تطرق الخبیر الدولي محمود فاضلي، في مقال نشر علی موقع "المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية" إلی موضوع إعادة العلاقات الترکیة المصریة؛ بعد مضي ثماني سنوات من توتر العلاقات، مشیراً إلی سعي ترکیا إلی فتح قنوات اتصال مع مصر علی الصعید الاستخباراتي والدبلوماسي وتوقیع اتفاقیة مع مصر من خلال المفاوضات حول الحدود البحرية، معتبرًا أن معارضي أردوغان يرون أن محاولة تحسين العلاقات بين أنقرة والقاهرة مؤشرًا على فشل سياسات أردوغان السابقة علی صعید التطورات السياسية العربية الأفريقية، فی حین دفعت التطورات الإقليمية والدولية الأخيرة أنقرة، إلى إعادة النظر في مواقفها الإقليمية والدولية والسعي إلى تطبيع العلاقات مع مصر والسعودية والإمارات والکیان الصهيوني تباعاً. فإذا تم الأخذ بالاعتبار مواقف قادة وكبار المسؤولين المصرین والأتراك بشأن استئناف العلاقات بین البلدین، فإن ذلك یظهر رغبة ترکیا في تحقيق التقارب بین البلدین أكثر من القاهرة.
الترجمة الكاملة
قال وزير الخارجية التركي "جاويش أوغلو " في مؤتمر صحفي إنه بعث برسالة إيجابية إلى حكومة القاهرة، بعد ثماني سنوات من العلاقات المتوترة بين أنقرة والقاهرة، معترفًا باتصالات تركيا مع مصر على المستويين الاستخباراتي والدبلوماسي، وأنه بإمکان انقرة، وفقًا للظروف، توقيع اتفاقية مع مصر من خلال المفاوضات حول الحدود البحرية، في حين تقوم ترکیا بدراسة أنشطة مصر المتعلقة بالتنقیب بشکلٍ ایجابي حول التنقيب في البحر الأبيض المتوسط، وقد اعترفت مصر ضمنيًا بحدود تركيا البحرية، مرسلة رسالة إيجابية إلى أنقرة.
وأجرت القاهرة مؤخرًا مناقصة للتنقيب عن الموارد الهيدروكربونية في البحر الأبيض المتوسط، وتُظهر خريطة، ترسیم مناطق غرب البحر الأبيض المتوسط وفقًا لاتفاقية القاهرة - أثينا والمناطق الشرقية وفقًا للاتفاق بين تركيا وحكومة الوفاق الوطني الليبي.
كما يكشف الإعلان المصري بشأن قياس الموارد الهيدروكربونية في البحر الأبيض المتوسط؛ جهود القاهرة لتجنب التوترات الإقليمية الناجمة عن أزمة الجزيرة القبرصية. قد تكون هذه الخطوة من جانب مصر، خطوة إيجابية علی صعید فتح محادثات محتملة مع تركيا.
على الرغم من وجود خلاف بين تركيا ومصر حول اتفاقية القانون البحري للأمم المتحدة، لکن مصر قد وقّعت مع عدد من الدول هذه الاتفاقية. وتفاوضت مصر مع کل من اليونان وقبرص بموجب الاتفاقية وتوصلت أخيرًا إلى توافق بشأنها. فإذا تم الأخذ بعين الاعتبار مواقف قادة وكبار المسؤولين المصریين والأتراك بشأن استئناف العلاقات بین البلدین، فيعبّر ذلك عن رغبة ترکیا إلى تحقيق التقارب بین البلدین أكثر من القاهرة.
وفقًا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لیس هناك اتصالات عالیة المستوی بين الطرفین والتواصل الثنائي یدور علی مستوی منخفض؛ وتواصل طبعا تركيا التعاون مع مصر في المجالات الاقتصادیة والدبلوماسية والاستخباراتیة.
إن تصريحات وزير الدفاع التركي "خلوصي أكار" الأخيرة بأن نهج مصر والتطورات الأخيرة تصب في مصلحة البلدين، وكذلك دول أخرى في المنطقة، قد تبدو أكثر حرارةٍ وملونةً إلى حد ما، مقارنةً بتصريحات أردوغان. وحسب رأیه إن هذه التطورات تتماشى مع علاقاتنا الثقافية والتاريخية.
من جانب آخر يعد احترام مصر لأراضي حدود تركيا البحرية في البحر المتوسط خطوة مهمة. في الوقت الذي تم وصف مصر من قبل المتحدث باسم أردوغان "إبراهيم كولين"، بأنها "قلب العالم العربي".
دفعت التطورات الإقليمية والدولية الأخيرة أنقرة، إلى إعادة النظر في مواقفها الإقليمية والدولية والسعي إلى تطبيع العلاقات مع مصر والسعودية والإمارات والکیان الصهيوني، وأعلنت رغبتها بهذا الشأن بإرسال إشارات لإبلاغ الجانب الآخر.
كانت بين أنقرة والقاهرة علاقات حميمة ووثيقة خلال الفترة الرئاسة القصيرة لمحمد مرسي، إلا أن هذه العلاقات قد توترت إثر سقوط حكومة مرسي عام 2013 والانقلاب العسكري لعبد الفتاح السيسي وانهيار حركة الإخوان المسلمين في مصر. ووصف أردوغان الحكومة المصرية الناجمة عن انقلاب الجیش بأنها "غير شرعية" ووصف وصول السيسي للسلطة بأنه "انقلاب". حتى أن تركيا دعت مجلس الأمن الدولي إلى فرض عقوبات على السيسي. كان أردوغان أول شخصية سياسية تقدم التعازي بوفاة مرسي، وكذا مسؤولو حزب العدالة والتنمية والأحزاب والسياسيون الأتراك.
