• اخر تحديث : 2024-05-02 11:31
news-details
إصدارات الأعضاء

الحركة الصهيونيٍة واليهود


التطرف والعنف نزعتان إنسانيّتان عامّتان، وهما تحتاجان لأشكال وألوان لتظهرا بصورة مبررة متكئة على ارضيّة صُلبة لا تقبل ولا تتقبل النقاش ولا الجدل.

لم تجد هاتان النزعتان أفضل من الأديان كمطيّة لهما لتنفذا من خلالها إلى المجاميع المؤمنة بأربابها، فنلحظها متقنعة في منظومات الأديان جميعها، الوضعيّة منها والوحيانيّة، لتقود المجاميع الممتثلة والمستسلمة للأديان نحو الفكرة العنيفة عبر أفكار راديكالية لا تمت لجوهر تلك الأديان بصلة، إذ أن الأديان كلها تقريباً رغم قولها بالأحقية ألا أنها حاربت العنف العدواني الهادف حمل الناس على الاعتناق: (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) /يونس 99/.

نعم لقد أقرّت التشريعات التزود بالقوة بقصد الدفاع وإرهاب المعتدين، لكنها البتة لم تُجز للمتشرعة مبدأ العدوان: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) /البقرة 190/.

لهذا كتبتُ عدة مقالات وبحوث أشير فيها لما سُمي بفتوح إسلاميّة معتبراً إيّاها حروباً توسعيّة عدوانيّة، لم يكن هدفها نشر الدين كما هو معلن، فالأديان لا تنتشر بالسيف والدمار والحروب والقتل، بل تنتشر كما امر الله رسوله الكريم: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚإِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) /النحل 125/.

يؤسفني القول: إنّ ما أسميناها فتوحاً لم تكن إلّا حروب هدفها (الجواري والمصاري أو النقود والنهود) كما اردد دائماً، وقد ساهمت الدراما وخصوصاً الرمضانيّة بتشويه التاريخ وخلق هدف وهمي لتلك الحروب الا وهو إعلاء كلمة الله لتخلق جيلاً بأكمله يميل للعنف كحل جذري يملك إرث فرض الإرادات بقوّة السيف.

للأمانة لم يتفرّد المسلمون باستغلال دينهم كغطاء للعنف، بل نجد أنّ المسيحيين أيضاً جعلوا من الصليب المقدّس شعاراً ينفّذون تحت ستار قداسته وعظمته هجماتهم البربرية على المشرق عامّة وبيت المقدس بشكل خاص (الحملات الصليبيّة).

ولا يشذ عن ذلك اليهود وهنا لا بدّ أن أشير أنني عندما أقول: اليهود او المسيحيون أو المسلمون فقطعاً أعني أتباع الديانات لا الذين شذّوا بأكثريتهم عن تعاليم انبياء هذه الديانات فالإسلام شيء والمسلمون شيء مغاير، وكذلك المسيحيّة واليهوديّة شيء، والمسيحيّون واليهود جنس مختلف لا يأخذون إلّا الاسم بدون أن يكون للتعليمات النبويّة أي وزن لدى هؤلاء الأتباع.

فالتوظيف والاستثمار السياسي للديانات أصبح على أشدّه، وهو المحرّك الأساس للصراعات في المنطقة.

فنحن نعلم تماماً الحُلُم الإسرائيلي بيهوديّة الدولة وتهويد القدس، وجعل الكيان دولة تقوم على اسس ثيوكراتيّة، فكان لا بدّ للوصول لهذا الهدف من العمل على إنشاء كيانات طائفيّة وعرقيّة من دول المحيط بحيث تكون لبنان دولة للمسيحين الكاثوليك وعمّان للأرمن ودمشق ودرعا للسنّة والسويداء وجبل لبنان للموحدين والساحل السوري للعلويين أما الشيعة فقرى حمص وبعض قرى حلب وإدلب، والجزيرة السوريّة للكرد والإيزيديين.

