• اخر تحديث : 2025-08-01 13:59
news-details
مقالات مترجمة

مجلة أميركية: الحرب على غزة.. من إفشال التهدئة إلى سياسة الإبادة والتهجير


مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر مقالاً للكاتب بول ر. بيلار يناقش فشل مفاوضات وقف إطلاق النار في غزّة، مبرزاً أنّ الانسحاب الإسرائيلي والأميركي من محادثات الدوحة كان قراراً سياسياً متعمّداً من حكومة نتنياهو، وليس نتيجة تعنّت "حماس".  ويرى الكاتب أنّ "إسرائيل" لا تسعى إلى تسوية سلمية بل إلى إبادة أو طرد الفلسطينيين.
 
كما يربط النص بين الحصار والمجاعة في غزة وبين الهجمات السياسية على الأونروا، معتبراً أن هذه السياسات تهدف إلى إضعاف الدعم الدولي للفلسطينيين وتسهيل التهجير القسري. أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية: 
 
ما تزال احتمالات التفاوض على وقف إطلاق النار ووضع حدّ للكارثة الإنسانية في قطاع غزّة قاتمة. خاصّة بعد انسحاب ممثلي تلّ أبيب وواشنطن من المفاوضات مع حركة "حماس" في الدوحة بوساطة قطرية ومصرية، بينما نتنياهو يتحدّث عن خطط "بديلة" لتحقيق أهداف "إسرائيل" في الحرب على غزّة.
 
وكان الرئيس دونالد ترامب أيضاً كرّر كلام نتنياهو بإلقاء اللوم على "حماس" في فشل المفاوضات واتّهمها أنّها لا تريد حقّا إبرام صفقة، قائلاً: "أعتقد أنّهم يريدون أن يموتوا"، وأشار  إلى الحاجة لـ"إنهاء المهمّة"، مشيراً بوضوح إلى الهجوم الإسرائيلي المدمّر المستمرّ على سكّان القطاع. 
 
لقد كنت أفكّر منذ فترة طويلة في مسألة التفاوض على وقف إطلاق النار. ومنذ ما يقرب من 5 عقود ألّفتُ كتاباً بعنوان "التفاوض على السلام، إنهاء الحرب كعملية مساومة"، والذي استكشف الديناميكيات الدبلوماسية والعسكرية لكيفية تفاوض طرفي الحرب على السلام، بينما هما يخوضانها في الوقت عينه. 
 
ما يحدث في غزّة الآن ليس حرباً في الغالب، على الرغم من أنّ هذا المصطلح ينطبق عادة على العنف هناك، وأنّه في الحقيقة هجوم أحاديّ الجانب إلى حدّ كبير على الفلسطينيين المدنيين ووسائل عيشهم. إنّه وضع تمتلك فيه "إسرائيل" الأوراق كلها تقريباً كما قد يقول ترامب.
 
فالتقارير الإخبارية اليومية من غزّة لا تتحدّث عن معارك ضارية بين القوّات الإسرائيلية ومقاتلي "حماس"، ومعظمها لا يفيد بمواجهات عسكرية بين طرفين إطلاقاً. وفي الغالب الأخبار هي عن أحدث عمليات القتل الواسعة النطاق التي تنفّذها "إسرائيل" ضدّ الفلسطينيين الذين يقتل منهم كلّ يوم نحو 150 ضحية مدنية منذ إعلان الحرب الإسرائيلية على القطاع في أواخر عام 2023.
 
وتقتل "إسرائيل" المدنيين في الغارات الجوية، ولكن في الآونة الأخيرة أيضاً من خلال إطلاق النار عليهم في أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء الذي أصبح نادراً، حيث أصبحت المجاعة الجماعية الجزء الأكثر إيلاماً في كارثة الحرب على غزّة، لكنّ "إسرائيل" تلقّي اللوم على "حماس" بما تقوم به هي في تجويعها الفلسطينيين.
 
ومن الاتهامات الإسرائيلية التي طال أمدها بالسعي لإغلاق وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" المنظّمة الدولية الرئيسية التي تتمثّل مهمتها في مساعدة اللاجئين الفلسطينيين، بما في ذلك في غزّة. والتهمة الإسرائيلية هي أنّ "حماس" تسرق المواد الغذائية التي توفّرها "الأونروا"، وأيضا ردّد ترامب هذا الاتّهام.
 
مع ذلك، لم تجد دراسة أجرتها "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" قبل أن تفكّكها إدارة ترامب، ولم تجد أيّ دليل على سرقة المساعدات الإنسانية التي قدّمتها الولايات المتحدة في غزّة، ولا على أنّ "حماس" قد شاركت في تحويل المساعدات على نطاق واسع. كما تظهر التقارير الصحافية الأخيرة أنّ الجيش الإسرائيلي نفسه لم يعثر على أيّ دليل على استيلاء "حماس" على المساعدات.
 
