• اخر تحديث : 2024-04-26 21:42
news-details
ندوات وحلقات نقاش

حلقة نقاش: مستقبل العلاقات الإيرانية الأميركية في ضوء الشروط والشروط المضادة


مقدمة

احتلّت العلاقات الإيرانية الأميركية حيزًا كبيرًا ـ ولاتزال ـ من النقاش والتحليل قبل وبعد فوز جو بايدن في انتخابات الرئاسة الأميركية في تشرين الثاني من العام الماضي، وتنوعت توجُّهات التحليلات بين رأي متفائل بأن بايدن سوف يجري تعديلات سريعة على سياسة ترامب، ورأي متحفظ يستبعد حدوث تغيير سياسي كبير، على اعتبار أن لا اختلاف في الأهداف بين بايدن وترامب، وأن بايدن يسعى إلى تحقيق الأهداف نفسها عبر ما سمّاه البعض بسياسة استبدال استراتيجية الضغط الأقصى باستراتيجية الضغط الأذكى، أو القوة الناعمة لإضعاف الجمهورية الإسلامية الإيرانية...

في هذا السياق نظّمت الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين حلقة نقاش عبر الفضاء الافتراضي بعنوان: "مستقبل العلاقات الإيرانية الأميركية في ضوء الشروط والشروط المضادة"، وتمحورت حول الأسئلة الآتية:

ـ هل يمكن توقّع بدء فصل جديد من العلاقات بين واشنطن وطهران يأخذ منحىً تعاونيًا بعد رحيل ترامب؟، أم لا، خاصة مع تعيين مستشار السياسة الخارجية السابق في إدارة باراك أوباما روبرت مالي لمتابعة الملف الإيراني؟

ـ ما هي محددات خطة الإدارة الديمقراطية بشأن عودة العلاقات مع إيران، خاصة أن السياق الذي تولت فيه الإدارة الديمقراطية الجديدة السلطة مختلف تمامًا عن السياق الذي تفاوضت فيه إدارة أوباما على الاتفاق النووي الإيراني؟

ـ لماذا طرح بايدن وفريق توسعة نطاق الاتفاق النووي بضم أطراف أخرى، وهل يعكس هذا الطرح مواصلة سياسة احتواء إيران في بيئة إقليمية ودولية متعددة الأطراف؟

ـ ما هي المتغيرات التي حددتها إيران للتعامل مع الإدارة الأميركية الجديدة؟

ـ ما هي السيناريوهات المتوقعة: تصعيد، أم تهدئة تدريجية، أم مواجهة عسكرية؟

ـ ما هى العقبات المحتملة لاسيما موقف بعض الأطراف الإقليمية (الدول الخليجية وتحديدًا السعودية، والكيان الصهيوني) أمام واشنطن وطهران للعودة إلى الاتفاق النووي؟، وبالتالي تطبيع العلاقات؟

أولاً: معطيات أولية حول اللقاء:

المشاركون السادة:

1.

رئيس الرابطة د. محسن صالح

2.

الباحث والكاتب في الشؤون الإقليميّة والدوليّة د. مسعود أسداللهي

3.

الباحث المتخصص في الشؤون الاستراتيجية د. حسن حسن

4.

مدير عام مركز الاستشارية للدراسات الاستراتيجية د. عماد رزق

5.

أمينة سر الرابطة د. وفاء حطيط

 

 

ثانيًا: وقائع الجلسة:

رحّب رئيس الرابطة د. محسن صالح بالسادة المشاركين، ثم مهّد لموضوع حلقة النقاش بسؤال: الى متى ستبقى الولايات المتحدة تمارس دورها كشرطي عالمي يعطي الضوء الأخضر لهذا، والضوء الأصفر لذاك، ولهذا الضوء الأحمر من أجل مصالحها فقط، وقال: تستخدم الولايات المتحدة اساليبها العسكرية واللاأخلاقية والقانونية، وتستخدم منظمات دول العالم، فمنظمات الأمم المتحدة التي من المفترض أنها منظمات موضوعية وحقوقية تراعي مصالح وحق تقرير المصير للشعوب، لكن اميركا تمنع هذا الدور.

