• اخر تحديث : 2024-07-01 12:23
news-details
ندوات وحلقات نقاش

حلقة نقاش: الانتخابات العراقية بين الواقع والمأمول أيّ تحدّيات، ونتائج؟


في ظل ظروف معقدة للغاية اقتصاديًا، وسياسيًا، وأمنيًا، وبالتزامن مع تعقيدات اقليمية ودولية، يستعد 25 مليون عراقي والقوى السياسية في العراق لخوض الانتخابات التشريعية المبكرة في العاشر من تشرين الأوّل/ أكتوبر المقبل وسط تشكيك بإجرائها، ورسم صورة غير متفائلة في الحد الأدنى عن شكل التحالفات الانتخابية وطبيعتها، على اعتبار أن الكتل الرئيسة مربكة، وتعيش فوضى كبيرة يعزوها بعض المحللين إلى طبيعة القانون الانتخابي الذي فرض على غالبية القوى السياسية الكبيرة والبارزة خوض الانتخابات بشكل منفرد.

لاستشراف مستقبل خارطة العراق السياسية، وإلى ماذا ستؤول ؟، والسيناريو الأكثر ترجيحًا لما قد تفرزه هذه الانتخابات...، نظّمت الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين حلقة نقاش بعنوان: الانتخابات العراقية بين الواقع والمأمول: أي تحدّيات ونتائج"، وناقش المشاركون الجوانب الآتية:

ـ طبيعة العوامل والمتغيرات الدولية والإقليمية والداخلية المؤثرة على الانتخابات العراقية.

ـ خارطة التحالفات والتكتلات الانتخابية.  

ـ معدل المشاركة الشعبية المتوقّع.

ـ تأثير لقانون الانتخابات الجديد الذي أقرّه البرلمان في كانون الأول/ديسمبر 2019 على تبدّل خارطة التحالفات.

ـ السيناريو الأكثر ترجيحًا لما قد تفرزه هذه الانتخابات في المشهد العراقي، لاسيما على مستوى تبدّل النظام، والطبقة السياسية القائمة.

وهذا أبرز ما جاء في الحلقة.

أولاً: معطيات أولية حول اللقاء:

المشاركون الأساتذة السادة:

1

رئيس الرابطة د. محسن صالح

2

رئيس الرابطة السابق د. حسن سلمان

3

عضو الهيئة الإدارية للرابطة د. محمود الهاشمي

4

رئيس مركز أفق للدراسات والتحليل السياسي الأستاذ جمعة العطواني

5

أمينة سر الرابطة د. وفاء حطيط

 

 

ثانيًا: وقائع الجلسة:

بدايةً رحّب رئيس الرابطة د. محسن صالح بالسادة المشاركين، ثم مهّد لموضوع حلقة النقاش بالإشارة إلى عودة العراق إلى الواجهة بعد استلام إدارة بايدن للسلطة في الولايات المتحدة، وهي السلطة التي كانت إبّان إدارة أوباما ترى في تقسيم العراق، واضعاف نسيجه المجتمعي والسياسي استراتيجية لفرض سياساتها بعدما فشلت في اخضاع العراقيين أحزابًا ومجتمعًا لفرض سياساتها وهيمنتها ووجودها العسكري. وطرح مجموعة تساؤلات عن القوى السياسية العراقية، وما هو مستوى تمثيلها الشعبي، وما هي برامجها وتوجهاتها السياسية المحلية والإقليمية، وما مدى ارتباط بعض هذه القوى بالأجندات الأميركية؟، وما هي هذه الاجندات؟

وقال: على الصعيد الداخلي فالقوى السياسية العراقية كافة مشتتة التوجهات في ما يتعلق بالدولة التي نخرها الفساد، وسياساتها الإقليمية والدولية؛ فهل تستطيع القوى العراقية المختلفة، وتحديدًا القوى الممثلة الحقيقية للشعب العراقي والعراق بين الازمات المتمادية خوض معركة انتخابات تؤدي إلى هزيمة الولايات المتحدة مجددًا، وتقيم مؤسسات دستورية حافظة لوحدة العراقيين وقوتهم؟، وتمكن هذه القوى البناء الداخلي العراقيين من استعادة ثرواتهم المنهوبة؟، ودولة تستطيع حماية السيادة والاستقلال؟؛ وبالتالي هل يمكن لهذا النسيج العراقي الجديد الذي هو مصدر غنى وقوة أن يبدد سياسات الولايات المتحدة في أن تستوطن، أو تستعمر، أو تستغل ثروات العراق؟، من هي هذه القوى العراقية؟، ما هو وزنها وحجمها الشعبي؟، من هو المؤهل للفوز بهذه الانتخابات؟، هل في الإمكان انتاج سلطة ائتلافية عادلة يرضى عنها المجتمع، ومستقلة عن الاحتكار والفساد والتبعية للولايات المتحدة والغرب؟، هل لمجلس النواب دورًا فعليًا في رسم السياسات، خاصة من خلال ما قرره العام الماضي حول خروج القوات الأميركية، وكان على الحكومة تنفيذ هذا القرار بالقوة، أو عبر اتفاقيات، لكنها لم تقم بكل هذا.

