• اخر تحديث : 2024-04-22 16:34
news-details
ندوات وحلقات نقاش

حلقة نقاش: الأحداث المتسارعة في أميركا: أي انعكاسات وسيناريوهات داخليًا وخارجيًا.


مقدمة

برز عقب الاضطرابات الأخيرة، والأحداث المتسارعة التي تعيشها الولايات المتحدة منذ مقتل الأميركي جورج فلويد، وصولًا إلى حفل تنصيب الرئيس 46 تحت شعار "إعادة الوحدة" العديد من التحليلات التي تناولت إما تقييمًا لما جرى ويجري، أو تكهنًا لما ستؤول إليه أميركا كدولة مهيمنة في العالم، أو في الداخل على مستوى المجتمع.

مواكبةً لما يجري، نظّمت الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين حلقة نقاش عبر الفضاء الافتراضي بعنوان: "الأحداث المتسارعة في أميركا: أي انعكاسات وسيناريوهات داخليًا وخارجيًا"، وهذا أبرز ما جاء فيها.

أولاً: معطيات أولية حول اللقاء:

الزمان

الخميس 21\1\2021 (من الساعة الثالثة عصرًا بتوقيت بيروت لغاية الرابعة والنصف).

المكان

منصّة Zoom Cloud Meeting

 

 

المشاركون الأساتذة السادة:

1

رئيس الرابطة د. محسن صالح

2

الباحث الاقتصادي والسياسي د. محمد حيدر

3

المحلل السياسي وعضو الحزب الديمقراطي الأميركي الأستاذ مهدي العفيفي.

4

الكاتب الفلسطيني الأستاذ حسن لافي

5

الكاتب اللبناني الأستاذ هادي قبيسي

6

أمينة سر الرابطة د. وفاء حطيط

 

 

 

ثانيًا: وقائع الجلسة:

بعد الترحيب بالسادة المشاركين بدأ رئيس الرابطة د. محسن صالح حلقة النقاش بالإشارة إلى ما ورد في كلمة جو بايدن في حفل تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة، وتحدث عن أمور لها علاقة بإعادة وحدة اميركا التي استطاعت أن تخرق المنظومات العالمية من الناحية السياسية والاقتصادية كافة. وقال: خلال أربع سنوات فقط تبدو الولايات المتحدة الأميركية كما تحدثت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية بنظام هش وغير قادرة على متابعة مسيرتها مع العالم، وفي اعتقادي أن ذروة الإمبريالية وصلت حد انكشاف أميركا نتيجة استغلالها لثروات العالم، وهيمنتها على سياساته. وهذا مناقض تمامًا لما تسميه الديمقراطية والحرية، بل حاولت أن تكون ديكتاتورية الامبريالية، وديكتاتورية رأس المال، خاصة مع ترامب الذي مضى بشكل يبعث على السخرية حتى في الولايات المتحدة ذليلًا مهزومًا. وأعتقد أن على بايدن معالجة التشققات التي حصلت في عقل الدولة والمؤسساتي الأميركي، والمآزق التي خلّفها ترامب في وجه بايدن، ومهمة بايدن تفكيك هذا الأمر، وهي شبه مستحيلة إلا إذا أراد أخذ قرارات مصيرية، بمعنى أن يعود عسكريًا إلى الولايات المتحدة، ويحاول حل المشاكل الداخلية برمتها من الناحية الاقتصادية والسياسية.

ولفت د. صالح إلى أن أميركا تعيش اليوم حالة من الاضطراب والانقسام والتراجع في مواجهة كورونا والأمور الاقتصادية والاجتماعية. وقال: لا أدرى كيف يمكن لبايدن أن يستثمر مع حماقات ترامب التي أدت الى مناعة محور المقاومة، إذ جعلته قويًا وصلبًا قادرًا على مواجهة أي سياسات يمكن ان يلجأ اليها بايدن؛ بمعنى استثمار ما حصل، وبالتالي تجاوز الأزمة البنيوية. فقد استطاع محور المقاومة تحقيق أهداف سياسية ونفسية وجغرافية وتسليحية ما عجزت عنه الدول العربية حلفاء الولايات المتحدة خلال أكثر من 75 عامًا، وبالتالي حقق انتصارات ميدانية، وفي الشارع، وأصبح قادرًا على التأثير في سياسات دول المنطقة على أقل تقدير.

