• اخر تحديث : 2024-04-18 04:21
news-details
ندوات وحلقات نقاش

الشهيد قاسم سليماني وتغيير المعادلات الإقليمية أيّ عدّة، وأيّ دور


مقدمة

في الثالث من كانون الثاني \ يناير العام 2020 استشهد قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الحاج قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس في غارة أميركية استهدفت موكبهما بالقرب من مطار بغداد.

مع الذكرى السنوية على استشهاده تتواصل التحليلات بشأن عدّته الشخصية، وأن نجاحه في هندسة التغييرات الإستراتيجية في المعادلات الإقليمية والدولية بعيدًا عن الأعراق والمذاهب والأحزاب كانت وراء السبب الرئيس لاغتياله.

لمناسبة الذكرى السنوية على استشهاده، وللوقوف على هذه الشخصية ودورها في تغيير المعادلات، نظّمت الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين عبر الفضاء الافتراضي حلقة نقاش بعنوان: " الشهيد قاسم سليماني وتغيير المعادلات الإقليمية أيّ عدّة، وأيّ دور".

أولاً: معطيات أولية حول اللقاء:

 

المشاركون الأساتذة السادة:

1

رئيس الرابطة د. محسن صالح

2

السفير فوق العادة ومفوض الجمهورية اليمنية لدى الجمهورية الإسلامية الإيرانية الأستاذ إبراهيم الديلمي

3

رئيس اتحاد الإذاعات والتلفزيونات العراقية السيد حميد الحسيني

4

الباحث والمحلل السياسي د. مسعود أسد اللهي

5

عضو المكتب السياسي في حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الأستاذ خالد البطش

6

الباحث والمحلل السياسي د. بلال اللقيس

7

أمينة سر الرابطة د. وفاء حطيط

 

ثانيًا: وقائع الجلسة:

بعد الترحيب بالسادة المشاركين بدأ رئيس الرابطة د. محسن صالح حلقة النقاش بطرح مجموعة من الأسئلة، بينها: من هو قاسم سليماني؟، ما الذي فعله حتى يدي بالعقل الصهيو ـ أميركي إلى هذا الجنون، لأن الاغتيال عمل خارج عن العقل المدرك بأن المعارك لها أصولها، والاغتيال خروج عنها، هل لأنه هزمهم في الميادين الاستراتيجية، وحطم أصولهم الفكرية والسياسية والاستراتيجية في المنطقة والعالم؟، والعظم هل لأنه مثل بعدّته الشخصية الملتزمة بقضايا شعبه وأمته العادلة، حتى أصبح نموذجًا لآمال الجيل الحاضر والمستقبل في متابعة السير على خطاه كي يتم تحرير الأرض والانسان من الاحتلال والهيمنة؟.، أم لأنه مسؤول استطاع بعدّته العقلية الفذّة أن يحمي الثورة والدولة التي آمن بثقافة مؤسسها وقائدها وشعبها؟.

وقال د. صالح: لقد استطاع الشهيد القائد الحاج قاسم سليماني أن يلوي العقل الأميركي، ويجعله قاصرًا عن تحقيق أهدافه في هذه المنطقة على كل الصعد، وبنى قاعدة أساسية وثابتة لهذا الجيل والاجيال القادمة في المقاومة كي لا تتراجع عن أهدافها في تحرير فلسطين. وهو كان شبكة عقلية واستطاع فعليًا أن يشكل خطرًا كبيرًا على المخططات الأميركية في المنطقة منذ ما قبل صفقة القرن. فهناك تاريخ من التخطيط الغربي الأميركي من أجل اجتياح العقل والأرض العربية والإسلامية بمعالمها كافة. وتشير مقالات الأعداء عن الحاج قاسم إلى تتبع المخابرات الأميركية والقيادة الأميركية والغربية لحركة القائد الشهيد العظيم الذي استطاع فعليًا ان يوقف هذه الجحافل. استطاع أن يوقف ثقافة عمرها أكثر من 300 عامًا تريد أن تنتشر في هذه المنطقة لأهداف عديدة: أولًا جعل الدول مطية، ومسح العقل العربي الإسلامي، وتركيب عقول جديدة على أجساد الشعوب المستضعفة. لكن الحاج قاسم سليماني ـ وباعتراف الغرب ـ أوجد ثقافة جديدة تقتل كل الثقافة الغربية التي كانت تنتشر، وهو بيّن أن عقلًا عربيًا اسلاميًا قدر على الحاق الهزيمة بالعقل الغربي الأميركي على الرغم من تفوّق هذا المحتل المختلّ في الجانب المادي: أي التسليحي والتقني؛ فالشعوب الآن أقوى من هذه الأنظمة وعلى العكس من ذلك قوة الأنظمة المستسلمة نهائيًا، وهذا أمر عمل عليه الغرب الذي غيّر الكثير من الأنظمة ونصّب الكثير من الملوك والرؤساء.

