يطرح الجدل بشأن العفو الرئاسي بالولايات المتحدة العديد من الأسئلة حول ماهيته، وسلطات الكونغرس في الحد منه، واستخدام الرئيس دونالد ترامب له خاصة في ظل الحديث عن سعيه للاستفادة منه لتجنيبه أي مشاكل قانونية في المستقبل.
فقي 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أعلن ترامب أنه عفا عن الجنرال السابق ومستشاره للأمن القومي مايكل فلين، وكان فلين قد أقر بإدلائه بتصريحات كاذبة لمكتب التحقيقات الفدرالي "إف بي آي" (FBI)، وهي جريمة دفعت ترامب إلى إقالته بعد 23 يوما من توليه منصبه في فبراير/شباط 2017.
وانقسمت آراء الخبراء والمعلقين حول إصدار ترامب عفوا رئاسيا عن فلين، ورأى البعض أن ما قام به الرئيس الأميركي حق دستوري مارسه قبله كل رؤساء أميركا، في حين اعتبره البعض وصمة عار.
وفي حديث مع الراديو القومي الأميركي، توقع البروفيسور دان كوبيل أستاذ القانون الدستوري بجامعة أوهايو أن "تشهد الأسابيع القادمة فيضا من حالات العفو الرئاسي من ترامب عن أصدقاء له وأفراد عائلته وآخرين".
ما العفو الرئاسي؟
هو إجراء بمقتضاه يتم التنازل عن حق الدولة الأميركية تجاه مرتكبٍ لجريمة فدرالية، ومنح الدستور الرئيس هذا الحق بموجب البند الأول من الفقرة الثانية بالمادة الثانية من الدستور الأميركي، ويُعد العفو أحد أشكال سلطة الرأفة الممنوحة للرئيس.
وفي حين أن صلاحيات الرئيس في العفو تبدو غير محدودة، فإنه لا يمكن إصدار عفو رئاسي إلا عن جريمة فدرالية، ولا يمكن إصدار العفو عن قضايا العزل التي يصدرها الكونغرس أو الأحكام والقضايا التي تقرها الولايات.
وتضم وزارة العدل مكتبا متخصصا لشؤون العفو الرئاسية منذ عام 1893 حيث يقوم بتسجيل أوامر العفو والإشراف على الإجراءات البيروقراطية لتنفيذها.
ما أنواع العفو المسموح للرئيس إصدارها؟
أشارت دراسة حديثة صدرت عن خدمة أبحاث الكونغرس إلى أن سلطات العفو الرئاسي تنقسم إلى 5 أنواع:
1. العفو الكامل وبموجبه يعفى الشخص من المخالفات وتعاد له كل الحقوق المدنية التي يفقدها عند الإدانة.
2. العفو العام المتعلق بفئة أو جماعة معينة، مثل عفو الرئيس جيمي كارتر عام 1980 عن المتهربين من التجنيد الإلزامي للقتال في حرب فيتنام.
3. تخفيف الحكم الصادر عن محكمة اتحادية، أي أن يتم تقليص حكم السجن من 25 عاما إلى 4 أعوام على سبيل المثال.
4. يمكن للرئيس كذلك إلغاء الغرامات وأحكام المصادرة.
5. إصدار مهلة لتأجيل تنفيذ الحكم في حالات مثل مرض الشخص المدان، أو حمل سيدة أو وضعها في حالات خاصة.
ما أهم حالات العفو الرئاسي في التاريخ الأميركي؟
تعلق العفو الرئاسي الأهم في التاريخ الأميركي بإعفاء الرئيس جيرالد فورد عن الرئيس ريتشارد نيكسون عن أي جرائم قد يكون الأخير ارتكبها خلال فضيحة ووترغيت، على الرغم من أن نيكسون لم يتهم أو يُدان بجرائم فدرالية، وهذا ما يعرف بالعفو الوقائي.
ومن بين أهم قرارات العفو الوقائية البارزة الأخرى العفو الذي صدر عن الرئيس جورج بوش الأب عن وزير الدفاع كاسبار واينبرغر ومسؤول ومدير وكالة الاستخبارات المركزية دوان كلاريدج في أواخر عام 1992 قبل محاكمتهما بتهم تتعلق بفضيحة إيران كونترا.
ما سلطات الكونغرس للحد من سلطة الرئيس في إصدار العفو؟
دستوريا لا يملك الكونغرس أي سلطة مباشرة للتدخل في عملية العفو الرئاسي، واتفق الخبراء الدستوريون على أنه "لا يمكن للكونغرس أن يحد من أثر العفو الرئاسي، ولا أن يحد من تطبيقه على أي أي فئة من المجرمين".
