• اخر تحديث : 2024-11-15 12:27
news-details
تقارير

إعادة تعريف الإرهاب.. أميركا تراجع نفسها بعد اقتحام الكونغرس


بعد ساعات من اقتحام الكونغرس في السادس من الشهر الماضي، تحدث الرئيس المنتخب جو بايدن للأمة الأميركية واصفا المقتحمين بأنهم "غوغاء مشاغبون، متمردون، إرهابيون محللين" كما وصفت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي المقتحمين بأنهم "مثيرو الشغب" و"متمردون" و"إرهابيون".

وبعد ما يقارب الشهر، لم يستقر الرأي في واشنطن على توصيف من قاموا بهذا الهجوم غير المسبوق على رمز الديمقراطية الأميركية، والذي نتج عنه وفاة 5 أشخاص. وكان الآلاف من أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب اقتحموا مبنى الكونغرس، في محاولة لعرقلة تصديق أعضاء مجلسي النواب والشيوخ على نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

ويرجع عدم الاتفاق داخل أميركا على توصيف مقتحمي الكونغرس إلى غياب تعريف جامع وشامل للممارسات الإرهابية، إضافة إلى تناقضات واسعة بين آراء السياسيين والخبراء القانونيين بشأن إطلاق وصف إرهابيين على مقتحمي الكونغرس.

ويعتقد بعض المراقبين أنه، ودون تحديد واضح لطبيعة مفهوم وتهمة الإرهاب، ستظل هناك فجوة قانونية تعرقل ملاحقة هؤلاء المقتحمين.

تعريفات متنوعة

لا يوجد تعريف دقيق لمصطلح الإرهاب يتفق عليه الخبراء والساسة ورجال القانون الأميركيون، فخلال العقود الماضية، تم استخدام تسمية الإرهاب بطريقة منتقاة تخدم أجندة السياسة الخارجية الأميركية، وتضاعف استخدام التسمية عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وكثير ما ربط الارهاب بـ "التطرف الإسلامي".

ويتفق الخبراء على أن الأعمال الإرهابية تتضمن 3 نقاط تناولوها قانونيا، أولها العمل الإرهابي كتكتيك، ومصطلح قانوني، وتسمية سياسية، ويُعقد ذلك من الاتفاق العام حول مفهوم الارهاب، مما يجعله مثارا للجدل.

ويعرف قانون الولايات المتحدة للأنظمة الاتحادية الإرهاب بأنه "الاستخدام غير المشروع للقوة والعنف ضد الأشخاص أو الممتلكات، لتخويف أو إكراه حكومة أو السكان المدنيين أو أي قطاع من شرائحهم، تعزيزاً للأهداف السياسية أو الاجتماعية" (المادة 28 من قانون العقوبات والقواعد التنظيمية 0-85).

وتشير القوانين الفدرالية الأميركية إلى أن "الإرهاب المحلي" يعني أنشطة:

تنطوي على أعمال خطيرة على حياة الإنسان التي تنتهك القانون الفدرالي، أو قوانين الولايات.

أنشطة تهدف إلى تخويف أو بث الرعب بالاغتيال والاختطاف من أجل التأثير على سلوك الحكومة.

وأما وزارة الدفاع "بنتاغون" فتعرف الإرهاب طبقا لتعديل اللوائح العسكرية في نوفمبر/تشرين الثاني 2010 بأنه "الاستخدام غير القانوني للعنف أو التهديد بالعنف لغرس الخوف، والإكراه على الحكومات أو المجتمعات. وغالبا ما تكون المعتقدات الدينية والسياسية والأيديولوجية هي الدافع وراء الإرهاب لتحقيق أهداف سياسية في العادة". ويميز تعريف البنتاغون بين دوافع الإرهاب (الدين، الإيديولوجية، وغيرهما) وبين أهداف الإرهاب (سياسية في العادة).

وأما مكتب التحقيقات الفدرالي "إف بي آي" (FBI) فيعرف الإرهاب المحلي بأنه "أعمال عنيفة وإجرامية، يرتكبها أفراد أو جماعات لتحقيق أهداف أيديولوجية نابعة من تأثيرات محلية، مثل تلك ذات الطابع السياسي أو الديني أو الاقتصادي".

