• اخر تحديث : 2024-04-19 15:15
news-details
ندوات وحلقات نقاش

حلقة نقاش: انتخابات الكيان: تجديد للعقل الصهيوني، أم نهايته.


مقدمة

يخوض الكيان الغاصب في الثالث والعشرين من آذار\ مارس المقبل انتخابات الكنيست الرابعة والعشرين، وهي الانتخابات الرابعة في غضون عامين، وتشارك فيها 39 قائمة قدمت ترشيحاتها إلى لجنة الانتخابات المركزية.

تأتي هذه الانتخابات في الوقت الذي يشهد فيه الكيان صراعات وانشقاقات اجتماعية وسياسية وحزبية عكست بحسب التقديرات انزياحات بنيوية، وتحولًا في بناه المجتمعية وتركيبة النخب الفكرية والسياسية، وتوجهاتها الأيديولوجية.

لمواكبة الانتخابات الصهيونية المرتقبة، نظّمت الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين حلقة نقاش بعنوان: انتخابات الكيان: تجديد للعقل الصهيوني، أم نهايته"، وتمحورت حول:

ـ خارطة الأحزاب الصهيونية التي تخوض انتخابات آذار\ مارس 2021.

ـ الأحزاب الأقوى داخليًا، وأيّها مرتبط بالسياسة الأميركية.

ـ لمن الأرجحية في الانتخابات المقبلة.

ـ السيناريوهات المتوقعة: سيطرة المعسكر اليميني والديني على المشهد السياسي خلال السنوات الأربع المقبلة، أم معسكر المركز واليسار الصهيوني.

ـ هل وصلت الأحزاب الصهيونية إلى طريق مسدود؟؛ وبالتالي يمكن القول بنهاية العقل الصهيوني، أم أن نتائج هذه الانتخابات ستؤدي إلى تجديده؟

أولاً: معطيات أولية حول اللقاء:

المشاركون الأساتذة السادة:

1

رئيس الرابطة د. محسن صالح

2

الأكاديمي الفلسطيني والباحث في الشؤون الصهيونية د. عدنان أبو عامر

3

الأستاذ الجامعي والباحث في الشؤون الصهيونية د. عباس اسماعيل

4

الخبير في الشؤون الصهيونية الأستاذ غسان محمد

5

أمينة سر الرابطة د. وفاء حطيط

 

 

 

ثانيًا: وقائع الجلسة:

قدّم رئيس الرابطة د. محسن صالح حلقة النقاش بالترحيب بالسادة المشاركين، ثم مهّد لموضوع النقاش بالإشارة إلى جوانب ثلاثة: التغيير في البيت الأبيض، وتفكك البنية الداخلية الصهيونية، والتطبيع المستعجل في المنطقة. وقال: تبدو الانتخابات الصهيونية في هذه الآونة انتخابات البحث عن ذات مجددًا بعد ضياع بوصلة الصهيونية في العلاقة البينية الداخلية، وفي ظل الارتباك السياسي في التعاطي الخارجي، حتى مع الأطراف المطبّعة، وفي الموقف من إدارة بايدن وسياساتها غير الواضحة في المنطقة ومعها؛ لاسيما أن الذين صنعوا هذا الكيان الغاصب مع كل الأدوات، ومع وجود الغرب وقوته والولايات المتحدة بقوتها، هذا العالم تغير الآن؛ وتغيرت أيضًا الولايات المتحدة الداعم الأساسي والرئيس والمغطي لهذا الكيان.

على مستوى البنية الداخلية الصهيونية، قال د. صالح: إن هذه البنية ليس تبدلت فقط، إنما تفككت إلى حد الوصول الى قوائم متعددة لم يُعرف اليسار من اليمين، تاريخيًا كان هناك الليكود والعمل، أما اليوم فهناك 39 قائمة، ألا يشير هذا الرقم إلى تضارب التوجهات الداخلية والخارجية؟ والتعصب الصهيوني الأعمى تفكك أيضًا، ولم يعد هناك دعم عال من يهود العالم لهذا الكيان الغاصب، لذلك ذهبت الولايات المتحدة بقيادة ترامب إلى التطبيع المتعجل مع عصر ترامب هذه السفينة الهائجة التي لا تعرف وجهة ولا شاطئًا ترسو عليه، لم ترتفع أمواج عصر ترامب نتنياهو في الداخل الأميركي والصهيوني فقط، بل  وصل إلى العقل الصهيو ـ أميركي؛ وبالتالي تأثر الاجتماع والسياسة في الداخل الصهيوني، وبات القلق هو الحاكم، وهناك وجهتان: الأولى وجهة عسكرية دخلت السياسة من باب الهروب إلى واقع مضطرب اجتماعيًا وسياسيًا، ولا تثق بهؤلاء الذين يقودون الثكنة العسكرية. والوجهة الثانية حملت وجوهًا سياسية هاوية مرتبطة بالإدارة الأميركية، ومحكومة بتوجهات البيت الأبيض والبنتاغون والخارجية والـ "سي أي إيه"، وهذه كما الوجهة الأولى فشلت في المواجهة، خاصة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