ولفت د. صالح إلى أن تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن وفريقه قبل الانتخابات لا تنسجم مع السلوك الحالي، وقال: فوزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن الذي يُعدّ من حمائم الديمقراطيين الذين يريدون الذهاب الى الاتفاق النووي كما كان، يعد اصدقاءه وحلفاءه بعدم الاقدام على أي اتفاق مع الجمهورية الإسلامية إلا برضاهم، يعني الكيان الصهيوني الغاصب ومحمد بن سلمان، والسؤال: من هم هؤلاء في السياسة الدولية حتى يقول بلينكن ذلك؟

الولايات المتحدة تتخذ من هؤلاء ذريعة لتقول كذا وكذا، فيما الجمهورية الإسلامية بهذا العقل الاستراتيجي الكبير العالمي، وإنجازاتها الضخمة على صعيد المنطقة وعلى صعيد العلاقة مع العالم الصين وروسيا، وحتى مع الاتحاد الأوروبي الذي عارض خروج الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاقات من دون أن يجرؤ على اتخاذ إجراءات عملية ترفع العقوبات عن الجمهورية الإسلامية، لان مفاتيح المصارف العالمية في الخزانة الأميركية أكثر مما هو في خزائن العالم.

وختم د. صالح بالإشارة إلى انتصارات محور المقاومة وثباته وصموده وقدرته على المواجهة بسيرورتها، وقال: هذا المحور لديه من القواعد العقلية والاستراتيجية والأدوات ما يجعل الولايات المتحدة تفشل بمشاريعها، وبالتالي على مراجعة سياساتها مع الديمقراطيين.

أبرز نقاط مداخلة د. حسن حسن

أما د. حسن حسن فقد بدأ مداخلته بالإشارة إلى إصرار الولايات المتحدة الاميركية على استخدام العقل الخشن كأنها تريد اقناع العالم بعدم جدوى العقل البارد، وقال: إن الرد الموضوعي الذي يفقد الولايات المتحدة إمكانية تحقيق أهدافها هو الإصرار على إدارة العقل الخشن بعقل بارد، هم يريدون فعلا أن يهولوا ويصعّدوا، وبقدر ما يكون التعامل وردود الأفعال محسوبة بسيناريوهات محتملة بشكل مسبق، فليس من الحكمة الذهاب الى حيث يريد الوحش الذي يريد أن يبقى متحكمًا بدفة القرار الدولي.

نعم تستطيع اميركا رفع سقف الخطاب، لكن السؤال ما مدى قدرتها على تجسيد هذا الخطاب، قراءتي الذاتية أنه لو كان في إمكان واشنطن وكل من يدور في فلكها الانتقال من التنظير بالعقل الخشن الى ممارسة العقل الخشن لما ترددت لحظة واحدة، وبالتالي هذا ما يمكن البناء عليه. وما يميز أداء المحور المعادي أن لديه طاقة تدميرية تفوق الوصف، لكنه لا يمتلك القدرة على تحمل كلفة الرد الحتمي الذي لا يستطيعون منعه على الاطلاق.

وأشار د. حسن إلى أن واشنطن تسعى إلى التفرد بالقرار الدولي، متسائلًا متى يمكن ارغام واشنطن على تغيير نهجها العدواني؟، وقال: من غير العقلاني التعويل على أن واشنطن قد تستخدم أساليب أخلاقية، لأنها هي قائمة على عدم الاخلاق، والتناقض مع الاخلاق، وعلى العدوان والابادة، وافناء الاخر، والنكران بالمطلق بالأساس، فما الحل؟، الحل هو وجود من يستطيع تحمل كلفة قول كلمة لا.

 أمام هذه النبرة العالية تجاه روسيا والصين، نجد أن روسيا لا تزال حتى الآن مسكونة بهاجس انهيار الاتحاد السوفياتي؛ وبالتالي لا يريدون رفع السقف، وعندما ترفع واشنطن السقف أكثر يعودون الى تدوير الزوايا.

