لدى مغادرته مطار مدينة رونالد ريغان المجاور للعاصمة واشنطن صباح يوم الجمعة الماضي اصطدم ليندسي غراهام السيناتور الجمهوري عن ولاية كارولينا الجنوبية بعدد من أنصار الرئيس دونالد ترامب الغاضبين.
واقترب أنصار الرئيس المنتهية ولايته من السيناتور المقرب من ترامب وصاحوا "أنت خائن، إنك تعلم أن الانتخابات تم تزويرها ضد ترامب، تعلم أن ترامب يجب أن يستمر رئيسا".
وتشير هذه الحادثة على الرغم من بساطتها إلى أن أنصار الرئيس ترامب لن يختفوا من الساحة السياسية الأميركية في وقت قريب، وسيستمرون في ولائهم له.
وكان السيناتور غراهام المعروف بقربه ودعمه الواسع للرئيس ترامب قد دافع عن تصديق أعضاء مجلسي الكونغرس على نتائج الانتخابات الرئاسية، وقال إن "ما قمنا به هو عمل قانوني، تم التصديق على جو بايدن كرئيس جديد للولايات المتحدة".
وأضاف غراهام أن إنجازات ترامب وما حققه في فترة رئاسته مثل تأمين حدود أميركا وإنتاج اللقاح وتحقيق سلام في الشرق الأوسط قد "دمرها الرئيس بسبب أنصاره الذين اقتحموا الكونغرس".
وقد وضعت عملية اقتحام الكونغرس الحزب الجمهوري عند مفترق طرق لا توجد عنده اختيارات آمنة، ويعكس موقف السيناتور غراهام معضلة كبيرة تواجه الحزب الجمهوري، إذ لا يريد أن تتم محاكمة ترامب لما قد يسببه ذلك من مكاسب للديمقراطيين من جهة، ومن جهة أخرى لا يمكن للحزب الصمت على دور ترامب في تحريض أنصاره على اقتحام مبنى الكابيتول، وهو ما نتج عنه مقتل 5 أشخاص وتدمير الكثير من محتويات الكونغرس.
وقبل 5 أيام على انتهاء فترته الرئاسية وخروجه من البيت الأبيض تزايدت التكهنات بشأن الخطط المستقبلية لدونالد ترامب الذي ستنتهي ولايته في 20 يناير/كانون الثاني الجاري.
ومع "النهاية الكارثية" لفترة ترامب الرئاسية والتي شهدت إدانته في مجلس النواب اول أمس الأربعاء صوّت 10 أعضاء جمهوريين فقط من 213 عضوا أو ما نسبته 4.7% فقط لصالح إدانة ترامب، ويدل ذلك -حسب مراقبين- على خوف الأعضاء من تأثير غضب ترامب على مستقبلهم السياسي.
ومنذ ظهور ترامب على الساحة الجمهورية عام 2015 دعمته القواعد الشعبية الجمهورية على حساب مرشحي وزعماء الحزب الجمهوري التقليديين، وغاب أي تحد لترامب وصولا لانتخابات 2020 التي لم ينافسه فيها على بطاقة الحزب الجمهوري أي مرشح جاد.
معضلة الجمهوريين
ورغم حادثة اقتحام مبنى الكونغرس اختار 122 عضوا جمهوريا (ثلث الجمهوريين) في مجلس النواب و9 من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين (سدس الأعضاء) التصويت لصالح رفض النتائج نزولا عند رغبة الرئيس ترامب.
وأشار استطلاع للرأي أجرته جامعة سوفولك بالتعاون مع صحيفة "يو إس إيه توداي" (USA Today) على ألف مواطن أميركي بين الفترة من 16 إلى 20 ديسمبر/كانون الأول الماضي إلى رضا 45% من الأميركيين عن أداء ترامب كرئيس، في حين عبر 52% عن عدم رضاهم عن أدائه، ولم يعرف الإجابة 3% من المستطلعين.
وعقب حادثة اقتحام مبنى الكابيتول أجرت جامعة كوينبيانك استطلاعا للرأي على 1239 شخصا خلال الفترة من 7 إلى 10 يناير/كانون الثاني الجاري اعتبر خلاله 44% من المستطلعين أن الرئيس ترامب غير مسؤول عن عملية الاقتحام، كما عبر 33% عن رضاهم عن أدائه مهامه الرئاسية.
وتعكس هذه النسب استمرار دعم أغلبية الجمهوريين للرئيس ترامب على الرغم من كل ما شهدته الولايات المتحدة خلال الأيام الأخيرة، والتي يراها البعض أكبر تهديد للديمقراطية الأميركية منذ عقود طويلة.
ومثّل ما سبق ذكره مصدر إزعاج لزعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ السيناتور ميتش ماكونيل.