أبرز نقاط مداخلة د. محمد حيدر

بعدها قدّم د. محمد حيدر مداخلته التي أشار في بدايتها إلى تساؤلات لدى الكثير من الناس خاصة بعد الفترة التي قضاها ترامب بهذا النوع من الديكتاتورية التي كانت مغايرة لمفاهيم الديمقراطية، وهذا يسلط الضوء على شخصية ترامب، وكيف كانت ادارته، او الإدارة الأميركية بشكل عام.

وطرح د. محمد حيدر مجموعة تساؤلات في هذا السياق: هل إن هذه المرحلة تؤسس فعلًا لمرحلة جديدة في المجتمع الاميركي بشكل عام؟، هل إن ترامب أحدث شرخًا في هذا المجتمع؟، أم أن هذا المجتمع كان يتجه إلى هذه التصنيفات؟ في الأصل. وقال: الملاحظ أن هذه ليست صفة عامة في الولايات المتحدة فقط، بل إن المجتمعات الأوروبية التي تسود فيها ما يسمى بالرأسمالية الغربية تعاني كلها من المشكلة نفسها، إذ لم يعد المفهوم السياسي لطريقة إدارة الدولة يعتمد فقط بشكل أساسي على المنظومة الحزبية التي تسيطر على هذه الحكومات، فحتى في المجتمع البريطاني والمجتمع الأوروبي هناك شرخ واضح جدًا في هذه الاتجاهات، وداخل الأحزاب نفسها. فحزب العمال البريطاني على سبيل المثال، ونتيجة عدد من القضايا كخروج بريطانيا من "البريكست"، فهذه النقطة بحد ذاتها جعلت المجتمع البريطاني يعاني من شرخ أفقي وعمودي في المجتمع ككل، وفي المجتمع السياسي بشكل خاص، وتباينت آراء حزب العمال ما بين البقاء في الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه؛ هذا الشرخ موجود حتى في المانيا وبعض الدول الأخرى، وهناك بروز لحركات عنصرية، وهذه المسألة الخطيرة في هذه المجتمعات.

وتساءل د. حيدر: ماذا ينتظر بايدن الآن؟، وقال: هذا هو الأهم، أمام بايدن أربعة ملفات مهمة جدًا وهو بأمس الحاجة للعمل عليها بشكل أو بأخر، لأنها ارث سيء جدًا تركته ادارة ترامب على الديمقراطيين.

الملف الأول هو "كورونا"، لأنه الملف الأول في العالم، والملف الثاني هو الملف الاقتصادي، والتحليل الاقتصادي يجب أن يكون أحد المداخل الأساسية إلى التحليل السياسي الحقيقي، والملف الثالث هو الملف الداخلي وما حدث في مسألة قتل جورج فلويد؛ فهي ليست مسألة عرضية، بل هي نتائج لسياسات اجتماعية وسياسية، ونمط موجود في الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ملف العلاقات الخارجية، لأن سياسة ترامب بشكل عام كانت انهاء الإنجازات التي أحرزها أوباما في الداخل وفي الخارج، وأبرز ما في الخارج هو العلاقة مع الصين، والعلاقة الحلف الأطلسي بشكل عام، ويأتي الملف النووي في ما يتعلق بالشرق الأوسط وسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط التي بدأت مؤخرًا بعمليات عدائية كثيرة.    

