاء في الحكم؛ ولذلك فهي ستنفذ السياسة الإسرائيلية بحذافيرها، وكما تريدها بالضبط إسرائيل.
الدولة الثانية التي تراها إسرائيل صاحبة تأثير في المنطقة هي نفسها، وترى أنها يجب ان تكون محور المحاور في كل المنطقة، وأي تغيير في المحاور يجب أن يخدم دولة إسرائيل.
الدولة الثالثة هي الجمهورية الإسلامية في إيران المتماسكة، وعلى إصرارها، وعنادها، وثوابت خطها منذ انتصار الثورة الاسلامية في إيران حتى اليوم، وهذا العامل المهم في المنطقة، وقد غيرت الإدارة الأميركية سياساتها بناءًا على هذا التماسك للمحور ومشروع المقاومة.
الدولة الرابعة هي تركيا، ولذلك إسرائيل ترى أن كلًا من هذه الدول الأربع يحتاج الى دولة غير متجاورة كي يتكامل محورها في المنطقة، إسرائيل لن تقطع الحبال والشعرة مع تركيا مهما كان التصعيد التركي.
أما أميركا فتحاول تجاوز المنطقة الى اهداف الأمن القومي الأميركي البعيدة، وتترك المنطقة لإسرائيل، وهي تريد الاستفادة من وجود إسرائيل، لكن إسرائيل لا تسمح لها بذلك، وهي ربيبة ودائما تبكي على حالها، ولا تستطيع أن تستمر يومًا واحدًا من دون الولايات المتحدة والدعم الغربي، فضلًا عن أن غباءها وعدوانها وصلفها لا يسمح للإدارة الأميركية ترك المنطقة الا جزئيًا وبأثمان باهظة. بالإضافة إلى أن تنامي التطرف الديني في إسرائيل، وانفلات الصمام في إدارة الامكان المقدسة سيجعل القدس لا تهدأ، لان العقلية الدينية الإسرائيلية المتطرفة لا تستطيع استيعاب عجز الجيش الاسرائيلي عن تحمل أعباء صلفها واعتدائها على الأماكن المقدسة، وأن هذه الدولة تتزعزع من جذورها عندما تمس القدس. وإسرائيل نتنياهو سابقًا أرادت أن تركب هذا التوجه الديني والتطرف في إسرائيل، وكانت تستعجل استثمار مشروع أوسلو حتى النهاية، وهو حسم الصراع مع الفلسطينيين من خلال تركيع الحركة الوطنية الفلسطينية، وهذا حصل لها على المستوى الرسمي، لكن برزت المقاومة في قطاع غزة التي تجاوزت مطالب الحصار ورفعه الى اهداف لا تتعلق بغزة، بل تدافع عن القدس في المعركة الأخيرة، وهذا تحوّل نوعي.
أبرز ما جاء في مداخلة د. محمود الهاشمي
طرح د. محمود الهاشمي مجموعة تساؤلات من قبيل: هل إن اميركا الآن في المنطقة هي ذاتها الولايات المتحدة قبل 40 عامًا، أو قبل انهيار الاتحاد السوفياتي؟، هل إن دول الغرب، خاصة الدول الاوروبية التي أنتجت خارطة سايكس بيكو هي نفسها الآن، أم أنها مصابة بالشيخوخة؟، هل إن إسرائيل الآن مع ما هي عليه والظروف التي تشكلت بها هي الظروف ذاتها التي تعيشها ويعيشها العالم بدعمها حتى تكون بالقوة التي كانت عليها، وتهدد بها؟، هل إن الأمة لاتزال تعيش، أو تغفو على هذه المعاناة وغير قادرة على مواجهة هذه التحديات؟. وقال: لا بد من الاجابة عن هذه الأسئلة، والعراق الذي جرت فيه أول منازلة مع الأميركيين بعد دخولهم عام 2003، وربما لم يكن في ذهن الأميركيين بعد دخولهم الى العراق واحتلاله أن هناك من سوف يقاتلهم، باعتبار أن النظام البائد أقام المجازر الجماعية والمذابح، وخلق الجوع والفقر، وأدخلنا في حربين قاسيتين، فكان الأميركيين يتوقعون أن يدخلوا بأمن وأمان الى العراق، لكن تفاجأوا أن العراق في طوله وعرضه، وشرقه وغربه، بجنوبه وشماله يقف ضد الاحتلال، وأن يقتل منهم 10 الاف عسكري حتى خرجوا عام 2011، وبعد هذا العام عادوا في بضعة آلاف، ولاتزال المقاومة تقاومهم وتضرب على رؤوسهم حتى باتوا الى الضعف والهزال.
