• اخر تحديث : 2024-04-24 13:38
news-details
أبحاث

الأزمة السياسية والانتخابات في أوغندا: الأبعاد والسيناريوهات المحتملة


تُشكِّل مسألة التغيير تحديّاً رئيسّاً في أوغندا، البلد الواقع في الشرق الأفريقي، وسط حالة الاستقطاب التي تغلب على المشهد السياسي الأوغندي مع اقتراب موعد الانتخابات العامة في البلاد المقرر عقدها، ومع تصاعد دعوات التغيير التي تطرحها المعارضة السياسية ورفضها استمرار الرئيس يوري موسيفيني في السلطة، في مقابل مساعي النظام الحاكم لإخماد التظاهرات المناهضة له، وتضييق مساحة الحركة لرموز المعارضة، لا سيما المعارض البارز، بوبي واين، المنافس الرئيس لموسيفيني في الانتخابات المقبلة.

تُسلِّط هذه الورقة الضوء على طبيعة الأزمة السياسية الراهنة في أوغندا، ومستقبل النظام الحاكم في هذا البلد على ضوء ما ستسفر عنه نتائج الانتخابات وتداعياتها.

مستجدات الوضع السياسي في أوغندا

يتَّسِم المشهد السياسي في أوغندا بالتعقيد في ظل تصاعد التوتر بين النظام الحاكم والمعارضة بالتزامن مع الاستعدادات لإجراء الانتخابات العامة في البلاد المقرر عقدها في 14 يناير 2021، في ظل تمسُّك الرئيس الحالي يوري موسيفيني* بالاستمرار في السلطة، خاصة بعد إلغاء المحكمة الدستورية الأوغندية في أبريل 2019 بند الحد الأقصى للسن ليتمكَّن من الترشح لولاية سادسة في البلاد وسط تحديات من مُرشحي المعارضة، وأبرزهم بوبي واين وباتريك أوبوي.

وتزايدت مؤخراً مساعي المعارضة السياسية بقيادة روبرت كياغولاني سنتامو المعروف بـ"بوبي وأين لتدشين حقبة ما بعد موسيفيني وإنهاء حكمه الذي استمر 34 عاماً، الأمر الذي قوبل بحملة أمنية لترهيب رموز المعارضة، ما دفعها إلى الدعوة للتظاهر ضد استمرار الرئيس في السلطة، وبالفعل انطلقت عدة تظاهرات في مناطق عدة من البلاد مثل كمبالا وجينجا وماساكا وهويما وجولو أفضت إلى سلسلة من عمليات العنف، واستخدمت خلالها الشرطة الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع، ما أودى بحياة أكثر من 54 شخصاً، واعتقال أكثر من 600 آخرين بتهمة إثارة أعمال الشغب والعنف.

ويُفسِّر محللون الموقف المتشدد لنظام الرئيس موسيفيني بعدم اعتياده حصول منافسة قوية له في الانتخابات الرئاسية، فضلاً عن التخوف من تراجع شعبيته في الشارع الأوغندي بعد نشاط واين الذي كان هدفاً للتضييق الأمني على مدار العامين الماضيين. ويَتَّهِم موسيفيني المعارضةَ بأنها عصابات إجرامية تحصل على تمويل من الخارج، وتُشجِّع الشباب على الشغب، وهدَّد باستخدام القوة للحفاظ على النظام العام؛ ما يعكس إحكام قبضته القوية على كافة المؤسسات، لاسيما المؤسسة الأمنية والعسكرية. في حين تسعى المعارضة لتأكيد قدرتها على تعبئة وحشد قطاع كبير من المؤيدين والشباب في المدن والقرى للتظاهر ضد النظام الحاكم، والتركيز على "إخفاقات" الرئيس موسيفيني التي عززت حالة الإحباط لدى قطاع كبير من الشباب؛ والتي انعكست على مطالبهم المتزايدة بالتغيير السياسي في البلاد.

ومن شأن الفجوة الجيلية التي تتسع بين جيلي الكبار والشباب أن تُعزز الانقسام في البلاد بعدما ظهرت حركة شبابية سلمية يقودها بوبي وأين تدعو لإنهاء احتكار الحرس القديم بزعامة موسيفيني، وفتح آفاق جديدة نحو تعزيز الديمقراطية والاندماج السياسي في البلاد وضمان مستقبل أفضل للشعب الأوغندي.