وهنا باعتقادي المأزق الغربي الأميركي الذي يشير إليه وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر في كتابه "World order" عام 2014 حول مسألة الدولة وبنائها، الدولة الوستفالية، وأن الجمهورية الإسلامية هي دولة غير وستفالية، وعليها أن تعود الى النظام العالمي، من هنا وضع كيسنجر أمرًا مهمًا أنه علينا مواجهة إيران إذا ارادت أن تبقى على علاقة مع فلسطين وحزب الله والجهاد وحماس... كانوا يريدون هذا التفسخ الذي استطاع الحاج قاسم سليماني لأَمه.

ويقول أحد هؤلاء إن الحاج قاسم باستطاعته أن يركب سيارته ويذهب من طهران إلى العراق، إلى سوريا، إلى لبنان في خط مواز مع دولة الكيان الصهيوني الغاصب، وهذا امر لأقلق الصهاينة والأميركيين، وترامب لم يأخذ قرار اغتياله إلا بالتنسيق مع الكيان الصهيوني الغاصب.

 

أبرز نقاط مداخلة الأستاذ خالد البطش

بعدها قدّم الأستاذ خالد البطش مداخلته التي عبّر في بدايتها عن مشاعره بالقول: نفتقد اليوم الشهيد سليماني والشهيد أبو مهدي المهندس والشهيد أبو العطا والشهيد عماد مغنية والشهيد احمد الجعبري وغيرهم من شهداء الأمة وقادتها، لكن المشاريع لا تنكسر بزوال القادة، بل بالدم الذي يسكبه القادة على الأرض التي تعطي المشروع زخمًا كبيرًا. لقد رحل الحاج قاسم سليماني وأفضت روحه لله سبحانه وتعالى لكن مشروع الوحدة الإسلامية، ومشروع محور المقاومة، ومشروع مواجهة المحتل الصهيوني لم ينته، بل سيستمر ومستمر.

بعد ذلك أشار الأستاذ البطش إلى دور الشهيد سليماني وموقعه في المقاومة الفلسطينية وتطوّر أدائها قائلًا: عندما هاجمنا العدو الصهيوني في العام 2008 في عدوان كبير ومحرقة على قطاع غزة كانت المقاومة في غزة لا تمتلك من القدرات إلا الندر اليسير، وكل ما قصفنا به المحتل يومها ـ الخمسين صاروخًا ـ لم يتجاوز العمق الصهيوني إلا على مدى 40 كلمترًا ، نعم قصفت المستوطنات على مدى 20 كلمترًا بمئات الصواريخ، لكن في البعد الداخلي في الأرض المحتلة فلسطين، أو مكونات المحتل لم يتجاوز الخمسين صاروخًا من نوع غراد، من هنا بدأ التحول في المعادلة عندما تدخل الحاج سليماني وبدأ يملأ قبضة المجاهدين في فلسطين بالصواريخ والسلاح وبكل المقدرات: تدريبًا وتجهيزًا واعدادًا.

في الحروب التي تلت 2009 ، وبالذات في معركة 2012 كانت صواريخ الفجر التي أرسلها الحاج قاسم سليماني تقصف تل ابيب ولأول مرة في تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني، حيث كانت هذه الصواريخ التي أرسلها الشهيد إلى غزة تستخدمها حركة الجهاد الإسلامي وسرايا القدس الذراع العسكري للقصف ولأول مرة في الصراع مع الفلسطينيين تحديدًا تل ابيب بأيدٍ فلسطينية وصواريخ إيرانية.

في العام 2014 رأينا مدى الصمود التي تمتعت به المقاومة، ومدى التضحيات التي أبديناها في المعركة ضد العدو الصهيوني، فالصواريخ التي أرسلها سليماني والعتاد أحدث تحولًا مهمًا وخللًا في قوة الاحتلال لصالح الفلسطينيين وجعل المحتل يفكر ألف مرة في أن يخوض معركة مباشرة ضد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة على الأقل.

