تستقبل "إسرائيل" عام 2021 محملة ومثقلة بالتحديات والأزمات الداخلية التي ترافقها منذ سنوات وتعمقت خلال 2020، في حالة تأطير مشهد للهروب إلى الأمام للتخلص من هذه الأزمات، والسعي لتوظيف منجزات وثمار التطبيع لإحداث انفراجة عسكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية وصحية، وترتيب البيت الداخلي عقب فوضى جائحة كورونا.
وتسير بخطى ثابتة لإجراء انتخابات جديدة بالربع الأول من العام الجاري، هي الرابعة خلال عامين ونيف، في سيناريو يكرس أزمة الحكم والقيادة التي تعيشها، وذلك بعد أن هيمن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على مفاصل الحكم، حيث يواجه صراع البقاء على كرسي الرئاسة في ظل ملفات الفساد.
ومع ضبابية المشهد السياسي الداخلي، تعيش "إسرائيل" حالة من الغموض بكل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والتوتر المتواصل على جبهة غزة، وذلك رغم التحالفات الإقليمية التي سعت إليها وتطبيع العلاقات مع الإمارات والبحرين والسودان دون قيد أو شرط.
وترقب تل أبيب نهج وسياسة إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن تجاه حكومة نتنياهو والملفات الحارقة وأبرزها: الاتفاق النووي الإيراني، السلطة الفلسطينية، الصراع العربي الإسرائيلي، والتدخلات الإقليمية في الخليج والصراع شرق المتوسط.
أزمة حكم وقيادة
تعيش "إسرائيل" وللعام الثاني على التوالي أزمة قيادة وعدم استقرار الحكم، وتتجه إلى انتخابات رابعة خلال 2021، حيث يراهَن على حسم الصندوق لتغيب نتنياهو الذي يواجه ملفات فساد عن المشهد السياسي، وسط تشرذمات بالخارطة الحزبية وانشقاق بحزب الليكود يقوده عضو الكنيست جدعون ساعر، ويرافق ذلك انقسامات داخل معسكري اليمين والمركز، مع غياب شبه تام لمعسكر اليسار الصهيوني.
ووسط حالة التشرذم والانشقاق، تظهر استطلاعات الرأي تراجع قوة كتلة نتنياهو التي يمكن أن تؤدي لتشكيل الحكومة المقبلة، مع تعزيز الكتلة المعارضة لتولي نتنياهو رئاسة الوزراء مستقبلا، لكن دون حسم هوية رئيس الوزراء البديل، والذي سيكون بحاجة إلى دعم نواب القائمة العربية المشتركة، الأمر الذي يزيد من تعقيدات المشهد السياسي ويبقي على ضبابية مشهد التحالفات بين الأحزاب اليهودية.
محاكمة نتنياهو
واستباقا لحسم الصندوق، يواجه نتنياهو الذي يلقب بـ "ملك إسرائيل"، في فبراير/شباط 2021، أولى جلسات محاكمته في 3 ملفات فساد تشمل الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، على أن تجرى المداولات من خلال 3 جلسات أسبوعيا، ويلزم نتنياهو بحضور جلسات الطعون ومرحلة الإثباتات شخصيا.
وبعد 4 سنوات من تكراره عبارة "لن يكون هناك أي شيء بالإشارة إلى ملفات الفساد، لأنه لا يوجد شيء" سيمثل نتنياهو أمام هيئة القضاة في المحكمة المركزية بالقدس، وذلك بعد أن فشل عقب انتخابات الكنيست الـ 23 في مارس/آذار 2020 في تمرير القانون الذي يحظر التحقيق مع رئيس الوزراء أو محاكمته خلال فترة ولايته.
جائحة كورونا
نجح نتنياهو في توظيف جائحة كورونا بالمشهد السياسي، حيث فكك تحالف حزب الجنرالات "أزرق أبيض" بعد انتخابات مارس/آذار، وشكل مع وزير الدفاع بيني غانتس ائتلاف حكومة طوارئ لمواجهة الجائحة وتداعياتها الصحية والاقتصادية، لكن دون أن يتمكن من تحصين الائتلاف الحكومي الذي حظي بدعم 73 من أعضاء الكنيست.