 لا بد من وجود قوة على الأرض قادرة على تحمل التداعيات، وهذه القوة تبلورت في محور المقاومة الذي أثبت قدرته على تحمل تداعيات قول كلمة لا على أرض الواقع، وتداعيات عدم السماح لواشنطن وكل من يدور في فلكها بالاستمرار بهذه العربدة.

الان دور القوى الأخرى سواء الصين، أو روسيا شدّ عضد هذا المحور، وأخذ الحافز والدافع بأن قول كلمة لا لواشنطن مهما ارتفعت ضريبتها أقل بكثير من الإذعان للإرادة الأميركية، لأن الإذعان للإرادة الأميركية يعني المساهمة بتنفيذ ما قدمه المنظرون الاميركيون على أن يكون القرن الحادي والعشرين قرنًا اميركيًا صرفاً؛ ولكن معطيات الواقع تشير إلى عجز واشنطن عن تحقيق هذا، وفي الوقت ذاته تشير إلى تنامي قدرات محور المقاومة وإمكانية البناء على هذه القدرات المتنامية، وما افرزه محور المقاومة هو ارغام اميركا على سماع ما لا تريد سماعه. وإذا كانت روسيا والصين حريصتين فعلًا على أن تكونا في موقع المواجهة فعليهما التشبيك مع إيران، لأن السياسة الأميركية في هذه المنطقة إما أن تسقط وتتراجع وينحسر الدور الأميركي، وبالتالي يصعد دور روسيا والصين، أو العكس، والمعطيات تشير الى أن المحور الآخر في انحسار.

وما خص استقلالية القرار الأوروبي فقد رأى د. حسن ضرورة اعادة النظر في هذه المقولة، وقال: إن مشروع مارشال ربط اقتصاد البلدان الاوروبية بالعجلة الأميركية، وبالتالي فمن الواضح تمامًا أن إمكانية انفصال العربة الأوروبية عن رأس القاطر الأميركي في حدودها الدنيا؛ وعليه عندما يكون هناك نوع من التباين في التصريحات فإنه ليس تباينًا، بل تكامل في تنفيذ مهمة اسندتها إليهم اميركا.

من هنا نفهم بقاء الدول الأوروبية في الاتفاق النووي هو في إطار السياسة الأميركية كي يضمنوا بقاء إيران، والعقل الإيراني يفهم هذه الألاعيب.

وعن دور الكيان الصهيوني قال د. حسن: لو كان في إمكان قادة الكيان الصهيوني ليس الغاء الاتفاق النووي، بل ازالة إيران ومحور المقاومة كله عن الوجود لما تردد على الاطلاق.  والاتفاق النووي جهد خمس سنوات، ونقضه خارج القانون الدولي، وعلى من نقضه أن يعود إلى تصحيح ما خرب. أما من جهة الجمهورية الإسلامية فإن الاتفاق مكسب وانجاز لكل الشعب الإيراني، ومن حق الدولة الإيرانية وواجبها تحصين هذا الإنجاز.

 ونحن أمام أحد احتمالين: إما أن تذعن الولايات المتحدة وتعود إلى الاتفاق كما خرجت، أو أن تذهب المنطقة برمتها إلى الانفجار. وقد رأت واشنطن ومن يدور في فلكها بعض معالم المرحلة المقبلة، فعندما تدك صواريخ المقاومة اليمنية أكثر من مدينة سعودية فهذه رسالة بأن اضرار إمكانية التفجير لن تقتصر على جمهور المقاومة، وعلى محور المقاومة، وإن كنا نحن مسرح عمليات. ومن المسلم به أن مسرح العمليات في كل الأحوال يتحمل بعض الخسائر، لكن هذه الخسائر لن تكون علينا فقط، وهذا الكلام قد يلزم أصحاب الرؤوس الحامية بإعادة التفكير.

