"أُقسم رسميا أن أدعم دستور الولايات المتحدة وأدافع عنه ضد جميع الأعداء، الأجانب والمحليين، وأتعهد بالإيمان الصادق والولاء للدستور. وأتعهد كذلك بطاعة أوامر رئيس الولايات المتحدة وأوامر الضباط، وفقا للأنظمة والقانون العسكري. وليساعدني الرب".
بهذه الكلمات يبدأ مسار أفراد القوات المسلحة الأميركية المهني، ويركز القسم على الولاء والدفاع عن الدستور، وفي الوقت ذاته طاعة أوامر رئيس الولايات المتحدة.
ولا يعد انضمام أي شخص للجيش الأميركي مكتملا وقانونيا إلا بعد أداء القسم.
ولم يتخيل الآباء المؤسسون للولايات المتحدة أن يواجه أفراد القوات المسلحة الأميركية معضلة الاختيار بين حماية الدستور، وبين طاعة أوامر رئيس الجمهورية بصفته قائدا أعلى للقوات المسلحة.
وعلى مدار التاريخ الأميركي الممتد لما يقرب من 250 عاما، لم يضطر الجيش الأميركي إلى الاختيار بين الأمرين؛ إلا أن الأحداث السياسية الأخيرة المتسارعة والمستمرة، دفعت البعض للقلق مما قد يقدم عليه الرئيس دونالد ترامب خاصة مع استمرار رفضه الاعتراف بهزيمته الانتخابية.
قلق سياسي وتأكيد عسكري
بعد أقل من أسبوع على حادثة اقتحام أنصار الرئيس ترامب مبنى الكابيتول (الكونغرس) لتعطيل تصديق أعضاء مجلسي النواب والشيوخ على نتائج الانتخابات في 6 الشهر الجاري، أصدرت هيئة الأركان المشتركة بيانا نادرا أشار بوضوح لفوز جو بايدن بالرئاسة بعد إعلان المجمع الانتخابي النتيجة، وتصديق الكونغرس عليها.
وجاء في البيان، الذي وقع عليه رئيس الأركان وقادة الأفرع الرئيسة للقوات المسلحة، التأكيد على "طاعة الجيش الأميركي للأوامر القانونية من القيادة المدنية".
كما أشار البيان إلى أنه في "20 يناير/كانون الثاني 2021 وفقا للدستور، وما أكدته الولايات والمحاكم، وصدق عليه الكونغرس، سيتم تنصيب الرئيس المنتخب بايدن وسيصبح القائد الأعلى للقوات المسلحة رقم 46".
وسبق ذلك البيان إعلان نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب، أنها بحثت مع القيادات العسكرية منع الرئيس ترامب من إطلاق أي عمليات عسكرية أو توجيه ضربات نووية.
وقالت بيلوسي "إن وضع هذا الرئيس المختل بلغ أقصى درجات الخطورة، وعلينا أن نفعل كل ما في وسعنا لحماية الشعب الأميركي من هجومه غير المتوازن على بلادنا وديمقراطيتنا".
وفي الإطار ذاته حذر 10 وزراء دفاع أميركيين سابقين، ينتمون للحزبين الجمهوري والديمقراطي، من أي تدخل للجيش في العملية السياسية، مؤكدين أن الانتخابات قد انتهت. وجاء في بيانهم "بصفتنا وزراء دفاع سابقين، لدينا وجهة نظر مشتركة بشأن الالتزامات الرسمية للقوات المسلحة الأميركية ووزارة الدفاع، لقد أقسم كل منا على نصرة الدستور والدفاع عنه ضد جميع الأعداء، في الداخل والخارج، ولم نقسم على ذلك لشخص أو حزب بعينه".
خطأ واعتذار
في الصيف الماضي ومع اندلاع الاحتجاجات الواسعة في عشرات المدن الأميركية على خلفية مقتل المواطن الأميركي الأسود، جورج فلويد، على يد شرطي في مدينة مينيابوليس، استدعى ترامب الجيش للسيطرة على الاحتجاجات في العاصمة واشنطن.
ورأى خبراء أن هذه الخطوة تعد انتهاكا لتوازن العلاقات العسكرية المدنية الراسخة، وشن عدد من كبار المسؤولين العسكريين السابقين هجوما حادا على ترامب حينذاك.
واعترف الجنرال مارك ميلي رئيس هيئة الأركان الأميركية بالخطأ بعد انضمامه للرئيس ترامب في السير إلى كنيسة لالتقاط الصور، بعدما فرقت قوات الجيش المحتجين باستخدام الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي.
وقال ميلي في خطاب أمام خريجين من جامعة الدفاع الوطني "وجودي في تلك اللحظة وفي تلك الظروف، ترك انطباعا بأن الجيش يشارك في السياسات الداخلية".
واستدعت تلك الحادثة أن توجه إليسا سلوتكين وميكي شيريل، وهما نائبتان ديمقراطيتان في مجلس النواب، أسئلة مكتوبة قبل الانتخابات الرئاسية إلى كل من وزير الدفاع السابق مارك إسبر والجنرال ميلي، حول القلق من احتمال رفض ترامب ترك منصبه طواعية أو محاولته استخدام الجيش للتشبث بالسلطة في حال فوز بايدن بالانتخابات.
ونأى الجنرال ميلي بالجيش بعيدا عن السجالات السياسية، ورد بخطاب رسمي جاء فيه أنه "في حال وقوع خلاف على جوانب من الانتخابات، وفق القانون، فإن المحاكم الأميركية والكونغرس هما المطالبان بحل أي خلاف، لا القوات العسكرية الأميركية".
الجيش وعملية انتقال السلطة
خشي مؤسسو الدولة الأميركية من تدخل الجيش في الحياة السياسية، وحدّ الدستور من أي احتمال لسيطرة ضباط عسكريين غير منتخبين على الحكم. وحدد الدستور بدقة مسؤوليات الرئيس المنتخب، وعلى رأسها أنه قائد أعلى عام للقوات المسلحة. من ناحية أخرى، يثق الأميركيون بأن جيشهم لا تحركه الأهواء السياسية الداخلية أو الحزبية.
وحدد القانون الرجوع للمحاكم الأميركية وصولا للمحكمة الدستورية العليا لحل أي خلاف على هوية المرشح الفائز، حال وقوع أزمة في عدّ أو فرز الأصوات أو عدم اعتراف مرشح بالهزيمة.
ولم يعط الدستور أي دور للجيش في عملية الانتقال السياسي؛ بل حدد ضرورة أن يكون وزير الدفاع شخصا مدنيا، كما جرد رئيس الأركان من أي سلطات سياسية وجعل المنصب ضعيفا يستطيع معه الرئيس أن يقيله وقتما يشاء.