• اخر تحديث : 2024-11-22 10:05
news-details
تقارير

قبائل سعودية مهددة بعد مشروع "ذا لاين": هل ينجح محمد بن سلمان في تحسين سمعته عالميّاً؟


في ظل الحديث عن إطلاق ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، مشروع مدينة "ذا لاين" الواقعة ضمن مدينة "نيوم" على ساحل البحر الأحمر شمال غرب السعودية، نشرت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسيّة تقريراً يتحدث عن المخاوف من استمرار سياسة تهجير القبائل المحلية، في إطار مشروع نيوم المستقبليّ، بعدما افتتح محمد بن سلمان مشروع مدينة "ذا لاين"، كاشفاً عن مدينة عصرية تحت شعار "مدينة مليونيّة في نيوم تحاكي الطبيعة دون ضجيج وكربون"، ولكن بالتأكيد على حساب سكان المنطقة والقبائل المقيمة هناك.

مخاوف جديّة

وفق الصحيفة الروسيّة، فإنّ المشروع الذي تتراوح تكلفته بين 100 و200 مليار دولار يقوم على إنشاء مدينة توصف بأنّها "صديقة للبيئة" يبلغ طولها 170 كيلومترًا بطرق سريعة تحت الأرض، وتأمل سلطات آل سعود في أن يستقر بالمدينة حوالي مليون نسمة بحلول عام 2030، مع تأمين حوالي 380 ألف وظيفة، فيما أوضح ولي العهد السعودي أنّ العمود الفقريّ للاستثمار في مشروع "ذا لاين" سيكون الدعم الذي تقدمه الحكومة السعوديّة والصندوق السياديّ السعوديّ، إضافة إلى الاستثمارات المحليّة والأجنبيّة.

وفي هذا السياق، تُعتبر مدينة "ذا لاين" جزءا من مشروع نيوم الذي أعلن عنه محمد بن سلمان عام 2017 ويتضمن إنشاء مدينة تبلغ مساحتها 26.5 ألف كيلومتر مربع شمال شرقي المملكة، وهو المكان الوحيد الذي تتساقط به الثلوج في البلاد، ويدعي مهندسو المشروع، أنّ المدينة ستحافظ على 95% من طبيعة المنطقة وتسمح بالسفر من نقطة إلى أخرى في مدة لا تزيد على 20 دقيقة، وتتكفل الروبوتات والذكاء الاصطناعيّ بتثبيت معظم الخدمات والبنية التحتية تحت الأرض.

وفي الوقت الذي أشارت فيه الصحيفة الروسيّة إلى أنّ مشروع نيوم يأتي في إطار سعي السعودية لتنويع مصادر الدخل وجذب المستثمرين الأجانب في ظل انخفاض أسعار النفط والاتجاه العالميّ نحو الطاقات البديلة، أكّدت أنّ مشروع مدينة "ذا لاين" الذي أعلن عنه ولي العهد خلال الأيام المنصرمة، يثير مخاوف العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان، والذين يخشون من أن تنفذ الحكومة السعودية هذا المشروع دون مراعاة حقوق سكان المنطقة، وأن تستمر في سياسة تهجير القبائل المحليّة، لإتمام مشروعها الاقتصاديّ  غير آبهة بنتائجه على أصحاب الأراضي هناك.

وعلى هذا الأساس، يرى نشطاء حقوقيون أنّ حديث السلطات السعودية عن مراعاة الطبيعة لم يشمل الالتزام بالحفاظ على الهويّة السكانيّة للمنطقة، وقد قدم عدد من الحقوقيين في أيلول 2020 شكوى إلى منظمة الأمم المتحدة حول قيام سلطات آل سعود بإجبار عدد من سكان قبيلة الحويطات على مغادرة أرضهم، وارتكبت تجاوزات ضد كل من يرفض تطبيق الأوامر.

أكثر من ذلك، يرى العديد من الخبراء الاقتصاديين أن المستثمرين الغربيين كانوا في البداية متحمسين للاستثمار في مشروع نيوم السعوديّ، لكن الكثير

منهم عدِلوا عن ذلك بعد تورط ولي العهد السعوديّ في جريمة تقطيع الصحافيّ السعوديّ المعروف، جمال خاشقجي، داخل قنصليّة بلاده في إسطنبول التركيّة.

ومراراً أكّدت المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة الأمم المتحدة، ضرورة مقاضاة المسؤولين عن مقتل جمال خاشقجي ووجوب صدور أحكام تتناسب مع حجم الجريمة بحق قاتليه، وقد اعتبرت أنّ الأحكام التي أصدرتها السعودية قبل مدة، حول تلك القضيّة تفتقر للشفافية، وقد اعتبرت مقررة الأمم المتحدة المعنيّة بحالات الإعدام خارج القضاء، أغنيس كالامار، أنّ الأحكام الصادرة عن السلطات السعودية في قضية مقتل خاشقجي، بلا شرعية قانونيّة أو أخلاقيّة، حيث جرت بعد عمليّة قضائيّة ليس فيها أيّ نزاهة أو عدالة أو شفافيّة.