النقطة الأبرز هي موضوع صواريخ الكورنيت التي كانت تحولًا خطيرًا في الصراع، بمعنى أن التحول على مستوى الساحة الفلسطينية في الصراع مع المحتل كان للحاج قاسم دور كبير فيه، وكان الشهيد نقطة اللقاء بين العربي والإسلامي والفارسي والفلسطيني المحاصر لكي يرسل إليه السلاح ليحمي نفسه ومقدراته.

وعن دور الشهيد سليماني في أسباب النصر والتمكين، وبناء محور المقاومة وهندسته قال الأستاذ البطش: من خلال قراءة منطقية وموضوعية عن أسباب النصر والتمكين أدرك الحاج قاسم أنه من دون توحيد جهود قوى المقاومة وسبكها ودمجها في ما يسمى محور المقاومة لن تفلح الجهود في تحرير فلسطين، ربما تفلح في طرد الاحتلال الأميركي من العراق، أو بطرد المحتل الصهيوني من لبنان، أو ترفع الظلم عن الشعب اليمني، أو تنهي معاناة الشعب السوري، لكن حتى نستعيد فلسطين لا بد من تمتين روابط العلاقة بين هذه المكونات، فأشرف الحاج قاسم مع اخوانه في المقاومة الفلسطينية واللبنانية والعراقية واليمنية والسورية على انشاء ما يسمى اليوم بمحور المقاومة.

إن الحاج سليماني هو مهندس المحور الذي سهر الليالي، وتنقل بين العواصم والمدن، وتحت الخطر الشديد لكي يضع اللبنات الأولى لهذا المحور، حتى بدا المحور اليوم أحد مرتكزات العودة والتحرير، ولا يمكن لأي عاقل، أو مراقب، أو محلل في هذه الدنيا تجاوز اليوم معادلة محور المقاومة وما له من تأثيرات مستقبلية في الصراع مع العدو، وما له من إنجازات مفترضة، وعلى رأسها استعادة فلسطين؛ لذلك يعدّ الحاج قاسم سليماني مهندس محور المقاومة الذي سهر الليالي لجمع كل المكونات الفاعلة ودمجها، متجاوزًا بذلك اللغة والطائفية والعرقية والمذهبية في مواجهة المشروع الصهيو- أميركي في المنطقة العربية والاسلامية.

كما لفت الأستاذ البطش إلى دور الشهيد سليماني في حماية الأمن القومي الإسلامي بالقول: تصوروا معي لو نجح الأميركيون في لبنان وسوريا والعراق واليمن فما هو مستقبل فلسطين؟ ومتى يمكن أن نستعيدها؟، وما هي الضمانات ألا تصبح بلاد الأمة كلها مثل فلسطين تحت الوصاية الأميركية والصهيونية؟، وبالتالي فإن حركة الحاج سليماني واشرافه على كل هذه المكونات دمجًا وتعزيزًا، وربط نقاط حمى منظومة الامن الإسلامي بمفهومه القومي. كما ساهم الحاج قاسم في إنعاش الحالة القومية والإسلامية، وحالة المقاومة، وكان له الفضل الكبير في تحرك كل هذه المجاميع لتحمي رؤيتها وقدراتها ومشاريعها. وكل هذه النقاط السابقة زرعت وقوّت فينا الأمل بأن النصر ممكن، وأنه يمكن الحاق هزيمة استراتيجية بالعدو الصهيوني، وأنه يمكن أن تندفع قوات برية عربية أو إسلامية من لبنان، أو سوريا، أو الأردن، أو مصر، لقد ازدادت وتيرة هذا الأمل، وارتفع منسوبه في نفوس الناس.

إن الحاج قاسم هو الحاج "قاسم المشترك" في هذه الأمة، حيث جمع كل التناقضات والاختلافات في اللغة والمذهب والعرق على مشروع واحد هو انهاء الوجود الأميركي والصهيوني في المنطقة.

أبرز نقاط مداخلة السيد حميد الحسيني

أما السيد حميد الحسيني فقد بدأ مداخلته من تاريخ علاقته بالشهيد، وبعض المميزات الشخصية التي يتحلى بها، فقال: إن عمر علاقتي مع الشهيد سليماني أكثر من 30 سنة، وتعرفته في داخل العراق عندما كان مسؤول لواء يسمى ثار الله، واستطاع قبل أن يكون في قيادة القدس مهتمًا بقضية الامة الاسلامية وكان يقاتل، وينشط على جبهات القتال ضد الطاغية صدام، وكنا نحتاج الى بعض الأسلحة وبعض الأمور اعطانا إياها من دون أن يعرفنا. لم يكن الحاج قاسم يعمل ليحصل على المحبوبية والشهرة، وعلى منزلة وقدر عند الناس، ولم يكن يرى هذه المسألة أصلًا، بل كان يعمل فقط وفقط من أجل الوظيفة ، لأنه كان يعتقد أن الوظيفة هي التي تملي علينا. وكان للحاج سليماني الدور الكبير ان يعلم الناس في العراق بعد سقوط صدام حسين ودخول الأميركيين أنهم خرجوا من حفرة صغيرة ليدخلوا في بئر عميق، وقد نقل الشعب العراقي من هذه الثقافة البسيطة إلى عمق القضية.

