ملخّص
لم يحمل سقوط تنظيم الدولة الإسلامية معه الاستقرار إلى الحدود العراقية السورية التي ما زالت من أكثر المناطق اضطرابًا على الصعيد الجيوسياسي في الشرق الأوسط. ففي السنوات القليلة الماضية، أدّت مجموعة متنوعة من الكيانات والفصائل الكردية دورًا متناميًا في رسم معالم الديناميكيات في الجانب الشمالي من الحدود. وفي هذا السياق، لا بد من تسليط الضوء على جانبيْن من هذه الديناميكيات. أولًا، نجحت حكومة إقليم كردستان والإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية في إحكام قبضتهما على المعابر الحدودية الجديدة، وذلك بعدما فقدت الحكومة السورية سيطرتها على الحدود وبات وجود الحكومة العراقية محدودا في هذا الجزء من الحدود. وهذا يعني أن حركة الأفراد والبضائع في هذه المنطقة تخضع بدرجة كبيرة إلى كيانيْن لا يمكن اعتبارهما لا تابعين للدولة ولا غير دولتييْن بالكامل. بل يكشف الواقع على الأرض عن ظهور تدابير هجينة نتيجة ضعف الحكومتين المركزيتين والحكم الذاتي المتزايد الذي تتمتع به الأحزاب الكردية (والذي ينص عليه الدستور في حالة حكومة إقليم كردستان).
ثانيًا، نجح حزب العمّال الكردستاني في تعزيز نفوذه على طول الحدود بحكم مشاركته في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية واستغلاله فراغ السلطة الذي أعقبها. وتمكّن الحزب بفضل العلاقات الإيديولوجية والتنظيمية التي تربطه بالمجموعات المحلية، مثل وحدات حماية الشعب في سورية ووحدات مقاومة سنجار في العراق، من فرض نفوذه الأمني والسياسي. فحوّل هذا الواقع أجزاءً من الحدود إلى ساحة للكيانات المسلحة ذات التوجهات القومية الكردية العابرة للحدود. وقد فاقم حضورها التنافس بين الفصائل الكردية، ولا سيما بين الحزب الديمقراطي الكردستاني، أي الحزب الحاكم الرئيس في حكومة إقليم كردستان، وحزب العمّال الكردستاني. ويجسّد هذا التنافس الصدام الحاصل بين رؤيتيْن تتعلقان بالحدود هما: رؤية حزب العمّال الكردستاني الثورية والعابرة للحدود التي تسعى إلى تغيير واقع الحدود بشكل جذري أو التقليل من شأن وجودها على الأقل، ورؤية الحزب الديمقراطي الكردستاني البراغماتية والجغرافية التي تهدف إلى ترسيخ واقع الحدود لترسيم سلطة حكومة إقليم كردستان والدولة المستقبلية. بالإضافة إلى ذلك، دخل الحزب الديمقراطي الكردستاني في تحالف مع تركيا التي تقاتل حزب العمال الكردستاني منذ عقود وتشن حاليًا حملة عسكرية ضده في شمال العراق وسورية.
يعتمد مستقبل هذه الحدود بدرجة كبيرة على نتيجة الصراع الجيوسياسي الدائر. فإما ينجح حزب العمال الكردستاني في تعزيز دوره، أو يتعرّض للعزل والتهميش عندما ترسّخ حكومة إقليم كردستان والإدارة الذاتية والحكومة العراقية سلطتها في هذه المنطقة.
للاطلاع على الدراسة يمكن الضغط على الرابط