لقد أخذت المقاومة أبعادًا جديدة، فقد تعودت على مقاتلة هذا المحتل، وعرفت نقاط ضعفه، وخلقت ثقافة لدى المواطن في مواجهة هذا الاحتلال. وكان الغطاء الديني الكبير للمؤسسة الدينية في اعلان الجهاد الكفائي مفيدًا كثيرًا، لأن هذا القرار تحول من الدفاع الوطني عن الوطن الى الدفاع الديني المقدس، فتشكل الحشد الشعبي، والتحقت به فصائل مقاومة أخرى، وبدأت المنازلة مع الأميركيين. بالإضافة إلى أن أميركا تعيش ظرفًا خاصًا، ففي داخلها هي منقسمة على نفسها، وهذا الخلل في الداخل الأميركي أولًا من الناحية العرقية والسياسية والاجتماعية ينعكس على الوضع السياسي وعلى وضع اميركا. لقد قال ترامب ذات مرة وكررها لمرات: "لم تعد منطقة الشرق الأوسط من أولوياتنا، ولم يعد نفط الخليج مهمًا بالنسبة لنا"، اميركا بدأت تفكر جليًا كيف تغادر المنطقة، ولكن بأقل الخسائر.
وهناك تحول داخل إسرائيل سياسيًا، وحتى لجهة وضعها العالمي، فالتظاهرات تخرج في اصقاع العالم وداخل اميركا لتدعم القضية الفلسطينية. والتحول الجيوسياسي في المنطقة ليس في تغيير الخرائط فقط، انما إسرائيل التي جاءت كدولة مستعمرة، وأسوة بأي استعمار يحدث في العالم ثم يغادر بعد حركات الجهاد والكفاح. نحن الآن امام تحول جديد على أصحاب العقول كافة أن يثقوا بأن اميركا خارجة من المنطقة، وأن إسرائيل زائلة، وأن فلسطين هي المجس الاساسي الذي نقيس به مدى انتصارنا.
أبرز ما جاء في مداخلة د. هاني ادريس
من جهته أكد د. هاني ادريس أهمية التحدث عن الجغرافيا السياسية وتحولاتها، وقال: إن كثيرًا ممن حاولوا التفكير في السياسة في ما بعد مرحلة كورونا كانوا يمتعضون من عبارة الجغرافيا السياسية، لأنها تشكلت في حضن الحركات الاستكشافية الاستعمارية. نحن الآن في مرحلة انتقالية ستظهر أكثر حينما ننظر الى الموضوع بشكل استراتيجي، والدكتور هاشمي تحدث عن الكثير من التحولات، وهذا بالفعل يعطينا عنوان أن الجغرافيا السياسية ليست قارة، ولا يمكن ان تكون ثابتة؛ وبالتالي إذا أردنا أن ندرك طبيعة المفارقات التي تحدث في بعض الحوادث العرضية في المنطقة، بمعنى أنها تضعنا أمام مفارقات، ولكن حين ننظر اليها من النظرة الاستراتيجية الكلية نعرف أن الجغرافيا تفرض استحقاقاتها وهي في تحول، ونحن في وضعية أشبه ما تكون بحقل؛ فالجغرافيا حقل لصراعات باروينية.
تحدث كثر في الجغرافيا والثورة واشياء كثيرة، يقول ديفيد ليفنستون بالحرف "منذ البداية كانت الجغرافيا البيولوجيا تطورًا وجزءًا من مشروع الجغرافيا السياسية"، ولا يمكن أن نستفيد من التاريخ من دون ملاحظة التحولات الجغرافية، وللأسف نحن أمة تاريخية، ولكنها اقل ما تستفيد من التاريخ، وهذه مسألة منهجية، وكي نستفيد منه علينا أن نرتبط بالحاضر أيضًا، وهذا لب رؤيتي للتاريخ، أي أنه يمكن أن نشهد على الماضي من خلال حركة الحاضر، لأن التاريخ والمؤرخ لا يمكن أن ينقل كل ملابسات الحدث، ولكن نستطيع اليوم أن نعرف الحدث ونشعر به من خلال كل هذه الجزئيات.
