كتبت لارا جايكس تقريراً في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تناولت فيه مصير اتفاقات التطبيع العربية الأخيرة مع "إسرائيل" في عهد الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن.
وقالت الكاتبة إن السودان وافق على تطبيع العلاقات مع "إسرائيل" كثمن شطبه من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب. وأبرم المغرب صفقة دبلوماسية مماثلة مع "إسرائيل" مطالباً الولايات المتحدة بالاعتراف بسيادته على منطقة الصحراء الغربية. وكان على مسؤولي الإمارات العربية المتحدة الذين أرادوا شراء طائرات مقاتلة من طراز F-35 من الولايات المتحدة التوقيع أولاً على اتفاقات أبراهام، وهي نتاج حملة الرئيس دونالد ترامب لتعزيز الاستقرار بين "إسرائيل" والدول الإسلامية المعادية لها.
ورأت الكاتبة أنه في كل حالة من هذه الحالات، يمكن أن تسقط الحوافز التي كانت تقدمها إدارة ترامب للدول الثلاث في مقابل انفراج العلاقات مع "إسرائيل"، وذلك إما لرفضها من قبل الكونغرس أو أن تعكسها إدارة الرئيس المنتخب جوزيف بايدن.
ولا يعرّض ذلك للخطر سلسلة الاتفاقات الإقليمية للتقارب فحسب، بل يؤدي كذلك إلى تفاقم النظرة العالمية إلى الولايات المتحدة التي لا يمكن الاعتماد عليها في إنجاز الصفقات الدبلوماسية.
واتفاقات أبراهام هي الإنجاز المميز لترامب في السياسة الخارجية في إنشاء أو إحياء العلاقات الاقتصادية والسياسية لـ"إسرائيل" مع البحرين والإمارات والسودان والمغرب.
وقال مسؤولون أميركيون مطلعون على جهود الإدارة، إن سلطنة عمان وتونس قد تكونا الدولتين التاليتين اللتين تنضمان إلى اتفاقات التطبيع، ويمكن أن يتسع الأمر ليشمل دولاً في آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء حتى بعد مغادرة ترامب منصبه في كانون الثاني / يناير المقبل.
وقالت الكاتبة إنه من المؤكد أن التخفيف الرسمي للتوترات بين "إسرائيل" وجاراتها هو نجاح سعى إلى تعزيزه الرؤساء الجمهوريون والديمقراطيون السابقون على حد سواء منذ فترة طويلة.
وقال روبرت مالي، الرئيس والمدير التنفيذي لـ"مجموعة الأزمات الدولية"، وهو مقرب من أنتوني بلينكين، الذي اختاره بايدن لمنصب وزير خارجية: "كل الدبلوماسية هي معاملات، لكن هذه المعاملات تمزج بين أشياء لا يجب أن تكون مختلطة".
وتوقع مالي أن إدارة بايدن المقبلة ستحاول التراجع أو تمييع أجزاء من صفقات التطبيع التي تتحدى الأعراف الدولية، كما في حالة سيادة المغرب على الصحراء الغربية، أو تتحدى سياسة الولايات المتحدة طويلة الأمد، مثل مبيعات مقاتلات "أف-35" للإمارات.
وقد أظهر الكونغرس أيضاً قلقاً بشأن إبرام الصفقة. ووافق مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي بفارق ضئيل على شراء الإمارات للطائرات الشبح والطائرات بدون طيار وغيرها من الأسلحة الدقيقة، مما يشير إلى القلق بشأن توسيع صفقات الأسلحة إلى دول الخليج العربية. ويمكن عكس ذلك إذا تولى الديمقراطيون السيطرة على مجلس الشيوخ بعد انتخابات الإعادة في جورجيا الشهر المقبل. كما ستتم مراجعة هذه الخطوة من قبل إدارة بايدن للتأكد من أن الصفقة التي قيمتها 23 مليار دولار مع الإمارات العربية المتحدة، لا تضعف التفوق العسكري الإسرائيلي في المنطقة.
وبعد يوم من تصويت مجلس الشيوخ، قال الرئيس الجمهوري للجنة القوات المسلحة في المجلس، السناتور جيمس إينهوف من أوكلاهوما، إن قرار إدارة ترامب الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية أمر "صادم ومخيب للآمال"، وتوقعت أنه سوف يتم عكس القرار.
وتعتبر الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي الصحراء الغربية منطقة متنازع عليها.
وقال إينهوفي في بيان: "إنني حزين لأن حقوق شعب الصحراء الغربية قد تم التنازل عنها. لقد تلقى الرئيس نصائح سيئة من فريقه، كان بإمكانه إبرام هذا الاتفاق من دون مقايضة حقوق الأشخاص الذين لا صوت لهم".
ولم يظهر الاتفاق الدبلوماسي في أي مكان أنه أكثر حساسية من السودان. فقد تم ربط قضية تبدو غير ذات صلة - الحصانة في المحاكم الأميركية من دعاوى الإرهاب - بشكل غير مباشر بشرط توقيع السودان على مضض على اتفاقية السلام مع "إسرائيل" في تشرين الأول / أكتوبر.
وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد قررت بالفعل رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب في مقابل تعويض الخرطوم لضحايا تفجيرات 1998 ضد السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا. وكجزء من تلك المفاوضات، طالبت الحكومة الانتقالية في السودان بإسقاط جميع دعاوى الإرهاب الأخرى التي واجهتها بسبب الهجمات التي نفذتها خلال 27 عاماً وكانت مدرجة على القائمة.
