• اخر تحديث : 2024-05-03 21:39
news-details
تقارير

صوتوا لترامب واقتحموا الكونغرس.. أين تتقاطع المسيحية الأميركية مع جماعات التطرف البيضاء؟


تطرق تقرير للإذاعة الوطنية الأميركية (NPR) الآونة الأخيرة إلى ظاهرة التجاهل الإعلامي لدور المليشيات المسيحية المتطرفة التي شاركت في عملية اقتحام الكابيتول (مجمع الكونغرس) أثناء انعقاد الجلسة المشتركة لمجلسي النواب والشيوخ للتصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية في السادس من يناير/كانون الثاني الماضي.

وعقب حادثة الاقتحام، خرجت تصريحات من العديد من قادة الكنائس ليدينوا ما جرى، ويحاولوا النأي بأنفسهم عن "الغوغاء" الذين اقتحموا الكونغرس، وشددت بياناتهم على أن المقتحمين قد أساؤوا فهم الرسالة الحقيقية للمسيحية الأميركية بشكل جذري.

ومن جانبها رأت كيري والاس خبيرة الشؤون الدينية -في مقال لها بمجلة تايم (TIME)- أن الإيمان بتفوق العرق الأبيض قد تسلل على مدار السنين إلى الكنائس، خاصة ولايات الجنوب.

واعتبرت أن اقتحام الكونغرس "جاء خاتمة منطقية تماما للمسيحية الأميركية البيضاء، فقد بررت الكنيسة لعقود طويلة استعباد الأفارقة والسكان الأصليين، كما بررت قرونا من الاستعمار الوحشي الأبيض في جميع أنحاء العالم، وتم تبرير اغتصاب الأراضي ومنع الحرية عن الملايين من الناس الذين لم يكونوا مسيحيين".

وترى خبيرة الشؤون الدينية أن حركة كو كلوكس كلان (KKK) العنصرية، المؤمنة بتفوق العرق الأبيض، متجذرة في الكنيسة في ولايات الشمال والجنوب.

وعودة لتقرير الإذاعة الوطنية، فقد أشار إلى أن بعض رجال الدين المسيحيين برروا ضرورة مقاومة نتائج الانتخابات وضرورة تغييرها لأنها تؤدي حسب قولهم لإضعاف الإيمان بصفة عامة، وتغيير قيم المجتمع المحافظة من خلال تبني الإدارة الجديدة سياسات اجتماعية تقدمية تخالف بعض التعاليم الدينية، خاصة فيما يتعلق بشكل العائلة التقليدي وزواج المثليين وقضية الإجهاض.

وأوضحت الإذاعة في التقرير أن بعض الكنائس والقساوسة قد ساهموا في تأجيج الغضب بما مهد لاقتحام الكونغرس، واندلاع أعمال عنف وشغب نتج عنها مقتل 5 أشخاص.

المسيحية في المشهد الانتخابي

ظهر المشهد الديني بوضوح في الانتخابات الرئاسية منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي. ومنذ وصول الرئيس رونالد ريغان للحكم عام 1980، يميل المسيحيون البروتستانت البيض إلى التصويت للمرشح الجمهوري، في حين تذهب أصوات الأقليات المسيحية غير البيضاء من الأفارقة السود والهيسبانيك اللاتينيين وأصوات غير المتدينين في أغلبها للمرشح الديمقراطي، وتنقسم أصوات الكاثوليك من البيض بين الحزبين.

وكتب وصول دونالد ترامب لسدة الحكم قبل 4 سنوات شهادة ميلاد جديدة للتيارات المحافظة اليمينية المتطرفة التي يغلف بعضها نفسه في إطار مسيحي ديني متشدد.

وتجتهد هذه التيارات وتحاول إعادة تركيب حركة تطور المجتمع وكأنها هجمات لا تتوقف على النسخة الأميركية من الديانة المسيحية، وتحديدا المذهب البروتستانتي.

وأظهر استطلاع لوكالة أسوشيتد برس أن أصوات 81% من الناخبين البروتستانت الإنجيليين البيض ذهبت لصالح ترامب في انتخابات 2020، مقارنة بـ 18% صوتوا لصالح جو بايدن.