ويتنافس في الانتخابات 11 مرشحاً، ويواجه موسيفيني تحدياً رئيسّاً من بوبي واين، الذي يبرز بوصفه أقوى منافس له بعد انسحاب كيزا بيسيجي المنافس الرئيس لموسيفيني خلال الاستحقاقات الأربعة السابقة لصالح واين[iv]. ويقترن المشهد الانتخابي الأوغندي باستمرار التظاهرات والمواجهات بين القوات الأمنية وأنصار المعارضة السياسية بسبب التضييق الأمني على تحركات واين، إذ تم توقيفه ثلاث مرات خلال الشهرين الماضيين، واحتجاز فريق حملته الانتخابية بحجة خرق قرار حظر الحملات الانتخابية التي أقرته اللجنة الانتخابية في العاصمة كمبالا، وفي 15 منطقة أخرى بهدف السيطرة على انتشار جائحة كوفيد-19

أضف إلى ذلك، ارتفاع رسوم الترشح للانتخابات البرلمانية التي بلغت 800 دولار، الأمر الذي يمثل معضلة للأحزاب السياسية التي تعاني من ضعف الموارد المالية على عكس الحزب الحاكم؛ وهو ما اعتبرته المعارضة بمثابة ذريعة للحد من إمكانية توسيع الحملات الانتخابية لواين، وحرمان المعارضة من الحصول على دعم المناطق التي لا يتمتع فيها الحزب الحاكم بشعبية كبيرة.

مواقف القوى الخارجية

مع أن المجتمع الدولي منشغل بمواجهة جائحة كوفيد-19، تحظى تطورات الأوضاع في أوغندا باهتمام دولي وإقليمي ملحوظين نظراً للأهمية التي تتمتع بها أوغندا في شرق أفريقيا ومنطقة البحيرات العظمى، وفي ظل التخوف من خروج الأوضاع عن السيطرة، ما يهدد أمن المنطقة والمصالح الدولية هناك.

فقد عبَّرت الأمم المتحدة عن قلقها إزاء العنف المرتبط بالانتخابات والاستخدام المفرط للقوة من جانب القوات الأمنية الأوغندية، ودعت إلى تحجيم قوات الأمن، والتوقف عن توجيه الاتهامات للمعارضين السياسيين.

واكتفت السفارة الأمريكية في أوغندا بدعوة جميع الأطراف على نبذ العنف، مما قد يعكس رغبة واشنطن في استمرار موسيفيني في السلطة، باعتباره أحد حلفائها في شرق أفريقيا في ملفات حيوية مثل الإرهاب وتجنيب البلاد والمنطقة مخاطر الحرب الأهلية. وقد طالب بوب مينينديز، عضو مجلس الشيوخ الأمريكي عن الحزب الديمقراطي، في 23 ديسمبر 2020 بإصدار قرار أمريكي يُجبِر الحكومة الأوغندية على تحسين البيئة الانتخابية وتهيئة الظروف لإجراء انتخابات ذات مصداقية، والنظر في فرض عقوبات محددة الأهداف ضد المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان وتقويض العملية الانتخابية، والقيام بمراجعة المساعدات المقدمة إلى النظام الحاكم في أوغندا في حال لم تفِ الانتخابات المقبلة بالمعايير المقبولة دولياً.

وفي الوقت الذي أعلنت بريطانيا عن إرسال 46 مراقب للانتخابات الأوغندية، أكد الاتحاد الأوروبي، من جهته، عدم إرسال مراقبين للانتخابات الأوغندية بسبب جائحة كوفيد-19، ونظراً لعدم التزام كمبالا بالتوصيات الثلاثين التي قدمها الاتحاد لتصحيح ما شاب الانتخابات السابقة في عام 2016.

ومع حرص دول الجوار الأوغندي بمنطقة البحيرات العظمى على تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي كأولوية، نجد أن معظمها لا ترغب في مغادرة موسيفيني السلطة في هذه المرحلة.

مستقبل المشهد السياسي الأوغندي في ضوء الانتخابات المقبلة

يُمكِن تلمُّس سيناريوهين أساسيين عند استشراف مآلات الأزمة السياسية القائمة في أوغندا على ضوء الانتخابات، وهما:

السيناريو الأول: فوز الرئيس يوري موسيفيني بولاية رئاسية سادسة

وهو السيناريو الأرجح، بالنظر إلى ولاء مؤسسات الدولة واللجنة الانتخابية التي تشرف على الانتخابات للرئيس موسيفيني، وتأييد المؤسسة العسكرية لاستمراره في السلطة، ورفض تحركات معارضه الأبرز واين السياسية، وقد دلل على ذلك تصريحات بعض القيادات العسكرية بأن الجيش الأوغندي لن يقف صامتاً أمام أي خروج عن السلمية من جانب المعارضة بعد انتهاء الانتخابات المقبلة، ولن يقبل بأن يكون واين قائداً أعلى للقوات المسلحة.

