انتهت الحرب الباردة بتفوق الولايات المتحدة الامريكية وتفردها بقيادة العالم.
ولم يكن بوسع أحد حينها ليجاهر بعدائه لامريكا أو معارضته لسياستها الاستكبارية في العالم.
حتى الصين التي كانت تضمر امتعاضها من سياسات الولايات المتحدة، كانت منخرطة ولا زالت بتوافقات سياسية واستثمارات اقتصادية كبرى معها.
الروس لم تبرز لهم مواقف تعرقل عجلة احكام السيطرة الامريكية على العالم.
وحدها إيران التي لم يجمعها مع امريكا توافق سياسي او اقتصادي بالمرة.
بل وحدها أيران التي كانت ولازالت تجاهر بعدائها لامريكا، وتصرح علانية بسعيها لافشال المخططات الامريكية في المنطقة.
كل المشاريع التي كانت أمريكا تعمل على تدشينها في المنطقة، كانت لها انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على الامن والاقتصاد العالمي.
ولم يكن بمقدور أحد ليجاهر بمعارضته لتلك المشاريع.
بدءاً من خارطة الطريق، ومرورا بمشروع الشرق الاوسط الكبير الذي قوضه انتصار حزب الله 2006 بدعم ايراني مباشر، وانتهاء بالمخطط المشؤوم والموسوم بصفقة القرن.
وحدها إيران ومعها محورها المقاوم، من كانت تجاهر وتعمل على افشال تلك المشاريع.
عندما انتصرت سوريا على الارهاب، والعراق كذلك، الكل بما فيهم امريكا قال باننا قاتلنا الارهاب نيابة عن العالم.
لكن وفقاً لهذا المنظور لم يقل أحد ان إيران حينما افشلت مشروع الشرق الاوسط الجديد الرامي لتفتيت دول المنطقة (تمزيق الممزق) بأنها قاتلت نيابة عن العالم، وحالت دون ان يضطر العالم بأسرة لدفع ضريبة سايكسبيكو جديدة.
المهم؛ لا أحد يمكن له ان يطمس رأسه بالتراب ليتغاضى عن هذه الحقيقة.
فالارض التي فخرتها نيران الحرب مع اسرائيل والارهاب، لم تعد رخوة ليتمكن المتخاذلون والخونة من طمس رؤوسهم فيها كالنعامة.
وبعد أن تمكنت أيران من اضعاف نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، وباتت تشكل عبر أذرعها تهديدا وجودياً لاسرائيل.
في تلك الاثناء كان فرانسيس فوكوياما ينظر لنهاية التاريخ (اطباق الهيمنة الامريكية على العالم).
أيران التي احتلت موقعا جيوبلتيكياً وسياسياً هاماً جدا على مستوى المنطقة والعالم؛ بعثت بالروس والصينيين روح التحدي لسياسات امريكا في العالم، بعد أن تكفلت أيران بتقويض المشاريع التوسعية لاسرائيل وأمريكا في المنطقة.
قد يقال بأن الصين كانت تنافس أمريكا وتتحداها على المستوى التجاري والتقني العلمي قبل هذا الحين.
نقول نعم لكن ينبغي قبل هذا معرفة ان التنافس التجاري والتقني لوحده لن يكون له أثر ملموس لتنحية الولايات المتحدة عن هيمنتها للعالم.
كما أن أي تفوق على أمريكا سواء كان تجاريا أم علميا أو حتى عسكري، لايمكن له حسم مواجهة أمريكا لصالحه، مالم تحسم المواجهة معها في منطقة (الشرق الاوسط).
وهذا ماتكفلت به أيران على اساس عقائدي وأخلاقي قيمي.
ولذلك وجدنا أن الصين بعد أن خاضت غمار معركة تغيير معالم النظام العالمي الحالي، رهنت ذلك كله بشق طريق الحرير.
وطريق الحرير هذا لن يرى النور مالم يضع المهندس الايراني المقيم في المنطقة اسقاطات خارطته السياسية والامنية فيه.
نعم أيران وحدها من يمسك بخيوط أمن المنطقة مجتمعة، وهذا مايعرفه الامريكان والصهاينة أكثر من غيرهم.
وإيران وحدها من تعرف متى يتم تدشين طريق الحرير. وماهي المغارات والانفاق السياسية التي يمر عبرها.
فقد إستبقت الجميع، وارست دعامات المجسر الاقتصادي السياسي من بكين الى البحر المتوسط.
دعامات حقيقية تثق بها بكين ويثق بها الروس الذين جربوا الاتكاء عليها لحفظ ماء وجههم في الشرق الاوسط وفعلا تم لهم ذلك بنجاح.
ومن خلال ابرام اتفاقيات التعاون والتبادل التجاري الكبرى التي ابرمتها إيران مع الروس والصينيين؛ تمكنت من تشبيك مصالح هاتين القوتين بقوة ظهرت جلية باستخدامهما حق الفيتو معاً وابطال مشروع أمريكي يحظر توريد السلاح لايران!