وختم د. صالح بالقول هناك ضياع داخل الكيان الصهيوني الغاصب سيؤثر على الانتخابات، مع الإشارة إلى أن قوى محور المقاومة ليس هناك من زمان أكثر يقينية بوجودها وقوتها من هذا الزمان، وليس هناك زمان من ضياع في الكيان الصهيوني وحلفائه ومن الذين يغطونه من هذا الضياع.

 

أبرز نقاط مداخلة الأستاذ غسان محمد

بعدها قدّم الأستاذ غسان محمد مداخلته التي أشار في بدايتها إلى دارسات وتقارير تحذر الكيان الصهيوني من المستقبل، قال: هناك تقارير إسرائيلية عديدة، ودراسات استراتيجية واستطلاعات رأي تقول بأن أكثر من نصف الإسرائيليين فقدوا ثقتهم بالمؤسسة العسكرية وبالقيادة السياسية. وهناك ست جبهات سوف تفتح على الكيان الصهيوني، تبدأ من داخل فلسطين المحتلة، مع احتمال أن تكون الحدود الأردنية مسرحًا لاشتباكات، أو معارك مع الجيش الصهيوني في الوقت الذي يعيش فيه المجتمع الصهيوني حالة انقسام وتشظٍ واسع؛ فهناك 39 قائمة وكتلة حزبية تشارك في الانتخابات على رأسها حزب الليكود الصهيوني، وكل هذه الأحزاب سوف تتصارع على 120 مقعدًا في الكنيست  وسط استطلاعات للرأي تقول إنه لا يمكن لأي حزب من هذه الأحزاب أن يحقق نتيجة تمكنه من تشكيل الحكومة المقبلة، وتشير تلك الاستطلاعات إلى أن أكبر عدد يمكن ان يحصل عليه حزب الليكود من مقاعد الكنيست هي 30 مقعدًا، وأن أحزاب اليمين التي يمكن أن تتعامل مع الليكود لن تحصل على ما يزيد 60 مقعدًا، وفي أحسن الأحوال يمكن أن يكون مجموع مقاعد معسكر اليمين الصهيوني 61 مقعدًا؛ ما يعني تشكيل حكومة ضيقة، وهذا خيار لا يحبذه بنيامين نتنياهو ولا الأحزاب اليمينة المتطرفة.

 يقول الجميع إن نجاح نتنياهو بتشكيل حكومة مستقرة يعتمد على تعاون رئيس حزب "يمينا" اليميني المتطرف نفتالي بنيت الذي يمكن أن يرفد نتنياهو بعدد أكبر من المقاعد على أمل أن يتمكن من تشكيل حكومة موسعة ومستقرة.

 في المقابل قد يحقق ما يسمى معسكر اليسار الوسط نتيجة تفاجئ اليمين الصهيوني، ويجمع أكبر عدد ممكن من الأصوات بحيث يتفوق على عدد مقاعد اليمين الصهيوني؛ لكن هذا يعتمد على دعم القائمة العربية المشتركة التي تقول الاستطلاعات إن عدد مقاعدها قد تصل إلى 10 مقاعد، أي بتراجع مقعدين عن الانتخابات السابقة، والمشكلة هنا أنه حتى أحزاب اليسار الوسط تخشى الظهور في صورة من يتعاون مع قائمة عربية في الكنيست، لأن هذا الأمر يعتبر تهمة من جانب الأحزاب الصهيونية كلها.