لكل طور جيو استراتيجي او جيو سياسي ازماته، ولنكن واقعين ستستمر بعض ازماتنا، وربما سيتخفف الوضع ونعيش وسيحدث هناك تحول ولكن ما هي المآلات، وهذه مسألة أساسية. فالجغرافية السياسية بكل مكوناتها اليوم في ازمة، وصراع المستقبل هناك انتقام، أو ثأر، أو عودة الشرق، وهذه مسألة أساسية، فالشرق يعود والتكتلات التي نراها كلها تختصر قضية الشرق، لأنه حينما نتحدث عن الدوائر الجيو استراتيجية الكبرى فإن الرؤية الاستشراقية الثابتة أننا نحن شرق، وعلينا ان نكون خاضعين لهذا الغرب. لكن اليوم بدأنا نشهد تحولًا في الشرق، وهناك نوع من الانصهار على أسس التحرر والمواجهة، والصين تؤدي دورًا كبيرًا.
اليوم ستنبعث الاقوام والأمم وتنصهر في اتحادات بين شرق وغرب، والقوميات التي ستتشكل اليوم في الشرق، وفي إطار حركات التحرر ولاهوت التحرير، لدينا القومية العربية وهي الجائزة التي ستكون بعد عشرية العدوان على سوريا التي اعطت معنىً لمفهوم العرب، ولدينا الفرس والسلافيين الروس والصين، بمعنى أخر إن ما يشد عصب هذه القوميات من ثقافة وغير ذلك سيكون هناك تحالفات لا محالة وعلاماته موجودة الآن.
إنني أدعو الى جغرافية سياسية بديلة، جغرافية سياسية للمقاومة، لأنها هي التي صنعت الحدث، وهي لا تسهم في انتصارات موضعية فقط، بل تسهم في تغيير الجغرافيا السياسية، باعتبار أن المقاومة والمعادلة التي صنعتها حشرت الجغرافيا السياسية الكلاسيكية الاستعمارية وأظهرت أزمتها.
يعني نحن نعيش تحولات في مفهوم القوة، والقوة هي صناعة ولم تعد بالمفهوم الذي تحدث عنه برتران بادي، إن القوة تساوي الانتصار، والفاعلون الآن كثر، والقوة فقدت قوتها، ونعيش تحولات مذهلة، والقوة تصنع ضعفها وهشاشتها، وهذا الذي جعل الجغرافيا السياسية الكلاسيكية القائمة على المفهوم التقليدي للقوة تجد نفسها امام ازمة. ونعيش أيضًا عصر تفكك النظرية التقليدية للجغرافية السياسية؛ فالإقليم يتحول على إيقاع المقاومة والتحرر وتصفية الاستعمار، وهذه مسألة لا يمكن الاستهانة بها، والنظام العالمي الجديد سيشهد حالة تفكك إقليمي وبلقنة وانصهار.
هناك تحولات كبيرة آتية، وهذا الذي نشاهده في الكر والفر في المنطقة، وهذه كلها عوارض في ممشى جيو استراتيجي كبير جدًا قوامه عودة، أو ثأر الشرق؛ فالجغرافية السياسية ستعود كما بدأت، وهو فك هذا النزاع الذي فشلت فيه اليونيسكو، وفشلت فيه الأمم المتحدة، وهو التجاذب بين الشرق والغرب. وفي هذا السياق يرى ماكيندر الذي وضع جغرافيته السياسية على مقاس التمددات البريطانية أنه في نهاية المطاف لا يمكن أن يستقر العالم الا بعد أن تكون القوى الغربية وتتحاور وتتحالف مع الصين لقيادة العالم، ولا يمكن قيادة العالم بقطب واحد، ولا يمكن أن يحدث هذا النوع من اتحكم القطبي الواحد الا في فترة محدودة جدًا، وما حدث بعد سقوط الاتحاد السوفياتي هو ليس أن القطبيات ذهبت، بل إعادة تشكيل القطبيات على أسس اممية وغير أيديولوجية، واليوم روسيا أقوى لأنها تنطلق من ارثها السلافي والارثوذكسي والثأر والاهانة المهمة جدًا في موضوع الصراع بين الشرق والغرب.