لفت د. حيدر إلى أن الاقتصاد الأميركي يعاني من أزمة عميقة جدًا فوق ما يتصوره المرء، وقال: لقد تراجع الناتج القومي المحلي الأميركي في هذه الفترة الى أكثر من 33 في المئة، خاصة بعد شهر آذار إلى شهر أيلول من العام الماضي، واستمرار هذا النهج في الدخل القومي له نتائج سيئة جدًا على الكثير من الشركات، والطبقات المتوسطة والشركات المتوسطة والصغيرة، وهذا يعني أن الأرضية الممهدة للصناعات الأكبر تتعرض الى مخاطر. كما انخفض ميزان المدفوعات في الولايات المتحدة بحدود 68 مليار، وتراجع الحساب الجاري لدى الدولة 178 مليار حتى الان، وتراجعت القدرة الإنتاجية للمجتمع الصناعي من الصناعات التحويلية والصناعات الأساسية في اميركا.

فهل يستطيع بايدن في ظل هذه المصائب التي تركها فيروس كورونا والتراجع الاقتصادي تقديم حلول، لاسيما في مسألة الملف النووي والعلاقات الخارجية.

وعن دور وسائل الاعلام الأميركية في ما خص عسكرة الشارع الأميركي قال د. حيدر: إن المشاهد التي كنا نراها في احتفال تنصيب بايدن ليست المشهد الحقيقي الموجود على الأرض؛ فوسائل الاعلام في الولايات المتحدة لا تنقل الصورة الحقيقية في أميركا ولا عسكرة الشارع، لأن صورة الجندي الأميركي في الشارع صورة غير اعتيادية بالنسبة إلى العالم؛ ولذلك لم يظهر الاعلام هذه المشاهد لأنه سيكون لها تداعيات سلبية على السمعة الأميركية، فالاحتفالية في اميركا هي احتفالية الغطرسة ولو كان بايدن هو الجديد، وهي احتفالية استمرار الشر، واستمرار هذه المدرسة، واستمرارية هذه الغطرسة بشكل عام.

وأشار د. حيدر إلى أن الأدوات التي تستخدم ضد محور المقاومة تطال الناس لتشكل ضغطًا عليه، وقال: هذه احدى الأدوات الخبيثة التي يستخدمها الغرب، علمًا أن في محور المقاومة قوى كبيرة جدًا لا يعرف استخدامها في الداخل. ففي الجانب العلمي على سبيل المثال كانت المرتبة العلمية في الشرق الاوسط في الإنجاز العلمي الاولى لإسرائيل والثانية لتركيا والثالثة لمصر والرابعة للسعودية والخامسة إيران في العام 1996؛ واستمرت المسألة على ما هي عليه في العام 2000 : إسرائيل، تركيا، مصر، من ثم إيران، والسعودية أصبحت الخامسة، وفي العام 2005 بقيت "إسرائيل" ثم تركيا والمرتبة الثالثة إيران، ثم مصر، وأخيرًا السعودية، وفي العام 2008 المرتبة الأولى "إسرائيل"، المرتبة الثانية إيران، الثالثة تركيا، الرابعة لمصر والسعودية، لكن منذ العام 2009 أصبحت إيران في المرتبة الأولى، وتركيا في المرتبة الثانية، و"إسرائيل" في المرتبة الثالثة، ومصر في المرتبة الرابعة، وفي العام 2016 تراجعت "إسرائيل" إلى المرتبة الرابعة ولم تعد في المرتبة الأولى في الإنجازات العلمية والتكنولوجيا في صناعة الأسلحة، وفي العام 2019 والعام 2020 ايران في المرتبة الأولى و"اسرائيل" في المرتبة الرابعة، وهذا في رأيي قوة حلف المقاومة والسند الأساسي والركيزة الأولى، وهذه اشعاعات الثورة على المستوى العسكري، ولماذا تخاف هذه الدول؟، ولماذا تطرح إعادة البحث في الصواريخ الباليستية ضمن الملف النووي؟، ، هو فقط هذا الإنجاز والتفوق، حيث إن التفوق لم يعد لإسرائيل، وهذه مسألة معنوية يجب أن نفهمها، والدليل لدينا من الناحية العملية هي الانتصارات العسكرية على الأرض.