وعن معنى بعض الخطوات الأميركية قال د. حسن: لا أرى أن مجرد اعلان أو حتى التسريب عن فك الحصار عن الأرصدة الموجودة سواء في العراق أو كوريا الجنوبية أو غيرها، والإعلان عن ذلك هو الخطوة الأولى، وواهم من يظن أن مثل هذه الخطوات الناقصة قد يوصل إلى الهدف المراد تحقيقه؛ فاذا كانوا حريصين على إبقاء المنطقة في سلام، فإن الحد الأدنى يكون بفتح منشآت الكيان الصهيوني النووية أمام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكل المعطيات تشير إلى عدم إمكانية ذلك؛ لذا لا يمكن لإيران العودة إلى نصف التخصيب، وأتمنى فعلا أن تصل نسبة التخصيب الى 60 و90 بالمئة. فالواقع والتاريخ الأميركي يؤكد أنه لا يجوز على الاطلاق الركون أو الثقة بالإدارات الأميركية جمهورية كانت أم ديمقراطية، وأميركا دولة قائمة على العدوان، ويجب الاعداد لمنعها من مصادرة إرادة بقية دول العالم وبقية شعوب العالم بمعرفة الحد الأدنى للنوايا للقراءة الصحيحة للواقع القائم.

 

أبرز نقاط مداخلة د. عماد رزق

بدوره، انطلق د. عماد رزق في مداخلته من وثيقة الامن القومي المؤقتة التي أصدرها الرئيس الأميركي جو بايدن، ويتحدث فيها عن تهديدات ومشاكل تواجه اميركا، وتحدث عن مستويين للسياسات الأميركية ولخصّها بالقول: تتعاطى اميركا في سياستها تجاه أمنها القومي يعني مصالحها. ويمكن أن نلخصهم بأربعة نقاط. النقطة الأولى هي أمن إسرائيل، والثانية أن سياسة بايدن لن تختلف عن سياسة ترامب بالاستمرار في موضوع التطبيع. إذا نظرنا الى هذه النقاط مجتمعة في الشرق الأوسط نرى أن مفتاحها هو إيران؛ والأميركي يرى أن تكامل المنظومة الروسية الصينية الإيرانية جزء لا يتجزأ من التهديدات التي ستواجهها أميركا في المستقبل.

وأشار د. رزق إلى أن بايدن سيقوم بإعادة ترتيب البيت الأميركي الداخلي، وقال: هناك استنتاج عام أن ترتيب بايدن للبيت الأميركي الداخلي سيكون على مستويات ثلاثة: المستوى الأول هو التوافق الديمقراطي الجمهوري لضخ الأموال لمواجهة جائحة كورونا،  وفي الوقت نفسه إعادة تعويم الاقتصاد الأميركي، وترتيب الحالة الاجتماعية الداخلية التي كانت تجنح في اتجاه المتطرفين اليمين والفوضى، أو حتى حالات من تفكك الولايات المتحدة التي شاهدناها في السنوات الماضية،  وبدأت مع كلينتون من خلال التفجيرات التي حصلت في أميركا، وكانت وراءها مجموعات البيض ومجموعات أخرى، نقطة أخرى مرتبطة بها وهي أزمة الحدود والهجرة، ليس الهجرة الداخلية فقط؛ بل لدى اميركا موضوع الديمغرافيا أيضًا، لأن أي مواجهة مع الصين ومع تطوير قدراتها هي بحاجة إلى استقرار ديمغرافي ونوعية هذه الديمغرافيا.

على مستوى أميركا والمنطقة أشار د. رزق إلى نقطة يقاتل عليها الأميركي تتجسد في مجموعات المجتمع المدني، وقال: مجموعات المجتمع المدني ستكون جزءًا من معركتهم الناعمة والخشنة تجاه منطقتنا، ومجموعات المجتمع المدني وتحت عنوان نشر الديمقراطية وفقًا للمفهوم الأميركي يستطيعون تسويق المزيد من الديمقراطيات التي تتوافق مع الرؤية الأميركية للعالم ونظام العولمة الأحادي الأميركي، وسيستمرون بضخ هذه المواد وهذه الأفكار، وأميركا محترفة بطريقة التغيير وقلب الطاولة من الداخل واستخدام هذه المجموعات.

اليوم المعركة في اتجاهين: الشارع من الداخل والخارج عبر الثورات الملونة والمخملية والتهديدات الإرهابية، هذه السياسة ستعتمد في منطقة الشرق الأوسط وستكون العمود الفقري للمعركة الأميركية تجاه منطقة غرب آسيا.