ولفت د. صالح إلى أن مستقبل العراق أمام منعطف استراتيجي وخطير جدًا، قوال: قال الأميركي قال بأنه سينسحب، يبدو أن بعض القوى تريد إبقاء الأميركي، والشعب العراقي عانى ما فيه الكفاية، سواء من الأحزاب، أو من الدولة، أو من الأميركي، أو من "داعش"، أو من كل هذه الفئات التي كانت مترابطة في لحظة مصيرية شهدها العراق منذ العام 2003 حتى الآن. والعراق فعليًا هو مفتاح المنطقة، في لبنان وسوريا، وما يحصل في العراق سنتأثر به نحن بالتأكيد، وستتأثر به قوى المقاومة؛ لذلك فإن إمكانية اتصال قوى المقاومة في العراق أمر في غاية الأهمية والاستراتيجية والأيديولوجية. وإذا لم تحصل الانتخابات في الشهر العاشر من هذا العام فلا بد من أن تحصل في أي لحظة من اللحظات في شهر نيسان من العام المقبل، لكن ينبغ أن تكون على أساس تهيئة الظروف حتى يكون محور المقاومة قادرًا على التأثير بشكل جيد.

وعن توجهات الموقف الأميركي مع بايدن قال د. صالح: لقد نقض بايدن كل تصريحاته السياسية التي تحدث عنها لجهة عدم سرقة النفط السوري، فهو ذهب ليبني قاعدة جديدة، بمعنى هناك تناقض حاد في تصريحاته ما قبل الرئاسة وما بعدها من سلوكيات لا تدل على وجود إمكانية لأخذ هدنة من صراع محتدم.

 

أبرز نقاط مداخلة د. حسن سلمان

بدأ د. حسن سلمان بتصنيف القوى السياسية العراقية إلى ثلاثة أصناف وقال عنها وعن توجهاتها:

القسم الأول يرتضي الواقع الأميركي في العراق، وممثل في هذه الحكومة والحكومة التي سبقت، وإلا لكانت الحكومة العراقية نفذت قرار مجلس النواب بعد جريمة العصر التي ارتكبت بحق الشهيد قاسم سليماني والشهيد أبو مهدي المهندس، لكنها سوّفت هذا القرار تماشيًا مع السياسة الاميركية.

القوى الثانية هي على أقصى اليمين، وهي القوى الوطنية التي يمثلها بعض الأحزاب والحشد الشعبي، هؤلاء قوى سياسية فاعلة وثابتة في العراق.

القوى الثالثة هي القوى الغبية التي تشكّل ضررًا أكثر من القوى اليمينية، وهذه القوى موجودة في الساحة، وتؤدي دورًا غبيًا، ودورًا منافقًا أحيانًا؛ وبالتالي فالساحة العراقية ساحة صراع حقيقي بين خيارين ومحورين: المحور الاستكباري بقيادة اميركا وتشاركها بعض الدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية والامارات، وبعض الدول العربية التي تسير في هذا الفلك، وبين محور المقاومة الذي تمثله الجمهورية الإسلامية، ويمتد ألى لبنان ومتمثل بقوى المقاومة وحزب الله، والقوى الثورية الموجودة في سوريا دولة وحكومة.

لكن المرحلة المقبلة خطرة جدًا، لأن القوى المنافقة والغبية واليمينية يمكن أن تأتلف، وتؤسس لائتلافات قد تغير مجرى الانتخابات المقبلة، وعلى هذا الأساس أرى الأشهر المقبلة أشهرًا عنيفة سياسيًا، وقد تكون حتى عنيفة على المستوى الأمني والعسكري.

وتساءل د. سلمان: العراق إلى أين؟، وأجاب بالقول: أعتقد أنه سيبقى ساحة صراع مهما كلف الأمر، ويجب أن يُحسم فيه الخيار، يجب أن يظهر الوضوح في الرؤية بشكل فاعل في الانتخابات المقبلة، ويجب أن تكون خياراتنا حقيقية بان العراق في محور المقاومة، وليس كما يزين بعض القادة السياسيين بأن العراق يجب أن لا يكون ساحة للصراعات، لأن العراق ساحة حقيقية للصراع بين هذين المحورين.

هناك معادلة حكمت العراق من العام 2003 وصولًا إلى حكومة مصطفى الكاظمي، لقد تشكّلت أول حكومة في العام 2003 برئاسة اياد علاوي بأمر أميركي ، ثم بعد علاوي أصبحت تشكيلة الحكومات تمثل الخارطة السياسية في العراق بتوافق إيراني أميركي عربي، لكن الأساس هو إيران وأميركا، إلى أن وصلت أخر حكومة، وهي حكومة مصطفى الكاظمي الذي أتى في لحظة خاطئة في اعتقادي، وكانت بعد اغتيال الشهيد سليماني الذي كان مهندس الحكومة في العراق، وله رأي في هذا المجال، والكاظمي كان مرفوضًا من الشهيد سليماني، وقد توجه الشهيد سليماني للكاظمي بكلام ثقيل مفاده: "أنت أميركي خليك في مكانك ولا علاقة لك بالحكومة".