أبرز نقاط مداخلة الأستاذ مهدي عفيفي

أما الأستاذ مهدي عفيفي فقد شدد على أهمية التعاطي مع الإدارة الأميركية والقضايا بواقعية. وأعطى مثالًا موضوع الانتخابات الرئاسية، وقال: من الخطأ القول بأن ترامب حصل على 70 مليون صوت، وللتوضيح فإن الانتخابات في اميركا لا تكون لشخص، ومن صوت لترامب هو نسبة وليس 70 مليونًا، وان كان ترامب باستطاعته انجاز حشد كبير لحشد أكثر من 25 ألف في واشنطن، إذ إن خمس نساء فقط استطعن حشد مليون ونصف في واشنطن من أجل مظاهرة، أما ترامب لم يستطع حشد أكثر من 30 ألف!!، وهذا يبين مدى تأثيره. وهناك من قال أن الأبيض صوت لترامب والملونين صوتوا لبايدن، وهذا كلام عار عن الصحة، فالديمقراطي في جورجيا أشد من الجمهوري في نيويورك، فهناك سوء فهم لهذا الأمر خصوصًا أن اميركا معقدة جدًا، لذلك هناك أخطاء كثيرة في تصورنا لما يحدث في اميركا. وعلى مدى العام الأخير توقع المحللون حصول فتنة طائفية وحرب أهلية في أميركا، لكنني كنت أؤكد أن هذا لن يحصل، لأنه يوجد في أميركا 23 مؤسسة أمنية، وأميركا 50 دولة داخل الدولة، و85 في المئة مما يؤثر بي في مدينتي هو الولاية والمدينة، فعدم اتصال الاميركيين بالرئيس بسبب أن التأثير الأساسي هو داخلي وليس دولي، والفهم أن الرئيس هو كل شيء هو خاطئ، وقد حاول ترامب أن يصور هكذا، ولذلك كسرته المنظومة. والكلام عن أن أوباما لم يستطع أن ينفذ مرتبط في مشكلته التي مقادها أن كلا مجلس الشيوخ ومجلس النواب كانا جمهوريين، ولا بد ان نستوعب مدى تأثير الكونغرس الذي أثر بدوره على ترامب وليس العكس، فترامب كان رئيسًا شاذًا، ومع ذلك استطاع الكونغرس كسره. ونحن لا نهتم بترامب بل إن ما يؤثر علينا هو الولاية.

وعن العنصرية وعسكرة الشارع قال الأستاذ عفيفي: العنصرية حاجة طبيعية موجودة في اميركا وفي أوروبا وفي كل مكان، واليمينة المتطرفة خرجت في اميركا وأوروبا. وما خص حمل السلاح في اميركا فهو في الاماكن المسموح بها وفي ولايات معينة، لأن كل ولاية من الولايات المتحدة هي دولة، ففي مدينة نيويورك مثلًا لا تستطيع أن تحمل رصاصة، فقانون الولاية هو الذي يحكم وأقوى من القانون الفدرالي، وليس هناك قانون فدرالي يسمح بحمل السلاح، لكن الدستور يسمح بحمل السلاح، ويأتي القانون الخاص بالولاية ويحدد.

وانتقد الأستاذ عفيفي أداء الدول العربية بالقول: على مدار 30 عامًا أرى أن الدول العربية تشرذمت و"إسرائيل" أصبحت اقوى تأثيرًا داخل اميركا وخارجها، وقد توسعت، ولديها أحدث الأسلحة وتكنولوجيا على أعلى مستوى، والعرب لا يستطيعون إطلاق العاب نارية.

أبرز نقاط مداخلة الأستاذ حسن لافي

بدوره أشار الأستاذ حسن لافي في مداخلته إلى أن أميركا خليط فسيفسائي من التوجهات الفكرية والثقافية والإنسانية والاثنية بشكل كبير.  وتساءل: هل حقيقة ترامب وفترة ولايته عبارة عن ظاهرة طارئة فاجأت الأميركيين؟، أم أنها تجسيد لظاهرة تتشكل منذ فترة طويلة داخل المجتمع الأميركي، وداخل الساحة السياسية الاميركية فجرها بشكل واضح وصريح دونالد ترامب، بمعنى أن ترامب حتى وهو يخسر الانتخابات من دون أن يعترف بذلك حصل على أكثر من 70 مليون صوت أميركي، يعني هو ليس عبارة عن فعل طارئ في المجتمع الأميركي.