وعن عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي قال د. رزق: لقد أبلغني أحد الأصدقاء في اميركا أن الاتفاق النووي مع إيران لن يمر، بمعنى أن مجلس الشيوخ ومجلس النواب الأميركي لا يريد تمرير الاتفاق النووي، بل يريدان الغاؤه، والاقدام على أي شيء ليكون الاتفاق كأنه لم يكن.

عندما تم الاتفاق النووي في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، فالديمقراطيون الأقرب إلى اليمين الجمهوري المنافسين لأوباما في السياسة يعتقدون أن الاتفاق خيب امالهم، لأنهم كانوا يعتقدون أن الاتفاق إذا تم سوف يدخل إيران في المنظومة الدولية، وبالتالي يُفقدها عناصر المناعة التي هي عناصر المقاومة الاقتصادية والممانعة على مستوى الاندماج، والقطاع المصرفي والاستثماري والمالي في نفس الوقت، وهذا ما لم يحدث بمعنى أنه منذ توقيع الاتفاقية لم يستطيعوا استكمالها باستثمارات واختراق للساحة الإيرانية، وتحديدًا على المستويين المصرفي والاستثماري؛ بل بالعكس ذهبت ايران إلى توقيع اتفاقيات مع أوروبا والصين وروسيا عوض أن تكون مع أميركا، بمعنى أن اميركا على مستوى الرؤية المالية لم تستفد بشيء من هذا الاتفاق، وهذا جزء أساسي دفعهم إلى إلغائه.

فضلًا عن أهداف أخرى طمح الأميركي إلى تحقيقها من الاتفاق عندما تم كسر الجليد، فأميركا كانت تريد أن تنخرط إيران عبر هذا الاتفاق لتخفيف الاشتباك الإقليمي الحاصل، ومزيد من تقدم الأميركي في محاصرة الصين ووقف تمددها في اتجاه منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وبالنسبة إلى أميركا هذا لم يتم، والاتفاق لا يهمها كإيران بل يهمها كتطويق ووقف تهديد منافستها من قبل روسيا والصين.

إن بايدن ينتمي إلى عقيدة ترومن، وهو سيعمل على دفع طهران نحو مزيد من التطرف، وهذا الضغط الذي تمارسه واشنطن بالسياسة الناعمة سيؤدي إلى دفعها في اتجاه تخصيب وشيطنتها على المستوى الدولي لإعطاء ذريعة لنفسه لمزيد من الاستمرار بالضغوط، فبايدن لن يخرج عن سياسة ترامب، انما سيختلف في التكتيك. و80 في المئة من المعركة ستكون تكنولوجية، يعني الحرب إعلامية وحرب المعلومات، وأميركا بارعة في إدارة المعلومات وبث الشائعات والتجييش من الداخل، وستستمر في سياسة الاغتيالات والفوضى الداخلية وتحريك المجموعات المسلحة، وهناك تخوف من أن تستخدم الإدارة الأميركية الشارع في الداخل الإيراني لإحداث المزيد من التفكك في الداخل الإيراني، لان اميركا تعطينا إشارة مخادعة عبر وفد مفاوض ولكنه لا يملك القرار.

لذلك علينا أن لا ننخدع، وعدم المراهنة على الأشهر المقبلة، وعلينا أيضًا أن نكون حذرين في الداخل، وفي سوريا والعراق ولبنان.  والمفصل ستكون الانتخابات في إيران، والجانب الأميركي كما يقول أصدقاء مقربون من الكونغرس أنه لا شيء حاليًا من الآن ولغاية ستة أشهر، وبالتالي فإن سياسة الضغوط وأساليب السياسة الناعمة، واستخدام المجموعات الإرهابية ستستمر. ويجب في الوقت نفسه مراقبة اللوبيات، وماذا يجري داخل اللوبيات المتنافسة في اميركا، ولا ننسى ان ترامب لا يزال يسعى للضغط على إدارة بايدن.