عندما دخل علينا الحاج قاسم حيث كان العراق محتلًا وكنا محاصرين، قلت له كيف دخلت إلى هنا، أُنظر إلى وضعنا في أي حال نحن، فقال: كيف تخاطبني بهذه الطريقة، اتينا لنحرر العراق وليس النجف فقط.

وعن دور الشهيد سليماني في تعزيز مكانة فلسطين لدى الشعب العراقي قال السيد الحسيني: لم يكن الشعب العراقي متفاعلًا مع قضية فلسطين، وكانت القضية الفلسطينية مشوهة عنده، وأول عمل قام الحاج قاسم عندما أتى هو احياء يوم القدس. فقد كان ينقل الانسان نقلة نوعية في أفكاره. كان يشخص الأمور جيدًا، ولولا الحاج قاسم الذي سعى إلى نقل المنطقة هذه النقلة النوعية لكان كل فرد منا مهتمًا بقضيته فقط، فهو جعلنا نرتبط ونشتبك ببعضنا البعض.

في موضوع محاربة التكفيريين في سوريا قال السيد الحسيني: لقد صدرت فتوى من مرجع إسلامي مهم في العراق بمنع القتال في سوريا بالنسبة إلى العراقيين، لكن نحن كان لدينا فتوى أكبر منها، والحاج قاسم عمل عليها واخرج العراقيين إلى سوريا، وهذا العمل كبير جدًا في ظل عدم موافقة الحكومة العراقية والمؤسسة الدينية، فالحاج قاسم كان يسبح خلاف الوضع، وهذا الرجل أدى مهمته، ولو لم يستشهد لكان ظلم كبير جدًا أن يبقى ويموت غصة، فالله رزقه الشهادة التي جعلت الناس تبحث عن هذا الوجود والفكر والتوجه عن هذا  الإسلامي الواعي الرسالي الدعوي بشكل متكامل بعضنا البعض، فقد جعل الباكستاني في يدي، وجعل يدي في يد الفلسطينيين، والفلسطينيين في يد اليمنيين، وهكذا... وهذا التشابك الذي اتمه بتصوري يؤكد انه انجز مهمته، وأصبحت اليوم على عاتقنا ان نمشي هذا الطريق ولا نسمح لأحد ان يخرق هذه القضية. علينا أن نشارك الاخوة الفلسطينيين في كل هم وغم، والفلسطيني يشارك الإيراني في كل هم وغم، ونشارك بعضنا البعض في همنا وغمنا.

وأضاف السيد الحسيني: إن إحدى أهم خصوصيات الحاج قاسم كقائد إسلامي من الحرس الثوري في إيران أنه كان يتعامل مع القضايا، لم يكن يتكلم بأنه إيراني والأخر العراقي، ويتعامل مع العراقي أو مع غيره وكأنه عراقي لكن وراءه كل إمكانيات إيران، وعندما تتكلم معه تشعر كأنك تتكلم مع دولة كاملة بكل ما تمتلك، ويجعل لديك هذه الروح القوية وتصعد وتفكر كما هو يفكر.  في مرة من المرات في إحدى الجبهات لم يكن لدينا دروع، وكان قناص واحد بإمكانه وقف مجموعة كبيرة، فاتصل الحاج قاسم بالمسؤولين في إيران فقالوا له أنه ليس لديهم في المخازن، ومن ثم اتصل برئيس الشرطة الإيرانية فأجابه بأنه لديه دروع رجال الشرطة فقط، فقال له الحاج قاسم "إذن ارسلهم"، فرد عليه قائد الشرطة هكذا تبقى إيران خالية، فأجابه الحاج قاسم" ما في مشكلة أرسلهم، هكذا كان الحاج قاسم يتعامل، يفرّغ إيران لقضية إسلامية، كان يتعامل معك كأن إيران كلها معك. أرجو من كل القيادات والمحللين والإسلاميين أن نحمل ما كان يحمله الحاج قاسم.