هنالك ملف اسمه الملف النووي الإيراني، وهناك ملفات أخرى يراد أن يتفاوض عليها بين الأميركي والإيراني والساحة العراقية واحدة منها، فاذا حلت القضية سنعود إلى التوافقات السابقة،  والأساس في رئاسة الحكومة في العراق ـ بغض النظر عن نتائج الانتخابات، ومن يفوز في الانتخابات عامل ثانوي ـ  هو هل هناك توافق بين الأميركي والإيراني، فاذا كان هناك توافق على الملفات في المنطقة، ومنها العراق ،والملف النووي، وقضية دور إيران في المنطقة ستحل قضية رئاسة الحكومة في العراق بتوافق كما كان في السابق، وإلا سنذهب إلى المواجهة، وعندها سيكون هناك خيار واحد: إما الذهاب إلى حكومة أميركية، أو حكومة وطنية تمثل مصالح الشعب العراقي وهوية العراق وسيادته وشرفه وقيمه، وهذا الذي تريده الجمهورية الإسلامية ومحور المقاومة.

والعراق هو صاحب المشروع في مواجهة الأميركي، واسترداد هويته، واثبات وطنتيه وانتمائه، وبالتالي فالقضية معقدة، والانتخابات المقبلة ستكون صعبة جدًا، ومؤثرة جدًا، وخياراتها ليست خيارات سهلة؛ خاصة أن بايدن هو صاحب مشروع تقسيم العراق عندما كان نائبًا للرئيس، وطرح مشروعه الذي يقضي بتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات: كردية وسنية وشيعية؛ وبالتالي يمكن أن تمارس الإدارة الأميركية الجديدة سياسة معاكسة لترامب هي السياسة الناعمة، وسياسة إحياء "داعش" الذي انشأه الأميركي، واستثمره أوباما، ثم استثمرها ترامب. ولذلك نرى اليوم المجموعات الإرهابية الداعشية قد استفاقوا من الحلم، سواء في سوريا أو في العراق، وقد تنهض بعض الخلايا الموجودة في لبنان من نومها، وعلى هذا الأساس أعتقد أن بايدن سيبقى في العراق طمعًا بالمشروع الاستكباري الأميركي، ولا يخرج الأميركي إلا بالقوة من خلال المواجهة التي تقوم بها قوى محور المقاومة.

 

أبرز نقاط مداخلة الأستاذ جمعة العطواني

بدوره، أكد الأستاذ جمعة العطواني أن العراق طرف في هذا الصراع، وليس ساحة كما يزعم البعض بالصراع بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وأميركا، وقال: العراق معني أكثر من الجمهورية الإسلامية في صراعه مع الولايات المتحدة، وعلى أقل تقدير نحن نشارك الجمهورية الإسلامية بطبيعة الصراع الذي تعيشه المنطقة، وهو صراع على الهوية ما بين هوية إسلامية تدافع عن ثوابتها الإسلامية وهوية أخرى تريد تذويب الهوية الإسلامية وتمييع هذه الثوابت الإسلامية والوطنية؛ بالتالي فقضية صراعنا مع أميركا صراع حقيقي، لأن ما حصل في العراق بداية العام السابق 2020 بالاعتداء السافر على مطار بغداد، والشهيد أبو مهدي المهندس هو قائد عراقي ونائب رئيس الحشد الشعبي وليس إيراني، وحتى الشهيد الحاج سليماني هو ضيف العراق، والعدوان الذي حصل في العراق الذي هو طرف في مقابل العدوان الأميركي. ونحن لدينا قواسم مشتركة مع إيران على اعتبار اننا نجتمع بعدائنا لأميركا التي تريد سلب ارادتنا وهويتنا وسرقة مقدراتنا.

هل يمكن اجراء انتخابات في 10 تشرين الاول من هذا العام؟، في معرض الإجابة عن هذا السؤال أشار العطواني إلى مجموعة من التحدّيات والاشكاليات القانونية، وقال: هناك تحديات تواجه الانتخابات المقبلة، والبرلمان عاكف على إقرار الموازنة التي تحتاج لأسبوعين حتى يمكن الانتهاء منها على أحسن التقديرات، وبعد ذلك يتمتع البرلمان بعطلة تشريعية خلال شهر آذار، وربما يعود إلى الاجتماع من جديد في نيسان من هذا العام، يعني أمامنا ما بين الشهر الرابع لغاية الشهر العاشر ستة اشهر يفترض بالبرلمان بعد عودته من العطلة التشريعية أن يعكف على إقرار قانون المحكمة الاتحادية، لأنه من دون إقرار قانون المحكمة الاتحادية لا يمكن اجراء الانتخابات، حتى إذا تم تأجيلها إلى الموعد التشريعي القانوني في نيسان من العام 2022، لأنه من دون محكمة اتحادية لا يمكن المصادقة على نتائج الانتخابات، وعدم المصادقة على نتائج الانتخابات يُبقي القضية عائمة، وغير دستورية.