من جهة أخرى لفت د. رزق إلى ضرورة متابعة تنافس القوى الإقليمية وقال: تركيا فتحت خطًا مع أذربيجان وباكستان، وأعلنت بداية العام وثيقة اسلام اباد، وتتحدث اليوم عن أنها تريد أن تقيم مؤتمرًا للسلام في أفغانستان في نيسان المقبل، فإذا جمعنا تركيا وأذربيجان وأفغانستان وباكستان، نجد هذا جوابًا على قطع طريق الحرير نهائيًا، وقطع الترابط ما بين منطقة المشرق، وقلب المشروع الصيني هو إيران، وهذا القاطع سيقطع أيضًا العلاقة بين إيران وروسيا.

إذن، إيران هي قلب الصراع في الاستراتيجية الاميركية لمواجهة الصين وقطع الطريق بين روسيا والصين، وهنا السؤال: ما مدى جهوزية التكامل الصيني الروسي والتفاعل مع الجانب الإيراني، معلوماتي تقول إن روسيا تتعرض لضغوط، وهناك لوبي صهيوني داخل الإدارة الروسية، وهناك عملية ابتزاز تقوم بها الإدارة الأميركية مع الجانب الصيني.  وما يجري اليوم لا نستطيع عزله عما تم في تسعينيات القرن المنصرم، ما يجري الآن هو إعادة تكوين النظام العالمي الجديد وفقاً لمصالح اللوبيات إقليمية كانت أم داخلية في الولايات المتحدة، أم عالمية.

 

أبرز نقاط مداخلة د. مسعود أسد اللهي

بدأ د. مسعود أسد اللهي مداخلته بالإشارة إلى تاريخ العلاقات الإيرانية الأميركية التي بدأت في القرن التاسع عشر، وقال: كانت العلاقات الإيرانية الأميركية منذ بدايتها لغاية الحرب العالمية الثانية جيدة جدًا، لأن الإدارات الأميركية حينذاك لم تكن تتدخل في شؤون العالم إلا اميركا اللاتينية، وتغيرت المعادلات بشكل جذري بعد الحرب العالمية الثانية وبدء نظام القطبين. وقد واجهت إيران عقلية الولايات المتحدة الخشنة، وبدأت أميركا بدعم الشاه على حساب الشعب الإيراني. وقد تخلل هذه العلاقات بين الحرب العالمية الثانية وسقوط الشاه ـ الذي تزامن حكمه مع عدد من الرؤساء الاميركيين من الديمقراطيين والجمهوريين ـ عدد من مشاكل مع الديمقراطيين، فعندما وصل جون كيندي إلى الحكم مثلًا حصلت مشاكل كبيرة بينه وبين الشاه بالنسبة إلى موضوع حقوق الانسان؛ فالديمقراطيون يرفعون شعار حقوق الانسان والديمقراطية، واستمر الأمر لعامين ثم تم اغتيال كيندي، وهنا ارتاح الشاه كثيرًا.

وتكرر السيناريو مرة أخرى في زمن الرئيس جيمي كارتر، حيث رفع كارتر عند وصوله إلى سدة الرئاسة شعار حقوق الانسان والديمقراطية، وبدأت ازمة بين الشاه وكارتر استمرت لعامين، بعد ذلك ـ بسبب الضغوط وبسبب موقعه كرئيس أميركي ـ تغير موقفه من الشاه خاصة بسبب دور ملياردير أميركي يهودي الذي عمل وساطة بين كارتر والشاه، والأخير التزم بما يريد أن يفعل كارتر الذي جاء إلى إيران واحتفل برأس السنة عام 1978 في سابقة هي الأولى في أميركا، الرئيس الأميركي يحتفل بعيد رأس السنة في بلد أخر، خاصة أن هذا البلد مسلم وليس مسيحيًا.

ألقى كارتر الذي كان يعارض الشاه لمدة عامين كلمة في هذا الاحتفال، قال فيها بفضل حكم الشاه إيران أصبحت جزيرة الاستقرار في المنطقة؛ وهذا كان أكبر مديح للشاه، لذلك بدأ مرة أخرى بالقمع الذي تسبب هذه المرة بانطلاق الثورة الإسلامية في إيران.