إنّ هجوم "إسرائيل" على منظمة "الأونروا" لا علاقة له بحركة "حماس" أو بسرقة المساعدات الإنسانية، بل إنّ الأمر يتعلق بقيام المنظّمة الأممية من خلال خصوصيّتها في التركيز صراحة على الفلسطينيين، بتشكيل اعتراف دولي بأنّ الفلسطينيين أمّة، وأنّ العديد منهم لاجئون من وطنهم.
 
لقد تدهورت الأوضاع الإنسانية في غزّة بعد أن نجحت "إسرائيل" في تهميش دور "الأونروا". وبديل المساعدات الذي تدعمه الولايات المتحدة وتسيطر عليه إسرائيل لا يفي بالاحتياجات العاجلة بالقدر الكافي فحسب، بل صُمّم أيضاً ليكون مكملاً لأهداف "إسرائيل" في التطهير العرقي. إنّ حصر توزيع المساعدات في نقاط توزيع محدودة يسهّل التهجير القسري للناجين من سكّان القطاع إلى معسكر اعتقال جماعي، تمهيداً لاحتمال ترحيلهم الكامل من غزّة.
 
إنّ إسقاط بعض المساعدات مؤخّراً جوّاً وسيلة غير فعّالة وغير كافية، وهي محاولة لتخفيف الجوع قليلاً. والكمّيات التي تسلم لا تمثّل سوى جزء ضئيل ممّا هو مطلوب. كما أنّ تكلفة التوصيل جوّاً أعلى بكثير مقارنة بالنقل البرّي. وكما أظهرت محاولة سابقة للولايات المتحدة لإيصال المساعدات بهذه الطريقة، فإنّ بعض الإمدادات يضيع، لأنّها يسقط في البحر أو الأسوأ من ذلك أنّها تقتل أشخاصاً نتيجة سقوط الطرود عليهم. ومع ذلك، فإنّ بعض الجهات المانحة تلجأ إلى الإسقاط الجوّي كاستعراض بصري مثير يهدف إلى تخدير ضمير الرأي العام.
 
أَمّا بِالنسبة لـ"إسرائيل"، فإنّ هذا التصرف يستخدم كوسيلة لصرف الانتباه عن حقيقة أنّ أكبر عقبة أمام إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزّة هي استمرار الحصار البري الذي تفرضه على القطاع. وتقديراً لأهمّية لعبة التشتيت هذه تشارك "إسرائيل" نفسها في عمليات الإسقاط الجوّي، إلّا أنّها في الوقت نفسه، لا تزال تسمح بمرور كمّيات ضئيلة فقط من المساعدات عبر الحدود البرّية، بينما تبقى مئات الشاحنات المحمّلة بالمساعدات لتفسد وتدمّر من قبل قوّات الاحتلال الإسرائيلي.
 
في كتابي الذي مضى عليه عقود، حدّدت نوعاً من إنهاء الحروب يستخدم بديلاً عن التسوية التفاوضية باسم "الإبادة/الطرد"، ويعني أنّ الطرف المسيطر عسكرياً يقضي فعلياً على خصمه أو يدفعه خارج الأراضي المتنازع عليها، وهذا هو الوصف المناسب لهدف "إسرائيل" في القطاع.
 
أمّا التصوّر الإسرائيلي السائد للخصم أو العدوّ في غزّة، فهو يشمل كامل السكّان الفلسطينيين، وهو موقف كان راسخاً بالفعل لدى اليمين الإسرائيلي قبل هجوم "حماس" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وقد ازداد قوّة وانتشاراً منذ ذلك الحين. والوفيات التي تسبّب بها "الجيش" الإسرائيلي بشكل مباشر أو غير مباشر حقّقت تقدماً كبيراً نحو هدف الإبادة. أمّا جانب طرد الفلسطينيين فقد كان في الغالب موضوع نقاشات داخلية إسرائيلية، إلّا أنّه أصبح أكثر وضوحاً عندما منح ترامب حكومة نتنياهو هدية دعم التطهير العرقي من خلال اقتراح "ريفييرا في غزّة".
 
وبقدر ما يعرف "حماس" على أنّها العدو، فإنّ الهدف الإسرائيلي من الإبادة كان أكثر وضوحاً، حيث أعلنت إدارة ترامب دعمها لهدف "إسرائيل" المعلن مراراً وتكراراً المتمثّل في "استئصال حماس". وقال نتنياهو، متحدّثا أمام جمهور داخلي للجيش الإسرائيلي في العام الماضي، "سنقتل قيادة حماس" وأنّ هذا القتل وكذلك العمل "في جميع المناطق في قطاع غزّة" هو جزء من "النصر الكامل" الذي سيكون مطلوباً قبل انتهاء العمليات العسكرية.
 
إنّ هدف "إسرائيل" من إبادة أو طرد الفلسطينيين، يقتل بوضوح إمكانية عقد صفقة. فليس من المنطقي أن نتوقّع من الطرف الآخر في الصراع أن يتفاوض للقضاء على نفسه.
 
