بعد إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عزمه الاعتراف بدولة فلسطين في أيلول/سبتمبر المقبل، وذلك خلال انعقاد الدورة القادمة للجمعية العامة للأمم المتحدة، فاجأ رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، في 29 تموز/يوليو الجاري، المراقبين بإعلانه أن بلاده ستعترف بدولة فلسطين في أيلول المقبل "ما لم تتخذ الحكومة الإسرائيلية خطوات جوهرية لإنهاء الوضع المُزري في غزة، وتوافق على وقف إطلاق النار، وتلتزم بعدم ضم الضفة الغربية، وتقبل بعملية سلام طويلة الأمد تهدف إلى حل الدولتين". وستكون بريطانيا ثاني دولة من مجموعة الدول السبع الكبرى، بعد فرنسا، تعترف بدولة فلسطينية في حال التزم رئيس وزرائها بوعده.
التخوف من أن يقضي الضم على "حل الدولتين" تماماً
لا يُشك في أن قيام الكنيست يوم الأربعاء في 23 تموز/يوليو الجاري بإقرار مشروع قانون غير ملزم يدعو إلى ضم الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل، و"شطب أي خطة لإقامة دولة فلسطينية من جدول الأعمال"، فضلاً عن تسارع وتيرة الاستيطان اليهودي وتزايد عنف المستوطنين المتطرفين، واستمرار حرب الإبادة في قطاع غزة، كان من العوامل التي شجعت المسؤولين الفرنسي والبريطاني على إبداء عزمهما الاعتراف بدولة فلسطين.
كان ثلاثة من أعضاء الكنيست هم سيمحا روتمان من حزب "الصهيونية الدينية"، ودان إيلوز من حزب "الليكود" وعوديد فورير من حزب "يسرائيل بيتنا"، قد اقترحوا مشروع قانون الضم، الذي أقرّ بأغلبية 71 صوتاً مقابل 13، وقال رئيس الكنيست، أمير أوحانا من حزب "الليكود"، بعد التصويت: "هذه أرضنا، هذا وطننا؛ أرض إسرائيل ملك شعب إسرائيل". وينص مشروع القانون على أن الضفة الغربية "جزء لا يتجزأ من أرض إسرائيل، الوطن التاريخي والثقافي والروحي للشعب اليهودي"، وأن "لإسرائيل حقاً طبيعياً وتاريخياً وقانونياً في جميع أراضي أرض إسرائيل"، ويدعو الحكومة إلى "تطبيق السيادة والقانون والقضاء والإدارة الإسرائيلية على جميع أنواع المستوطنات اليهودية في يهودا والسامرة وغور الأردن"، ويُؤكد أن ضم هذه الأراضي "سيعزز دولة إسرائيل وأمنها، وسيمنع أي تشكيك في الحق الأساسي للشعب اليهودي في السلام والأمن في وطنه". ويعيش حالياً في الضفة الغربية المحتلة، باستثناء القدس المحتلة التي ضمّت سابقاً، أكثر من 500 ألف مستوطن إسرائيلي ونحو ثلاثة ملايين فلسطيني.
وقد صوّتت الأحزاب الأرثوذكسية المتشددة، التي غادرت الائتلاف بسبب الخلافات حول قانون التجنيد، إلى جانب "الليكود" وحزبي "الصهيونية الدينية" و "قوة يهودية" لصالح مشروع قانون الضم، فضلاً عن حزب "إسرائيل بيتنا" المعارض. بينما صوّت أعضاء الكنيست العرب ونواب حزب "الديمقراطيون" ضده. وامتنع حزبا المعارضة الرئيسيان، "يوجد مستقبل" و"أزرق أبيض" عن التصويت. وكتب عضو الكنيست جلعاد كاريف من حزب "الديمقراطيون" على موقع التواصل الاجتماعي "إكس" تعليقاً على ذلك التصويت ورد فيه: "يُمثّل ضمّ يهودا والسامرة خطراً واضحاً على مستقبل دولة إسرائيل والمشروع الصهيوني"، وأضاف أن هذا القرار "مجرّد ستار دخان يهدف إلى التخلي عن الأسرى وإقرار قانون الهاربين من الخدمة العسكرية".