 لذلك كنا نشاهد دائمًا بأنه لا يوجد خلاف كبير ـ خاصة في السياسة الخارجية ـ بين الديمقراطيين والجمهوريين، والخلاف الوحيد أن الديمقراطيين يرفعون شعارات طنانة ورنانة، ولكن عمليًا يحكمون السياسة الخارجية بعقلية الجمهوريين نفسها، وفي بعض الأوقات أسوأ من الجمهوريين.

بعد هذه اللمحة الموجزة التي خلص فيها إلى عدم وجود فرق بين الجمهوري والديموقراطي، قال د. أسد اللهي عن المرحلة الراهنة: في هذه المرحلة نحن أمام واقع جديد، وإدارة بايدن بدأت العمل، ولكن هذه الإدارة تريد الغاء كل قرارات ترامب في كل المجالات باستثناء موضوع الملف النووي. إذ إن بايدن يريد ان يبدأ من النقطة التي وصلت اليها إدارة ترامب، وهذا لن تقبل به إيران التي تقول إنها دخلت في مفاوضات شاقة وطويلة لمدة عشر سنوات، ووصلنا إلى اتفاق مهم يسمى بالاتفاق النووي 5+1، والإدارة الأميركية حينذاك وقعت على الاتفاق وأصدر مجلس الامن الدولي قرارًا بالإجماع أيد الاتفاق، وبذلك أصبح الاتفاق من الوثائق الدولية.

قبل مجيء ترامب في العام الأخير من ادارة أوباما، كان الكونغرس الأميركي في يد الجمهوريين وبدأ عقوبات جديدة على إيران، وعندما كانت إيران تعترض على إدارة أوباما كانت تقول الأخيرة إنها لا تستطيع أن توقف قرارات الكونغرس لأنه في يد الجمهوريين؛ ما هذا المنطق؟، فإذا كنت كرئيس أميركي لا تستطيع الايفاء بالتزاماتك فلماذا توقع أي اتفاق؟

 هذا المنطق فيه عقلية المكابرة، بمعنى أن الأميركي والغربي لديه عقلية المكابرة، ينظر إلى المفاوضات مع دولة كإيران ويقول: من هم الإيرانيون حتى يتفاوضوا معنا، نحن نقرر، ويجب على الإيرانيين وغيرهم أن يطبقوا ما نريد. وهذا يعني أن هذه العقلية ليست للمفاوضات بل للاستسلام.

 وعلى الرغم من ذلك دخلت ايران المفاوضات بمواقف حاسمة وبوفاق وطني ووصلت إلى اتفاق  نووي، وكان واضحًا لدى قسم من المسؤولين الإيرانيين أن الإدارة الأميركية لن تفي بكل بنود هذا الاتفاق، لأن العقلية الصهيونية موجودة لدى الأميركيين أيضًا؛ فإذا نظرنا إلى المفاوضات الكثيرة بين الطرف الفلسطيني والإسرائيلي، دائما كانوا يصلون إلى اتفاق ما، وكان الطرف الفلسطيني يفي ويلتزم بالتزاماته كل مرة، في المقابل الطرف الإسرائيلي إما أنه لم ينفذ أصلًا أي قرار، أو ينفذ قسمًا بسيطًا من الالتزامات، ثم يخرق الاتفاق ولا يتابعه، ومرة أخرى بعد سنوات كانت اميركا تعمل وساطة بين الطرف الفلسطيني والطرف الإسرائيلي، ويعقد اتفاقًا جديدًا، ولكن السيناريو نفسه دائمًا. فأميركا تنظر إلى القانون الدولي بأنه وضع لغير الأميركيين، وأنها فوق القانون الدولي.

