• اخر تحديث : 2024-04-26 21:42
news-details
تقارير

"ميديا بارت": عشرات المليارات من أموال العراق ضخها الأميركيون لمواجهة مناهضي الغزو


كشف تحقيق لموقع "ميديا بارت" الفرنسي عن جانب كبير من الفساد الذي شهده العراق بعد سقوط الرئيس الراحل صدام حسين عام 2003، وعن نقل مليارات الدولارات من أميركا إلى العراق ليستفيد منها أعضاء الحكومات العراقية اللاحقة.

وفي التقرير الذي نشر قبل أيام، تحدث رجل كان مكلفا بنقل صناديق المال من مطار بغداد إلى البنك المركزي العراقي، وقال إنه نقل وحده بين عامي 2003 و2008 مبلغ 40 مليار دولار تعود إلى صندوق التنمية العراقي الذي تم تجميد أصوله في أميركا خلال حصار العراق بين عامي 1991 إلى 2003.

وأوضح هذا الأميركي الناطق بالعربية في مقابلة مع الموقع مشترطا حماية هويته، أنه قبل بالحديث "لاستعادة بعض الحقائق"، وركز على سوء أو عدم الاستعداد الأميركي لعراق ما بعد الحرب.

وعرّج المتحدث على أحداث دخول القوات الأميركية لبغداد وتركها الوزارات والمتحف دون حراسة، عدا وزارة النفط والبنك المركزي، ثم فرار صدام حسين وما تلاه من غياب النظام والقانون، بالتزامن مع بدء تحميل صناديق المال من أميركا إلى العراق في طائرات نقل عسكرية.

التمرد القادم

واختارت الإدارة الأميركية بعد الغزو بول بريمر لحكم العراق، فكان أول قرار اتخذه "إمبراطور العراق" الجديد هو حل الجيش والوزارات والأجهزة الأمنية التابعة لنظام صدام حسين وحزب البعث، وأشار في مذكراته إلى أن ما يقرب من مليون شخص ومسؤول وجندي "لن يحصلوا على تعويضات، عقوبة لهم".

غضب آلاف المسؤولين المفصولين والجنود المسلحين والمدربين، ولكنهم قبلوا بالتعاون مع التحالف على شرط أن يعاملوا باعتبارهم عراقيين لا أعداء محتملين، ولكن بريمر تجاهلهم، فجاء رد الفعل سريعا بمقتل 5 جنود أميركيين، وبدأت الحلقة الأولى من مسلسل مميت للجيش الأميركي.

ووجد الأميركيون أنفسهم من دون نخب إقليمية يمكنهم التفاعل معها، وأصبح العراق أرضا معادية، فرأى بريمر أن الأمر يحتاج إلى المال، وعندها -كما يقول التحقيق- أفرج بحسب أكثر التقديرات واقعية، عن ما بين 12 و16 مليار دولار نقدا، و5 مليارات دولار بالتحويل الإلكتروني في عام واحد، وذلك من الأصول العراقية، وخاصة برنامج "النفط مقابل الغذاء".

إغراء السرقة

في ثنايا التحقيق، استعرض الموقع قصة الشاب ماثيو هوه من مشاة البحرية الأميركية الذي ذهب إلى العراق بحماس ليقاتل أعداء بلاده، ثم تحول لاحقا -بعد ما رأى شركات الإعمار وعقود رجالها الذين أصبح يخدمهم في الجيش- إلى "معركة" جمع المال.

ففي صيف 2004، كان العراق في حالة خراب، وتشكيل الحكومة الجديدة مجرد مشروع على الورق، وإعادة البناء على الأبواب، وقد تم إطلاق طلبات تقديم عطاءات لعقود إعادة الإعمار، وعمل بريمر على تسريع التعاقدات كما لم يحدث من قبل.

شاهد ماثيو وصول موظفين علم أنهم تابعون لشركة تابعة لهاليبرتون المتخصصة في الطاقة، والتي كان رئيسها ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي حينها، وقد منحت أول عقد سري من دون دعوة لتقديم عطاءات.