والمحكمة الاتحادية تتطلب صياغة مشروع قانون المحكمة الاتحادية، أمام البرلمان طريقان لإقراره: إما تشريع قانون جديد وفق الدستور العراقي، وهذا يعني بالضرورة تقسيم المحكمة الاتحادية ولا بد من وجود عدد من فقهاء الشريعة في المحكمة الاتحادية، ويواجه مشروع القانون معارضة من قبل بعض القوى السياسية السنية، وحتى الكردية والليبرالية والعلمانية، وحصل لغط كبير عطل هذه القضية. اليوم هناك عضوان ناقصان في المحكمة الاتحادية ولا توجد آلية لاستبدالهما، ومن دون هؤلاء الأعضاء تبقى المحكمة الاتحادية ناقصة النصاب. هناك مقترح يقضي بتعديل القانون النافذ، لكن لا توجد في هذا القانون فقرة تتعلق باستبدال الأعضاء، وحصل لغط ما بين المحكمة الاتحادية ومجلس القضاء الأعلى حول من هو المعني بإيجاد البديل في حال توفي أحد أعضاء المحكمة الاتحادية، أو تمت احالته على التقاعد.

هناك مقترح يقول بتعديل القانون، واضافة فقرات توضع فيه آليات استبدال أعضاء المحكمة الاتحادية في حال الوفاة أو إحالة على التقاعد، لكن هناك إشكالية أيضًا في هذا القانون، لأنه عندما يُسحب القانون ويُعدل داخل مجلس النواب فإن هناك من هيّأ نفسه للطعن فيه، والاشكالية قائمة، وبالتالي أتصور أنه لا يمكن أن نفكر في اجراء الانتخابات البرلمانية في الموعد المقرر يوم 10 تشرين الأول المقبل إذا لم يقر قانون المحكمة الاتحادية.

بالإضافة إلى ذلك، هناك الوضع الصحي، فجائحة كورونا في تصاعد، وهناك حظر للتجوال، وظروف صحية استثنائية، ولا نعرف مديات استمرار هذه الجائحة، فاذا ما استمرت الجائحة لغاية الشهر العاشر من هذا العام فلا يمكن اجراء انتخابات بالتأكيد. فضلًا عن أن هناك قوى سياسية تدعو في العلن إلى ضرورة اجراء انتخابات في تشرين الأول من هذا العام، لكنها في واقعها واجتماعاتها الخاصة تريد تأجيل الانتخابات إلى الموعد الدستوري من العام المقبل، قوى سياسية كردية، وشيعية، وسنية، وهي تمثل عددًا قد يصل إلى حد الأغلبية، وربما تعطيل إقرار قانون المحكمة الاتحادية عمدًا بسبب السجال أحد مبرراتها حتى يقال بأنه لا يوجد قانون للمحكمة الاتحادية، ولا يمكن اجراء الانتخابات في هذه الحالة، وأيضًا بسبب جائحة كورونا والوضع الاقتصادي، وهي لديها مبررات قد تسوّق لها لتأجيل الانتخابات.

ولجهة بعض العوائق التقنية أشار الأستاذ العطواني إلى موضوع البطاقة الممغنطة، فقال:  لم نجد لدى المواطن رغبة أو حافزًا لتحديث سجل الناخبين، أو استبدال بطاقته الانتخابية، وتقضي الآليات الجديدة اجراء الانتخابات من خلال النظام البيومتري أو البطاقة البيومترية حصرًا، فقط ما يقارب المليونين أو مليونين ونصف مواطن عراقي حدثوا بطاقاتهم من 15 مليون ناخب، وربما أكثر على اعتبار أن ولادات جديدة ستدخل سن التكليف في الشهر العاشر من هذا العام، وهي لها الحق المشاركة في الانتخابات، وهذا بالتأكيد يمثل نسبة قليلة من المشاركة في الانتخابات.

طبعًا، هناك حافز ورغبة لدى الناس للمشاركة في الانتخابات، لكن لا يوجد وعي انتخابي يساعدهم على تحديث بطاقتهم البيومترية، وهناك غياب لدور القوى السياسية التي يفترض أن تكون الفاعل الأساسي لحث الناس على استحداث بطاقاتهم البيومترية.

وعن القوى السياسية قال الأستاذ العطواني: تتوقع القوى السياسية أقسى الاحتمالات، فبعضها أو نصفها يأمل بالتأجيل، لكنها في الوقت نفسه تتوقع حصول الانتخابات في الشهر العاشر؛ ولذلك بدأت تقسم مرشحيها، وتستقطب مرشحين جدد، وتعيد تقسيم مرشحيها على أساس التحالفات السياسية، فعلى سبيل المثال كتلة الفتح وكتلة دولة القانون في طور تقسيم المرشحين على أساس الدوائر الانتخابية، لأن النظام الانتخابي الجديد نظام فريد من نوعه لم يجرِ تطبيقه خلال الـ 18 عام الماضية؛ وهذا تحيط به صعوبة فنية لأن التنافس قائم حتى ضمن الكتلة الواحدة، وداخل الحزب الواحد ما بين المرشحين على الدائرة الواحدة. وهنا مثلًا يمكن الإشارة إلى أن قانون الانتخاب قسّم بغداد إلى 17 دائرة انتخابية، وفي كل دائرة انتخابية يوجد أكثر من مرشح للحزب الواحد يتنافسون. وهذا بالتأكيد يشكل مشكلة لجهة الفوز بالانتخابات. وهذه القضية ليست محصورة بالقوى السياسية المعروفة يعني داخل كتلة الفتح وكتلة القانون فقط،  وربما يتصور البعض أن كتلة سائرون أفضل كتلة سياسية تتحرك بأريحية، لكن هذا تصور خاطئ وغير صحيح، لأن الصراع اليوم ما بين المرشحين داخل كتلة سائرون يتجاوز الصراع داخل كتلة الفتح وكتلة دولة القانون، فعلى سبيل المثال بعض المرشحين في مناطق شرق بغداد ومدينة الصدر هناك أكثر من دائرة انتخابية يتنافسون على الدائرة الواحدة، بينما التيار الصدري يريد مرشحًا وامرأة في كل دائرة، وهذه مشكلات فنية داخل الأحزاب، وبدأت الأحزاب تتحرك لإيجاد توافقات في داخلها، ثم تذهب الى الفضاء داخل كتلها التي تضم مجموعة من الأحزاب.