أبرز نقاط مداخلة د. مسعود أسد اللهي

 من جهته بدأ د. مسعود أسد اللهي مداخلته بالإشارة إلى الأسباب التي حملت سماحة السيد القائد علي خامنئي على استخدام تعبير أن الشهيد قاسم سليماني لم يكن فردًا بل مدرسة، وقال: ذلك لأنه كان يجمع في شخصيته صفات متفاوتة ومتضادة في بعض الأوقات.  قبل أن يصبح الحاج قاسم قائدًا لفيلق القدس في إيران، كان الناس يعرفونه كأحد قادة قيادات الحرس في الحرب المفروضة، وكان قائد أحد أهم الوية الحرس هو لواء "ثار الله"، وكان له دور كبير في أهم العمليات العسكرية في سنوات الحرب المفروضة الثماني، فالجميع كانوا يعرفونه كقائد ميداني وقائد عملياتي وعسكري، لكن بقية جوانب شخصيته لم تكن معروفة للناس. وبعد الحرب أصبح مسؤول الأمن والاستقرار من هذه المرحلة من الحرب المفروضة في منطقة جنوب شرق إيران، يعني محافظة كرمان، بالإضافة الى محافظة سيستان وبلوشيستان على الحدود الباكستانية والافغانية، وبهذا المنصب الجديد حصل أول تواصل بين الحاج قاسم والحركات المقاومة، حيث بدأ التواصل مع الفصائل الجهادية في أفغانستان، وبمقتضى عمله بدأ التواصل مع الحركات المقاومة من ناحية، وبدأ يواجه الحركات التكفيرية من ناحية أخرى.

في محافظة سيستان وبلوشيستان خاصة عند الحدود الباكستانية هناك مجموعات تكفيرية مدعومة من قبل السعودية والامارات، وكانت تقوم في فترات مختلفة بعمليات إرهابية داخل المحافظة، لذلك اول مواجهة بين الحاج قاسم كقائد عسكري مع مجموعة فكرية لها أيديولوجية خاصة بدأت من هذه المرحلة.

عندما عينه السيد القائد مطلع العام 1998 قائدًا لفيلق القدس، طرح سؤال مهم: هل يستطيع قائد ميداني عملياتي كالحاج قاسم أن يتولى ملفات المقاومة في المنطقة؟، هذا السؤال كان كبيرًا ووجيهًا ومهمًا لأنه كان معروف عنه بأنه  قائد عمليات، وفي هذا العام كان ملفين مهمين في حركات المقاومة في لبنان وفلسطين، وهو اهتم بهذين الملفين، وفي فترة وجيز عمل نقلة نوعية في حركات المقاومة، بمعنى أنه حاول أن يعزز دور حزب الله كقوة عسكرية.

لقد أدرك الحاج قاسم بحسب تجربته في الحرب المفروضة أن قوة حزب الله العسكرية في منتصف التسعينات لا تكفي لمواجهة مؤثرة وقوية لإجبار الجيش الصهيوني على لانسحاب من جنوب لبنان، وفي عامين ركز على تعزيز قوة حزب الله العسكرية بشكل أصبح الحزب الله يقوم بعمليات غير مسبوقة ضد الاحتلال، وأجبره على الانسحاب المذل من جنوب لبنان.

بعد ذلك بدأ الحاج قاسم يؤدي دور حلقة وصل بين حركات المقاومة في المنطقة، وقد كان لدينا حركات مقاومة في المنطقة، لكن بحسب تجربة الحاج قاسم في جبهات الحرب أدرك انه إذا لم يكن هناك انسجام بين الالوية العسكرية في جبهات القتال، وتنسيق وعملهم بمستوى معين منسجم مع بعض فإن العمليات كانت تفشل، أو لا تصل الى النتائج المرجوة، واستفاد من هذه التجربة في التنسيق بين حركات المقاومة، لذا بدا بتأدية حركة وصل في البداية بين هذه الحركات.

في هذه المرحلة وقع العراق تحت الاحتلال الأميركي، وفُتح ملف كبير جدًا يهدد كل المنطقة، لأن الأميركي بعد احداث 11 أيلول أصبح جار إيران في الشرق والغرب، والجيش الأميركي كان يهدد سوريا وإيران في الوقت نفسه، لذلك رأى الحاج قاسم أن التنسيق لا يكفي، بل نحتاج إلى مجموعة متكاملة من الحركات المقاومة، ومن داعمي حركات المقاومة، وسميت هذه المجموعة بمحور المقاومة. من هنا يمكن القول إن واحدة من اهم إنجازات الحاج قاسم هو التنسيق بين كل حركات المقاومة، ومن ثم بعد العام 2011 والاحداث والثورات في البلدان العربية استطاع أن يوسع دائرة المقاومة في المنطقة، وأضاف اليها الكثير من الشباب من بقية البلدان.

