بعد 5 أيام من الصمت المتبادل، التقى الرئيس دونالد ترامب ونائبه مايك بنس وتحدثا للمرة الأولى منذ السادس من يناير/كانون الثاني الجاري حين وقعت أعمال شغب مصاحبة لعملية اقتحام الترامبيين مبنى الكونغرس لتعطيل التصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية، ونتج عنها مقتل 5 أشخاص.
وترأس بنس الجلسة المشتركة لتصديق مجلسي النواب والشيوخ على النتائج التي رفض خلالها الانصياع لضغوط ترامب لقلب نتائج الانتخابات، وعرقلة التصديق عليها.
ووفقا لوكالة بلومبيرغ فقد تم الاجتماع ليل أمس الاثنين بتوقيت واشنطن، ولم يتم الإعلان عنه ولم تنشر صوره حتى الآن.
ومن الولاء الكامل إلى هتاف بإعدام بنس، دفعت أحداث الأسبوع الماضي إلى حدوث شرخ لم يتوقعه أحد بين الرئيس المنتهية ولايته ونائبه الوفي، إذ كان بنس استثناء واضحا بين مجموعة كبار المسؤولين الذين اصطدموا بترامب خلال سنوات حكمه الأربع.
فقد تدهورت علاقة ترامب مع كبار مساعديه من وزيري الخارجية والدفاع ومستشارين للأمن القومي وكبار موظفي البيت الأبيض، وأقدم على إقالتهم أو قدموا استقالاتهم، وبقي بنس صامدا.
ونجا بنس بعلاقته مع الرئيس من تقلباته، وسدد ثمن الولاء الشديد لترامب بالبقاء في الظل في عهد رئيس يطغى وجوده وكاريزميته ومركزيته على الساحة السياسية، بما لا يسمح بسطوع نجم نائب الرئيس.
لكن كل ذلك تغير خلال الأيام الخمسة الأخيرة، وغرد الرئيس المنصرف في تمام 2:24 عصر السادس من يناير/كانون الثاني الجاري أثناء توجه الآلاف من أنصاره إلى مبنى الكابيتول يقول "لم يكن لدى بنس الشجاعة للقيام بما كان ينبغي القيام به لحماية بلدنا ودستورنا، مما أعطى الولايات فرصة للتصديق على مجموعة من الأكاذيب، وليس الحقائق. الولايات المتحدة تطالب بالحقيقة!".
ومثل رفض بنس الالتفاف على واجب دستوري، مهم وواضح، سلوكا غير مقبول من جانب الرئيس. وجاء إحجام ترامب بعدم التواصل مع بنس وعائلته أثناء ساعات اقتحام الكابيتول واختباء النائب من صفوف أنصار ترامب الذين كانوا يصيحون مطالبين بإعدام بنس، ليظهر حجم الفجوة الناجمة عن رفض النائب طلب ترامب غير الدستوري.
وطبقا لتقارير صحفية، فقد عبر بنس لمساعديه عن "الاستياء الشديد من الرئيس" وقال شخص مقرب منه إن "حياته كانت على المحك".
لدى بنس ما يحتاجه ترامب
قبل 4 سنوات اختار المرشح الجمهوري آنذاك ترامب نائبا ليرافقه على بطاقة الحزب في السباق الرئاسي إلى البيت الأبيض، ووقع الاختيار على بنس.
ووفر بنس لترامب ما يفتقده، فهو رجل سياسة من ولاية إنديانا الجمهورية، ويعرف تفاصيل العمل الحكومي من خلال سنوات عمله بمجلس النواب، ويعرف تفاصيل الإدارة الحكومية من خلال عمله حاكم ولاية.
ومثّل تدين بنس، وكونه من أهم السياسيين شعبية بين أوساط الإنجيلين المحافظين، دعما كبيرا لوصول ترامب للبيت الأبيض.
ومنح النائب الانضباط والتنظيم لجهود الحكومية في التعامل مع أزمة كورونا، لكن جهود الإدارة ونتائجها كانت كارثية بشكل عام، حيث عانت من خلل بيروقراطي واقتتال داخلي.
ويتهم الخبراء البيت الأبيض بتبني إستراتيجية فاشلة تركت الولايات المتحدة بعدد إصابات اقترب من 22 مليون حالة ووفاة ما يقارب 380 ألف شخص مع نهاية يوم 11 يناير/كانون الثاني الجاري.
ويرجع بعض الخبراء الفشل الأميركي في إحدى نواحيه إلى تردد بنس المفرط في اتخاذ قرارات حاسمة سريعة، دون الحصول على موافقة واضحة من الرئيس.
ترقب لحظة 2024
قبل الأحداث الأخيرة، اعترف العديد من حلفاء بنس بأن خسارة ترامب انتخابات 2020 تدفع ببنس إلى "سلة المهملات" إلا أن ما أقدم عليه الأخير يدفع به لاحتمال قيادة التيار التقليدي للحزب الجمهوري في مواجهة تيار يميني متشدد يمثل قاعدته أنصار ترامب، ويتصارع على زعامته السيناتوران تيد كروز من ولاية تكساس، جوش هاولي من ولاية مسيسيبي، وكلاهما كانا من داعمي عدم التصديق على نتائج الانتخابات.
ومثل موقف بنس الأخير، وتقدير الكثير من الزعماء الجمهوريين له، خطوة هامة تدفع به إلى رأس قائمة المرشحين التقليديين الساعين للظفر ببطاقة الحزب الجمهوري لانتخابات 2024 في ظل منافسة شرسة متوقعة مع نجوم صاعدة مثل السفيرة نكي هيلي والسيناتورين توم كوتون، ماركو روبيو، ووزير الخارجية مايك بومبيو.
ومن المتوقع أن يستأنف بنس جدولاً زمنياً مزدحما خلال الأيام الثمانية الأخيرة من حكم إدارة ترامب حيث يقضيها في إلقاء مجموعة خطب واجتماعات تهدف إلى إبراز سجله وإنجازاته خلال السنوات الأربع الأخيرة، في الوقت الذي يرفض فيه وبقوة تفعيل التعديل 25 من الدستور المتعلقة بعزل الرئيس.
بنس اليوم أقوى
وفي اليوم الأخير من عمر إدارة ترامب بنس، يتوقع أن يشارك الأخير في مراسم تنصيب الرئيس الجديد، في الوقت الذي أعلن فيه ترامب رفض المشاركة في المراسم، وستسمح هذه المناسبة بإبراز بنس كرجل دولة يحترم الدستور مع عدم تخليه عن ترامب.
وخلال 4 سنوات حاول بنس السير على خط رفيع بين الولاء الكامل للرئيس والدفاع عن أفعاله المتهورة من ناحية، ومن ناحية أخرى الظهور كسياسي محافظ ملتزم دينيا واجتماعيا ومحافظا على تقاليد مؤسسة الحزب الجمهوري العريق.
وقد نجح بنس في تحديه لرغبة ترامب تعطيل التصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية، دون أن يؤثر على رصيده السياسي في المستقبل ويعيق طموحاته الرئاسية خاصة مع عدم تفعيله للمادة 25 وعزل ترامب.
ويرى الكثير من المعلقين أن بنس أصبح في موقف أقوى مما كان عليه، إذ يستطيع القول إنه كان مخلصًا بقوة لترامب ولكن كان عليه اتباع الدستور.