معاداة أجندة بايدن

أثناء تغطية الجزيرة نت مظاهرة المؤيدين لترامب في السادس من يناير/كانون الثاني، التي أفضت لاقتحام الكونغرس، كان واضحا حمل الكثير من المشاركين لوحات وشعارات ذات طبيعة دينية مسيحية.

وأشار تقرير الإذاعة الوطنية إلى أن "خطاب الكثير من قادة الإنجيليين كان محفزا لعدد من مقتحمي الكابيتول".

في مقابلة إذاعية بثت في التاسع من ديسمبر/كانون الأول الماضي، قال إريك ميتاكساس، الكاتب المسيحي اليميني، إنه لا يكترث بصعوبة مهمة إلغاء انتخاب بايدن "فلا يصح إلا الصحيح، وعلينا أن نفعل كل ما في وسعنا، وعلينا القتال حتى الموت، حتى آخر قطرة دم، لأن الأمر يستحق ذلك".

وبعد 3 أيام، حضر ميتاكساس وسط أنصار ترامب في مسيرتهم الثانية خلال ديسمبر/كانون الأول بقلب العاصمة واشنطن، حيث تضرع وآخرون إلى الله أن يبقي ترامب في منصبه.

كما أشار القس روبرت ويفر، أحد منظمي المظاهرة، لحشود المجتمعين، قائلا إن الرب "تجلى" له في منامه بعد إعلان فوز بايدن في الانتخابات، وقال له "لم ينته الأمر بعد".

ويرى البروفيسور أندرو وايتهيد من جامعة إنديانا، أن "فكرة اهتمام الرب بصورة مباشرة بالانتخابات الأميركية تعبير عن أيديولوجية القومية المسيحية المتشددة".

عنف المتشددين المسيحيين

ويصف وايتهيد بعض المشاركين في المظاهرات المؤيدة لترامب بأنهم "يؤمنون بفكرة أن الرب لديه خطة لهذه الأمة، وأنه يريد نتيجة معينة في الانتخابات، و(قد) أعطت هذه الأفكار قوة إضافية للجهود الرامية إلى دعم محاولات ترامب لإلغاء هزيمته المؤكدة بالانتخابات".

ويؤكد أن وجهة النظر السابقة "يمكن أن ينظر إليها على أنها تبرر اللجوء للعنف. وهناك الكثير من الأميركيين الذين يرون اندماجا وتطابقا بين هوياتهم الدينية والوطنية".

وكان من اللقطات المثيرة -في فيديو بثته مجلة نيويوركر (The New Yorker) للأحداث التي جرت داخل الكابيتول أثناء عملية الاقتحام- قيام جاكوب شانسلي، أحد قادة المقتحمين، بمطالبة أتباعه من مثيري الشغب بالتوقف لدقائق والانضمام إليه في الصلاة إلى الله.

وقال شانسلي، وهو يقف على المنصة المخصصة لمايك بنس نائب الرئيس آنذاك "شكرا لك أن سمحت ببعث الحياة للولايات المتحدة من جديد. نحبك ونشكرك، وباسم المسيح المقدس، نصلي".

وتشير تطورات الأسابيع التالية للانتخابات، وحتى اقتحام الكابيتول، إلى أن الاحتجاج المسيحي اليميني، الذي منبعه التشدد المسيحي في بعض الأحيان، يمكن أن يؤدي إلى التطرف السياسي وارتكاب أعمال العنف.

وقد تحدثت للجزيرة نت المؤرخة كريستين دي ميز، المتخصصة في علاقة التيارات المسيحية الأميركية بالشؤون السياسية، وهي تدرس حاليا بجامعة كافين إحدى أهم الجامعات المسيحية، وقالت إن هناك علاقة نفعية تقليدية بين المتدينين وترامب، فقد "عيّن قضاة محافظين في المحاكم المختلفة خاصة المحكمة العليا، ودافع عن حريتهم الدينية ونهض بمصالحهم، وفي المقابل يقدمون له دعمهم الانتخابي".

ويعود البروفيسور وايتهيد، فيؤكد أن الاحتجاجات -التي قادها المتشددون المسيحيون في أعقاب خسارة ترامب الانتخابات- تظهر أن الأفكار المسيحية يمكن أن تكون خطيرة عندما تشكك في "فكرة تقاسم السلطة مع خصم يرونه بعيدا عن كنيستهم" ويضيف البروفيسور "ما يدعو للقلق أن هذه الأفكار لن تختفي في وقت قريب".