ولفت الأستاذ محمد إلى أن استطلاعات الرأي الآن تبدو متأرجحة، ولا تعطي أرجحية كاملة لأي فريق سياسي بتشكيل الحكومة؛ لذلك فالرأي السائد والمتوقع يقول بأن ما كان هو ما سيكون، وأن الانتخابات الرابعة قد تقود إلى انتخابات خامسة، ما يعني استمرار الازمة الحكومية والسياسية. وقال: ربما تكون هناك حلول في الأفق، وهذا يتوقف على نتائج محاكمة نتنياهو، في هذه الحالة مع تغيير رئيس حزب الليكود قد يكون اليمين الصهيوني المتطرف مستعدًا للعودة إلى التعاون مع الليكود وفق أولويات ورؤية سياسية وحزبية جديدة.

لا يوجد في الأفق ما يشير إلى أن أزمة الكيان الصهيوني السياسية والحكومية في طريقها الى الانتهاء، بل تؤكد المؤشرات بأن الكيان وصل إلى مأزق كبير وطريق مسدود لا مخرج منه حتى الآن. والسؤال المطروح داخل الكيان الصهيوني هو: كيف ستؤثر هذه الازمة على مستقبل الكيان على الرغم من الإنجازات السياسية المجانية التي قدمتها بعض الأنظمة العربية لهذا الكيان؟ والكيان الصهيوني يواجه أزمة بنيوية فكرية عقائدية في الداخل، ونقطة ضعفه هي في الداخل، وليس من الخارج.

ورأى الأستاذ محمد أن مستقبل أي حكومة إسرائيلية يتوقف على تقارب المصالح بين الأحزاب الصهيونية سواء من اليمين المتطرف، أو ما يسمى يسار الوسط؛ بالإضافة إلى تناقض المصالح، وصراع المصالح الشخصية قبل أي اعتبارات أخرى التي أعتقد أنها تشكل سببًا لعدم إحساس رئيس أي حزب أو معسكر بالاطمئنان للمستقبل، فالكيان الصهيوني يعيش أزمة داخلية حقيقية قد تتفاقم في المستقبل، وتتطور لاسيما الممارسات العنصرية ضد بعض الجماعات اليهودية الوافدة في هذا الكيان الذي يزعم الديمقراطية، وكل مظاهر واستعراضات القوة العسكرية التي يحاول الكيان اظهارها من حين إلى أخر، فالهدف منها هو نقل أزمات الكيان الداخلية إلى الخارج؛ يعني تصدير الأزمة الداخلية واشغال الإسرائيليين في حروب ومعارك واشكالات مفتعلة خارج الحدود خوفًا من اشتعال النار داخل الكيان الصهيوني لتأكل الأخضر واليابس، وتحكم عليه بالنهاية الحتمية، وهذا أمر يؤكده العديد من الكتاب والمحللين الصهاينة.

ولفت الأستاذ محمد إلى وجود تيارات صهيونية تسمى ليبرالية تعمل لاستبدال منظومة القيم والعقائد الفكرية والسياسية الحالية داخل الكيان الصهيوني على أمل إنقاذه من الهلاك ووصوله الى النهاية كما تقول المؤشرات التي توصلت اليها مراكز أبحاث ودراسات في الولايات المتحدة وعلى الساحة الأوروبية.

وسجّل الاستنتاجات الآتية:

أولًا ـ أن تجري انتخابات رابعة في أقل من عامين فهذا مؤشر على أن الكيان دخل في حالة عدم استقرار على المستويات كافة..

ثانيا: أن الازمة السياسية أنتجت أزمات جديدة اجتماعية واقتصادية وفكرية، وليس حكومية فقط..

ثالثًا ـ تؤكد المؤشرات كلها، وحسب استطلاعات الرأي الصهيونية أن نتائج الانتخابات لن تؤدي إلى نتيجة حاسمة من حيث تشكيل حكومة مستقرة قادرة على إخراج الكيان من النفق المظلم..

رابعًا ـ مشاركة 39 قائمة حزبية في الانتخابات مؤشر واضح على عمق الانقسام في المجتمع، وعدم وجود رؤية واضحة للمستقبل...

خامسًا ـ تؤكد الانتخابات الفجوة العميقة بين الجمهور وقيادته السياسية وحتى الحزبية، وهو ما يعكسه تقلب مزاج الناخب، وتبدل المواقف والتحالفات بين ليلة وأخرى..

سادسًا ـ تفضح الانتخابات كذبة الديموقراطية المزعومة التي يتشدق بها كيان الاحتلال..