وما خص تأثير القانون الانتخابي قال الأستاذ العطواني: إن القانون الانتخابي ليس من مصلحة القوى السياسية الشيعية، لسبب بسيط أنه في المحافظات الشيعية في كل انتخابات عندما كانت المحافظة عبارة عن دائرة واحدة، دائما المحافظات الشيعية تأتي بنتائج شيعية مطلقة، فعلى سبيل المثال في البصرة لا توجد أي حظوة لاتحاد القوى العراقية ولا لقائمة علاوي ولا القوائم الأخرى الليبرالية، أو العلمانية على اعتبار أن الجو السياسي هو جو إسلامي شيعي والقوى السياسية هي التي تحصد الأصوات كلها، وتُهمل أصوات بقية الكتل السياسية، لأنها لن تصل النصاب، أو العتبة الانتخابية.

هذا القانون الانتخابي ووفق الإحصاءات يمكّن  القوى السياسية السنية من أن تحصد ما يقارب 20 مقعدًا من المقاعد الشيعية، فعلى سبيل المثال فان منطقة الزبير وفق القانون الجديد دائرة انتخابية قائمة بحد ذاتها فيها ثلاث مقاعد للرجال ومقعد لامرأة، وهذا يعني بالضرورة أن الجمهور الشيعي لا يستطيع خارج الزبير أن يصوت لمرشحين داخل الزبير، ومنطقة الزبير ذات غالبية سنية والفائزون الذين سيأتون من الزبير هم فائزون سنة، وهكذا في بغداد الاعظمية والمنصور أصبحت مناطق دائرة واحدة، يعني حسمت الدوائر الانتخابية على هذا الأساس الطائفي ، يعني سوف يخسر الشيعة من محافظاتهم ما يقارب 20 مقعدًا.

وعلى مستوى القوى السياسية الجديدة أو الناشئة التي تُسمى بحراك تشرين فهي تطمح بدورها للحصول على مقاعد من داخل الأوساط السياسية الشيعية، لكن هذه القوى السياسية الناشئة ليس لها في اعتقادي مستقبل كبير لاعتبارات عديدة:

أولا ـ هي لا تمتلك تجربة انتخابية.

 ثانيًا ـ أفصح أغلبها عن هويته ورغبته، وتاريخ هؤلاء في المناطق الشيعية غير مشرف، فبعض زعامات القوى التشرينية كما يصطلح عليهم هي شخصيات شبابية مراهقة لا وزن اجتماعي لها، ولا وزن عشائري، وطبيعة ما حصل من عمليات اعتداء على مقرات الحشد الشعبي، وعمليات اعتداء على الناس، واعتداء على مؤسسات الدولة، هذا بالتأكيد خلق ردود أفعال لدى الراي العام الشيعي، صحيح أن الرأي العام الشيعي ساخط على القوى السياسية الشيعية، لكنه عندما يجد البديل بهذا النموذج فإنه لا يقبل بالبديل بالتأكيد. 

لا أتصور أن تغييرًا كبيرًا جدًا سوف يحصل في المشهد السياسي، بمعنى أنه لا يمكن أن نجد كتلة الفتح التي حصلت على ما يقارب 45 مقعدًا تحصل على 10 مقاعد او 20 مقعدًا، فهذا غير واقعي، لأن نسبة المشاركة لن ترتقي إلى مستوى الخمسين في المئة في كل الأحوال، وفي الانتخابات السابقة الجمهور حضر وشارك جمهور أحزاب بلغ تقريبًا على أحسن التقادير 20 بالمئة، لذلك لا أتوقع أن يشارك 30 بالمئة.

ما بعد الانتخابات لا يعني انفراط عقد التحالفات، لأن الدستور العراقي وفق المادة 76 ينص على أن رئيس الوزراء يأتي من الكتلة الأكبر، والكتلة الأكبر هي الكتلة الفائزة بالانتخابات، أو التي تتشكل في الجلسة الأولى في الانتخابات، وفي كل الأحوال نحتاج إلى كتلة برلمانية أكبر، وهنا يبدأ الصراع السياسي.

لقد رفعت كتلة سائرون شعار أن رئيس الوزراء لا بد أن يكون منها، وهذا الشعار والطموح خلق مخاوف لدى قوى سياسية شيعية، وحتى بعض القوى السياسية الكردية والسنية، فكتلة الفتح لا ترغب بذلك ولا كتلة دولة القانون، حتى بعض القوى السياسية السنية والكردية لا يقبل بأن يذهب بعيدًا عن تحالفاته التقليدية، لقد بدأ الصراع ما بين القوى السياسية الشيعية لتشكيل الكتلة الأكبر.