وقال الأستاذ لافي: إن ترامب عندما نجح لم يكن هو خيار الحزب الجمهوري؛ بل كان عبارة عن اضحوكة وتحدى الجميع واستطاع ان ينجح، فهل حقيقة ان الولايات المتحدة تسيير الآن على النهج السليم والصحيح؟.

 أعتقد انه منذ اعلان فوكوياما عن نهاية التاريخ، ونظرية أن الولايات المتحدة والرأسمالية انتصرت، ولا داعي للأيديولوجيات بدأت الولايات المتحدة تسير في مسار من نوع فائض الإنتاج، لكن فائض العنصرية الذي تجلى في الكثير من النقاط، خاصة في ذهابها الى أفغانستان، وافتعالها الحرب على العراق وتدميره لأسباب لها علاقة بمصادر النفط والطاقة. وزادت العنصرية على مدى الولايتين التي قادها بوش الابن، هذا بالفعل في فترة ما انتقل الى الداخل الأميركي تدريجيًا في العام 2008 عندما حصلت الأزمة الأميركية الكبرى؛ إذ عمل الأميركي بفائض من العنصرية، بمعنى أنه بات يبحث على أي الموارد لتوزيعها داخل الولايات المتحدة، وهنا بدأت تظهر نظرة العنصر الأبيض والنظرة النرجسية الفوقية للأبيض في الولايات المتحدة. وقد يكون مجيء باراك أوباما خفف من حدة الانحدار، لكنه لم يستطع في ظل كونغرس قوي وسيناتور قوي جمهوري أن يحقق الاحلام التي كان مطلوب منه تحقيقها؛ لاسيما في موضوع التأمين الصحي والعدالة الاجتماعية داخل اميركا. ثم جاء ترامب أتى بفظاظته غير المعهودة في السياسة الأميركية ليكسر كل التابوهات في السياسة الداخلية الاميركية، ولا أعتقد أن ترامب ظاهرة طارئة، ولا أعتقد أن بايدن يحضر ملفاته وطاقمه بقوة قبل أن يذهب إلى أي ملف، والوقت لن يسعف بايدن، لأن الخطة التي بنيت عليها سياسة ترامب كانت تغير في الأصول، وليس في التكتيكات فقط. كما أن التغيرات الحاصلة في اميركا ليست تغيرات من السهل جدًا على شخصية كبايدن وادارته لملمتها واعادتها الى سكة الطريق التي كانت حتى قبل مجيء ترامب، فقد كسر ترامب الكثير من القواعد في اللعبة الأميركية؛ وبالتالي تحتاج أميركا إلى سنوات عديدة لترميم هذه العلاقات.

وتحدث الأستاذ لافي عن شرخ حقيقي داخل الولايات المتحدة الآن، وقال: لا أعتقد أن ضبط الحال في أميركا سيستمر طويلًا، لأن هناك شرخ اجتماعي، وهذا الشرخ مفاعيله السياسية أي نعم بطيئة لكنها تتوالى؛ لذلك أرى أن لدى بايدن إشكالية في إعادة الوحدة الأميركية، وهذا كلام ليس بسيطًا؛ فالوحدة الأميركية بمعنى أن الولايات المتحدة على الأقل في السنوات المقبلة ستركز قوتها الأساسية في الداخل الأميركي، وانحسار الولايات المتحدة في الداخل سيؤثر على ظهور بعض القوى الرئيسة. والفسيفساء الأميركية التي استطاع الآباء المؤسسون لملمتها في دستور معين يضمن الحياة الأميركية، فإن ترامب كسر هذا الدستور وما يسمى بالمعادلة المجتمعية، والامر ليس بالسهل. 