سابعًا: تؤكد جولات الانتخابات المتتالية أن الانتماء ليس لوطن كما هو الحال في دول العالم، وإنما لشخص أو لحزب وهذا مؤشر على عدم وجود قواسم مشتركة جامعة بعناوين وأبعاد وطنية..

ثامنًا ـ لم يعد الصراع بين معسكر اليمين واليسا، بل انتقل إلى داخل الأحزاب ذاتها..

تاسعًا ـهناك ظاهرة يتميز بها كيان الاحتلال دون غيره هي سرعة تفكك الأحزاب، وهو ما تعبر عنه الانشقاقات الحزبية واختفاء الأحزاب الجديدة..

عاشرًا ـ تراجع قوة الأحزاب الكبيرة مثل الليكود العمل وفشلها في استقطاب الناخبين..

حادي عشر ـ عجز الأحزاب على كثرتها عن طرح برامج انتخابية تقوم على استراتيجية سياسية أو اقتصادية كفيلة بتبديد مخاوف الجمهور وتجعله مطمئنا على مستقبله...

أخيرا وليس آخرا.. تؤكد الانتخابات أن الكيان الصهيوني يقترب من الانهيار والتفكك الداخلي بفعل الخلافات الايديولوجية بين مكوناته المتناقضة في كل شيء.. وأن الجمع بين اليهود الشرقيين والغربيين بات مشكلة تستعصي على الحل....

 

أبرز نقاط مداخلة د. عدنان أبو عامر

بدوره بدأ د. عدنان أبو عامر مداخلته بالإشارة إلى أن الكيان الصهيوني يعيش هذا الاستقطاب لعله الأول بهذه الحدة داخل مكونات المجتمع الإسرائيلي سياسيًا، واقتصاديًا، واجتماعيًا، وعسكريًا، وامنيًا من دون استثناء، وهذا يعطي دلالات على إمكانية استشراف الواقع السياسي والحزب الإسرائيلي في الفترة المقبلة.

وقال: تحمل الانتخابات الرابعة في الكيان الصهيوني خلال عامين مجموعة من الدلالات الداخلية والخارجية، أهمها حالة تبادل الاتهامات بما يتجاوز النقاش، أو السجال السياسي المتعارف عليه في الأنظمة السياسية والوصول الى حالة من الاتهامات، لأن كل طرف قد يؤدي في تمترسه خلف مواقفه السياسية إلى زوال هذه الدولة، وهذا الكيان.

وقد راقبنا في الأشهر الأخيرة مستوى متقدمًا من النقاش الذي يتكلم عن زوال المشروع الإسرائيلي، وعن انهيار الدولة، وأكثر من ذلك الحرب الاهلية، ولم يكن هذا الامر متداول في سنوات وعقود سابقة، وهذا بالتأكيد مرتبط بتراجع الثقة بشكل غير مسبوق بالقيادة السياسية الحالية في الكيان الصهيوني.

منذ وفاة شارون بات الحديث عند الاسرائيليين عن أزمة جيل التأسيس وغيابه، والنقاش الآن عند الإسرائيليين أن القيادة الحالية يمينها ويسارها ووسطها من دون استثناء يعكس أنه لم يعد لديهم ذاك الحرص الحقيقي على المشروع كمشروع صهيوني أسسه الآباء المؤسسون قبل أكثر من قرن من الزمن؛ بل إن القادة الحاليون تهمهم المسألة الشخصية، ومستعدون لحرق الدولة بما فيها مقابل أن يبقى أحدهم على كرسي الحكم، ولا ثقة لدى الإسرائيليين بالقيادة السياسية الحالية، وهذا قد ينعكس على الأداء العسكري والامني في المنطقة.

وحالة التردد والتلكؤ والتذبذب وعدم القدرة على حسم الخيار العسكري، سواء مع المقاومة اللبنانية، أو الفلسطينية، أو مع إيران مرده الأساسي هو عدم وجود ثقة بالقيادة السياسية والعسكرية.