ووافقت وزارة الخارجية الأميركية الصيف الماضي بشرط خاص بها: أن يبدأ السودان في إذابة نصف قرن من القتال مع "إسرائيل".
ومع ذلك، فإن الكونغرس فقط هو من يمكنه منح السودان السلام القانوني الذي يسعى إليه. فخلال الأشهر العديدة الماضية، وصل المشرعون إلى طريق مسدود بشأن القيام بذلك، بالنظر إلى أن ذلك سيحرم عائلات ضحايا هجمات 11 أيلول / سبتمبر 2001 من حق محاكمة المسؤولين عن الهجمات.
وقالت كريستين بريتوايزر، المحامية التي قُتل زوجها في الهجمات على نيويورك، في بيان صدر الأسبوع الماضي خلال مفاوضات غاضبة في الكونغرس: "لقد أردنا دائماً محاسبة جميع الإرهابيين على أعمالهم في 11 أيلول / سبتمبر".
وأصر السودان على أنه غير مسؤول عن هجمات 11 أيلول / سبتمبر، بالنظر إلى أن زعيم القاعدة أسامة بن لادن قد ترك ملاذه في البلاد قبل خمس سنوات من تنفيذها. لكن الحل الوسط الذي تم التوصل إليه في الكونغرس، بحسب مسؤولين قريبين من المفاوضات، يسمح بمواصلة دعاوى 11 أيلول / سبتمبر، مما يجعل السودان مسؤولاً عن تعويضات الضحايا بمليارات الدولارات.
ورفض ممثلو السفارة السودانية في واشنطن التعليق لكنهم قالوا في وقت سابق إن البلاد قد تخرج من اتفاقات السلام مع "إسرائيل" إذا لم تحصل على حصانة من دعاوى الإرهاب.
وفي الوقت الذي تحاول فيه إدارة ترامب منع انهيار الاتفاق، أكد مسؤول أميركي تقرير لموقع بلومبرغ أن الولايات المتحدة عرضت على السودان قرضاً بقيمة مليار دولار للمساعدة في سداد متأخراتها والحصول على ما يصل إلى 1.5 مليار دولار من المساعدات التنموية السنوية. ومن المتوقع أن يزور وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين السودان و"إسرائيل" والإمارات في وفد رفيع المستوى إلى المنطقة الشهر المقبل.
وتبدو البحرين استثناءً وحيداً من بين الدول التي عُرضت عليها حوافز كجزء من اتفاقات التطبيع مع "إسرائيل"، على الرغم من أن وزارة الخارجية الأميركية قد صنفت هذا الأسبوع "سرايا المختار" التي يُزعم أنها مرتبطة بإيران على أنها جماعة إرهابية، وذلك جزئياً لهدفها المتمثل في إسقاط الملكية.
وقد أثار ذلك كذلك مخاوف المسؤولين الحكوميين الحاليين والسابقين ومحللي الصراع من أن الولايات المتحدة سوف تصنّف المتمردين الحوثيين في اليمن كمنظمة إرهابية أجنبية، جزئياً لإقناع المملكة العربية السعودية بالتوقيع على الاتفاقات مع "إسرائيل".
وقال مسؤولون قريبون من القرار إن وزير الخارجية مايك بومبيو كان يميل إلى إصدار التصنيف لقطع دعم إيران للحوثيين، الذين سيطروا على معظم اليمن، وأطاحوا بحكومته، وهاجموا السعودية المجاورة على حدودهم الممتدة خلال حرب الخمس سنوات. كما يمكن أن يمنع التصنيف إيصال المساعدات الإنسانية إلى الموانئ الرئيسية في اليمن، والتي يسيطر الحوثيون على معظمها، مما يؤدي بدوره إلى تفاقم المجاعة في واحدة من أفقر دول العالم.
وقالت الكاتبة إنه "مع ذلك، فمن المشكوك فيه أن تصنيف الإرهاب وحده سيقنع السعودية - أقوى نظام ملكي في الشرق الأوسط - بتطبيع العلاقات مع "إسرائيل". فقد يستغرق ذوبان الجليد هذا سنوات، إذا ما حدث على الإطلاق، وبحلول ذلك الوقت قد يكون مدفوعاً أكثر، من قبل عدد متزايد من الشباب في المملكة الذين يهتمون أكثر بالوظائف والاستقرار الاقتصادي في الوطن أكثر من الصراع القديم بين "إسرائيل" وفلسطين.
وقالت نيكي هالي، التي كانت أول سفيرة لترامب لدى الأمم المتحدة، إن الرحلة السرية التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى السعودية الشهر الماضي للقاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان كانت إشارة جريئة على الانفراج.
وقالت هايلي أمام قمة ديبلوتيك العالمية التي تتخذ من "إسرائيل" مقراً لها يوم الأربعاء: "هذه الدول العربية تريد أن تكون صديقة لإسرائيل".
وقالت الصحيفة إنه حتى لو لم يوافقا على دبلوماسية المعاملات التي يتبعها ترامب، فإن بايدن وبلينكن سيكونان حذرين أيضاً من الظهور بمظهر التراجع عن دعم "إسرائيل"، التي تعد أقوى حليف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وتتمتع بنفوذ سياسي كبير على الناخبين الإنجيليين واليهود الأميركيين.
وقال داني دانون، السفير الإسرائيلي السابق لدى الأمم المتحدة: "أعتقد أن الرئيس المنتخب بايدن سيحاول الاستمرار في زخم (التطبيع) لأنه مفيد للولايات المتحدة، ومفيد لحلفاء الولايات المتحدة، وأعتقد أن هذا سيكون الشيء الصحيح الذي يجب فعله".