دول ذات طابع ديني تحيط بالكيان فتصبح يهوديّة الكيان تحصيل حاصل، كأمر مقبول، ولكن هل اليهود الموجودون في الكيان اليوم هم يهود؟!

نحن نعلم أن اليهوديّة لا يوجد بها بُعد دعوي أو تبشيري فاليهوديّة كما يحاول أحبارها دائماً تصويرها على أنّها قوميّة وليست ديناً يعتنقه الأشخاص، فارتباط اليهودي بيهوديته نسبي وليس سببي.

لكن إن أجلنا النظر في التاريخ القريب نرى أنّ غالبية اليهود الذين يعيشون بالكيان ليسوا من أصل يعقوبي.

بل ولا ينتسبون إلى مملكة سليمان الموحّدة، ولا هم من المملكتين التي انقسمت إليهما المملكة إثر وفاة النبي سليمان وإعلان رحبعام بن سليمان نفسه ملكاً على بني إسرائيل.

لقد بايع رحبعام قبيلتي يهوذا وبنيامين، اللتين كانتا تقيمان في منطقة أورشليم وما حولها إلى جنوب فلسطين، ورفضت القبائل العشرة الآخرى مبايعته لخلاف نشب فيما بينهم، فانقسمت مملكة سليمان إلى مملكتين:

* مملكة إسرائيل في الشمال: وكان أول ملوكهم يربعام بن نباط وهو ليس من بيت داود، وعاصمتها السامرة، وكانت هذه المملكة هي الأكبر من حيث المساحة والعدد، وقد أشرك يربعام وبنى أوثاناً وهياكل ودعا بني إسرائيل إلى عبادتها بدلاً من الذهاب إلى أورشليم فأجابوه، ودامت دولتهم 250 سنة وانتهت سنة 721 ق.م حينما غزاهم صارغون

ملك آشور واستولى على السامرة وسبى الأسباط وأجلى اليهود إلى ما وراء نهر الفرات وبذلك انتهت هذه الدولة ولم تقم لها قائمة بعد ذلك.

إذاً نسبة اليهود الحاليين إلى مملكة السامرة (الشمال) مستحيلة، لفناء العنصر البشري.

* مملكة يهوذا في الجنوب: وكان أول ملوكها رحبعام بن سليمان وعاصمتها أورشليم وقد عاشت أكثر من مملكة السامرة، وتعرضت لغزوات من الشمال والجنوب وكان آخرها على يد نبوخذ نصر ملك بابل الذي غزاها سنة 606 ق.م، وتغلّب عليها ودفعت له الجزية، ثم ثارت فغزاها سنة 593 ق.م وسبى من شعبها عشرة الآف من أعيانها وأشرافها، ثمّ ثارت عليه مرّة أخرى سنة 586 ق.م فأتاها هذه المرة وهدّم أسوارها وسبى اليهود وساقهم إلى بابل اسرى بين يديه.

كذلك نسبة اليهود الحاليين لمملكة يهوذا تبدو شائكة إذا أنهى السبي البابلي اسطورة يه..وديّة النسب .

إذاً من هم هؤلاء اليهود المزعومون الذين يدعون انتسابهم لسليمان وقبله يعقوب بن ابراهيم زوراً؟؟!

● الي...هو..د  المعاصرون  .

يشكّل الأشكناز اليوم، نحو 90 % من اليهود حول العالم، وكانوا هم الروّاد والمحرّك الأساسي للحركة الصهيونية، وهم الطبقة الحاكمة والمسيطرة في دولة الكيان منذ نشأتها، لكنّ وكما فنّدنا ادعاءاتهم وثبت زيف ما يدعونه حول أصولهم وانتمائهم ليعقوب النبي او سليمان أو المملكتين التي أشرنا إليهما.

مع المتابعة التاريخية نعثر على الأصول الجغرافية المتعلقة باليهود المعاصرين وانتمائهم لمملكة الخزر، حيث تهوّدت القبائل الخزريّة التركيّة.