تعرّف ماثيو على هؤلاء الرجال، فشعر -كما يقول- بغيرة شديدة من رواد الأعمال هؤلاء، ثم وجد فرصة للخروج من ملل الخدمة العسكرية في الصحراء، فترك الجيش ليدخل في الحياة المدنية، وتفاجأ بالحصول على وظيفة كبيرة دون التحقق من مهاراته، باسم مدير إقليمي مسؤول عن مشاريع إعادة الإعمار.

وجد ماثيو نفسه بميزانية قدرها 50 مليون دولار نقدا، وهو يدير 136 مشروعا، والإدارة لا تطلب منه أي حساب، وقد كانت وثيقة بسيطة موقعة من مسؤول مثله تكفي لإخراج أكياس مليئة بالنقود.

كل ما يهم -بحسب ماثيو- هو إنفاق هذه الأموال التي كانت تفيض بها الخزائن، مما شجع الضباط الأميركيين على منح العراقيين أموالا مقابل أي شيء، وغالبا للحصول على معلومات دون التحقق من صحتها، وقد ذهب بعض هذه الأموال إلى أيدي مناهضي الوجود الأميركي من العراقيين.

مستنقع الفساد

كانت إعادة الإعمار هي الفساد نفسه، بحسب ما يقول ماثيو، فهو يُعَد بالفواتير الباهظة والعقود الوهمية، خاصة مع حالة انعدام الأمن المتزايدة التي تسمح للشركات بتبرير التكاليف الإضافية، فأدى "مزيج الفوضى ومليارات الدولارات إلى فساد واسع النطاق".

جرت الانتخابات الأولى في العراق عام 2005 في ظل الخوف وانعدام الأمن، فجاءت بحكومة إياد علاوي، ثم تلتها في مايو/أيار 2006 حكومة نوري المالكي، بعد رفض السنة والأكراد إبراهيم الجعفري.

ويقول الموقع لم تكن حكومة المالكي استثناء من اقتصاد الفساد القائم منذ عام 2003، بل نظمته بصورة أقل أناقة، حيث يوزع المسؤولون العراقيون المدفوعات على رواد الأعمال المحليين بمبالغ ضخمة في أكياس محشوة بالدولارات.

وهكذا -بحسب التحقيق- ترك بول بريمر عراقا فوضويا، وبقي المقاولون وراءه مستفيدين من أموال لم تعد للعراق، بل هي لدافعي الضرائب الأميركيين، مما أجبر البيت الأبيض على تعيين مفتش عام لتدقيق الأموال المرسلة.

عُين المحامي ستيوارت بوين مفتشا عاما لتدقيق الأموال المرسلة إلى العراق، فأصرّ على توجيه أصابع الاتهام إلى المسؤولين الأميركيين "وتتبع أموال دافعي الضرائب الأميركيين"، وأغضب بول بريمر، ثم أغلق مكتبه بعد ذلك.

أنفقت واشنطن أكثر من 55 مليار دولار من أموال العراق المحتجزة على إعادة الإعمار، ولكن عشرات المليارات نقلت إلى خارج العراق، ووضعت إما في عقارات بلندن أو في ملاذات أخرى أو تم إخفاؤها في البلدان المجاورة بانتظار غسلها.

وقبل ترك منصبه بقليل، تلقى بوين معلومات محققة عن وجود مخبأ في ريف لبنان داخله 1.6 مليار دولار من أموال العراق، وما يعادل 400 ألف دولار من السبائك الذهبية، ولكنه عندما ذهب شخصيا لتعقبها وجد أنها ليست أميركية، ولا يمكنه فعل شيء سوى تنبيه السلطات العراقية إليها.

قابل بوين رئيس الوزراء العراقي وقتها نوري المالكي وبلغه بالأمر حتى تتعقب حكومة العراق الأموال، ولكن بعد عام من ذلك ألقي القبض على رجل معه المبلغ المذكور، فلم يكن سوى أحمد المالكي نجل رئيس الوزراء العراقي.


إن الآراء المذكورة في هذا التقرير لا تعبّر بالضرورة عن رأي الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين وإنما تعبّر عن رأي الموقع حصراً.