• اخر تحديث : 2024-12-28 19:19
news-details
مقالات مترجمة

"فورين بوليسي": أميركا بحاجة للحماية من الداخل كالأنظمة الشمولية


تناول ستيفن كوك في مقالة له في مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تهديدات المتمردين اليمينيين الذين يخترقون قوات الجيش والأمن الأميركية، والتي تعتبر تهديدات أخطر على الأمن الأميركي من هجمات 11 أيلول / سبتمبر 2001 أو هجوم بيرل هاربر الشهير، كونها هجمات تأتي من الداخل.

وقال الكاتب إنه في 6 تشرين الأول / أكتوبر 1981، اغتيل الرئيس المصري أنور السادات أثناء مشاهدته عرضاً عسكرياً لإحياء ذكرى أعظم إنجاز عسكري حديث لمصر، وهو عبور قناة السويس في المرحلة الأولى من حرب تشرين / أكتوبر 1973. وأضاف أنه كان يُعتقد منذ فترة طويلة أن الملازم أول خالد الإسلامبولي هو قاتل السادات، لكن الرصاصة القاتلة جاءت على الأرجح من بندقية الرقيب حسين عباس محمد الذي أصاب عنق الرئيس المصري من سطح شاحنة.

وتابع كوك: لقد انتشر 25000 جندي من الحرس الوطني في شوارع واشنطن لتأمين تنصيب الرئيس جو بايدن مما جعلني أفكر في تلك الأحداث في مصر منذ نحو 40 عاماً. كما أنه جعلني أشعر بالقلق من أن واشنطن لم تستجب للدروس تقريباً مثلها مثل معظم دول الشرق الأوسط. فخلال هجوم 6 كانون الثاني / يناير على مبنى الكابيتول الأميركي، تعلم المتمردون في الولايات المتحدة ما يعرفه نظراؤهم في الشرق الأوسط وفي كل مكان آخر: إذا كنت تريد الاستيلاء على حكومة وإسقاطها، فيجب أن يكون التسلل إلى الأجهزة الأمنية والعسكرية جزءاً مهماً من استراتيجية المرء. فهم الذين يسيطرون على الأسلحة ولديهم التدريب على استخدامها. فالإسلامبولي وحسين محمد وشريك آخر، هو ضابط الاحتياط المهندس عطا حميدة رحيم، كانوا الفريق المثالي لتنفيذ اغتيال السادات. وعلى الرغم من أنهم لا يزالون غير معروفين كثيراً إلا لدى محللي الإرهاب، إلا أن بعض نجوم "الجهاد" العابر للحدود لديهم خلفيات عسكرية. هؤلاء الضباط السابقون في الجيش والشرطة جعلوا أسامة بن لادن وأبو بكر البغدادي وأيمن الظواهري - وليس لأي من هؤلاء الثلاثة خبرة في القوات المسلحة أو الأجهزة الأمنية - وغيرهم من القادة المتطرفين أكثر فتكاً.

وأوضح الباحث أن قدرة أفراد الأمن على تفعيل الفتنة هي السبب في أن التقارير التي تشير إلى مشاركة قدامى المحاربين وضباط الشرطة وحتى بعض الأفراد العسكريين الحاليين في هجوم 6 كانون الثاني / يناير هي أمر مثير للقلق. فهناك الآن حركة سياسية في أميركا منخرطة في محاولة للإطاحة بالنظام الدستوري، ومن بين الآلاف، وربما مئات الآلاف، من الراغبين في الانتفاض واستخدام القوة ضد الحكومة، من هم أعضاء في إنفاذ القانون والقوات المسلحة. وليس من قبيل التبسيط القول إن الولايات المتحدة تواجه تهديداً أكثر خطورة مما كانت عليه خلال 11 أيلول / سبتمبر أو بيرل هاربور، عندما كانت القضايا المطروحة هي الهجمات الأجنبية على البلاد. اليوم، تواجه الولايات المتحدة واقعاً جديداً ومثيراً للقلق، حيث يتم التشكيك في شرعية نظامها السياسي، عبر وسائل عنيفة ومنسقة، من الداخل.

وغالباً ما يشير المحللون الغربيون إلى ما يفعله القادة في الشرق الأوسط وأجزاء أخرى من العالم لضمان أنظمتهم السياسية على أنه "أمن النظام". كانت الولايات المتحدة مهملة في هذا المجال - على الرغم من التحذيرات الكثيرة - مقارنة بشركائها في الشرق الأوسط.

وقد نشر الصحافي التركي محمد علي بيران كتاباً في عام 1991 بعنوان "قمصان الصلب: تشريح فيلق الضباط التركي"، والذي قدم رؤية غير مسبوقة لكيفية فحص القوات المسلحة التركية المرشحين للتجنيد كضباط ثم تلقينهم الطرق العلمانية للكمالية. وأفاد بيراند أنه قبل دخول المرشحين إلى أكاديميات الخدمة والمدارس الثانوية، نظر الجيش في عائلاتهم بحثاً عن أي علامات "رجعية" - أي الإسلاموية - أو "انفصالية"، وهي طريقة أخرى للقول بالقومية الكردية. ثم كانت هناك مراقبة مستمرة لسلك الضباط والرتب للتأكد من أن الجيش يؤيد الكمالية دائماً كمصدر للسلطة والهيبة والشرعية في النظام السياسي التركي.