لقد تسبّب ذلك في إحداث جدالات واسعة، خصوصاً أنّ الحركة الصهيونية استندت إلى الادّعاء بالأحقية التاريخيّة لليهود المعاصرين في أرض فلسطين، باعتبارهم عرقاً نقيّاً منحدراً من قبيلة عبرانية سكنت (مملكة سليمان) ومن بعده بمملكتي يهودا والسامرة وأقامت فيهما ردحاً طويلاً من الزمن، لتشكل الأبحاث التاريخية غير المنحازة والعلميّة بآن واحد تحدياً حقيقياً لهذه الإداعاءات وتثبت زيفها.

هنا نستعرض اليهود المعاصرون وتقسيماتهم التي لم يعرفها اليهود الأوائل وأعني يهود ما قبل السبي البابلي والقضاء الآشوري.

1 - الأشكناز 80 % من يهود الكيان:

هم اليهود الغربيون المنحدرون من شرق ووسط أوربا ، و يُعتقد بأنَّ أصولهم تعود إلى قبائل شعب الخزر الذّين اعتنقوا اليهوديّة ، وهم من شعوب القوقاز حول نهر الفولغا بين بحر قزوين والبحر الأسود (Khazaria) قضى الرُّوس على دولتهم في النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي ، وفي منتصف القرن الثالث عشر الميلادي انتشروا في شرق أوربّا ، ويُعتقد أنَّ سبب تهوّد الخزر محاولتهم أن يظلّوا مُتميزين عن الإمبراطوريتين العربيّة الإسلامية ، والبيزنطيّة المسيحيّة ، ووفق مصادر عربيّة وبيزنطيّة وروسيّة وعبريّة ، فإنّ ملك الخزر والطبقة الحاكمة قد اعتنقوا الديانة اليهوديّة التي أصبحت الديانة الرسميّة لدولة الخَزَر ، وكان معظم الخزر يتحدّثون الديشيّة التي اختفت بالتدريج مع عشرينيّات القرن الماضي ، وأصبحت لغتهم الإنكليزيّة لأنَّ أغلبيّتهم موجودون ضمن التشكيل الإستعماري الاستيطاني الأنكلو-ساكسوني (الولايات المتحدة الأمريكيّة – كندا – أستراليا – جنوب إفريقيا).

ويُعدّون المنظرين لقيام دولة الكيان على أرض فلسطين، والحُكّام الفعليين لدولة الكيان.

2 - السفارديم 10 % من يهود الكيان:

هم اليهود الشرقيون الذين تعود أصولهم الأولى ليهود أسبانيا والبرتغال، الذين طُردوا منها في القرن الخامس عشر، من قِبَل الملوك الكاثوليك في أسبانيا، وتفرّقوا في شمال إفريقيا وآسيا الصّغرى والشّام.

كلمة سفارد هي الكلمة العبريّة المُستخدمة للإشارة إلى أسبانيا، ومن ثمَّ اُستخدمت الكلمة للإشارة إلى يهود أسبانيا، وكثير منهم كانوا من رعايا الدّولة العثمانيّة، وكان لاحتكاك يهود أسبانيا بالعرب أثر عميق في لغتهم ما زادَ العبريّة فصاحة، فاضطرّ مُنظروا الكيان إلى اعتماد عبريّة السفارديم كلغة رسميّة للكيان.

ويأتي السفارديم في الترتيب الثاني ويُشكّلون 10 %، وقليل منهم استلم مناصب مُهمّة في دولة الكيان.

كتب ابن غوريون في مُذكراته:

(أنَّ الصهيونية هي في الأساس حركة اليهود الغربيين) مُشبّهاً يهود البلدان العربيّة بالزّنوج الذّين أُحضروا إلى أمريكا كعبيد.