وعن نظرة الشهيد سليماني إلى مقولة جيش ال 20 مليون قال د. أسد اللهي: لدينا مقولة شهيرة للإمام الخميني في بداية الثمانينيات، عندما شكل البسيج في إيرا، قال يجب أن نشكل جيشًا من 20 مليون شاب، نحن في إيران كنا نفكر أن الامام الخميني كان يقصد 20 مليون شاب إيراني، لكن عندما رأينا ما أنجزه الحاج قاسم في تشكيل محور المقاومة عرفنا أن جيش العشرين مليون هذا سيُشكل من الشباب المسلمين كلهم وليس من الإيرانيين فقط، وليس من الشيعة فقط، بل من كل من يريد ان يرفع السلاح في وجه الكيان الصهيوني وأميركا، لذلك كان الحاج قاسم يتميز بعقل استراتيجي ورؤية مستقبلية بعيدة المدى، وكان يعرف ماذا يريد بالضبط، وكان يصحح المسار دائمًا نحو الهدف الاستراتيجي. وكانت المقاومة أخلاق الحاج قاسم وسلوكه وحياته، وكان لا يفكر بأي شيء سوى المقاومة، وقال يومًا أنا جندي في جبهة المقاومة، ولا أفكر ولا أتصور نفسي في أي مكان اخر، وكان صاحب الوعد الصادق واستشهد في جبهة المقاومة.

ولفت د. أسد اللهي إلى خاصية من خصائص الشهيد سليماني الشخصية بالقول: لقد كان شجاعًا لا يخاف من الموت ومن لا يخاف من الموت لا يخاف من أي شيء، وشجاعته هذه ليست محصورة بعدم خوفه من الموت فقط، فهو لم يكن يخاف الأزمات، وكان يدخل في أي ازمة يواجهها، وكان يقول: إننا نستطيع أن نصنع الفرص في الأزمات. لذا لم يكن يخاف من أخذ القرارات المصيرية ذات المخاطر الكبيرة..

 

أبرز نقاط مداخلة د. بلال اللقيس

أما د. بلال اللقيس فقد ركّز على الحاجة الى النظر في هذه التجربة وهذه المدرسة. وقال: من الواضح أن البحث عن العدة التي عمل بها نجد أن قوتها بنموذجيتها، وهذه النموذجية الظاهر اأنها مفاهيمية أكثر منها آلتية أو أداتية، فاذا تطلعنا اليوم إلى قوة القدس وعلى الحاج قاسم سليماني بما يمثل من قوة القدس، نرى أن القيمة الإضافية هي ربما ليست بالوسائل والأدوات فقط، بل هي الظاهر بالمفاهيم؛ فإذا كانت فلسطين على سبيل المثال هي التي تشكل عنصر الجذب الفكري للعالم العربي والإسلامي، لكن احتاجت ـ وانطلاقًا من التجربة التاريخية التي كان خلالها العرب والمسلمين منفعلين مع القضية الفلسطينية إيجاباً ـ إلى مشروع يهندس بشكل هذا المشروع ليس فقط لأن تصبح فلسطين قضية فكرية تصهر الفكر العربي، إنما أيضا نحتاج الى من يصهر القلوب ويضع مشروع يوحد ويهندس بالجهود لأن الانفعال الايجابي لم يكن يكفي.

والملفت أنه بالمفاهيم اجترحت هذه القوة مع الحاج قاسم مفهومًا جديدًا، فعادة كانت المساحات دائما فيها شيء حد بين المساحة العسكرية بالعمل أو المساحة الاجتماعية بالعمل، فقدمت قوة القدس مفاهيميًا تجربة جديدة في مساحة جديدة لا يمكن أن تسميها عسكرية بحت، ولا مدنية ؛ إنما هي مساحة جديدة في العمل، وكلما وجدت مفهومًا جديدًا غير موجود عند عدوك تستطيع أن تتمايز وبالتالي تستطيع خلق فرصة جديدة في سياق الصراع معه.