كما تسود حالة من الرضا النسبي عن موسيفيني بسبب نجاحه في إدارة مواجهة جائحة كوفيد-19، وتوفير الغذاء والمال للمتضررين. ومن ثمَّ، لا تزال شعبية موسيفيني والحزب الحاكم كبيرة في مناطق واسعة من البلاد، خاصة بين كبار السن والريفيين، في ظل اعتقادهم بأن تغيير النظام السياسي فكرة محفوفة بالمخاطر، وأن التغيير السياسي مرتبط بالعودة لسنوات الفوضى والحرب الأهلية التي سبقت صعود موسيفيني للسلطة في عام 1986. كما يهيمن موسيفيني بشكل واسع على وسائل الإعلام وآليات الحشد والتعبئة، وعلى نحوٍ قد يضمن له أصوات كثيرة، خاصة في المناطق الريفية التي يعمل ويعيش فيها 76% من سكان البلاد، وفي ظل توزيع النظام عشرات الآلاف من أجهزة الراديو والتلفاز في العديد من القرى بمختلف أنحاء البلاد، الأمر الذي يزيد من قدرته على توجيه الناخبين للتصويت لصالحه خلال الانتخابات المقبلة. وكذلك تُسيطر الحكومة على كافة البرامج الإغاثية ومكاتب المنظمات غير الحكومية لضمان تصويت الناخبين لها.

ويمكن أن يرتبط هذا السيناريو في حال تحققه بسيناريو آخر مُحتمل يتمثل في اندلاع موجة من العنف عقب الانتخابات نتيجة رفض المعارضة لنتائجها، والدعوة لتظاهرات مُناهِضة، وفي ضوء هذا من المحتمل أن يتوسع النزاع، مُهدداً بنشوب حرب أهلية تُقوِّض استقرار الدولة الأوغندية والمنطقة، وربما قد تضطر الحكومة الأوغندية في ظل عواقب خطيرة محتملة كهذه إلى إقرار إصلاحات سياسية جديدة من شأنها تهدئة الرأي العام الداخلي.

السيناريو الثاني: انتصار المُعارِض بوبي واين بالانتخابات الرئاسية

وهو سيناريو ضعيف، بالنظر إلى عدم امتلاك واين قاعدة سياسية قوية في البلاد تؤهله لقيادة البلاد، خصوصاً مع قلة خبرته وحداثة عهده بالعمل السياسي، بالرغم من نجاحه في تحريك المياه الراكدة في المشهد السياسي الأوغندي، لدرجة أنه أضحى مصدر قلق وتهديد للنظام الحاكم في كمبالا بعد تصاعد شعبيته بين الشباب والفقراء.

وما يُضعف إمكانية تحقق هذا السيناريو أن واين لا يلقى قبولاً لدى الحرس القديم في مؤسسات الدولة الأوغندية، فضلاً عن رفض المؤسسة العسكرية صعوده كقائد أعلى لها. ويشير مراقبون إلى أن واين لا يمتلك برنامجاً متكاملاً حول إدارة قضايا الدولة الداخلية والخارجية، بقدر اعتماده على إثارة مشاعر الشباب بشأن الوظائف والفرص الاقتصادية وحقوق الإنسان في البلاد. فضلاً عن اعتماده بشكل كبير على الحملات الانتخابية الافتراضية، في الوقت الذي تتمتع فيه وسائل التواصل الاجتماعي بمدى محدود في البلاد؛ إذ هي لا تستخدم على نطاق واسع في المناطق الريفية.

ويُمكِن أن يرتبط هذا السيناريو في حال تحقُّقه مع سيناريو آخر محتمل، وهو حصول انقلاب عسكري في البلاد لإسقاط واين، كتعبيرٍ عن عدم قبول مؤسسات الدولة العميقة لصعوده إلى سدة السلطة، ورفض المؤسسة العسكرية أن يصبح واين رئيساً للبلاد، واحتمالية صمت المجتمع الدولي تجاه هذا الانقلاب.

خلاصة واستنتاجات

زادت حدة الاستقطاب في المشهد السياسي الأوغندي في ظل تصاعُد دعوات التغيير التي تطرحها المعارضة السياسية ورفضها استمرار الرئيس الحالي يوري موسيفيني في السلطة، في مقابل مساعي النظام الحاكم لإخماد التظاهرات المناهضة له، وتضييق مساحة الحركة أمام رموز المعارضة، لا سيما المعارض البارز، بوبي واين، المنافس الرئيس لموسيفيني في الانتخابات المقبلة.

يُمكِن تلمُّس سيناريوهين أساسيين عند استشراف مآلات الأزمة السياسية القائمة في أوغندا على ضوء الانتخابات، أولهما فوز الرئيس موسيفيني بولاية سادسة، وهو المرجَّح بالنظر إلى ولاء مؤسسات الدولة واللجنة الانتخابية التي تشرف على الانتخابات له، وتأييد المؤسسة العسكرية لاستمراره في السلطة. والسيناريو الثاني، انتصار المُعارِض بوبي واين في الانتخابات، لكنه سيناريو ضعيف، نظراً لعدم امتلاك واين قاعدة سياسية قوية تؤهله لحكم البلاد، خصوصاً مع قلة خبرته وحداثة عهده بالعمل السياسي، ورفضه من قبل الحرس القديم في مؤسسات الدولة الأوغندية.