لكن هذه العقلية الأميركية تتعارض مع العقلية الإيرانية، فإيران تؤمن بالكرامة الوطنية وهذا هو المهم للإيرانيين، فالشعار الذي رفعه الامام الحسين (ع) "هيهات منا الذلة"، نحن نطبقه في السياسة الخارجية، لا نقبل بالذل والاهانة والفوقية من قبل الطرف الاخر، فقد دخلنا المفاوضات ووصلنا الى اتفاق معين ومحدد وواضح وكل طرف له التزاماته، وإيران بدأت بتنفيذ الالتزامات، وفي زمن أوباما نفذت قسمًا من الالتزامات، ولكن رفضوا تنفيذ كل الالتزامات الأميركية، ثم اتى ترامب وخرج من الاتفاق وكان يريد نسفه. وبالتالي فإن أميركا هي المسؤولة عن فشل الاتفاق النووي، وإيران وعلى الرغم من ذلك في العام الأول من خروج الطرف الأميركي لم تنفذ أي قرار جديد او عمل جديد في تطبيق الاتفاق. وبعد العام الأول ـ بمعنى أن إيران أعطت فرصة عام لعودة اميركا إلى الاتفاق ـ بدأت إيران بخطوات كل ثلاثة أشهر، بمعنى كانت تعطي ثلاثة أشهر فرصة لأميركا والأوروبيين حتى ينفذوا التزاماتهم، وفي نهاية كل ثلاثة أشهر عندما كانت إيران ترى انه لم ينفذ أي خطوة من قبل الطرف الغربي، كانت إيران تصعد أكثر، ولكن كل هذا التصعيد كان ضمن اتفاق 5+1، بمعنى ان إيران لم تخرج من الاتفاق النووي.

في هذه المرحلة وصل بايدن إلى سدة الرئاسة الأميركية، وكان خلال الحملة الانتخابية يأخذ مواقف جيدة جدًا بالنسبة لكل الملفات، ولكن عندما تم تنصيبه رئيسًا لم يلتزم فإما أنه كاذب، او إذا أردنا ان نكون متفائلين نقول انه تحت الضغط.

ولفت د. أسد اللهي إلى أن مشكلة إدارة بايدن انها تريد ان تستفيد مما فعله ترامب، وقال: إن بايدن لا يريد الغاء كل الضغوطات والعقوبات الجديدة على إيران، بل يريد من إيران العودة إلى الاتفاق، ولكن لم تخرج إيران اصلًا حتى تعود؛ وبالتالي هناك مشكلة: فإما هناك ضغط من اللوبي الصهيوني من البنتاغون من المخابرات الأميركية (CIA) من البترودولارات في المجتمع الأميركي في الكونغرس على بايدن، أو أن بايدن كان يطلق وعودًا كاذبة منذ البداية.

وحدد  د. أسد اللهي شروط ايران المضادة للشروط والطروحات الأميركية التي اطلقها بايدن وفريقه بالقول: لا نرى في الأفق القريب ـ خاصة في الأشهر الثلاثة المقبلة ـ أي انفراج في الملف النووي، لأننا مقبلون على الانتخابات الرئاسية في ايران في شهر حزيران، وممكن أن تكون إدارة بايدن تنتظر الرئيس الجديد في ايران حتى تبني على الواقع الجديد فيها، ولكن بالنسبة لإيران هذا الموقف الإيراني هو موقف ايران وعليه اجماع وطني ولا يتغير بتغيير الرئيس، ولذلك حتى بعد الانتخابات لن نرى أي تنازل من ايران، لأن موقفها منطقي وعقلاني والحق معها؛ حيث وفت بكل التزاماتها بالاتفاق النووي، وهي تنتظر عودة اميركا إلى الاتفاق من دون توسيعه، فالاتفاق النووي خاص بالملف النووي، وهذا ضمن الخطوط الحمر في ايران، فهي لن تقبل بمفاوضات حول ملف الصواريخ الإيرانية، أو حول ملف علاقات ايران الإقليمية، وهذا أمر يستحيل أن تقبل ايران بالتفاوض حول هذه الملفات، وإيران لا تربط الملف النووي بالملفات الإقليمية، ولم تطلب من حلفائها في المنطقة مساعدتها في أي ملف، فهي لديها قدرة كافية للصمود والمضي في سياساتها بالملف النووي. والكرة في ملعب بايدن، فهل يريد أن يكون رئيس اميركا الفعلي، أم أنه يريد أن يكون ضمن اللوبيات الموجودة.