رأى د. أبو عامر أنه يمكن للأطراف المناوئة للكيان الصهيوني أن تنظر بعين ثاقبة إلى تبعات هذه الأزمة السياسية في إسرائيل على المخططات والمشاريع الإسرائيلية خارج حدود فلسطين المحتلة، ويمكن النظر في تأثير الازمة الداخلية على القرارات الخارجية. وقال: 39 قائمة انتخابية في مجتمع لا يزيد عدد ناخبيه عن 5 مليون ناخب أمر خطير، وغير مسبوق في تاريخ الانتخابات الإسرائيلية طوال 23 انتخابات سابقة منذ نشأة الكيان الصهيوني قبل أكثر من 70 عامًا. أما البرامج الحزبية المقدمة والشعارات والخطابات والتصريحات هي ذاتها تقريبًا مع بعض التغييرات السياسية الميدانية، وإذا أردنا أن نبرر لـ 39 قائمة هو الأبعاد الشخصية؛ فالصراع الانتخابي الإسرائيلي في آذار \ مارس المقبل حول هوية الزعيم، والقائد، ورئيس الحكومة، وليس ما يطرحه من برامج سياسية وانتخابية.

تكاد تكون البرامج السياسية متشابهة، ولذلك فالإسرائيليون ذاهبون في 23 آذار \ مارس المقبل إلى انتخاب رئيس الحكومة، والصراع على من سيكون رئيس الحكومة المقبل، وليس على البرامج السياسية في ضوء انزياح اليمين الإسرائيلي بشكل غير مسبوق منذ عقود، وبالتالي هذا سوف يلقي بظلاله على التصويت الإسرائيلي.

وأشار د. أبو عامر إلى أن الانتخابات تأتي عشية فشل الحكومة الإسرائيلية الذريع في موضوع كورونا؛ لافتًا إلى طغيان الخطاب الديني في بعض الأحزاب الإسرائيلية بشكل واضح، ووجود انزياح يميني بشكل أو أخر، واضطرار أي رئيس حكومة مقبل أن يخضع لأحزاب اليمين الدينية، وقال: نحن نتكلم عن ثلاث أو أربع كتل دينية يمينية حاخامية صرف، هؤلاء قد يشكلون بيضة القبان عند الائتلاف الحكومي الاسرائيلي المقبل؛ الأمر الذي يجعل الدولة الإسرائيلية تتوه بين مسميات دولة دينية أو علمانية وهكذا؛ لكن الانتخابات الحالية كما الدورات الثلاث الأخيرة انزاح الإسرائيليون في خطابهم السياسي نحو التدين، أو أيديولوجية الخطاب السياسي، هناك انزياح ديني أكثر نحو الخطاب الديني والحاخامي أكثر في المؤسسة الإسرائيلية الحزبية ما يتعارض مع توجهات الرأي العام. وهذا بالتأكيد سيكون له تبعات على أداء إسرائيل الداخلي، فضلًا عن علاقات إسرائيل الخارجية.  واللافت أن آخر استطلاع للرأي إلى أن الإسرائيليين بشكل عام ليسوا مع أن يكون المتدينون هم رأس الحربة في أي حكومة مقبلة، أي أنهم يرفضون اندماج الأحزاب الدينية في التشكيلة الحكومية على الرغم من أن نتنياهو ظهر في أسوأ حالات رضوخه لليمين حين سمح بالصلوات الدينية في المعابد، وعلى الرغم من آراء وزارة الصحة الإسرائيلية وحظر التجمعات الجماهيرية المناوئة له.

وعن العامل الأميركي قال د. أبو عامر: لقد تزامنت الانتخابات الإسرائيلية الرابعة المبكرة خلال عامين مع دخول بايدن إلى البيت الأبيض، يعتقد الإسرائيليون أن بايدن سيصلي أكثر من مرة كي لا يرى نتنياهو رئيسًا للحكومة المقبلة. وسيبذل الأميركيون جهودًا مضنية كي لا يكون نتنياهو رئيسًا للحكومة المقبلة للحيلولة دون عودة صيغة أوباما – نتنياهو، والتوتر الذي ساد طوال السنوات الأربع الأخيرة من حكم أوباما، وهذا سيدخل العامل الخارجي بشكل او بأخر؛ فضلًا أن هذه الانتخابات المتكررة خلال عامين تؤشر إلى أننا أمام نظام سياسي غير مستقر في الكيان الصهيوني. وقد نكون أمام مُفاجَآت غير متوقعة في المنظومة السياسية والحزبية الإسرائيلية، سواء ظهور أحزاب جديدة لم تكن موجودة، أو أفول أحزاب أخرى كانت تاريخية.