المقتحمون إرهابيون

غردت العضوة الجمهورية بمجلس النواب نانسي ماس عقب اقتحام مبنى الكابيتول (الكونغرس) مطالبة بتوصيف من قاد الاقتحام كإرهابيين محليين. وجاء فيها "الناس الذين اعتدوا على رجال الشرطة أثناء اقتحام مبنى الكابيتول، والذين أرادوا احتجاز أعضاء الكونغرس رهائن، لم يكونوا وطنيين، لقد كانوا إرهابيين محليين. يجب أن نتوقف عن تدليل المتطرفين، وإعادة بناء حزبنا باعتباره الحزب الذي يحترم سيادة القانون، وليس العنف المتغطي بالعلم الأميركي".

وتقول أستاذة الدراسات الأفريقية في جامعة ولاية كاليفورنيا ميلينا عبد الله "الإرهاب هو الوصف الأدق لما رأيناه في ذلك اليوم" مضيفة "ما يحاولون القيام به هو الإرهاب، والحصول على رد فعل سياسي نابع من الخوف".

وتضيف أن استخدام مصطلح الإرهاب لوصف ما يقوم به أنصار تفوق العرق الأبيض يساعد على فهم وكشف تهديداتهم للدولة، وتشير إلى أنه تم استخدام وصف الإرهاب ضد الأميركيين من أصول أفريقية والمسلمين في حالات كثيرة، واستغربت من عدم تطبيق ما طُبق على الفئات الأخرى عندما يتعلق الأمر بالأميركيين البيض.

وترى جيسيكا ستيرن الأستاذة بجامعة بوسطن أن اقتحام الكونغرس ينطبق عليه مصطلح الإرهاب (فقد) "انطوى على أعمال عنف، أو تهديد بالعنف، لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو دينية، بهدف إيصال رسالة إلى جمهور أكبر يتجاوز الضحايا المباشرين".

آراء مضادة

على الجانب الأخر، اعتبر عدد من الخبراء القانونيين أن تصنيف فعل اقتحام الكونغرس على أنه عمل إرهابي "يؤدي إلى تليين الضوابط الإجرائية لتمكين جهات إنفاذ القانون من ضبط المتهمين، وإحالتهم للقضاء بشروط أقل صرامة" طبقا لخبيرة قانونية فضلت عدم ذكر هويتها ومنصبها.

وتقول الخبيرة القانونية "من شأن توصيف ما جرى بالإرهاب أن يضعف الحماية القانونية المتاحة للمتهمين مقارنة بأي توصيف آخر، كما يؤدي إلى غياب الضمانات في الإجراءات الجنائية".

كما يرفض نيكولاس غروسمان خبير شؤون الإرهاب بجامعة إلينوي توصيف ما جري خلال أحداث اقتحام الكونغرس على أنه إرهاب، وغرد قائلا "أعتقد أن أفضل كلمة لأحداث الأمس في مبنى الكابيتول هي تمرد أو فتنة، ويمكن كذلك قول إنه شغب. لن أقول إنه إرهاب، رغم أنه من الممكن أن بعض الإرهابيين استخدموا أعمال الشغب تلك للتستر على ما يقومون به".

وفي مقال نشر في صحيفة "واشنطن بوست" الاميركية عبرت كل من داليا شمس وطارق إسماعيل، وهما من الخبراء بالقانون الجنائي الأميركي، عن تخوفهما من الإسراع في وصف ما جرى يوم السادس من الشهر الماضي على أنه "عمل إرهابي".

واعتبر الكاتبان أنه يجب التذكير بأن "الإرهاب بوصفه بناء قانونيا لا ينفصل عن إرث التمييز والعنصرية الأميركية، وقد تم استغلال قوانين لاستهداف منظمات المسلمين، ومنظمات السود الأميركيين، وغيرهم من الفئات المهمشة لعقود. أجهزة الدولة ستحتكر ترجمة القوانين، وربما تستخدم لقمع الفئات الأكثر ضعفا لاحقا".

وذكر المقال أن إطلاق وصف الإرهاب على ما جرى في الكونغرس لا يؤدي إلا إلى تقليل القدرة على الحديث عن الأسباب الجذرية لما حدث، وينهي النقاش الحاد حول أسبابه "ولن يساعد في طرح السؤال الأهم: كيف وصلنا إلى هذه النقطة؟".