قالت صحيفة "لوموند" الفرنسية إن تفوق أذربيجان في مواجهتها مع أرمينيا وحسمها للمعركة في أسابيع قليلة مثّل درسا حقيقيا للجيوش الأوروبية، عليها أن تنتبه له وتستفيد منه.
وفي تقرير مشترك بين إيزابيل ماندرو وماجد زروقي، أشارت الصحيفة إلى أن إقليم ناغورني قره باغ الصغير الذي تراجع إلى مشكلة منسية بين جمهوريتين من الاتحاد السوفياتي السابق، عاد إلى الظهور بعنف هذه السنة وبطريقة ذات خصائص تدعو الخبراء العسكريين لإعادة التفكير في إستراتيجياتهم.
ففي أقل من 6 أسابيع -كما يقول الكاتبان- تغير كل شيء، حيث بدأت الاشتباكات المسلحة في 27 سبتمبر/أيلول وانتهت بكلفة ما يقرب من 6 آلاف قتيل من الجانبين، وبهزيمة القوات الأرمينية وإقرار وقف إطلاق النار الذي فرضته موسكو في 9 نوفمبر/تشرين الثاني، لتعود جميع أراضي الإقليم التي احتلتها أرمينيا عام 1994 إلى السيطرة الأذربيجانية، بعد أن كاد الإقليم الذي يسكنه الأرمن يقع في المصير نفسه، لولا قوات التدخل الروسية.
ونبه الكاتبان إلى أن الجيش الأرميني قبل هذه الحرب كان يُنظر إليه على أنه أكثر كفاءة وأكثر تحفيزا وأفضل في السيطرة على التضاريس، لولا أن أذربيجان بدأت تُزوّد نفسها بترسانة عسكرية كبيرة حديثة منذ عدة سنوات، وأعدت عملياتها بعناية، وبدعم من جهة فاعلة جديدة هي تركيا.
طائرات مسيرة مسلحة
وقد تمكنت باكو -حسب التقرير- من الاستفادة من التقدم التكنولوجي والخبرة التركية المكتسبة بشكل خاص في سوريا، وذلك باستيراد ما قيمته 256 مليون دولار من المعدات التركية خلال الـ11 شهرا التي سبقت الحرب، بما في ذلك 6 طائرات دون طيار هجومية من إنتاج شركة "بيرقدار" التركية.
وذكّر الكاتبان بتجربة القوات التركية في سوريا، حيث قامت في عملية "درع الربيع" باستخدام الطائرات المسيرة المسلحة والمدفعية وأنظمة التشويش الإلكتروني والقوات الخاصة في مهاجمة الخصم وملاحقته، ودمرت في 3 ليالٍ 124 دبابة ومدرعة للقوات السورية، كما دمرت مقار القوات ومستودعات الذخيرة وخطوط الإمداد.
وفي إقليم قره باغ أيضا، لم يستغرق الأمر سوى فترة وجيزة حتى تمت هزيمة الجيش الأرميني المخضرم، وبثت الطائرات المسيرة القادرة على القيام بمهام الطائرات المقاتلة نفسها، والتي تحمل ذخيرة تركية وإسرائيلية الصنع، الرعب بين الأرمينيين وألحقت بهم خسائر فادحة.
وقد مكّنت الطائرات المسيرة الأذربيجانيين على وجه الخصوص، من التعرف على المواقع الأرمينية قبل قصفها بالمدفعية التقليدية وحرمان أصحابها من إمداداتهم، تماما كما فعلت في سوريا أو ليبيا، حيث أثبتت أنظمة الدفاع الجوي الروسية عدم فعاليتها ضد هذه الطائرات الصغيرة والبطيئة، كما يقول الكاتبان.
ولعدم امتلاكها نظام تشويش قادرا على قطع توجيه الطائرات المسيرة، لم تنشر أرمينيا حتى طائراتها الاعتراضية "سو-30" (Su-30) الباهظة الثمن، خاصة أن مقايضتها بطائرة رخيصة كالمسيرات ليست أمرا معقولا.
دروس الصراع
وفي هذا السياق، يحذر المحلل في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية غوستاف غريسيل، من أن "أوروبا يجب أن تدرس بعناية العِبَر العسكرية لهذا الصراع، وألا تنظر إليه على أنه حرب صغيرة بين الدول الفقيرة".
وأضاف أن "فرنسا وألمانيا وحدهما لديهما أجهزة تشويش مضادة للطائرات على مسافة قصيرة"، مشيرا إلى أن "معظم جيوش الاتحاد الأوروبي، ولا سيما جيوش الدول الصغيرة والمتوسطة الحجم، لم تكن لتفعل أفضل مما فعله الجيش الأرميني في الحرب الحديثة".
ومن جانبه، نبه الخبير العسكري ميشال غويا إلى أن استخدام الطائرات المسيرة المكثف "لم يدمر في حملة واحدة مثل ما دمر في هذه الحرب"، وذكّر بأن "هذه الأجهزة الطائرة المضحكة التي لا تخلو أدبيات الجيوش الغربية من الازدراء بها، باعتبار أنها لا تستطيع الصمود طويلا في بيئة شديدة القسوة، أظهرت العكس تماما".