إن الأزمة الليبية قد أدت لدفع الطرفین إلی المواجهة العسکریة، وتعتبر، التحديات الأخرى، مثل منطقة التجارة الإقليمية، الطاقة والتنافس على التواجد في منطقة أفريقيا، الانقلاب على أردوغان، الأزمة القطرية، الأزمة السورية والصراعات في لیبیا والیمن؛ من بین الملفات المفتوحة علی صعید العلاقات السعودية والمصرية والإماراتية والبحرين من جهة وترکیا من جهة أخرى.
وبحسب وزير الخارجية المصري "سامح شكري"، يجب على تركيا عمليًا أن تظهر موافقتها على مبادئ وأهداف مصر حتى تعود العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها. لكن هذه المحادثات تجري الآن في إطار محدود ولا توجد علاقات خارج القنوات الدبلوماسية الطبيعية. فإذا كان هناك إجراءات تركية حقيقية وأهداف منسجمة مع أهداف وسياسات مصر، فستكون هناك عندئذٍ أرضية جيدة لوجود علاقات طبيعية مع تركيا.
ان الوضع السياسي یرتبط دائمًا بمواقف السياسيين الأتراك، لاسیما بعد المواقف السلبية التي اتخذوها تجاه مصر. وترى مصر أن أي دولة تطالب بعلاقات طبيعية مع مصر عليها الالتزام بالقانون الدولي وسیاسة حسن الجوار والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة.
من جهة أخری أشادت وسائل إلإعلام اليونانية بدعوة مصر لطرح مناقصة التنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط ووصفتها بـ "باب القاهرة المفتوح لأنقرة" وزعمت أن دعوة الحكومة المصرية تعكس جهود الأطراف الإقليمية لتجنب التعقيدات العالقة في القضية القبرصية.
يزعم الحكام الأتراك أنهم سيحصلون شیئا فشیئا علی نتائج مواقفهم البناءة في شرق البحر المتوسط. بينما بدأت مصر بالقيام بخطوات معتدلة، یرسل الکیان الصهيوني رسائل إيجابية. وفي هذا الصدد قال رئيس الوزراء الصهیوني "بنيامين نتنياهو" بعد إعلان وزير الطاقة الصهيوني عن استعداد بلاده للعمل مع تركيا: "إن هذه الخطوة تعتبر أيضا تطورا جيدا" واعتبر "العلاقات مع الدول المجاورة في شرق البحر الأبيض المتوسط من أجل السلام والازدهار في المنطقة، مهمة للغاية ".
ببدو أن نهج تطبيع العلاقات مع مصر، وفي حال التوصل إلى اتفاق رسمي بين البلدين، سيغير التوازن الموجود في شرق المتوسط. كما أن تطبيع العلاقات مع مصر سيؤثر على تطبيع العلاقات مع الکیان الصهيوني والإمارات.
وفي هذا الصدد تدعي أنقرة، أنه في حال تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، ستسعى تركيا لإيجاد طرق لمساعدة الشعب الفلسطيني وتسهيل حياتهم في غزة. لكن معارضي أردوغان يرون أن محاولة تطبيع العلاقات بين أنقرة والقاهرة مؤشرا على فشل سياسات أردوغان السابقة علی صعید التطورات السياسية العربية الأفريقية.
يعتقد "علي باباجان"، زعيم حزب "الديمقراطية والانطلاقة"، بشأن توجه أنقرة نحو القاهرة بأن یعتمد السیاسة الخارجیة في أي بلد على أساس الاستقرار والقدرة على التنبؤ. وخلافا لذلك سیکون هناك تغییر مفاجئ علی مستوی الخطاب الأدبي كخطاب "السيسي الإنقلابي" إلى مستوی الخطاب الناعم باعتبار "السيسي كأخ".
كما لم يسلم أردوغان من هجمات وسائل الإعلام المعارضة. وبحسب وسائل الإعلام، فإن تصريحات أردوغان المفرطة والمتحيزة حول مرسي والسيسي لم تفيد تركيا على الإطلاق، بل تسببت بخسائر فادحة للبلاد، والآن تركيا مجبرة على التراجع عن مواقفها وعليها أن تتماشی مع مصر وذلك لحماية مصالحها في إفريقيا وشرق المتوسط والعالم العربي. وفي وقت سابق اشترطت الإمارات تطبيع العلاقات مع تركيا، بإنهاء تدخلها في العالم العربي ودعمها للإخوان المسلمين. في حین أدى دعم تركيا لقطر خلال أزمة بین الدوحة والرياض وكشف أنقرة عن تفاصيل اغتيال جمال خاشقجي، إلى توتر العلاقات مع السعودية وفرض عقوبات على البضائع التركية من جانب السعودیة.
على الرغم من أن جهود تركيا لتطبيع العلاقات مع مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ناشیء عن المنفعة وتأمین المصالح في ظل الظروف الجديدة للنظام الدولي، لکن يبدو أن المشاكل الرئيسية بین الأطراف ستظل قائمة حتى لو کان هناك علاقات على أي مستوى آخر.
تماشياً مع جهود أنقرة لإقامة علاقات إيجابية مع مصر في شرق البحر المتوسط، سيتعين على تركيا الوصول إلى نتائج جديدة مع المملكة العربية السعودية. وتشير الشواهد إلى أن تثبيت الأمن والهدوء في شرق البحر الأبيض المتوسط أصبح أولوية استراتيجية للسياسة الخارجية التركية، وتكمن أهمية هذا الموضوع إلى حد ما، في أن أنقرة مستعدة لإعادة النظر في سياساتها الإقليمية.