وعن دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط قال الأستاذ لافي: إن الولايات المتحدة تتراجع في الشرق الأوسط ومشروعها يفشل، ليس لأن حلف المقاومة قوي فقط، بل لأنه لا يوجد لدى حلفائها في المنطقة مشروع أيضًا، بمعنى أن اميركا وحلفاءها في المنطقة لا يملكون مشروعًا يضمن قوة للولايات المتحدة. وبالتالي، أميركا اليوم في بداية التراجع عن مصاف الدول الكبرى المهيمنة والقطب الواحد. مشكلة أميركا في الشرق الاوسط أن ادواتها فاشلة. وتشير تقديرات "إسرائيل" الاستراتيجية منذ العام 2010 إلى أن الخطر الوجودي، أو الاستراتيجي الأول هو محور المقاومة، وكان في مقدمته حزب الله، بعد العام 2015 بدأت تنتهي قصة أن حزب الله الخطر الاستراتيجي، وبدأ الصهاينة يتكلمون عن محور المقاومة كخطر وجودي وليس الاستراتيجي، والمعهد القومي الإسرائيلي يطالب دائمًا القيادة الإسرائيلية منذ العام 2017 تقريبًا بالتوجه شرقًا، وعدم الاعتماد على الولايات المتحدة فقط كحليف استراتيجي، بمعنى أنهم يستشعرون أن أميركا في تراجع.

أبرز نقاط مداخلة الاستاذ هادي قبيسي

أما الأستاذ هادي قبيسي فقد عرض للسياسات الأميركية انطلاقًا من أن بايدن سيشكل استمرارية لسياسة بدأت في العام 2003 مع احتلال العراق، وانتهت في العام 2006 الى تقرير بيكر - هاملتون، وبدء التخطيط للانسحاب، وبناء وكالات وبدائل عن الحضور العسكري المباشر، وقال: هذه المرحلة الأولى، ومن ثم مرحلة أوباما التي حدث فيها الانسحاب العسكري من العراق في العام 2011، وتم خلالها إدارة الربيع العربي والتدخل في مختلف البلدان، خصوصًا في سوريا والعراق، والاستفادة من تحالفات إقليمية لدعم حركات تكفيرية او سلفية، وإدارة ثورات ملونة أيضًا، وتحديدًا في إيران ومحاولة صغيرة في لبنان. إذن هذه سلة سياسات أوباما لمرحلة ما بعد التواجد العسكري؛ إذ تم توكيل قوى أخرى، وإدارة حركات واحتجاجات شعبية واجتماعية في مختلف الدول، سواء المعادية للولايات المتحدة أو الدول المقربة التي تعتبر حليفة لها وبأهداف مختلفة في كلا الحالتين، وهذه السلة عند أوباما تسلمها ترامب، وانتقل بها إلى سلة أدوات جديدة، ومرحلة سياسات جديدة تمثل جزءًا من لعبة الاستمرارية الجزئية والتغيير الجزئي.

لقد أتى ترامب إلى الحكم وكان لديه مفصل أساسي، وهو خسارة الحرب في سوريا والعراق التي كان يعبر عنها دائمًا "إن هذه الحرب كلفتنا 7 تريليون دولار ولم نكسب منها شيئًا"؛ وتعززت هذه الفكرة لديه عندما أتى الى العراق في رأس السنة، واستنتج المطبخ الأميركي عمومًا وترامب عن ذلك مرارًا أن هذه الحرب لم تؤد إلى نجاح، فالنقطة الأخرى التي نتجت عن هذه المشكلة هي تفكك التحالف الإقليمي الذي كان قائمًا بين تركيا وقطر من جهة والسعودية وحلفائها من جهة أخرى، فمع الفشل في سوريا تفكك التنسيق، وانتقلنا إلى الصدام المباشر القطري والتركي، وهنا لجأ ترامب إلى سياسة بديلة بعد فشل الوكلاء، والوجود العسكري أصبح ضعيفًا كقدرة وحضور وفعالية، فلجأ إلى سياسة الضغوط القصوى والحصار الاقتصادي. واستثمر أيضًا نتائج الربيع العربي التي أدت إلى انشغال الشعوب العربية والدول العربية بأزماتها الداخلية، وابتعادها عن قضية فلسطين حتى كشعوب وفعاليات ونخب، بعيدًا عن الدول ـ 90 في المئة منها ـ لم تكن أصلًا تحمل هذه القضية فعلًا، وهذا ما ظهر في التطبيع، وهذا الاستثمار الأميركي الجديد الذي بني على مرحلة أوباما والربيع العربي.