 

أبرز نقاط مداخلة د. عباس إسماعيل

أما د. عباس إسماعيل فقد طرح السؤال الأول الذي يطرح في مقاربة الانتخابات الإسرائيلية: لماذا تجري انتخابات رابعة في الكيان الصهيوني، قائلًا: الواضح أن هذه الانتخابات تجري لسببين رئيسيين:

 الأول: المعروف أن الجولات الانتخابية السابقة كلها دارت حول بنيامين نتنياهو، بمعنى أنه بعد تورطه في الفساد وتقدمت بحقه لائحة الاتهام بشكل تدريجي من التحقيق إلى ذهابه إلى المحكمة، ففي كل مرحلة من هذه المراحل كان همه الوحيد والأساسي هو أن يبقى رئيسًا للحكومة.  في المقابل كان هناك تكتل همه الأساسي اسقاط نتنياهو من الحكومة؛ وبالتالي فالجولات الانتخابية الثلاث والرابعة، وربما الخامسة كانت تدور كلها حول نتنياهو، وتتمحور الدعاية الانتخابية حول هذا الموضوع.

السبب الثاني: بالإضافة إلى أن نتنياهو كان سببًا لهذه الانتخابات، فقد شكّل الانقسام في إسرائيل سببًا أساسيًا، لاسيما الانقسام بين المتدينين والعلمانيين، بمعنى أنه إذا تجاوزنا الجانب الشخصي والاصطفاف السياسي ربما هناك سؤال يطرح دائما ، كان يمكن لنتنياهو ان يشكل أكثر من حكومة بشكل مريح، وأن لا يذهب إلى انتخابات سابقة لو انضم في ائتلافه إلى حزب إسرائيل بيتنا بزعامة افيغدور ليبرمان الذي هو حزب يميني صرف بامتياز، لكنه رفض ادخال اليمين في الحكومات الثلاث التي شكلها نتنياهو،  والسبب أنه يضع شروطًا تحد من قوة المتدينين الحريديم في الحكومة وسيطرتهم ، بمعنى أن هذا الصراع العلماني الديني كان عائقًا أساسيًا أمام تشكيل الحكومة، وهذا انعكاس لحالة الانقسام الموجودة في المجتمع الإسرائيلي. 

وفي معرض الإجابة عن سؤال: ماذا يعني الذهاب المتكرر إلى انتخابات مبكرة؟، قال د. إسماعيل: إذا حصلت انتخابات مبكرة لمرة واحدة يمكن القول إن الحكومة فشلت لوجود خلافات، لكن أن تتكرر أكثر من مرة خلال عامين هذا يأخذنا إلى مكان آخر في النقاش، ليس فشل حكومة في أداء مهامها، وليس الخلاف والتباينات الموجودة بين مكونات الحكومة فحسب، إنما يأخذنا من الحديث عن فشل إلى الحديث عن أزمة تعصف في بنيان النظام في إسرائيل. وقد تجلّت هذه الأزمة في الذهاب إلى انتخابات مكررة، وهذه الأزمة إحدى تجليات ازمة المشروع الصهيوني، لأن احدى الأسباب الرئيسية لهذه الانتخابات عدم اتفاق الإسرائيليين على هوية واحدة، واحدة منهم الصراع الديني العلماني، وهو عنصر لا يمكن التقليل من أهميته في الذهاب إلى انتخابات مبكرة، وسيكون حاضرًا بقوة في الحكومة المقبلة. ولو كان الصراع في الكيان الصهيوني بين يمين ويسار لكانت القصة محسومة، لكن الصراع على شخص نتنياهو، هناك ثلاث احزاب تخوض الانتخابات وهي معارضة لنتنياهو، وهذا يضع نتنياهو أمام مأزق كبير في تشكيل الحكومة.