لطالما كان ضم الضفة الغربية المحتلة، أو المستوطنات الإسرائيلية المقامة فيها، طموحاً راسخاً لدى اليمين الإسرائيلي. ففي سنة 2019 ، وخلال الحملة للانتخابات التشريعية، تعهد بنيامين نتنياهو بضم غور الأردن إلى إسرائيل. وفي آذار/مارس 2020، طرح، في خضم الحملة الانتخابية وبغية صرف انتباه الرأي العام عن قضايا الفساد المُتهم بها، موضوع الضم، ثم أعلنت حكومته، في مطلع تموز/ يوليو من ذلك العام، عزمها ضم جزء من الضفة الغربية المحتلة، وتحديداً في المنطقة "ج"، التي يقطنها بحسب منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية ما بين 200 ألف إلى 300 ألف فلسطيني، وما يقرب من 325 ألف مستوطن. وكان التقدير آنذاك أن الوضع الدولي مناسب لاتخاذ خطوة كهذه في ظل التحالف القائم بين بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب. بيد أن هذه الخطوة لم تتحقق، وخصوصاً بعد أن انتقل الحليفان للتركيز على قضية تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية.
في كل الأحوال، يقدّر بعض المحللين أن ضم الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل سيكّلف أكثر من 52 مليار شيكل سنوياً (أكثر من 13 مليار يورو). والأهم من ذلك، أنه يثير تساؤلاً حول المصير القانوني للسكان الفلسطينيين الذين سيخضعون للسيطرة الإسرائيلية. وبخصوص هذا التساؤل، لا تنظر فئة من الطبقة السياسية الإسرائيلية بعين الرضا إلى تحوّل محتمل في التوازن الديموغرافي قد يُعطي السكان العرب أغلبية في نهاية المطاف، وتعتقد أن تحقيق "إسرائيل الكبرى" الذي يحلم به اليمين الإسرائيلي سيجبر إسرائيل على ضمان حقوق متساوية للفلسطينيين أو الاعتراف علناً بوجود مواطنين من الدرجة الثانية، بحيث يصبح الفصل العنصري شرعياً، لا سيما وأن قانون "إسرائيل، الدولة القومية للشعب اليهودي"، الذي اعتمده الكنيست في 19 تموز/يوليو 2018، قد مهد طريق هذا الفصل العنصري من خلال تقسيم المواطنين إلى يهود، يستفيدون من "حق تقرير المصير الوطني "وفقاً للمادة 1 وغير يهود لا يستفيدون من "حق تقرير المصير الوطني".
بواعث الموقفين الفرنسي والبريطاني
يعتقد إيمانويل ماكرون أنه لا بد من وجود منظور سياسي لحل الصراع بين إسرائيل و"حماس"، وأن وقف إطلاق النار لن يكون كافياً لإعادة الاستقرار إلى المنطقة. وهو يعتبر أنه يجب أن يصاحب الاعتراف بالدولة الفلسطينية "إصلاح السلطة الفلسطينية، ونزع سلاح "حماس" وإقصائها عن أي شكل من أشكال الحكم". وبحسب السفير الفرنسي السابق في إسرائيل، جيرار أرو، فإن فرنسا "لطالما أكدت أنها لن تعترف بالدولة الفلسطينية إلا في إطار عملية سلام؛ لكن لا توجد عملية سلام، وإذا استمعنا إلى رد فعل بنيامين نتنياهو على إعلان الإليزيه، نجد أنه يقول بوضوح إنه لا يريد دولة فلسطينية". ويضيف: "نحن في وضع لا توجد فيه حلول كثيرة للصراع: دولتان، أو ضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية، دون حقوق سياسية للفلسطينيين وهو ما يُعدّ فصلاً عنصرياً، أو طرد الفلسطينيين؛ لذا تنحاز فرنسا إلى حل الدولتين، والاعتراف بالدولة الفلسطينية هو، قبل كل شيء، بادرة سياسية، لأنه حتى الآن، وبينما تعترف ما يقرب من 150 دولة بفلسطين، لم تتخذ أي دولة من دول مجموعة السبع هذه الخطوة". أما المؤرخ الفرنسي المختص بتاريخ القدس، فانسان لومير، فهو يرى أن فرنسا في الواقع "متمسكة بخطها التاريخي؛ فاليوم، بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن، هناك 7 ملايين فلسطيني و7 ملايين يهودي إسرائيلي: جميعهم لهم الحق، وجميعهم بحاجة إلى دولة" وهو يقدّر أن إيمانويل ماكرون أدرك "أن هذا الاعتراف لا يمكن أن ينتظر أكثر، وإلا سينتهي به الأمر إلى الاعتراف بمقبرة، لأن هناك خططاً للتطهير العرقي تتزايد دقتها، ليس فقط قولاً، بل فعلاً أيضاً".