وتدخل "إسرائيل" عام 2021 مع تراجع النمو الاقتصادي ونحو 800 ألف عاطل عن العمل، و850 ألف عائلة تعيش تحت خط الفقر و656 ألفا أخرى تعاني من فقدان الأمن الغذائي، وتراهن على التبادل التجاري مع أبو ظبي لتشجيع اقتصادها، ومن المتوقع أن يبلغ حجم الصادرات التجارية الإسرائيلية إلى الإمارات 600 مليون دولار خلال عام 2021، عدا الصادرات الأمنية والعسكرية التي يتم التكتم عليها.
ولتعزيز حظوظه لحسم الانتخابات الرابعة وإدارة أزمة ملفات الفساد بالبقاء رئيسا للوزراء، يسعى نتنياهو، إلى جانب المبادرات الاقتصادية وجذب الاستثمارات من دول الخليج المطبعة، إلى إشهار الورقة الصحية بتوفير لقاح "فايزر" ضد فيروس كورونا، والذي سيعطى للإسرائيليين خلال النصف الأول من هذا العام، وتشير التقديرات إلى أن ذلك سيسهم بنمو الاقتصاد بحوالي 5%.
اتفاق "أبراهام" والنووي الإيراني
تنظر المؤسسة الإسرائيلية إلى اتفاق "أبراهام" والتطبيع على أنه إنجاز سياسي ذو أهمية تاريخية لمكانة إسرائيل الإقليمية، حيث يشير تقدير موقف، لمركز بيغن السادات للدراسات الإستراتيجية في جامعة بار إيلان، إلى أن الأساس المنطقي لبناء جبهة معادية لإيران يلزم "إسرائيل" القيام بعمل عسكري لحلفائها حتى في الحالات التي لا يوجد فيها تهديد وجودي للدولة اليهودية.
لذلك تتطلب التقييمات الجديدة بالشرق الأوسط من الحكومة إعداد الجمهور الإسرائيلي لأفكار والتزامات لم تعترف بها في الماضي، كمشاركة عسكرية إقليمية تفي من خلالها بالدور الذي كانت تقوم به الولايات المتحدة نيابة عن تل أبيب.
ومع وصول بايدن إلى البيت الأبيض، ورغم فتور علاقته بنتنياهو، يقترح مركز بيغن السادات على تل أبيب بذل قصارى جهدها لإبطاء فك ارتباط واشنطن بالمنطقة وإعادة حضورها إلى الشرق الأوسط، لأن الشراكة الأميركية الإسرائيلية القوية أساس نجاح المحور الجديد الذي يتطور بالمنطقة قبالة المحور الإيراني، وفقا للمركز.
حضور.. غياب
ووسط خلط الأوراق الذي تعيشه "إسرائيل" مع تبدل إدارة البيت الأبيض، وغياب الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب عن المشهد بحلول 2021، تتطلع تل أبيب لفتح صفحة جديدة مع بايدن بسبب الترسبات التي تركها نتنياهو خلال ولاية الرئيس باراك أوباما.
وكان الرئيس الأميركي المنتخب أدلى بتصريحات حول نية الإدارة الجديدة الوفاء بوعدها بالعودة إلى الاتفاق النووي، ورفع العقوبات المفروضة على إيران من قبل إدارة ترامب إذا امتثلت طهران لالتزاماتها بالكامل.
حرب وتصدير أزمات
لطالما كانت الحروب والعمليات العسكرية المحددة الوسيلة لتصدير الأزمات الداخلية بـ"إسرائيل"، ومع ترسيخ التموضع العسكري الإيراني في سوريا وتكريس "هيمنة" حزب الله على المشهد السياسي بلبنان، يبدو جليا أن التعاون العسكري لطهران والفصائل المسلحة على طول خط وقف إطلاق النار بالجولان المحتل يخلف تحديات جديدة لإسرائيل في الحرب القادمة على الجبهة الشمالية.
ووفقا لتقدير موقف صادر عن مركز أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، فإن المواجهة المقبلة والمتوقعة خلال عام 2021 ستكون مختلفة عن سابقاتها، ويتوقع أن تشمل لبنان وسوريا وحتى غرب العراق، رغم التقديرات التي تشير إلى عدم رغبة "إسرائيل" وإيران وحزب الله باندلاع حرب شاملة.
وسيضع عام 2021 الجيش الإسرائيلي أمام تحديات عسكرية غير تقليدية من خلال حرب متعددة المراحل سميت بـ "حرب الشمال" ومواجهة عسكرية على عدة جبهات قريبة وبعيدة بغرض إبطال خطر الصواريخ الدقيقة والقدرات الأساسية والسلاح غير التقليدي.