وما خص السياسات الأميركية المرتقبة أثناء مرحلة جو بايدن قال الأستاذ قبيسي: إن لدى بادين مجموعة فرص وتهديدات ناتجة عن المراحل السابقة، وسيذهب في الاستمرارية والتغيير، فأولا هو لديه فرصة استثمار الحصار الاقتصادي القائم منذ أربع سنوات من خلال التفاوض للتنازل مقابل أثمان سياسية، وربما استراتيجية. وبايدن سيذهب إلى استثمار ما بدأه ترامب، لكن، وبدلًا من التصعيد في الضغوط القصوى سيذهب إلى التفاوض المبني على هذه الضغوط القصوى. كما سيذهب بايدن إلى استثمار التطبيع الذي جرى، وهو سيستثمر المصالحة الخليجية التي حصلت، والتقارب التركي- الإسرائيلي والتركي - السعودي، هذا المناخ الذي أدى في نهاية ولاية ترامب إلى إعادة التنسيق بين الحلفاء والدول التابعة للولايات المتحدة في المنطقة. هو يستطيع أن يستثمر فيه، ويشكل تحالفًا، وقد ينجح في ذلك، وسيعمل على تشكيل تحالف يوازن محور المقاومة والدول وحركات محور المقاومة اقتصاديًا وعسكريًا وجغرافيًا أيضًا، وهذا يشكل له بديلًا عن الحضور العسكري الذي أصبح مرحلة سابقة والعودة اليها غير قابلة.

ولا يستبعد الأستاذ قبيسي أن يعود بايدن إلى التركيز على سوريا، وتحريك "داعش" الذي بدأ في سوريا والعراق بكثافة، وقال: هناك تمهيد لهذا المسار. ففشل الضغوط القصوى قد تتسبب في انفجار، وبالتالي فإن بايدن غير قادر على الاستمرار بها، واحتمال فشل التفاوض الذي يريد أن يستثمر من خلاله هذا الحصار فهو يحتاج إلى نقطة ضعف مركزية في محور المقاومة، فيستهدف سوريا، وهو يحتاج إلى أن يسترجع الأدوات، أولًا الدول التي تعبت من الصراعات والتصادم الداخلي وفي الحرب ضد اليمن تحديدًا، فهو يستطيع الآن أن يعيدها إلى التآلف والتماسك لتستعيد فعاليتها ككتلة واحدة، وثانيًا "داعش" الذي  مر وقت طويل على تفككه، ومر على ما يبدو بمراحل إعادة تشكيل وتهيئة وإنتاج تحت ظل الجيش الأميركي في سوريا الذي يتولى إدارة ما تبقى منها، ونجاح التطبيع من دون ردود فعل مؤثرة شعبيًا ودوليًا واقليميًا سيسمح له السير نحو تشكيل هذا التحالف واستثماره لاحقًا كبديل ووكيل عن الحضور الأميركي المباشر.

لقد غير الأميركي خلال 18 عامًا الكثير من استراتيجياته وواضح هناك تفاعل مع هذه الاستراتيجيات، وهناك جهات تعمل على افشالها مرحلة بعد مرحلة.  فهذه الحرب الممتدة على مدار الـ 18 عامًا وباعتراف الاميركيين استنزفت الاقتصاد الأميركي بمقدار ثلث الدين العام الأميركي، وهناك خسائر تتعلق ببنية الاقتصاد، وليست خسائر على مستوى داخل منطقة الصراع فقط. ومن جهة ثانية هناك مسار المواجهة بين محور المقاومة والأميركي وحلفائه في المنطقة عمره 40 عامًا تقريبًا. وفي هذه المرحلة تحديدًا يصح القول إننا انتقلنا من الدفاع السلبي إلى الدفاع المؤثر. وأعتقد أن الأميركي مع الاستنزاف المستمر سيصل إلى مرحلة يقتنع فيها أن هذه المنطقة تخسره أكثر من أن يربح.