ولدى نتنياهو أيضاً أسباب شخصية وسياسية أخرى لإبقاء العمليات العسكرية الإسرائيلية مستمرّة إلى أجل غير مسمّى، بغاية تأخير محاسبته على مجمل تهم الفساد والحفاظ على ائتلافه مع المتطرّفين اليمينيين الذين يحرصون على القضاء على الفلسطينيين أو طردهم من غزّة ويعارضون بشدة وقف إطلاق النار.
 
وبالنسبة لحكومة نتنياهو فإنّ أيّ حديث عن وقف إطلاق النار لا علاقة له بالاقتراب من السلام في غزّة. كما أنّ مجرّد توقّف مؤقّت في العمليات تجده هذه الحكومة مناسباً لأيّ سبب، سواء كان ذلك إعادة الإمداد اللوجستي، أم تخفيف الضغط الدبلوماسي، أم أيّ شيء آخر. وكما هي الحال مع وقف إطلاق النار في وقت سابق من هذا العام، سيشعر الإسرائيليون بالحرّية في خرقه كلّما لم وجدوه غير مناسب.
 
لطالما رغبت "حماس" بوقف إطلاق النار. وخلال المفاوضات المتقطعة منذ العام الماضي، كان العائق الرئيسي يتمثّل في أنّ الحركة تريد طريقاً واضحاً نحو إنهاء دائم للأعمال العدائية، بينما تريد "إسرائيل" الاحتفاظ بحقها في استئناف هجماتها. كما حاولت "حماس" استغلال ما تبقّى لديها من أوراق ضغط لتحقيق بعض التخفيف عن السكّان المدنيين في القطاع، من خلال المطالبة بإيصال المساعدات الإنسانية من دون عوائق، وانسحاب القوّات الإسرائيلية من المناطق ذات الكثافة السكانية العالية حتّى يتمكّن الفلسطينيون من العودة إلى منازلهم، كما أنّ الحركة تسعى للإفراج عن عدد وافر من الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
 
وتظهر التقارير الصحافية المستندة إلى وثائق داخلية من الجولة الأخيرة من المحادثات في الدوحة أنّ مُفاوضي "حماس" عملوا من كثب وبعناية مع الوسطاء القطريين والمصريين لمحاولة صياغة اتفاق لوقف إطلاق النار يمكن تطبيقه. وكانت الحركة قد وافقت بالفعل على الغالبية العظمى من المحتوى في وثيقة إطار قال الوسطاء إنّ "إسرائيل" وافقت عليه.
 
وركّزت التعديلات التي سعت إليها "حماس" في الغالب على إغاثة المدنيين الفلسطينيين وتهدف إلى الحصول على مزيد من الدقة والوضوح في الاتفاق الإطاري. على سبيل المثال، فيما يتعلّق بانسحاب القوات الإسرائيلية، بدلاً من اللغة الغامضة في المسوّدة حول الانسحاب إلى خطوط قريبة ممّا كان عليه في اتفاق وقف إطلاق النار في كانون الثاني/يناير 2025، أصرّت الحركة على أن يتحدّث المفاوضون بالتفصيل عن خطوط محدّدة على الخرائط. كما قدم مفاوضو الحركة مقترحاتهم الخاصّة التي أجريت بعض التحسينات على بعد 100 أو 200 متر فقط من الخرائط التي أعطيت لهم أخيراً.
 
وفيما يتعلق بالإفراج عن السجناء الفلسطينيين، رداً على لغة الإطار الغامضة، أراد ممثلو "حماس" التفاوض على أعداد محدّدة للأسرى الإسرائيليين الذين سيطلق سراحهم في الإطار. وفيما يتعلّق بالمساعدات الإنسانية، أرادت الحركة إعادة توزيع المساعدات إلى إدارة الأمم المتحدة وإعادة فتح معبر رفح مع مصر.
 
وبعد أن تفاوضوا بجدّية حول هذه النقاط وغيرها، فوجئ ممثّلو "حماس" بالانسحاب الأميركي والإسرائيلي اللاحق واتّهامات ترامب للحركة بالمسؤولية عن انهيار المفاوضات.
 
إنّ تأكيد ترامب بأنّ حماس "لم تكن تريد حقّاً إبرام صفقة" وبدلاً من ذلك أرادت "الموت" هو هراء. انتهت المحادثات في قطر، لأنّ حكومة نتنياهو قرّرت أنّها لا تريد إبرام صفقة في هذا الوقت. وكما هي الحال مع معظم الأمور المتعلّقة بـ "إسرائيل" تراجعت إدارة ترامب كما أراد نتنياهو.
 
إنّ إلقاء اللوم على حماس في استمرار كارثة غزّة هو مثال آخر على التعامل مع المقاومة فلسطينية، سواء كانت "حماس" أم أيّ جماعة أخرى، واتّهامها بالعنف لأنّها ترفض إخضاع الفلسطينيين واحتلال وطنهم. وهذا النهج مؤشّر آخر على عدم الرغبة في التوصل إلى سلام تفاوضي مع الفلسطينيين.