كان رئيس الوزراء البريطاني قد أكد، قبل أيام من إعلانه نية حكومته الاعتراف بالدولة الفلسطينية ضمن شروط في أيلول/سبتمبر القادم، أن هذا الاعتراف يجب أن "يكون جزءاً من خطة أكثر شمولاً"، وهو موقف تعرض لانتقاد عدد من مسؤولي حزب العمال الحاكم. فما الذي دفع كير ستارمر إلى تغيير موقفه بصورة مفاجئة؟
يقدّر كثير من المراقبين أن مبادرة زعيم حزب العمال السابق، جيريمي كوربين، إلى إطلاق حزب سياسي جديد يوم الخميس في 24 تموز/يوليو الجاري، بالتعاون مع النائبة زارا سلطانة، التي تُمثل دائرة كوفنتري الجنوبية منذ سنة 2019، والتي انسحبت مؤخراً من حزب العمال، قد حفز رئيس الوزراء البريطاني، الذي هو في أدنى مستوياته في استطلاعات الرأي، على اتخاذ هذه الخطوة، وخصوصاً أن الحزب الجديد يعتزم التوجه أكثر نحو اليسار، واتخاذ مواقف أكثر وضوحاً في صالح فلسطين والعدالة الاجتماعية. وكانت عضوية جيريمي كوربين، النائب المستقل حالياً في البرلمان، قد جرى تعليقها في حزب العمال بعد نشر تقرير داخلي يُسلِّط الضوء على "تقاعسه في مواجهة معاداة السامية" كما جرى تعليق عضوية العديد من أعضاء الحزب الآخرين أو استقالوا، بمن فيهم عمدة لندن السابق كين ليفينغستون. أما عضوية زارا سلطانة فقد علقت في حزب العمال لتصويتها ضد توصيات الحزب ودعوتها إلى رفع الحد الأقصى لإعانة الطفل بعد إنجاب الطفل الثاني، كما عارضت خفض دعم الطاقة للمتقاعدين، منددة بنظامٍ لا يقدم سوى وعود كاذبة للناخبين.
مؤتمر نيويورك الدولي لإنقاذ "حل الدولتين"
أعلن رئيس الوزراء البريطاني موقفه الجديد هذا في اليوم الثاني من انعقاد المؤتمر الدولي على المستوى الوزاري، الذي نظمته فرنسا والمملكة العربية السعودية في مقر الأمم المتحدة في نيويورك يومي الاثنين والثلاثاء في 28 و 29 تموز/يوليو الجاري، بغية إنقاذ "حل الدولتين"، وإطلاق عملية سياسية جماعية. ويستند الأساس القانوني لهذا المؤتمر، الذي كان من المقرر عقده في منتصف حزيران/يونيو الفائت، إلى القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 أيلول/سبتمبر 2024، والذي تبنته 124 دولة، بما فيها فرنسا، وطالب، وفقاً لرأي محكمة العدل الدولية، إسرائيل بإنهاء احتلالها واستعمارها للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ سنة 1967، وفرض عليها عاماً للانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ويركّز مؤتمر نيويورك، الذي يشارك فيه وزراء وممثلون عن أكثر من مئة دولة، على ثلاثة محاور، بالإضافة إلى تسهيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهي "إصلاح السلطة الفلسطينية"، و"نزع سلاح حماس وإقصائها عن الحياة السياسية الفلسطينية" و"مناقشة تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل ودول المنطقة".