واعتقد أنه حتى على مستوى منهجية العمل وجدت مساحة مع قوة القدس ليست عسكرية بحت وليست مدنية بالمعنى الذي اعتمد بالتجارب الغربية، إنما هي تجربة مزجت وقدمت شيئًا جديدًا يجمع العسكري-الاجتماعي، والعسكري-الثقافي، والعسكري-المدني، ويخوض مساحة جديدة من الصراع مع العدو، وقد نجحت قوة القدس أن تقدم تجربة جديدة، وفيها اسبقية بهذه المساحة الجديدة.

تاريخيًا كانت هناك مشكلة دائما: كيف نحمي القدس من دون أن يتعارض مع خصوصيتنا والفكرة الوطنية، أن تأتي فكرة أو نموذج لقوة اسمها قوة القدس، وتكون عابرة وفي الوقت نفسه تثبت الخصائص وترعى الخصائص الوطنية ، ولا يشعر أي من القوة من العراق إلى اليمن وفلسطين ولبنان وسوريا أنه ينصر القدس ويتخلى عن وطنيته، أو أنه يشعر بتناقض بين نصرة القدس والخصوصية الوطنية، أن تقوم قوة بتقديم نموذج فكري وعملي يجمع بين هذين العنوانين، فاعتقد أن هذا ابداع بالممارسة، وليس بالتنظير فقط.

مع قوة القدس في الهندسة القلبية الثقافية الإنسانية تمكنا أن نعيش هذا التناقض، بل وجدنا أننا نعيش نوعًا من التكامل، فإذا روعيت قضية فلسطين حق الرعاية ووعيت حق الوعي لا يمكن أن ينشأ من خلالها هذا التناقض مع البعد الوطني، وهنا قدمت قوة القدس هذا المفهوم بالمعنى العملي.

ولفت د. اللقيس إلى دور الشهيد سليماني في نظرية بناء القوة وقال: هي نظرية جديدة، وهي ليس بالضرورة ممارسة القوة في كل لحظة، اليوم الكيان الصهيوني يشعر أن هناك قوة بنيت وصار هناك تراكم للقوة . وقد انعكست هذه القوة على الوعي الإسرائيلي سلبًا فيما انعكست إيجابًا على وعي المجتمعات العربية والإسلامية، وهذه النظرية لم تكن لتبنى لو كانت قوة القدس قوة عسكرية فقط، لأن بناء القوة يحتاج الى ثقافة الصبر وليس ثقافة الانفعال.  ربما وجدنا معنى أو مفهومًا جديدًا له علاقة بتفاعل القلوب وتكاملها، وهذا من أهم الأمور التي حققتها قوة القدس على مستوى الصهر، فإنها قوة تميزت باستثمار الإنسان والمجتمع، واخذت العبرة من التجارب العربية والإسلامية السابقة.

اليوم بعد 100 عام من سايكس-بيكو، نجد مجتمعاتنا أفضل من انظمتنا، بمعنى أن الوعي الاجتماعي في الكثير من المجتمعات أفضل من وضعية الأنظمة، هذا يعني أن قوة القدس استثارت في المجتمعات وعيًا جديدًا وفهمًا جديدًا وادراكًا جديدًا، وهذا شيء جديد أنك عملت على الانسان والمجتمع، وعادة أي قوة تعمل على المجتمع وتستثمر به لا عسكريًا ولا غير عسكريًا، ونحن أمامنا اليوم الشاهد الفلسطيني أعظم وأهم شاهد، والشاهد اليمني أعظم من أعظم وأهم الشواهد، والشاهد اللبناني، والشاهد السوري، والشاهد العراقي، كلها شواهد تؤكد أن الاستثمار في الوعي المجتمعي هو الأساس، واليوم المعركة هي معركة وعي واداراك.

