كتب بونا جيرمي بوب، المحلل والكاتب المختص في قضايا الاستخبارات والإرهاب، تقريرًا نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست" الصهيونية تناول فيه السيناريوهات الثلاثة التي افترضها المعهد الإسرائيلي الدولي لمكافحة الإرهاب عبر عملية محاكاة بشأن خيارات لبنان في المستقبل بعد انفجار مرفأ بيروت، والتنبؤ بما ستكون عليه الأوضاع، وكيف يمكن أن تستعد إسرائيل لذلك.
يستهل الكاتب مقاله بما قاله لبوعز جانور، مدير المعهد الدولي لسياسات مكافحة الإرهاب في مركز هرتسليا متعدد التخصصات، "قد يعني انفجار مرفأ بيروت الأخير واستقالة الحكومة اللبنانية أن إسرائيل ستواجه خيارات سياسية دفاعية جديدة وحاسمة. وأن الواقع قد وصل إلى مرحلة يمكن أن يُنفَّذ فيها عديد من السيناريوهات المحاكية، التي درستها مجموعة مكافحة الإرهاب، على أرض الواقع في غضون شهور أو حتى أسابيع".
استشراف مستقبل لبنان بالبوكر المفتوح
ولتقديم خلفية توضِّح المشهد، بدأ اثنان من كبار المسؤولين السابقين في الموساد وسفيران سابقان ومجموعة متنوعة من مسؤولي المؤسسات البحثية ذات الصلة بمعهد مكافحة الإرهاب، في أبريل (نيسان)، عملية محاكاة غير مسبوقة للتطورات في لبنان من خلال مشروع "لبوكر المفتوح"، والذي استغرق ثلاثة شهور.
ومنذ اليوم الأول، حصلت صحيفة "جيروزاليم بوست" على حق الوصول الحصري لمتابعة التطورات في عملية المحاكاة والتي كانت تجري مشاركتها وقت حدوثها عبر مجموعة من مستندات "غوغل"، بالإضافة إلى ملخص للمقابلات والاستنتاجات.
يذكر الكاتب أن هذه المحاكاة رصدها ضباط استخبارات من الجيش الإسرائيلي، برغم عدم تمكنهم من المشاركة فيها بطريقة مباشرة لأسباب واضحة، كما شارك فيها 12 طرفًا مختلفًا في الساحة اللبنانية، وهي أطراف "لعب بها" ضباط المخابرات السابقين والمسؤولين الدبلوماسيين.
وبخلاف عمليات المحاكاة النموذجية المماثلة، والتي يتحدث فيها عضو من المجموعة المَدعوَّة للمناقشة أولًا، وبعد ذلك يصبح بمقدور كل شخص أن يتفاعل بمفرده مع ما قاله، أتاح مشروع "البوكر المفتوح" للأطراف المتعددة إمكانية الرد على الأفكار المطروحة والتفاعل معها على نحو فوري.
وبحسب جانور، تمثَّل الغرض من ممارسة هذه المحاكاة في تناول الخيارات السياسية المتوفرة أمام المؤسسة السياسية والدفاعية إزاء ثلاثة سيناريوهات رئيسة، والتي تفاعل معها الخبراء المشاركون، كل منهم لمدة أسابيع، للسماح بالتحركات والتحركات المضادة.
السيناريوهات الثلاثة
السيناريو الأول: إعلان الرئيس اللبناني ميشال عون تشكيل حكومة طوارئ للتعامل مع الأزمة الصحية والاقتصادية المزدوجة جراء تفشي فيروس كورونا المستجد. ولم تتمثل هذه الأزمة في انتشار العدوى وفقدان الدخل فحسب، بل تجاوزت ذلك إلى الفشل في توفير ما يكفي من المعدات الطبية وغيرها من الإمدادات اللازمة للخروج من الأزمة، فضلًا عن موجة الاحتجاجات التي شهدها لبنان. وكجزء من حكومة الطوارئ اللبنانية هذه، يجب أن يُنحِّي عون وكيل إيران الشيعي (حزب الله) جانبًا ويجبره على اتخاذ قرار إما بالاندفاع نحو استخدام أسلحته النارية الفائقة أو تنفيذ انسحاب إستراتيجي.
السيناريو الثاني: يكمل حزب الله السيطرة العسكرية على الحكومة اللبنانية الحالية، وهي الحكومة الذي يسيطر عليها فعليًّا بحكم الأمر الواقع، وهذا ما أشار إليه الأمين العام للحزب حسن نصر الله عندما تحدث إلى البلاد قائلًا: "إن الحزب وحده، بمساعدة إيران، يمكنه إنقاذ الأمة".
السيناريو الثالث: يتصور هذا السيناريو عدم قدرة أي جماعة أو زعيم على قيادة البلاد خلال الأزمة، وبذلك يدخل المجتمع اللبناني في فوضى كاملة تعيد إلى الأذهان الحرب الأهلية عام 1976.
سيناريوهات المحاكاة تؤثر على مصالح المنطقة
ويوضح جانور قائلًا: "يمكن أن تصبح جميع السيناريوهات الثلاثة واقعًا، وينبغي على إسرائيل الاستعداد للاحتمالات الثلاثة وأن تجهِّز نفسها وتبذل أقصى ما في وسعها للتعامل مع كل سيناريو". وتابع قائلًا: إن السيناريوهات الثلاثة سيكون لها تأثير كبير ليس على مستقبل لبنان فحسب، بل على المصالح الإسرائيلية ومصالح المنطقة بأسرها.