ومن الأمثلة الأخرى المرتبطة بحق العفو تخفيف الرئيس باراك أوباما الحكم بالسجن على مسرب وثائق ويكيليكس تشيلسي مانينغ، والعفو الذي أصدره الرئيس بيل كلينتون عن أخيه روجر الذي كان يقضي حكما بالسجن لعام بسبب تجارة المخدرات، وعفو الرئيس رونالد ريغان عن مالك فريق نيويورك يانكيز للبيسبول جورج شتاينبرينر بتهم تتعلق بمساهمات غير قانونية في الحملة الانتخابية لنيكسون. وقد قوبلت كل تلك القرارات السابقة بالكثير من الانتقادات لما اعتبر إساءة استخدام لسلطة العفو الرئاسي.
متى بدأ العمل بالعفو الرئاسي؟
منذ تأسيس الجمهورية الأميركية، استخدم هذا الحق الرئيس الأول جورج واشنطن في نهايات القرن الثامن عشر عندما منح واشنطن أول عفو رئاسي رفيع المستوى لقادة تمرد الويسكي في يومه الأخير في منصبه.
في القرن التاسع عشر أصدر أندرو جونسون عفوًا واسعا ومثيرًا للجدل عن الآلاف من المسؤولين الكونفدراليين السابقين والعسكريين بعد الحرب الأهلية الأميركية.
المواقف من منح الرئيس سلطة العفو
سلطة العفو أثارت الجدل منذ البداية، وحذر الكثير من الخبراء من أن العفو قد استخدم في كثير من الأحيان من أجل النفعية السياسية أكثر من تصحيح الأخطاء القضائية بالأساس.
كيف استخدم ترامب حق العفو حتى الآن؟
على مدار السنوات الأربع الماضية ومنذ وصوله للبيت الأبيض، يعد الرئيس ترامب من أقل الرؤساء الأميركيين استخداما لحق العفو الرئاسي.
أصدر الرئيس ترامب أول عفو له بحق جو أربايو وهو قائد شرطة سابق أدين يوم 25 أغسطس/آب 2017 بالتمييز وملاحقة المهاجرين.
قوبل العفو عن أربايو بانتقادات واسعة النطاق من المعارضين السياسيين خاصة وأن ترامب أصدره في وقت مبكر من رئاسته، ويعد عفوه عن مستشاره السابق للأمن القومي الجنرال مايكل فلين يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي آخر حلقات استخدام الرئيس الأميركي لهذا الحق.
كيف يمكن مقارنة ترامب بغيره من الرؤساء من حيث إصدار العفو؟
ووفقًا لبيانات وزارة العدل الأميركية وحتى نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، منح ترامب حق العفو 45 مرة، منها 29 بمثابة عفو نهائي، و16 حالة استخدم ترامب فيها حقه في تخفيف العقوبة، على نحو أقل بكثير مع سلفه باراك أوباما، الذي استخدم سلطة العفو بشكل أكثر تواترا من أي رئيس تنفيذي منذ هاري ترومان.
ويعد ترامب من أقل الرؤساء استخداما لحق العفو منذ رئاسة وليام ماكينلي في أوائل القرن العشرين، وعلى سبيل المقارنة، منح أوباما حق العفو 1927 مرة خلال فترة ولايته التي استمرت 8 سنوات، بما في ذلك 212 عفوا كاملا و1715 عفوا بتخفيف العقوبات، في حين كان الرئيس جورج بوش الأب من أقل الرؤساء منحا لحق العفو حيث استخدم هذا الحق 77 مرة في ولايته التي استغرقت 4 سنوات.
هل يمكن لترامب العفو عن نفسه؟
لم يسبق لأي رئيس أميركي العفو عن نفسه، وهناك انقسام واسع بين خبراء القانون الدستوري بشأن أحقية الرئيس في ممارسة هذا الحق.
وكرر ترامب في خضم تحقيقات التدخل الروسي منتصف عام 2018 التأكيد أن لديه "الحق المطلق" في القيام بذلك طبقا للدستور.
ويميل مؤيدو الرأي القائل بأن الرئيس قد يعفو عن نفسه إلى التأكيد على عدم وجود قيود أمام ذلك في نص الدستور، فضلاً عن بعض الآراء والتصريحات التاريخية للمحكمة العليا فيما يتعلق باتساع سلطة الرئيس في إصدار العفو عموما.
وعلى النقيض من ذلك، فإن الذين يؤكدون أن الرئيس يفتقر إلى سلطة العفو الذاتي يثيرون حججا قانونية مفادها أن العفو الذاتي لا يتفق مع الأحكام الدستورية الأخرى.