وتحدث عن مراحل مواجهة الشهيد سليماني للمشروع الأميركي قائلًا: اغتالت أميركا الشهيد القائد سليماني بعدما كان القطار قد انطلق: قطار المقاومة، وقطار قوة القدس، وقطار الفاعلية، وقطار الوعي. والحاج سليماني واكب ثلاث استراتيجيات أميركية أساسية: استراتيجية بوش الابن مع القوة العسكرية، واستراتيجية مع القوة الذكية والناعمة، واستراتيجية ترامب بالضغط الاقتصادي إلى الحد الأقصى، وفي كل هذه الاستراتيجيات فشلت اميركا، واستطاعت قوة القدس أن تزيد من قوتها وفعلها ورصيدها، فأي مقاربة أميركية جديدة لن تخرج عن أي من هذه الاستراتيجيات، فكيف إذا اضفنا أن أميركا اليوم ليست أميركا القديمة وأصبحت اميركا أخرى، وكيف إذا اضفنا أن حليفي اميركا الأساسيين في المنطقة الكيان الصهيوني والسعودية انكشفا أمام الناس بشكل كبير. فالنظام السعودي انكشف أكثر فأكثر، ولا يستطيع أن يكمل إلا من خلال المزيد من التحالف مع أميركا، وبالتالي اقترب أكثر من إسرائيل التي انكشفت أكثر، وهي لا تستطيع الاستمرار إلا بمزيد من الايغال والاعتماد على أميركا وهذا شيء جديد، ونحن اليوم أمام مرحلة ومعطيات جديدة. فنحن أمام نموذج مفاهيمي يقدم من خلال قوة القدس والحاج قاسم وهناك الكثير من ما يمكن ان ينظر ويكتب والبحث فيه، لان قوة القدس والحاج قاسم يستحقان أن نقوم بهذا الأمر.

لم تكن قوة القدس والحاج سليماني عنوان صهر عملي وصهر قلوب نحو قضية القدس فقط، بل شكلت وتشكل أيضًا "مغناطيس" جذب لكل من يريد ان يقارع اميركا والصهيونية. وهذا ما علينا أن نكمل به.

 

أبرز نقاط مداخلة الأستاذ إبراهيم الديلمي

من جهته سلط الأستاذ إبراهيم الديلمي الضوء على أن الحاج قاسم كان النابض ونقطة البيكار التي استطاعت أن تحشد كل قوى المقاومة والممانعة في مواجهة المشروع الصهيوني-الأميركي، وفي مواجهة العدوان على اليمن أيضًا. وقال: يجب أن يعرف الشعب اليمني على وجه الخصوص، والأمة الاسلامية على وجه العموم أن أحد أهم الأسباب لاغتيال هذا القائد الكبير هي الإنجازات التي حققها مع اخوانه الشرفاء في محور المقاومة والممانعة في اتجاه دعم وتعزيز قوة اليمنيين في مواجهة هذا العدوان. ويُحسب للجمهورية الإسلامية في إيران، ولكل من كان فاعلًا في هذا النظام الإسلامي، وعلى رأسه الحاج قاسم سليماني أنه في الوقت الذي تكالبت فيه قوى العدوان على الشعب اليمني، وانخرطت فيه دول عربية وإسلامية للأسف الشديد مع الصهاينة والأميركيين في استهداف اليمن لم تقف إلى جانب اليمن إلا دولة واحدة هي الجمهورية الإسلامية. كما لا ننسى حضور الجمهورية الإسلامية في الملف السياسي في الأروقة الدولية في مجلس الأمن والأمم المتحدة وغيرها، وكذلك حضورها على المستوى الإعلامي، وعلى المستوى الاغاثي أيضًا.

وما كان لقطار التطبيع أن يواصل مسيرته لولا هذه الخسائر الفادحة التي يُمنى بها يومًا بعد أخر.  لكن عزاؤنا الوحيد في استشهاد الحاج قاسم سليماني، وما خلفه من مسار واضح في مواجهة العدو الصهيوني والمشروع الأميركي في المنطقة، وما تركه أيضًا من رفاق الدرب ورفاق السلاح في مختلف ساحات المواجهة مع المشروع الصهيوني-الأميركي، وعزاؤنا الوحيد لتحقيق الهدف الأسمى والأكبر أو الهدف المرحلي حاليًا وهو اجتثاث الوجود الاميركي من المنطقة واخراجه، كما عزاؤنا أيضًا هو في ضرورة الاستمرار في مواجهة المشروع الصهيوني، خاصة بعد مرحلة التطبيع، علمًا أن ما يحصل ليس تطبيعًا، بل اندماج كامل مع المشروع الصهيوني في المنطقة. وعلى الرغم من أن محور المقاومة يعزز حضوره في المنطقة بشكل كبير اليوم، ووصل الى إنجازات كبيرة فمن الضروري الحفاظ على الجهوزية ومواصلة الدرب من أجل تحقيق انجاز نوعي في ما يتعلق بوجود الكيان الصهيوني نفسه. وعلينا تجذير فكرة المقاومة وتعميمها حتى لا تصاب بالتقزيم، ويجب أن يخرج هذا العطاء المقاوم إلى فضاءات أكثر اتساعًا على المستوى الجماهيري والنخبوي والشخصيات الإسلامية والعربية في ساحات مختلفة.