وأوضح الكاتب أنه مع تفشي فيروس كورونا المستجد الذي مزَّق المجتمع اللبناني الهش بالفعل منذ مدة طويلة قبل الانفجار الأخير الذي دمر بيروت تدميرًا ماديًّا، كان هذا الانفجار – بحسب جانور – مهمًا جدًّا ليمنح صانعي القرار الإسرائيلي مهلة كافية، واضعين في اعتبارهم أنه يمكن أن يُفاجَأوا بأمور غير متوقعة".
وفي هذه المحاكاة، لعب نفتالي جرانوت، نائب رئيس الموساد السابق، دور الولايات المتحدة، بينما لعب أمنون سوفرين، المسؤول الكبير السابق في الموساد، دور سوريا. كما لعب رون بروسور، السفير السابق لدى الأمم المتحدة، والسفير الإسرائيلي لدى مصر إسحاق ليفانون، وجانور أدوار ألمانيا والجالية اللبنانية المسيحية وإسرائيل على الترتيب، ولعبت مجموعة أخرى من المسؤولين دور الأطراف السبعة الباقية، بما فيهم حزب الله، وإيران، وروسيا.
وركَّز أحد الموضوعات الرئيسة في جميع السيناريوهات الثلاثة على أن يجد حزب الله نفسه في واحدة من الأزمات الأكثر حساسية، والتي تلزمه بالتعامل معها، منذ سيطرته على لبنان بحكم الأمر الواقع قبل قرابة عقد من الزمان.
نصائح إيران لحزب الله للتعامل مع الأزمات
ويبين الكاتب أن كثيرًا من المواطنين اللبنانيين، ومنهم تابعون للمعسكر الشيعي الموالي لحزب الله، يقل اهتمامهم بأي صراع مع إسرائيل ونيل رضى إيران عن اهتمامهم بالتغلب على الأزمات الصحية والاقتصادية المتزامنة التي سببها فيروس كورونا المستجد.
كما يشير الكاتب إلى أن اللاعبين الأكثر نفوذًا، في السيناريوهات الثلاثة، هم حزب الله وإسرائيل وإيران، متوقعًا أن تُقدِّم جمهورية إيران الإسلامية النصيحة لحزب الله بالتغطية على حجم الضرر الناجم عن فيروس كورونا المستجد، كما فعلت طهران في بلادها تمامًا.
ويرجح كذلك أن تحاول إيران نصيحة حزب الله بتنظيم احتجاجات مقابلة لأي تظاهرات تتحدى قبضتها على السلطة واتهام الأطراف الأخرى بالفشل. ويضيف جانور "بجانب هذه الأطراف، إذا وقع اقتتال لبناني داخلي أو قتال خارجي بين حزب الله وإسرائيل، فمن المحتمل أن تلعب روسيا دور الوسيط".
كما يرجح الكاتب أن جميع السيناريوهات من المحتمل أن نرى فيها محاولة الولايات المتحدة للاستفادة من الوضع لإضعاف النفوذ الإيراني وحزب الله في لبنان، بل إنه من المتوقع أن يسير السعوديون في هذا الاتجاه كذلك، بالرغم من اختلاف بعض مشاربها عن الولايات المتحدة.
ومع أنها لا تتمتع بنفس القدرة على إظهار القوة مثل روسيا أو الولايات المتحدة، فمن المتوقع أن تحاول فرنسا، بسبب علاقاتها التاريخية مع لبنان، أن تلعب دورًا دبلوماسيًّا لتحقيق الاستقرار.
محاكاة سيناريوهات الحرب
أما في سيناريوهات الحرب – حسب الكاتب – افترض الخبراء في المحاكاة وقوع جميع الصراعات المحدودة والشاملة بين إسرائيل وحزب الله، بما في ذلك الغزو المحدود من حزب الله للحدود الشمالية لإسرائيل، بالإضافة إلى تنفيذ هجمات صاروخية بصواريخ دقيقة على مواقع البنية التحتية الوطنية الإسرائيلية المهمة.
وفي هذا الصدد، أوضح جانور قائلًا: "إن حزب الله لا يزال بمقدوره شن غزو محدود، مع أن إسرائيل عطلت إلى حد كبير قدرته على تنفيذ هجوم مفاجئ باستخدام قتال الأنفاق". وأضاف أنه كان من الرائع أن نجد كيف أن الاستجابة المبكرة للأزمات الجديدة الناجمة عن الفيروس حددت في كثير من الأحيان الخيارات المستقبلية، بل قللت منها بالنسبة لكثير من الأطراف الفاعلة.
ويختتم الكاتب تقريره بالقول "في حين أن تغيير مسار أي إستراتيجية فاشلة أمر وارد دائمًا، فهذا يعني أن اختيار الإستراتيجية الأولية الصحيحة أمر مهم".
ويأمل جانور أن تساعد ممارسة محاكاة البوكر المفتوح صانعي القرار الإسرائيلي في تبني خيارات إستراتيجية أفضل، قائلًا: "إنه من المثير للدهشة أنه بينما ثبتت صحة عديد من التنبؤات، فإن نتائج السيناريوهات تسير قدمًا إلى الحياة الواقعية بوتيرة أسرع حتى من وتيرة المحاكاة".