وقالت المسؤولة الأمّميةّ قبل أشهر، أنّه من الضروريّ عدم السماح بأن تؤدي الأحكام السعودية إلى تخفيف الضغوط الدوليّة في إطار هذه القضيّة، مؤكّدة أهميّة أن تقوم حكومات الدول وعلى وجه الخصوص أعضاء مجلس الأمن، الذين راقبوا بصمت عمليات المحاكمة، بكل ما بوسعها لتحقيق انتصار العدالة، موضحةً ضرورة أن تنشر الاستخبارات الأمريكيّة تقديراتها بشأن مدى مسؤوليّة ولي العهد السعوديّ، محمد بن سلمان، عن اغتيال خاشقجي.

وكانت منظمة منظمة “هيومن رايتس ووتش” المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، والتي تتخذ من مدينة نيويورك الأمريكيّة مقراً لها، قد قادت حملة عالميّة لتحرير نشطاء تحتجزهم السلطات السعودية بشكل غير قانونيّ ومحاسبة المسؤولين عن انتهاكات سابقة، وذكرت المنظمة، في بيان، أنّ رئاسة مجموعة الـ20 التي عقدت في الرياض قبل بضعة أشهر منحت حكومة ولي العهد السعوديّ محمد بن سلمان "درجة غير مستحقة من الهيبة الدوليّة" بالرغم من اعتدائها المستمر على الحريات.

علاوة على ذلك، فإنّ السعودية خسرت انتخابات مجلس حقوق الإنسان، التي جَرت قبل بضعة أشهر قليلة، في قاعة الجمعيّة العامة للمنظمة الدوليّة، والذي يضم 47 دولة حول العالم، وكانت آسيا والمحيط الهادئ هي المنطقة الوحيدة التي جرى التنافس على تمثيلها في انتخابات 2020، حيث حصلت السعودية، على أقل الأصوات بين الدول المتنافسة، فيما يتطلب الفوز بعضوية المجلس الحصول على ثلثي أصوات أعضاء الجمعية العامة أي نحو 193 دولة.

عزلة دوليّة

نتيجة "السياسات الصبيانيّة" لولي العهد السعوديّ محمد بن سلمان، تقترب السعوديّة يوماً بعد آخر من هاويّة العزلة الدوليّة، وإنّ استراتيجيّاته المفضوحة لمحاولة تلميع انتهاكاته في مجال حقوق الإنسان، والتغطيّة على الصورة القبيحة التي طبعها عن بلاده في الأذهان الدوليّة لن تفلح بهذه السهولة، وإنّ إعلان المشروع الأخير للرياض ما هو إلا محاولة جديدة من ابن سلمان لتحسين صورته بعد الفضائح الكبيرة التي وثّقت منهجه الدمويّ في التعاطي مع شعبه ومع الدول الأُخرى.

ولم تفلح في السابق فعاليات محمد بن سلمان لشراء المواقف الدوليّة والتغطية على  جرائمه بحق مواطنيه، والآن من الصعب أن تقنع الرياض الرأي العام العالميّ بأنّها أصبحت دولة مثاليّة في ليلة وضحاها، حيث إن خلق "صورة مختلفة" للمملكة على الصعيد الدوليّ، بعد الفضائح الكبيرة التي وثقت المنهج الدمويّ الذي يتبعه حكام السعودية للبقاء في سدة الحكم، يحتاج إلى وقت طويل وإثباتات عمليّة مقنعة وجادة، وإنّ الإعلانات الكثيرة والتغطيات الإخباريّة المكثفة للمشروع الجديد في مدينة نيوم لا تعدو عن كونها محاولة سعوديّة لتخفيف سخط المجتمع الدوليّ من خلال إعطاء صورة إيجابيّة وحضاريّة عن المملكة.

يشار إلى أنّ محمد بن سلمان يسعى بكل ما أوتيّ من قوة لتحسين سمعته الدوليّة، والدليل الإضافيّ على ذلك ما ذكره الموقع الاستقصائيّ الفرنسيّ “ميديابارت”، قبل عشرة أيام، والذي انتقد انطلاق النسخة الجديدة من سباق "رالي باريس داكار" لمنافسة للسيارات على أشد الطرق وعورة والتي تنظمه منظمة ASO الشهير مجدداً من السعودية، وفي مقال بعنوان “رالي داكار في خدمة الديكتاتوريّة السعودية”، أشار الموقع إلى أنّ منظمي السابق لم يبيعوا المملكة تنظيمه من أجل الترويج لرياضة السيارات في الشرق الأوسط، ولكن لمساعدة النظام الديكتاتوريّ السعودي لتحسين صورته الدوليّة، بمباركة من الرئاسة ووزارة الخارجية الفرنسيتين، المصممتين على صرف النظر عن الطغاة والديكتاتوريين عندما يكونون زبائن جيدين لصناعات الأسلحة الفرنسيّة.

يذكر أنّ الرياض تواجه الكثير من المشاكل الدوليّة الكبيرة بينها قضية سجناء الرأيّ والمدافعات عن حقوق الإنسان في البلاد، والحرب على اليمن ومسألة المصير المريع للمهاجرين الإثيوبيين والناشطين والمدونين السعوديين المحتجزين في سجون النظام السعوديّ، إضافة إلى قضية الاحتجاز التعسفيّ من خلال قيام سلطات بن سلمان بتنفيذ حملات كبيرة من الاعتقالات التعسفيّة بحق المعارضين، والناشطين، والمثقفين، إضافة إلى المنافسين من العائلة الحاكمة.