موقع "ذا إنترسبت" الأميركي ينشر تقريراً للكاتب مات سليدج يتناول تصعيد الحصار المالي والسياسي على وكالة "الأونروا" في الكونغرس الأميركي، في ظل مجاعة غير مسبوقة في غزة، ويسلّط الضوء على التناقض الصارخ بين مواقف المشرّعين الأميركيين وسوء الأوضاع الإنسانية المتفاقمة على الأرض. أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:
بينما يراقب العالم غزة وهي تتضور جوعاً، تقدّم الجمهوريون في الكونغرس بهدوء بمشروع حظر جديد على تمويل وكالة تابعة للأمم المتحدة تقوم بإيصال المساعدات الغذائية للفلسطينيين.
صوتت لجنة المخصصات في مجلس النواب التي يهيمن عليها الحزب الجمهوري الأسبوع الماضي على حظر الدعم المالي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، والتي كانت لفترة طويلة المركز الرئيسي لتوزيع المساعدات في غزة.
وفي حال إقرار الكونغرس لهذا الحظر، فمن شأنه أن يعزز الحصار المالي المفروض على الأونروا، والذي بدأ العام الماضي عندما فرضت "إسرائيل" على الوكالة حملة ضغط مكثفة.
تأتي هذه الخطوة الأخيرة في ظل وضع متدهور بشكل متزايد، إذ ندد خبراء الأمم المتحدة بالمجاعة الكاملة، وتعقد دول غربية أخرى اجتماعات طارئة لمعالجة الأزمة.
وقد أثار توقيت الحظر المقترح الأخير استياء المراقبين الذين سعوا إلى زيادة تدفق المساعدات إلى الفلسطينيين في غزة.
قالت يارا عاصي، الأستاذة المساعدة في كلية إدارة الصحة العالمية وعلم المعلومات في جامعة سنترال فلوريدا: "يبدو من النفاق الشديد أن نشعر بالصدمة فجأة من هذه الصور عندما تقول كل وكالة إنسانية إنه لا يمكن لأحد أن يحل محل الأونروا".
حظر الكونغرس تمويل الأونروا لأول مرة في آذار/مارس 2024، بعدما روّجت "إسرائيل" لادعاءات بتورط موظفي الوكالة في هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. وكان الرئيس الديمقراطي جو بايدن قد أوقف تمويل الوكالة بالفعل.
يعمل مجلسا النواب والشيوخ على استبدال حزمة المخصصات تلك بأخرى جديدة للسنة المالية القادمة. في 23 تموز/يوليو، أقرّت لجنة المخصصات في مجلس النواب مشروع قانون يُركّز على تمويل برامج الأمن القومي ووزارة الخارجية.
ويهدف مشروع القانون البالغ قيمته 46 مليار دولار إلى خفض تمويل العديد من برامج المساعدات الخارجية وحظر تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، في حين يمنح "إسرائيل" 3.3 مليار دولار لشراء المزيد من الأسلحة الأميركية.
وفي خطوة أبعد من الحظر الذي فرض العام الماضي، فإنّ مشروع قانون المخصصات في مجلس النواب من شأنه أن يحظر تمويل أمانة الأمم المتحدة، الوكالة الأم للمنظمة، حتى تنشر نسخة غير محررة من التحقيق الذي أجرته الأمم المتحدة في آب/أغسطس 2024 في مزاعم "إسرائيل" بأن موظفي الأونروا كانوا متورطين في هجمات أكتوبر.
توصل تحقيق الأمم المتحدة إلى أن 9 موظفين من أصل 13 ألف موظف في غزة "ربما" شاركوا في الهجمات. وقد فصلت الأونروا الموظفين التسعة.
وفي بيان له، أشاد النائب ماريو دياز بالارت، الجمهوري من فلوريدا الذي يرأس اللجنة الفرعية للأمن القومي ووزارة الخارجية التابعة للجنة المخصصات، بالتدابير المناهضة للأونروا باعتبارها "أمثلة على كيفية تعزيز هذا القانون للأمن القومي ودعم السياسة الخارجية الأميركية أولاً".
وفي أعقاب التحقيق الداخلي الذي أجرته الأمم المتحدة، استأنفت الدول الأوروبية تدريجياً تمويلها لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، التي تعمل في غزة إلى جانب وكالات أخرى تابعة للأمم المتحدة مثل برنامج الغذاء العالمي.
لقد اختار الرئيس دونالد ترامب سلوك طريق آخر؛ فبدلاً من ذلك قدم التمويل لمؤسسة غزة الإنسانية الغامضة، والتي قُتل أثناء توزيعها للغذاء مئات الأشخاص على يد جنود إسرائيليين.
وفي يوم الأحد، دعا 21 عضواً ديمقراطياً في مجلس الشيوخ بقيادة السيناتور كريس فان هولين، من ولاية ماريلاند، وزير الخارجية ماركو روبيو إلى "الوقف الفوري" لتمويل صندوق الأمم المتحدة الإنساني والعودة إلى "آليات تنسيق المساعدات التي تقودها الأمم المتحدة مع تعزيز الرقابة"، من دون ذكر الأونروا بالاسم.
دفعت مشاهد المجاعة المتزايدة في غزة حتى أشدّ الديمقراطيين تأييداً لـ "إسرائيل" إلى مطالبتها بالسماح بدخول المزيد من المساعدات الغذائية إلى غزة، إلا أنّ العديد منهم تجنبوا لوم "إسرائيل" على الأزمة.
حتى ترامب خالف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الاثنين عندما اعترف بأن الأطفال يتضورون جوعاً، فيما قدم وعداً غامضاً بأن الولايات المتحدة ستنشئ "مراكز غذائية".
في المقابل، تقول الأونروا إنها مستعدة لتسليم ما يعادل 6000 شاحنة من المساعدات بمجرد حصولها على "الضوء الأخضر" من "إسرائيل".
وقال عاصي إنّ الصلة بين حملة الضغط على الأونروا والمشاهد التي تجري في غزة الآن واضحة، حتى لو كان المسؤولون الإسرائيليون والأمريكيون لا يريدون الاعتراف بذلك.
لم تكن هذه الخطوط واضحةً تماماً، فقد تم قطع تمويل أكبر وكالة للاستجابة الإنسانية في غزة، ما أدّى إلى كارثة إنسانية واضحة. لقد تم تحذيرهم، كما قالت.
في شهر آذار/مارس، قدّم النائب أندريه كارسون، ديمقراطي من ولاية إنديانا، مشروع قانون لاستعادة تمويل الأونروا. وقد حظي هذا المشروع بدعم من العشرات من أعضاء مجلس النواب، معظمهم تقدميون.
ويعترف أنصار استعادة التمويل للأونروا بأنّ مشروع قانون كارسون من غير المرجح أن ينجح في الكونغرس الذي يهيمن عليه المشرعون المؤيدون لـ "إسرائيل"، لكنهم ما زالوا يقولون إنه خطوة رمزية مهمة.
للأسف، يواجه الأونروا وتمويل الولايات المتحدة لها طريق صعب في المستقبل المنظور. وكما قال حسن الطيب، المدير التشريعي لسياسة الشرق الأوسط في لجنة أصدقاء التشريع الوطني: "نحن نتجه نحو مجاعة جماعية واسعة النطاق في غزة إذا لم يحدث شيء".