وقد صرّح جان نويل بارو، وزير الخارجية الفرنسي، في افتتاح المؤتمر، محاطاً بنظيره السعودي فيصل بن فرحان والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأنه: "لا بديل عن حل الدولتين السياسي لتحقيق التطلعات المشروعة للإسرائيليين والفلسطينيين للعيش بسلام وأمن"، مؤكداً أنه "يجب أن نعمل على إيجاد سُبُل للانتقال من نهاية الحرب في غزة إلى نهاية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لأن هذه الحرب تُهدّد استقرار المنطقة بأسرها"، وأضاف: "يجب الحفاظ على آفاق قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة من خلال تطبيق تدابير ملموسة، لقد أطلقنا زخماً غير مسبوق لا يُقهر نحو حل سياسي في الشرق الأوسط، وفي إطار هذا المؤتمر، سنضع في صميم جهودنا الدبلوماسية الاعتراف بفلسطين، وتطبيع العلاقات مع إسرائيل وتكاملها الإقليمي، وإصلاح الحكم الفلسطيني، ونزع سلاح حماس". وختم خطابه بالقول:"نطلق نداءً جماعياً للتحرك؛ يجب أن تنتهي هذه الحرب، وأن تصمت المدافع، وأن يُرسى وقف إطلاق نار دائم، ويجب إطلاق سراح جميع الرهائن فوراً ودون قيد أو شرط وأن تنتهي هذه الكارثة الإنسانية".
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في كلمته الافتتاحية: "يجب أن نضمن ألا يصبح هذا المؤتمر مجرد تمرين آخر في الخطابات حسنة النية". بينما أكدت المملكة العربية السعودية أن تطبيع علاقاتها مع إسرائيل "لن يتحقق إلا من خلال إقامة دولة فلسطينية". وفي مؤتمر صحفي على هامش المؤتمر، صرّح وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، بأن هذا الموقف "يتماشى مع الموقف الذي عبّر عنه ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، قبل عام"، وأضاف: "إنه ينطلق من قناعة راسخة بأن إقامة دولة فلسطينية والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في تقرير المصير وحدهما سيسمحان لنا بتحقيق سلام دائم وتكامل حقيقي في المنطقة". أما رئيس وزراء السلطة الفلسطينية، محمد مصطفى، فقد دعا حركة "حماس" إلى "إنهاء سيطرتها على غزة وتسليم أسلحتها للسلطة الفلسطينية، وإطلاق سراح الرهائن"، وقال: "تتحمل جميع الدول مسؤولية التحرك الآن لإنهاء الحرب التي تُشن على شعبنا في غزة وفي جميع أنحاء فلسطين، وضمان إطلاق سراح جميع الرهائن والأسرى، وضمان انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي"، وأضاف أن السلطة الفلسطينية "مستعدة لاستضافة وتنسيق قوة عربية دولية للمساعدة في استقرار غزة بعد الحرب"، وأنه "يجب أن نعيد بناء غزة مع شعبنا ولأجله، وأن ننهي الاحتلال، وأن نحقق الاستقلال الفلسطيني ونطبق حل الدولتين، حيث تعيش فلسطين وإسرائيل جنباً إلى جنب في سلام وأمن، من أجل تحقيق السلام والأمن والازدهار في المنطقة".
هل يفتح المؤتمر أفق حل سياسي؟
يعتقد ريتشارد غوان، المحلل في "مجموعة الأزمات الدولية"، أن "إعلان ماكرون سيُحدث تغييراً جذرياً"، في مواقف الدول إزاء الاعتراف بالدولة الفلسطينية. أما برونو ستاغنو، من منظمة "هيومن رايتس ووتش"، فقال: "إن المزيد من العبارات المبتذلة حول حل الدولتين وعملية السلام لن يُسهم في تحقيق أهداف المؤتمر أو وقف إبادة الفلسطينيين في غزة"، داعياً الحكومات إلى "اتخاذ إجراءات ملموسة" ضد إسرائيل، مثل فرض حظر على الأسلحة".