حوارات "الفتح" و"دولة القانون" للتحالف هو لمرحلة ما بعد الانتخابات، وأمام هذا الصراع لا يمكننا أن نتصور وجود كتل تشرين، يمكن أن تكون عامل توازن في تشكيل الكتلة الأكبر وتشكيل حكومة، وهناك طموح أميركي كبير جدًا لتفتيت الرأي العام الشيعي تحديدًا، لهذا شاهدنا المظاهرات التي حصلت وطبيعة الكتل التشرينية التي تشكلت وهويتها في داخل الجغرافيا الشيعية، وتأمل اميركا بأن يحصل هؤلاء على مجموعة من الأصوات تضاف الى قوى سياسية كردية وسنية من أجل تشكيل الكتلة الأكبر.

من هنا يمكن القول أن الانتخابات المقبلة هي انتخابات وجودية، وهذا الشعور موجود لدى معظم الزعامات التي التقينا بها، وهم يشعرون بحالة من الخطأ والخطيئة عندما سمحوا للكاظمي بأن يكون رئيسًا للوزراء، وأن يمرروا كابينته التي لا لون لها ولا طعم ولا رائحة. وهذا الشعور جعل البعض يعيد ترتيب أوراقه من جديد، وقالوا يجب أن لا يتكرر هذا الخطأ والخطيئة؛ وعلى الرغم من الإشكاليات الجماهرية التي تسجل عليهم، لكن لديهم رغبة بإجراء الانتخابات بأسرع وقت حتى يعاد رسم المشهد السياسي من جديد وفق سياسات وثوابت سياسية ومبدئية.

حتى الجانب الأميركي يشعر أن هذه الانتخابات مصيرية، لهذا أرسل أكثر من جهة شكلت بشكل مستعجل كتلًا سياسية وأحزابًا، ورفعت هوياتها، وكان يفترض بها لو كانت تملك حنكة سياسية أن تفصح عن هويتها التي تتقاطع مع ثوابت الشعب العراقي. خاصة بعد استشهاد الشهيدين سليماني وأبو مهدي المهندس، فهذه الدماء لم تكشف عن عورة اميركا، ومدى استهتارها بالدولة العراقية وسيادتها فقط، بل إن هذه الدماء جرفت كل النتوءات التي ظهرت من خلال مظاهرات تشرين والشعارات التي رفعتها السفارة الأميركية من خلال ادواتها في ساحات التظاهرات، بدأ الوعي العراقي يستعيد عافيته من خلال العودة إلى ثوابته ومن خلال البحث عن الأولويات... نعم خرج الشعب العراقي للمطالبة بخدمات وفرص عمل وحياة كريمة، لكن عندما تتعرض هذه الأولويات الى أولوية أخرى أهم من هذه الأولوية فالشعب العراقي يغض النظر إلى حين عن أولوية الخدمات وفرص العمل والدفاع عن اولويته ككرامته ودينه ومبادئه، لهذا عندما وجد أن مشروع التظاهرات هو مشروع أميركي يستبيح الدم، ويريد مسخ الهوية، وجدنا أن الوعي العراقي عاد من جديد للنظر في أولوياته. وأعتقد أن الانتخابات المقبلة سوف تحدد هوية الشعب العراقي والدولة العراقية..

نتمنى على قوانا السياسية ان تستفيد من دروس الماضي، وأن تستفيد من تجاهل أصوات المحرومين من أبناء الوسط والجنوب، وأن تعيد حساباتها من جديد وتضع أولويات الهوية، وأولويات محور المقاومة، وأولويات خدمة المواطن العراقي، وهذه فرصة أخيرة حقيقية وتحدٍ حقيقي أمام القوى السياسية لتصحيح الخطأ والخطيئة الذي وقعت فيه في المرحلة السابقة..

 

أبرز نقاط مداخلة د. محمود الهاشمي

بدأ د. محمود الهاشمي مداخلته بالإشارة إلى حالة الإحباط قائلًا:  لم تتغير الخارطة السياسية كثيرًا، كانت الكتل الشيعية تقريبًا مصابة بنوع من الإحباط، وسبب هذا الإحباط هو أنها لم تستطع أن تقدم شيئا أولًا، وثانيا انعكاسات التظاهرات التشرينية وتأثيراتها، وقد تجلى هذا الإحباط بعدما قدمت حكومة السيد عادل عبد المهدي استقالتها، فكأنهم أدركوا أنهم ليسوا في حالة مصالحة مع جمهورهم، وكذلك ما حدث لهم من ردود فعل نتيجة هذه التظاهرات سواء كانت موجهة خارجيًا أو غير موجهة، فقد تم الاعتداء على مقارهم ومكاتبهم، وهذا شوه الكثير من سمعتهم أمام جمهورهم، خاصة المساحة الشيعية اكثر من أي مساحة اخرى على اعتبار أن أمد التظاهرات قد طال في الجغرافيا الشيعية التي هي مناطق الوسط ومناطق الجنوب.