كما يقوم القادة المصريون في الجيش بفحص الضباط بحثاً عن التطرف قبل دخول الأكاديمية العسكرية، على الرغم من أن المؤسسة العسكرية المصرية اتخذت نهجاً مختلفاً تماماً عن الأتراك. فبدلاً من تلقين مرشحي المناصب أهمية ضمان بقاء الدين خارج المجال العام، فعل المصريون العكس تماماً، حيث أكد القادة العسكريون المصريون على تفانيهم الشخصي وأهمية تعاليم الإسلام في المهمة الشاملة للقوات المسلحة. وكانت هذه طريقة لتخفيف جاذبية الإسلاموية من خلال التأكيد على أن الجيش يلتزم بمبادئ الإسلام بشكل صحيح، على عكس أساليب الإسلاميين.

ولا يعني أي من هذا أن الولايات المتحدة بحاجة إلى محاكاة ما فعلته تركيا ومصر. إنما يعني أن أميركا لا تختلف عن بقية العالم كما يحب الأميركيون التصديق.

ولم يعتقد أحد بجدية أن الفتنة والانتفاضة ممكنتان في أميركا. بالنسبة للولايات المتحدة تعتبر هذه المشاكل استثنائية للغاية. لكن علامات التحذير موجودة منذ فترة طويلة. كما أشار تقرير لمكتب التحقيقات الفيدرالي: "أظهر قادة وجماعات تفوق العرق الأبيض تاريخياً اهتماماً بالتسلل إلى مجتمعات تطبيق القانون أو تجنيد أفراد إنفاذ القانون". كان ذلك في عام 2006.

حالياً، أرغمت أحداث 6 كانون الثاني / يناير، الأميركيين على الاعتراف بالجودة المزدوجة للشرطة والقوات العسكرية في مجتمعهم. إنهم يريدون من يتحكم في وسائل العنف أن يكون قوياً وآمناً من التسلل حتى يتمكن من المساعدة في حماية النظام الدستوري، ولكن ليس بقوة مطلقة بحيث يكون خارج السيطرة المدنية. ويجب أن تكون المشكلة في الولايات المتحدة بديهية: التحريضون على الفتنة موجودون في الرتب، وعندما يتعلق الأمر بتطبيق القانون والنقابات التي تمثلهم، فهم خارج وسائل السيطرة المدنية الفعالة.

والسؤال هو ما يجب القيام به حيال ذلك. وغني عن البيان أن الولايات المتحدة لا يمكنها أبداً ولا ينبغي لها أبداً أن تقوم بهذا النوع من التلقين والمراقبة الذي استخدمته السلطات في الشرق الأوسط لمنع الفتنة. ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت السياسة الأميركية يمكن أن تتحمل عبء التحقيق في تسلل النازيين الجدد والمؤمنين بتفوق البيض وتسلل حركة "كيو أنون" إلى قواتها الأمنية بالنظر إلى الكيفية التي جعل بها عهد الرئيس دونالد ترامب هذه الجماعات ذات أهمية سياسية ومؤثرة.

وعلى أقل تقدير، يعد قرار وزارة الدفاع الأميركية بفحص أفراد الحرس الوطني المعينين في واشنطن خلال التنصيب إقراراً بوجود المشكلة داخل القوات المسلحة. إن اتباع السياسات وكتابة القواعد والأنظمة الجديدة التي تمنح الجيش وإنفاذ القانون وسائل لتحديد العصيان والتخلص منهم بلا رحمة يجب أن تكون الأولوية الأولى لوزير الدفاع والنائب العام الجديد.

صحيح أنه في تركيا، كان الحفاظ على الروح الكمالية داخل صفوف الجيش يعني الحفاظ على نظام سياسي غير ديمقراطي. والشيء نفسه في مصر، حيث تم عزل الضباط أو الضباط المحتملين ممن لديهم آراء سياسية مشبوهة أو تم إبعادهم من أجل الحفاظ على نظام حكم استبدادي. ولا ينبغي لهذه الحقائق أن تصرف انتباه الأميركيين عما يفهمه المتمردون أكثر من غيرهم: النظام السياسي ضعيف إذا كانت قوات الأمن عرضة للأفكار والأفعال المثيرة للفتنة. ويعتمد مصير النظام الديمقراطي في أميركا والسلامة الجسدية للأميركيين على الاستيقاظ أخيراً لحقيقة أنهم ليسوا استثنائيين على الإطلاق.

*ستيفن أيه كوك هو كبير الزملاء في دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية.