• اخر تحديث : 2024-07-03 03:33
news-details
تقارير

اسرائيل تريد أن تكون قوة عظمى نفطية، وأزمة المناخ يمكنها أن تنتظر


في الوقت الذي يشجعون فيه في العالم على الانتقال الى الطاقة المتجددة على حساب الوقود الملوث، فان شركة خط انابيب اوروبا – آسيا تريد تحويل اسرائيل الى دولة عظمى لتخزين ونقل النفط. في زيارة الى المنشأة الضخمة التي تشغلها الشركة في عسقلان، فان تعهد الحكومة بنقل اسرائيل الى اقتصاد قليل الكربون يبدو تعهد خيالي تقريبا. 
لا يخفي المدراء في شركة خط انابيب اوروبا – آسيا تفاخرهم بأن الأمر يتعلق بواحدة من عشرين منشأة ضخمة في العالم لتخزين النفط، ويعلنون عن نية توسيع وتعميق نشاطها في البحر وفي اليابسة. في المقابل، هم يريدون التقليل من الخطر الذي يتعرض له النسيج البيئي في خليج ايلات والبحر المتوسط في حالة تسرب كبير.
 
أقيمت نهاية الستينيات من القرن الماضي شركة خط انابيب اوروبا – آسيا كشراكة اسرائيلية – ايرانية لضخ النفط من الخليج الفارسي الى دول حوض البحر المتوسط. الشركة الآن ملك لحكومة اسرائيل. ولكنها لاتزال حتى الآن تحصل على القليل من السرية التي تنبع من ظروف اقامتها. يجتاز انبوب الشركة الرئيسي النقب ويضخ النفط من ايلات الى عسقلان. وتخرج من عسقلان أنابيب أخرى الى مصافي التكرير في اسدود وحيفا.
يوجد في المنشأة في عسقلان نحو 30 صهريج ضخم، يمكن تخزين 2.3 مليون متر مكعب من النفط فيها. بالإضافة الى السولار والنفط الخام اللذين يخدمان الاقتصاد الاسرائيلي، فان نصف النفط المخزون في عسقلان يتم احتجازه لصالح شركات اجنبية. التطور الأخير في هذا المجال هو الاتفاق الاشكالي الذي وقعت عليه شركة خط انابيب اوروبا – آسيا في تشرين الاول الماضي مع شركة ميد ريد لاندبريدج التي يشارك فيها رجال اعمال من اتحاد الامارات. هذا الاتفاق يسمح لناقلات نفط اجنبية بتفريغ حمولتها على ارصفة شركة خط انابيب اوروبا – آسيا في ايلات، أو في أحد الروابط البحرية، وهي المنشآت التي تنافس انبوب النفط البري القريب من عسقلان. سيتم نقل النفط بين الميناءين من خلال الانبوب في النقب.
يصل في السنوات الاخيرة الى اسرائيل حسب اقوال مدير عام شركة خط انابيب اوروبا – آسيا ايتسيك ليفي المزيد من ناقلات النفط من دول توجد على حدود آسيا – اوروبا مثل اذربيجان. ومن هناك يواصل النفط الطريق الى الشرق الاقصى. فهناك يفضلون نقط شرق آسيا بسبب السعر. وقال ليفي: تم اغلاق مصافي التكرير في اوروبا في السنوات الاخيرة، وانتقل نشاطها الى شرق آسيا". يتوقع أن يكون الخط الرئيس لنقل النفط في الاتفاق الجديد. 
وقد قال ليفي بأنه تفاجأ من شدة المعارضة للاتفاق الجديد الذي يمكن أن يضاعف بثلاث مرات كمية النفط التي تمر في خليج ايلات وشواطئ عسقلان. وحسب قوله فانه في السابق نفذ نقل للنفط بحجم مشابه. وهكذا كانت الحال حتى منتصف التسعينيات،عندما نقلت مصر النفط الى اسرائيل استنادا لاتفاق السلام بين الدولتين. عمليًا ـ أضاف المدير العام ـ انتهى اتفاق مشابه قبل سنتين فقط بين شركة خط انابيب اوروبا – آسيا مع جهات دولية اخرى الذي لم تذكر أي تفاصيل عنه.
يتعلق ادعاء منظمات البيئة وبلدية ايلات الاساسي ضد الاتفاق بالخطر البيئي الذي ينبع من زيادة حجم النشاطات. فمنشآت خط انابيب اوروبا – آسيا تسببت في السابق بملوثات بيئية خطيرة حدثت في اسرائيل. ففي العام 2011 تسربت كمية كبيرة من النفط في انبوب الشركة في محمية ناحل تسين في النقب، واضرار هذا التسرب ظاهرة حتى الآن؛ في العام 2014 تسري نحو 5 ملايين لتر الى المحمية الطبيعية عفرونا في العربة. فقد تسرب النفط الى الارض وأضر بالحيوانات والنباتات. واعمال الترميم للمحمية يتوقع أن تستمر بضع سنوات اخرى.
عبرت منظمات البيئة عن مخاوفها من وضع انبوب لشركة انبوب اوروبا – آسيا البري الذي وصف بأنه قديم ومتآكل. ولكن في وزارة حماية البيئة قالوا في هذا السياق بأنه تم فحص الانبوب على طوله وأنه تم اصلاح العيوب التي اكتشفت فيه. بالإضافة الى ذلك، تشغل شركة انبوب اوروبا – آسيا نظام رقابة يمكنها من أن تلاحظ بسرعة التسرب، وأن تقوم بوقف مقاطع في الانبوب الى أن يتم اصلاحها.
يعتقد المهنيون أن توسيع النشاط عقب الاتفاق الجديد يعرض للخطر النسيج البيئي في خليج ايلات وعلى شواطئ البحر المتوسط. الخوف ليس من تسرب كبير للنفط فقط، بل من اضرار مزمنة ستؤدي الى زيادة حجم نقل المادة الملوثة. 
يوجد خوف شديد من المس الثدييات البحرية وسلحفاة البحر التي توجد في الاصل من خطر الانقراض. في خليج ايلات الخوف الاساسي هو من الدمار الشامل للشعب المرجانية والبنية التحتية السياحية في المدينة في حالة حدوث تسرب كبير. قال الخبير في البيئة في خليج ايلات في سلطة الطبيعة والحدائق الدكتور اساف زبولوني إن "مشكلة التلوث البحري الرئيسة في خليج ايلات هو أنه في فترة قصيرة جدًا ـ بسبب المبنى الضيق والرياح القوية التي تميز المنطقة في معظم السنة ـ فان التلوث يصل الى مناطق الشعب المرجانية، الامر الذي يحول علاجها الى أمر أكثر تعقيدًا". وأضاف إن تسرب النفط سيضر ليس بالشعب المرجانية فقط، بل بأنواع كثيرة اخرى من الحيوانات، منها الاسماك وغير الفقريات. 
خوف آخر هو من المس بمنشآت تحلية المياه التي توجد واحدة منها قرب روابط ناقلات النفط في عسقلان. شركة خط انابيب اوروبا – آسيا توجد لها في الميناء الصغير سفن يمكنها التعامل مع التسربات الصغيرة. ولكن التلوث الواسع يحتاج الى تدخل الشركات الدولية، حتى ولو كانت هذه تعمل بنجاعة كبيرة إلا أن الضرر يمكن أن يكون كبير.
يتوقع أن يزيد عدد ناقلات النفط التي تمر في خليج ايلات عقب الاتفاق من 10 تقريبا في السنة الآن الى بضع عشرات. في شركة خط انبوب النفط اوروبا – آسيا يريدون التهدئة ويقولون إنه في السنوات الاخيرة تم تحسين حماية ناقلات النفط المزودة بجوانب مزدوجة لمنع التسرب. 
في هذه الفترة يظهر انخفاض في عدد حالات تسرب النفط بشكل كبير في العالم. وقالوا في الشركة بأن عدد ناقلات النفط التي ستأتي الى المنطقة في السنوات القريبة سيبقى أقل بكثير مما هي الحال في ميناء العقبة الذي تمر فيه 200 ناقلة نفط في السنة بالمتوسط.
لكن تكفي حالة تلوث واحدة من اجل التسبب بأضرار لا يمكن اصلاحها التي سيتم الشعور بتداعياتها لسنوات كثيرة. عرضت شركة انبوب اوروبا – آسيا مؤخرًا استطلاعًا حول احتمال حدوث تلوث خطير هي سنة  366 سنة. واحتمالية تلوث اقل خطر نتيجة تسرب النفط من الانبوب الذي يربط المنشآت التي توجد على الشاطئ مع الناقلات هو سنة – 1.111. ولكن في وزارة حماية البيئة رفضوا نتائج الاستطلاع بشدة، وقالوا إنه لا يمكن الاعتماد عليها لأنها تتجاهل عدة سيناريوهات اخرى. قال مدير وحدة حماية البيئة البحرية في الوزارة، راني عمير إن "الوثيقة لا تتوافق مع التعليمات في افضل الحالات. وفي الحالة الاكثر منطقية هي تشكل الاهمال، وربما الاستخفاف بالتعليمات". وفي شركة انبوب اوروبا – آسيا لم يردوا على هذا الادعاء.
الاخطار التي توجد في نقل النفط جسدها التلوث الذي حدث على شواطئ اسرائيل في الشتاء الماضي، لكن المعارضة التي يثيرها الآن الاتفاق تنبع من تغيير المقاربة بالنسبة للوقود المتحجر في العالم. 
توجهت منظمات البيئة الثلاثة الكبيرة في إسرائيل: "جمعية حماية الطبيعة" و"انسان طبيعي وقانوني" و"رائق" الى رئيس الحكومة السابق، بنيامين نتنياهو، وطلبت الغاء الاتفاق. وحذرت من أنه يمكن أن "يفشل العملية الجارية حاليا لتقليل انبعاثات الاحتباس الحراري والانتقال الى اقتصاد قليل الكربون مع حلول العام 2050. والالتزامات الدولية للدولة في اطار النضال الدولي ضد ازمة المناخ".
لا يرى مدير عام خط انبوب اوروبا – آسيا أي تناقض بين سياسة الحكومة المعلنة وتوسيع نشاطات الشركة. وقال : "كل التقديرات تتحدث عن أنه في العقدين المقبلين لن يقل استهلاك الوقود... يجب نقل الوقود الذي يتم انتاجه. ونحن نقوم بفعل ذلك من دون زيادة البنى التحتية القائمة. يمكن نقل هذا الوقود عبر قناة السويس، ويمكن استغلال البنى التحتية لدينا من اجل ادخال الاموال لدولة إسرائيل". 
ادعاء مشابه اسمعه مؤخرًا مدير عام مصافي التكرير في حيفا موشيه كابلنسكي الذي قال إنه في حالة انبوب اوروبا – آسيا ستأتي الاموال للدولة وليس لأصحاب رؤوس الاموال. الواضح هو أن المشاركين في صناعة النفط ـ بدءًا بالمنتجين، مرورًا بالناقلين وانتهاءًا بمن يكررون ـ يطمحون الى مواصلة استخدام هذا المورد الربحي لسنوات كثيرة.
خطر آخر يهدد المنشأة في عسقلان هو الصواريخ التي يتم اطلاقها من قطاع غزة، حيث أن حماس ترى منشآت البنى التحتية اهدافًا استراتيجية، واسقف صهاريج الوقود الطافية تحولها الى هدف قابل للإصابة. في عملية حارس الاسوار اصاب صاروخ صهريج نفط لشركة تيشن، وهي شركة حكومية تعمل على تخزين النفط وتشغل منشأة لها في عسقلان قرب منشأة شركة خط انابيب اوروبا – آسيا. اندلع في الموقع حريق تم اطفاؤه قبل أن يتسبب بأضرار. وتم تركيب نظام على سقف كل صهريج في مزرعة شركة خط انابيب اوروبا – آسيا يمكن أن يشخص الاضرار ويمنع حدوث حرائق بسرعة. 
تم تغيير قانون الامتياز لشركة انابيب اوروبا – آسيا قبل خمس سنوات. والآن هو يلزم الشركة بالعمل حسب قانون التخطيط والبناء. المطلوب من الشركة أن تعرض على لجنة البنى التحتية الوطنية خطة لتنظيم المنشآت في عسقلان التي توجد الآن في عملية مصادقة متقدمة. يبدو أن هذه الخطة تنظم الوضع القائم، لكن في جمعية "مدن من اجل جودة البيئة" في منطقة عسقلان يخافون من أن الشركة تنوي استغلالها لإقامة منشآت اخرى، منها محطة للمواد الكيميائية سيتم فيها تخزين مواد خطيرة. هذا في الوقت الذي فيه المنشآت القائمة التي توجد غير بعيد عن المناطق السكنية في عسقلان، اصبحت تنتج اخطار وروائح كريهة. 
على هذه الخلفية، طلبت هذا الاسبوع المديرة العامة للمنظمة ميتال اميتاي أن تعرض على اللجنة معارضة المنظمة للخطة. ليفي قال إنه حتى لو كانت الخطة تسمح لشركة خط اوروبا – آسيا بإقامة محطة للمواد الكيميائية، إلا أن الشركة لا تنوي في الوقت الحالي فعل ذلك، وأنها ستعمل فقط حسب مصادقة مؤسسة التخطيط.
بعد المصادقة على الخطة ستتمكن شركة خط اوروبا – آسيا من تخزين ونقل النفط بوتيرة عالية. وفقط سياسة حكومية مختلفة ستؤدي الى انعطافة. ردت الدولة مؤخرًا على التماس قدمته منظمات البيئة ضد الاتفاق، وطلبت منح رئيس الحكومة نفتالي بينيت، ورئيس الحكومة البديل يئير لبيد مهلة من اجل فحص الاتفاق. هذا سيكون امتحان لوضع اعتبارات البيئة أمام المكاسب التي يتوقع أن تحققها اسرائيل في اعقاب تحويلها الى انبوب نفط دولي.