هذا الإحباط ربما تغير الآن بعد مرور الستة أشهر، والسبب شعورهم أولًا انهم أمام مرحلة وخطر كبير على بلدهم وسمعتهم وتاريخهم الجهادي، وما عليهم سوى أن يأتلفوا. وما ساعدهم على ذلك التظاهرات التي خرجت قد تبين أنها بتوجيه خارجي بالكامل، وأن الكثير من سمعتهم قد ذهب بسبب التجاوزات القيمية والتجاوزات على الأملاك العامة والخاصة، وإيقاف حركة الحياة سواء على مستوى الجامعات والدوائر، ما ولد ردود فعل لدى الشارع في الوسط والجنوب أنهم ذهبوا بعيدًا مع هذه التظاهرات التي لا تخدم بعدما انكشف الكثير من أوراقها وارتباطاتها، وأن الأموال التي وردت من دول الخليج، وعلى رأسها الامارات والسعودية، ولا ننسى أن الكويت قد شاركت بشكل فاعل بدفع كثير من هذه الأموال. والآن بعد أن استعادت شيئًا من قوتها والثقة بنفسها وربما المصالحة مع جمهورها، طبعا ساعدت الكثير من الشؤون على ذلك وهو بعد حادثة اغتيال الشهيدين الجنرال قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس، فقد أثرت على الشارع كثيرًا هذه التأثيرات بأن هؤلاء لا بد من الثأر لهم وأن الحكومة الحالية ضعيفة وعاجزة من الثأر لهم، وتصاعدت حدة الحشد الشعبي وميزتهم ومقامهم لدى المجتمع العراقي بشكل عام، وتصاعدت المقاومة بعد حادثة اغتيال الشهيدين وازدياد عدد فصائل المقاومة التي بدأت تقوم بالكثير من الاعمال.

ولفت د. الهاشمي إلى أن كل العناوين تحركت سواء "الفتح"، وسواء "دولة القانون"، "النصر"، "سائرون"، "عراقيون"، "الحكمة"، وقال: كل المسميات الشيعية تحركت معًا لتشكل نوع من التفاهمات التي وصل بعضها على الدائرة الانتخابية، بمعنى أنك إذا لم تستطع في هذه الدائرة الانتخابية ان تحصل على رقم ما مناسب باعتبار انه ليس لديك شخصية مناسبة فبالإمكان ان يكون غيرك من كتلة أخرى على ان تمنحني في مكان اخر، وهذا كان حتى اللحظة شيء جيد.

ما أطلق الكتل الشيعية في هذه المساحة هو أن "سائرون" بين الفينة والأخرى تخلق نوع من الاستفزاز، فتطالب برئاسة مجلس الوزراء مسبقًا، وتدعي بأنها تستطيع أن تحصل على الرقم الأكبر من مقاعد البرلمان، وبذلك هي الفائزة مسبقًا، وهذا طبعًا يخلق نوعًا من الارباك لدى المشهد الشيعي بشكل عام، ولدى الكتل الأخرى في كيفية التفاهم مع كتلة تطالب برئاسة الوزراء مسبقاً، وكذلك ما قامت به من نشاط عسكري واستعراض أثار الشارع العراقي والقلق تجاه كتلة تطالب بأن تكون لها رئاسة الوزراء وفي نفس الوقت تقوم باستعراضات عسكرية في الشارع العراقي خاصة في المحافظات الجنوبية والوسط، وأثارت الكتل الأخرى أيضًا.

الوضع الان في الإقليم ولا ننسى في الخارطة الشيعية هذه هي نفس الأسماء والعناوين التي أوردتها، كذلك هناك حتى هذه اللحظة الـ 35 حزب من نتائج تظاهرات تشرين أيضًا رغبوا في المشاركة، وربما يرغبون في المشاركة بالعملية السياسية بشكل عام، لكن الأسماء والعناوين التي طرحت ليست محط تقدير واحترام لدى الشارع العراقي، باعتبار لما حملوا من تجاوز على قيم كبيرة مما في ذلك جانب الالحاد او النيل من الإسلام، والميل للموبقات والخمرة، والاعتداء والحرق والقتل، وهذا مشهد أفقدهم الكثير من شارعهم،  وشجع الكتل الإسلامية على ان تكون، ولكن رغم هذا لا نتوقع ان لا يحصلوا على مقاعد، وربما هم يبحثون عن 20 مقعد يقضمون من منطقة الوسط والجنوب التي هي مساحة وجغرافية الأحزاب الشيعية.

وقدم د. الهاشمي صورة موجزة المدنيين الجدد وعن التحالفات داخل القوى السنية، وقال في هذا السياق: يعاني الاخوان في الكتل السنية الآن معاناة كبيرة جراء الانقسام، وسبب هذا الانقسام ـ ومساحته المناطق الغربية من العراق ـ يعود إلى اجنداتهم وارتباطاتهم الخارجية، فالكتلة التي هي مع الدعم التركي عندما تختلف مع الكتلة التي مع الدعم السعودي والسبب لان الخلاف يكون بين تركيا والسعودية، أو أن كان الخلاف بين الامارات والسعودية ينعكس على هذه الكتل، أو أن يكون الخلاف بين الامارات وقطر أيضا ينعكس الخلاف على هذه الكتل التي ارتباطاتها واضحة وتكاد تكون شبه علنية، ولذلك أي انعكاس لخلاف سياسي لهذه الدول ينعكس على هذه الكتل السياسية، ولذلك حتى هذه اللحظة فإن البيانات التي تصدر عنهم فيها ارباك ولا تنم انهم قادرون حتى هذه اللحظة لتشكيل كتلة موحدة لمواجهة الكتل الأخرى.