وأشارت تقارير صحفية إلى أن ماكونيل سعيد بإدانة ترامب في مجلس النواب والاتجاه لمحاكمته، حيث "يسهل ذلك تخلص الحزب من ترامب".
وفي حوار مع شبكة "فوكس نيوز" (FOX NEWS) الإخبارية، قالت نانسي مايس النائبة الجمهورية من ولاية كارولينا الجنوبية إن الرئيس ترامب "شوه إرثه، وليس له مستقبل في الحزب الجمهوري".
وأشادت مايس بما وصفتها بإنجازات ترامب في الاقتصاد وخفض الضرائب وتطوير لقاح "كوفيد-19″، لكنها قالت إنه "قضى على كل شيء جيد قام به، ويجب على الحزب الآن أن ينفصل عنه".
ولم تصوت ميسي على قرار عزل ترامب أمس الأربعاء، حيث اعتبرت أن رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي سارعت إلى طرح مواد العزل دون مراعاة الأصول القانونية الواجبة.
مستقبل غير ثابت
ولا يتطرق الدستور الأميركي إلى الأحزاب السياسية، إذ لا توجد قواعد حاكمة أو مقيدة لتشكيل أحزاب أو للتعبير عن الرغبة في الترشح وخوض معركة انتخابات الرئاسة الأميركية.
ويقول ماكفاي -وهو مصرفي في مقاطعة مونتغمري بولاية ميريلاند يصوت للجمهوريين منذ عهد ريغان عام 1980- إن "هناك تحولات واسعة تشهدها الولايات المتحدة منذ وصول ترامب للحكم، وربما قبل ذلك".
وفي حديثه لموقع "الجزيرة نت" اعتبر أن "عملية إعادة الاصطفاف السياسي مستمرة، ولم تنته بعد، لكن عندما تنتهي فإن من المرجح أن يكون هناك تيار ترامبي، سواء تزعمه الرئيس ترامب شخصيا عقب خروجه من البيت الأبيض أو أن يتزعمه أحد السياسيين ممن أظهروا له ولاء كبيرا مثل السيناتور تيد كروز من ولاية تكساس أو السيناتور جوش هاولي من ولاية مسيسيبي".
من ناحيته، اعتبر غريغوري كوغر رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة ميامي أنه "ليس من الواقعي أن يبدأ ترامب حزبا ثالثا، إذ تدفع محاولات عزله وحظره من وسائل التواصل الاجتماعي الرئيسية لفقدانه المصداقية والموارد اللازمة لبدء حزب جديد".
وفي حديثه مع موقع "الجزيرة نت"، أضاف كوغر أن البنية السياسية الأميركية تجعل من الصعب للغاية على الحزب الثالث أن ينجح، لكن يرى أنه "قبل 5 سنوات كنت أقول إن ترامب يشكل تهديدا للحزب الجمهوري التقليدي، أما الآن فيجب أن أقول إن ترامب ومؤيديه قد سيطروا على الحزب الجمهوري، لقد انهار التيار المحافظ الحديث الذي أسس له في عهد الرئيس ريغان".
مصدر قلق
وصوت للرئيس ترامب ما يقارب 75 مليون ناخب عام 2020، ولا يعلمون ماذا سيحدث لهم في حال غاب ترامب عن المشهد السياسي المستقبلي، في الوقت الذي يكره أغلب ناخبي ترامب المؤسسات السياسية التقليدية، بما فيها الحزب الجمهوري، ويعتبرون تقليدية الحزب جزءا من المشكلة السياسية الأميركية.
ونحج ترامب في توسيع دائرة نفوذ الحزب الجمهوري بين الأقليات التي تقترب تقليديا من الحزب الديمقراطي، وفاز الجمهوريون بـ10 مقاعد إضافية في مجلس النواب، أغلبهم من النساء وممثلي الأقليات اللاتينية والسوداء كذلك.
وفي الوقت ذاته، لم تظهر القواعد الشعبية للحزب الجمهوري ميلا كبيرا إلى الانفصال عن ترامب.
من جانبه، اعتبر البروفيسور جيرمي ماير من جامعة جورج ميسون بولاية فرجينيا أن "الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تشكل حزبا جديدا يجب أن تعتمد على دعم من الديمقراطيين، ولكن صورة ترامب مستقطبة، لدرجة أنه في حين أن حزب ترامب سيجذب الملايين من الجمهوريين إلا أنه لن يجذب أي ديمقراطيين".
وحذر ماير الجمهوريين من مغبة السماح لترامب بتقسيم الحزب، إذ سيدفع ذلك إلى "ضمان سنوات من السيطرة الديمقراطية، وحتى في الولايات الحمراء الجمهورية جدا مثل ألاباما أو إنديانا ستكون لدى الديمقراطيين فرصة للفوز في منافسة ثلاثية إذا قسم حزب ترامب أصوات المحافظين واليمينيين وأبعدهم عن الجمهوريين".