وعن كثرة القوائم قال د. إسماعيل: صحيح أن القوائم الانتخابية تبلغ 39، لكن هذا العدد الكبير لا يعكس موازين القوى الحقيقية على الخارطة الحزبية، وكل التقديرات والتوقعات تتحدث أن هناك ما يقارب 11 قائمة انتخابية هي التي يتوقع لها أن تتجاوز نسبة الحسم، وأن تدخل إلى الكنيست.  فاستطلاعات الرأي لا تعطي حتى الآن الحسم لأي من الأطراف؛ لكن إذا أردنا أن نقدم قراءة واحدة فمن الممكن الانطلاق من استراتيجية نتنياهو تحديدًا لفهم اللعبة في الداخل، وهي أن يحافظ على الليكود باعتباره الحزب الأكبر، وأن لا يكون هناك ثنائية حزبية في إسرائيل، وأن يكون هناك أكبر قدر من الانشقاق في المعسكر الآخر، وأن يكتل تكتلات يمينية متطرفة تعطيه الأصوات. والسبب أن القانون في إسرائيل يقول إن الشخص الذي يكلف برئاسة الحكومة ليس زعيم الحزب الأكبر، بل الشخص العضو في الكنيست الذي يحصل على اأبر قدر من التسميات بما يتيح له تشكيل الحكومة. ولعل المشكلة في المعسكر المناهض لنتنياهو هو التشظي، وهذه التناقضات الكبيرة؛ وإذا أراد هذا المعسكر بعد الانتخابات ـ لو حصل على أكثر من 60 عضو كنيست مجتمعًا، وأراد تشكيل الحكومة ـ فهناك مشكلة كيف يجمع أقصى اليسار مع أقصى اليمين.

إذن، نحن أمام سيناريو مستقبلي قد لا يختلف عن السيناريوهات التي شهدناها في الانتخابات الثلاث السابقة؛ وبالتالي ليس مستبعدًا أن تكون نتيجة الانتخابات الرابعة نسخة مكررة عن الانتخابات السابقة، ما قد يؤدي إلى انتخابات خامسة لاحقًا، أو مفاجآت من قبيل تحول في محاكمة نتنياهو. ويمكن القول إننا أمام انتخابات نتيجتها غير محسومة وإن كانت المؤشرات تميل أكثر لصالح نتنياهو، وأمام انتخابات حضور العامل الخارجي ضعيف وتأثيراتها على قرارات وخيارات خارجية ضعيف أيضًا؛ فضلًا عن أن الأزمة التي نراها ليست الأولى في إسرائيل، ومعظم الحكومات في إسرائيل لم تكمل ولايتها، باستثناء عدد من الحكومات، خاصة إذا كانت حكومات واحدة.

والجديد هو أننا امام مشهد يعكس أزمة قيمية على مستوى الأحزاب. بمعنى أن يبقى شخص مثل نتنياهو ويبقى معه قسم كبير من الجمهور في إسرائيل، وتبقى معه أحزاب ومنها دينية، فهذا يعكس أزمة قيم في إسرائيل وهي ليست مسألة سهلة. وهذه الازمة تعكس فشل المشروع الصهيوني أيضًا في إيجاد حلول وتسويات لأزماته الداخلية.

وتوقع د. إسماعيل أن نشهد مزيدًا من التأزم والانقسام نتيجة التغير في موازين القوى الناجم في جزء كبير منه عن هذا الاختلال في البنيان الديمغرافي أو التوازن الديمغرافي في إسرائيل لصالح المتدينين، وذلك نتيجة طبيعة النظام في إسرائيل والنظام الانتخابي، وقال: قوى ديمغرافية أكثر يعني قوى سياسية أكثر، وأكثر تأثيرًا، خاصة في ما خص الحريديم. ربما هذه الإشكالية وضع الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين الاصبع على هذا الجرح في مؤتمر هرتسيليا الأمني عام 2015 عندما تحدث عن القبائل الأربعة، وأن إسرائيل أصبحت أمام ظاهرة أربعة قبائل، وهذه ظاهرة خطيرة: القبيلة العربية، وقبيلة العلمانيين، وقبيلة الصهيونية الدينية، وقبيلة الحريديم.

هذه القبائل الأربعة لا يوجد بينها قواسم مشتركة، وتعيش في فيتوات متجزئة، ومنقسمة في التعليم، وفي السكن، وفي نظرتها إلى النظام. والخطورة بالنسبة إليهم أن هذه الانقسامات كانت موجودة دائمًا، لكن كان هناك قبيلة مسيطرة هي القبيلة العلمانية، وكانت الأقوى بالمعنى الديمغرافي والسياسي، وكانت تدور في فلكها ثلاث قبائل قوتها متواضعة، في حين أن المسار الآن يسير نحو أربع قوى، وهناك نوع من التوازن في القوة، وهذا التوازن يذهب نحو الاختلال، وهذا سوف يترك تأثيره المستقبلي على طبيعة النظام وعلى موازين القوى.