الأحزاب التقليدية في الإقليم وهي المعلومة في الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، والأخير لا يعني حزبًا واحدًا، إنما هو مجموعة أحزاب في تحالف، ويغلب على هذه الأحزاب الجانب اليساري أكثر من الجانب القومي على عكس الأحزاب في أربيل التي يغلب عليها الطابع القومي العرقي، وهناك أحزاب إسلامية ملتحقة بها، وقد نشأت خلال هذه الفترة والتظاهرات الأخيرة التي حدثت في الإقليم، خاصة في السليمانية وادهوك أحزاب جديدة أخذت البعد الليبرالي.

هذه الانتخابات العراقية على العموم أضيفت إليها بالنسبة للمدنيين التقليدين كالحزب الشيوعي أو الليبراليين مثلا، لكن بقوا محافظين على العناوين ذاتها، وجمهورهم، ولا نعتقد أنهم سيؤثرون كثيرًا، خاصة أنهم التحقوا بالتظاهرات وأصيبوا بخيبة كبيرة، وفوجئوا بأن لهذه التظاهرات ارتباطات خارجية، وقد تورطوا في دعمها. وما خص المدنيون الجدد وهم لا يتعدون الأحزاب التشرينية، فهؤلاء أميركييون بالختم، بتوجهاتهم وافكارهم وآرائهم.

وختم د. الهاشمي مداخلته بالإشارة إلى أن القبضة الاميركية في التدخل في الشأن العراقي بدأت تخف شيئا فشيئا، وقال: السبب يعود إلى أمرين مهمين، الأول أن اميركا بدأت تنشغل في الداخل الأميركي أكثر من انشغالها في الخارج، والانقسام في الولايات المتحدة يترك تأثيراته على الداخل والخارج أيضًا، ونعتقد أن القضية ليست فقط تغيير في الأسماء بين ترامب وبايدن، بل الولايات المتحدة لم تعد كما كانت وقد خفت قبضتها على مساحة واسعة من العالم، فاليسار العالمي بدأ يصعد في اميركا اللاتينية وكذلك في المكسيك، وبدأت الصين تصعد شيئا فشيئا، وبدأت الولايات المتحدة تذهب باتجاه المحيط الهادئ حيث التنين الصيني وبدأت بنقل قطاعاتها وتوجهاتها الى الصين اكثر من توجهاتها الى منطقة الشرق الأوسط الذي لم يعد من أولوياتها، كذلك بدأت تخف علاقاتها مع اصدقائها التقليديين من دول الخليج ومع إسرائيل، وهذا يجعل هذه الدول الضاغطة على الانتخابات العراقية منها دول الخليج ان تنشغل في داخلها اكثر من خارجها، فهي قلقة بعد ان اودعت جميع بيضاتها في السلة الأميركية، وهي الآن تبدو عارية.

والأمر الثاني هو أن هناك قوى عسكرية بدأت تظهر بالوجود بشكل فاعل، ودليلنا في ذلك المناورات العسكرية التي تقام بين الفينة والأخرى واخرها في المحيط الهندي بين إيران وروسيا والهند، وربما لولا كورونا لكانت التحقت بالصين.

إذن، هذا التشكيل العسكري والتشكيل الاقتصادي، وهذا الارتخاء على القبضة بدأ ينعكس على الداخل، ودليلنا في ذلك أن التشرينيين الذين خرجوا في تظاهراتهم، وأعلنوا الكثير من عناوين توجهاتهم بدأت تخف عناوينهم ويصابون بخيبة أن اميركا لم تعد غطاءًا كبيرًا بالنسبة لهم.

في المقابل، تصاعد موقف المقاومة وعمقها في المنطقة، فسوريا قوية برئيسها الذي ثبت رغمًا عن أنوفهم، وتغير الكثير في جغرافية وتمدد قوى الحكومة داخل سوريا، وهناك ثبات وقوة والمقاومة في لبنان، وثبات المقاومة في اليمن التي أصبحت رقمًا ومعادلًا، وكذلك المناورات الكبرى التي أقامتها حركة "حماس" أخيرًا وهي مفاجأة بأن مدينة صغيرة بهذا الحجم محاطة بكل المخاطر الإسرائيلية وغير الإسرائيلية تقيم هذه المناورة العسكرية وهو دليل ثقة، وإعادة الجمهورية الاسلامية إلى قوتها الان والتفاوض على 5+1 لا يعني التفاوض إنما جاءت اميركا صاغرة لتتابع هذا الموضوع، كل المعطيات تشير أن التدخلات الخارجية المتوقعة بدأت تخف شيئا فشيئا وهذا ينعكس على الشارع العراقي ومزاجه وتوجهاته في الانتخابات، وما يساعدنا على ذلك أن ضربات المقاومة على القوات الأميركية وهي في لحظة تضعف فيها وتتراجع وتبحث عن بديل، وأخر بديل هو أنها طالبت حلف الناتو بأن يكون بديلًا عنها في العراق، بينما حلف الناتو ليس له من مصالح مباشرة أن يكون في العراق.

إذن، نحن أمام معادلة جديدة يجب أن تنتظم، ونحن بحاجة إلى انتاج هوية جديدة في ظل ظروف جديدة عنوانها الأكبر هو المقاومة.