3 -  المزراحيم 7 % من يهود الكيان:

هم اليهود الشرقيون، وتُطلق على يهود بلاد الشّام والرافدين وإيران والهند، عقائديّاً يتبعون مذهب السفاراديم، هاجر معظمهم بسبب الخوف الذّي روّجته الوكالة اليهوديّة إلى أرض الميعاد المزعومة، وما أن وصلوا هناك حتّى تمّ توظيفهم في الكيبوتسات (أعمال السخرة) تحت إشراف الأشكناز، تُقدّر أعدادهم داخل الكيان بـ 2 مليون نسمة.

4 - التيمانيم 3 % من يهود الكيان:

وهم اليهود من أصول يَمنيّة ويُعتقد أنّهم انحدروا من بقايا يهود دولة حِميَّر اليمنيّة القديمة.

ينقسم يهود اليمن إلى ثلاثة مذاهب:

* الطريقة البلدي: يتّبعون تفسيرات موسى بن ميمون للهالاخاه

* الطريقة الشّاميّة: يتّبعون طريقة إسحق لوريا الذّي عاش في الشّام 

* الطريقة الميمونيّة: وهم أتباع الحاخام يحيى قافية ما بين عامي 1949 – 1950 هُجّر ما يُقارب 52 ألف يهودي إلى الكيان في عمليّة بساط الرّيح، بتكلفة 425 مليون دولار، قالت الوكالة اليهوديّة ليهود اليمن:

(إنَّ جدران أورشليم تقطر عسلاً)، وفور وصولهم لأرض الميعاد المزعومة قامت بخطف أطفالهم وباعتهم لعائلات الأشكناز.

أشتهر المتطرّف اليهودي من أصل يمني إيجال أمير بتنفيذه أبرز عمليّة اغتيال داخل الكيان الصهيوني بقتله إسحاق رابين.

ولعلّنا قبل أن ننهي بحثنا يتوجّب علينا ان نؤيد ما ذهبنا أليه من أن انتساب اليهود المعاصرون لليهوديّة من قبل النسب هو تزوير محض بادلة علميّة تثبت ذلك فحسب الدراسات الجينيّة التي نشرها المؤرخ اليهودي الهنغاري آرثر كيستلر عام 1976، في كتاب (القبيلة الثالثة عشرة) كإشارة للاستقلالية العرقيّة للحاليين (كقبيلة تحمل رقم ثلاثة عشر) عن القبائل اليهودية اليعقوبية الإثني عشر.

خلص كيستلر في كتابه إلى أنّ: (غالبية اليهود العصريين ليسوا من أصل فلسطينيّ بل خزري)، مُسنداً الخلاصة بالإشارة إلى أنّ: (التركيب الوراثي ليهود اليوم أقرب إلى قبائل الخزر والهون)، وتزامن ذلك مع تأكيدات عالم الاجتماع الأمريكي اليهودي رفائيل باتاي أنّ نتائج أبحاث علم الأجناس البشرية أظهرت أنّه ليس هناك (جنس يهودي)، مؤكّداً أنّهم: (يختلفون اختلافا واضحاً في كل الخصائص الجسميّة المهمة: القامة، الوزن، لون البشرة، الدليل الرأسي، الدليل الوجهي، فصائل الدم). 

مما يؤكد انّ لا وحدة نسبيّة او عرقية تجمع اليهود المعاصرين.

في عام 2012 م أعدّ عالم الوراثة الأمريكي عيران الحايك، دراسة جينيّة أثبت فيها أنّ هناك مكوّناً خزرياً رئيساً في الخطّ الجيني لدى اليهود الأشكناز، مستنداً إلى الخريطة الجينية لدى الأعراق القوقازية الجورجية والأذربيجانية.

وبعد...

المستند التاريخي للوجود الحالي على ارض فلسطين لم يعد موجوداً.

فالمعاصرون لا صلة لهم البتة بإبراهيم ولا بالقبائل العبرية المتواجدة قبل السبي البابلي، ولا علاقة لهم بالسامية.