ووفقاً لإحصاء وكالة "فرانس برس" وتوثيقها، فإن 142 دولة على الأقل من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة - بما في ذلك فرنسا - تعترف الآن بالدولة الفلسطينية التي أعلنتها القيادة الفلسطينية في المنفى سنة 1988. ولكن بعد أكثر من 21 شهراً من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتوسع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، ومحاولات المسؤولين الإسرائيليين ضم هذه الأراضي المحتلة، فإن المخاوف من استحالة إنشاء دولة فلسطينية فعلياً بدأت تتزايد، وخصوصاً في ظل موقفَي إسرائيل والولايات المتحدة المعارضين بحزم لمبدأ إنشاء هذه الدولة.
كان سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، داني دانون، قد صرّح لدى افتتاح مؤتمر نيويورك بأن "هذا المؤتمر لا يُسهم في البحث عن حل؛ بل يُعمّق الوهم فحسب؛ فبدلاً من المطالبة بالإفراج عن الرهائن والعمل على تفكيك حكم حماس الإرهابي، يُجري منظمو المؤتمر مناقشات وجلسات عامة منفصلة عن الواقع". من جانبها، نددت إدارة دونالد ترامب بالمؤتمر ووصفته بأنه "غير مثمر وينعقد في وقت غير مناسب"، وقالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان: "بعيداً عن تعزيز السلام، سيُطيل المؤتمر أمد الحرب، ويُشجع حماس، ويُكافئ عرقلتها، ويُقوّض الجهود الحقيقية لتحقيق السلام". وبينما انتقدت الإدارة الأميركية الرئيس الفرنسي لإعلانه اعتزامه الاعتراف بدولة فلسطينية في أيلول/سبتمبر المقبل، امتنعت عن انتقاد المملكة العربية السعودية، التي ساهمت في تنظيم مؤتمر نيويورك. وكانت هذه الإدارة قد حذرت في 11 حزيران/يونيو الفائت من المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة الذي سيناقش "حل الدولتين"، إذ وفقاً لبرقية دبلوماسية أميركية، اطلعت عليها وكالة "رويترز"، فإن الدول التي تتخذ "إجراءات معادية لإسرائيل" بعد المؤتمر ستُعتبر معارضة لمصالح السياسة الخارجية الأميركية، وقد تواجه عواقب دبلوماسية من واشنطن. وجاء في البرقية: "نحث الحكومات على عدم المشاركة في هذا المؤتمر، الذي نعتبره مُضراً بالجهود الجارية، والضرورية لإنهاء الحرب في غزة وتحرير الرهائن". وأضافت: "تعارض الولايات المتحدة أي خطوة أحادية الجانب للاعتراف بدولة فلسطينية افتراضية، والتي من شأنها أن تُشكل عقبة قانونية وسياسية رئيسية أمام الحل النهائي للصراع، وقد تُمارس ضغوطاً على إسرائيل في خضم الحرب، وبالتالي دعم أعدائها".
ويتوجب الاعتراف بأن الانقسام الفلسطيني المتواصل لا يخدم، بل يعرقل، هذه الجهود الدولية الجارية من أجل فتح أفق سياسي جديد يضمن إنهاء حرب الإبادة المستمرة على الشعب الفلسطيني وتلبية حقوقه الوطنية، بما فيها حقه في إقامة دولته المستقلة. فمن جهة، لا تزال حركة "حماس" ترهن مصير قطاع غزة وسكانه لموقفها الانفرادي وتضرب عرض الحائط بالدعوة إلى تشكيل وفد فلسطيني موحد لإدارة ملف المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل؛ ومن جهة ثانية، ما زالت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية تتخذ الخطوة تلو الخطوة بعيداً عن سياسة الإجماع الوطني، وآخرها الدعوة التي صدرت عن الرئيس محمود عباس في 19 تموز/يوليو الجاري، بشأن إجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني في أواخر هذا العام، وذلك بشروط سياسية معينة قد لا تضمن أن تسفر عملية الانتخاب عن جمع شمل الشعب الفلسطيني وتعزيز وحدته من خلال ضمان مشاركة القوى السياسية والمجتمعية كافة، بل أن تكون مصدراً للمزيد من الانقسام!.