هناك العديد من الأسباب التي تدعو للقلق بشأن مستقبل الاقتصاد الأميركي، لكن هل من المتوقع أن يفقد الدولار مكانته كعملة احتياطية أولى عالميا في المدى القريب؟
في تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنترست" الأميركية، يقول الكاتب ديزموند لاكمان إن محاولة التنبؤ بمستقبل الدولار تفرض الإجابة عن سؤالين أساسيين، أولا: هل هناك منافس جدي يمكن أن يحل مكانه كعملة احتياطية عالمية؟ ثانيا: ألن يكون وجود الدولار مفيدا إذا انفجرت فقاعة الأصول والائتمان على مستوى عالمي؟
ويعتقد الكاتب أن الإجابة عن هذين السؤالين تفضي إلى القول إن الدولار لا يبدو على وشك فقدان مكانته كعملة أولى عالميا على المدى القريب.
توقعات متشائمة
يشير المتشائمون بشأن وضع الدولار إلى أن سياسة التيسير النقدي الاستثنائية -التي انتهجتها الولايات المتحدة في أعقاب جائحة كورونا- هي السبب الرئيسي وراء توقعاتهم بأزمة قادمة للدولار.
ولم يسبق أن عانت الولايات المتحدة أوقات السلم من عجز في الميزانية أو ارتفاع مستوى الدين العام أعلى مما تشهده اليوم، ولم يسبق للاحتياطي الفدرالي أن أبقى أسعار الفائدة منخفضة بمثل هذا المستوى، أو زاد من ميزانيته بالسرعة التي يعتمدها حاليا.
والأمر المزعج من هذا المنظور أنه من غير المتوقع أن تتغير هذه السياسات على المدى القريب، إذ إن إدارة الرئيس جو بايدن تعتزم تمرير مجموعة كبيرة من الحوافز الجديدة لإنعاش الاقتصاد، كما أن الاحتياطي الفدرالي أكد مرارا أنه يعتزم إبقاء أسعار الفائدة في مستوياتها المنخفضة الحالية، ومواصلة توسيع ميزانيته العمومية لأجل غير مسمى.
ويعتقد متداولو الدولار بأنه -من خلال خفض مستوى الادخار في الولايات المتحدة- سيؤدي العجز الكبير في الميزانية إلى اتساع الدين الخارجي، كما أن أسعار الفائدة المنخفضة للغاية لا تحفز المستثمرين الأجانب على الاحتفاظ بالعملة الأميركية، وهو ما يشير إلى أزمة قريبة للدولار من وجهة نظر المتداولين.
لكن الكاتب يرى أن هذا الاستنتاج يتغاضى عن نقطة أساسية وهي أن انخفاض سعر الدولار عالميا يحدث عندما يفقد قيمته مقارنة بالعملات الرئيسية الأخرى حول العالم.
هل من منافس؟
الواقع أن تلك العملات تعاني حاليا مشاكل خطيرة، وربما تكون في وضع أسوأ من الدولار، حسب قول الكاتب، إذ يعيش اليورو (المنافس الرئيسي للدولار) أزمة حقيقية بسبب حالة الركود الاقتصادي التي تعيشها أوروبا، ويبدو الاتحاد الأوروبي على أعتاب أزمة ديون جديدة قد تشكل تهديدا وجوديا لعملته.
وما يثير القلق في أوروبا أنه من المرجح أن تتركز أزمة الديون السيادية القادمة في إيطاليا، وهي البلد الذي يبلغ حجم اقتصاده قرابة 10 أضعاف اقتصاد اليونان التي عاشت أزمة خانقة قبل سنوات أثرت على اقتصاد القارة بأكملها.
ولم تشهد إيطاليا سابقا عجزا بالميزانية أو ارتفاعا في نسبة الدين العام من الناتج المحلي الإجمالي كما تعيشه اليوم، وتمر بحالة ركود اقتصادي حاد، ولا تبدو قادرة على استعادة عافيتها دون اللجوء لإعادة هيكلة الديون، مما قد يشكل ضربة كبيرة تهز أسس اليورو.
ولا يمكن للعملتين اليابانية والصينية (الين واليوان) أن تمثلا تهديدا حقيقيا للدولار في الوقت الراهن لأنهما لا تُستخدمان على نطاق واسع عالميا، وتعيش اليابان عجزا قياسيا بالميزانية، كما تشهد الصين أزمة ديون حادة وتفرض قيودا صارمة على رأس المال مما يستبعد إمكانية اعتمادها عملتها على نطاق عالمي كبديل للدولار، حسب تقرير ناشونال إنترست.
ملاذ آمن
ومن وجهة نظر الكاتب، فإن هناك عاملا آخر قد يدعم وضع الدولار خلال الفترة المقبلة وهو سمعة الاقتصاد الأميركي كملاذ استثماري آمن، فعندما تبدأ الحكومات العالمية باعتماد سياسات تضييق اقتصادية، سيبدأ المستثمرون العالميون بالبحث مجددا عن الملاذ الآمن الذي توفّره لهم سندات الخزينة الأميركية.
وليس الدولار هو ما يجدر بالأميركيين أن يقلقوا بشأنه، بل العجز الكبير في الميزانية ومستويات الدين المتزايدة التي قد تشكل عبئا ثقيلا على أبنائهم وأحفادهم مستقبلا.